استمر المراقبون في العاصمة الجزائرية في التساؤل عن الدوافع الحقيقية وراء قرار الرباط فرض التأشيرة على المواطنين الجزائريين، أو من أصل جزائري، وان كانوا يحملون جنسيات أخرى. ويكبر التساؤل أكثر عندما نعرف ان الرباط كانت سباقة في إلغاء نظام التأشيرة من جانب واحد في مطلع 1988 قبل استئناف العلاقات الديبلوماسية بين البلدين في أيار من السنة نفسها تمهيداً لزيارة الملك الحسن الثاني للجزائر بمناسبة القمة العربية المخصصة لدعم الانتفاضة، والتي أعقبتها في 10 حزيران يونيو قمة زرالدة الخطوة الأولى لميلاد "اتحاد المغرب العربي". ويرى الجانب الجزائري ان الذرائع والتبريرات الصادرة عن السلطات المغربية "غير مقنعة" ذلك ان الاشتباه بمشاركة "فرنسيين من أصل جزائري" في التخطيط لأعمال أجرامية أو تنفيذها غير كافية لتبرير اجراء في غاية الصرامة والقسوة بالنظر الى حجم العلاقات الاجتماعية والاقتصادية بين الشعبين والبلدين من جهة، والأوضاع الخاصة التي تعيشها الجزائر منذ قرابة ثلاث سنوات من جهة ثانية. ولاحظ المراقبون ان القرار المغربي انتكاسة لمكسب مهم في بناء "اتحاد المغرب العربي"، هو حرية تنقل الأشخاص الذي كان يمهد لحرية تنقل السلع والممتلكات... لا سيما ان هناك مساعي جدية لإقرار بطاقة تعريف مشتركة، تعوض جواز السفر في تنقل الأفراد داخل المجموعة المغاربية. وقد جاء قرار الرباط في فترة تعرف خلالها حركة التنقل بين البلدين كثافة شديدة. 1- حركة تجار الشنطة التي تحولت حركة دائمة في الآونة الأخيرة. 2- حركة تبادل الزيارات والسياحة خلال العطلة الصيفية، علماً ان كثيراً من الجزائريين أصبحوا يفضلون المغرب بعد ان اصبحت فرنسا واسبانيا خاصة تقتّران في منح التأشيرة للراغبين فيها. وتقدر الجالية المغربية في الجزائر بپ150 ألفاً بينما تقدر نظيرتها الجزائرية بپ20 الفاً فقط. 3- حركة الجالية الجزائرية المقيمة في أوروبا التي يفضل عدد كبير من أفرادها دخول الجزائر خلال عطلة الصيف بواسطة السيارات الخاصة. وقد كان هؤلاء لسوء الحظ في طريق العودة الى بلدان إقامتهم. ترى ما هي الدوافع الحقيقية وراء قرار الرباط في 26 آب اغسطس الماضي؟ يلتفت المراقبون في العاصمة الجزائرية الى عاملين اثنين: الصحراء الغربية: فقد تزامنت الخطوة مع قرار الرباط الشروع في عملية إحصاء المؤهلين للمشاركة في استفتاء تقرير المصير المقرر اجراؤه قبل نهاية العام الجاري. والملاحظ ان السلطات المغربية وأصواتها الاعلامية عبرت عن استيائها بحدة من رسالة الرئيس زروال الى لقاء أروشا تانزانيا بمناسبة انتهاء مهمة لجنة التحرير التابعة لمنظمة الوحدة الافريقية، حيث ذكر "بأن هناك بلداً لم يتحرر بعد وهو الصحراء الغربية". التضامن المتنامي والخفي بين الحركة الاسلامية في الجزائر ونظيرتها المغربية. فالرباط ما انفكت تعتبر الشيخ عباسي ورفاقه مثلاً سيئاً ينبغي تجنبه بأي وسيلة.. فما بالك الآن بعد ان اتخذت هذه الحركة مظهر المعارضة المسلحة التي قد يتفاوض معها النظام الجزائري مضطراً عاجلاً أو آجلاً؟ وخطورة الحركة الاسلامية في المغرب أنها تفضل العمل بالتقية تكيفاً مع أوضاع البلد، مما قد يعقد مهمة التعرف عليها والتصدي لها بالفعالية المطلوبة في الوقت المناسب عكس ما حدث ويحدث في الجزائر. غير ان بعض المراقبين لا يترددون في الربط بين قرار الرباط وقرار باريس بإغلاق المؤسسات التعليمية الفرنسية في الجزائر خلال الموسم المقبل، ويرون في ذلك تشيجعاً ضمنياً لخصوم الحوار للتحرك لوقف العملية وحسم الموقف عسكرياً! ومهما يكن فالقرار المغربي وردّ الفعل الجزائري عليه لقي ارتياحاً ملحوظاً لدى الرأي العام المحلي الذي استطاعت وسائل الاعلام هنا ان ترسخ بذهنه ان فتح الحدود أفاد المغرب أكثر من الجزائر التي "لم تجن منه سوى المزيد من تهريب المخدرات". بل ان البعض يعتبر القرار هدية غير منتظرة للرئيس زروال الذي يواجه وضعية سياسية تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم.