سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    مترو الرياض    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وليد جنبلاط يتذكر قرار "حرب الجبل" اتخذته مع دمشق وموسكو . أنا أول من قال ان اغتيال شمعون اهدن ثانية 1
نشر في الحياة يوم 11 - 07 - 1994

في الطريق من بيروت الى المختارة رحت افكر في شخص الوزير وليد جنبلاط رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي. فهو ولد في 1949، اي بعد ست سنوات من استقلال لبنان، من ذلك "التواطؤ الكبير" الذي أتاح اللقاء في منتصف الطريق او في أقرب نقطة اليه وكان الاستقلال. لكن عدم حضور الولادة لا يعني عدم ادراك اسرارها حتى ولو كتب لوليد جنبلاط ان يكون محارباً اكثر منه محاوراً.
دخل وليد جنبلاط السياسة من جرح كبير. فحين خلعت عليه عباءة الزعامة، كانت الحرب اغتالت والده كمال جنبلاط. هكذا حمل وليد هموم طائفة وحزب وورث عداوات وتحالفات. فسيد قصر المختارة لا يستطيع ان يكون سياسياً عادياً، كأنما ثقل التاريخ نفسه يدفعه الى لعب دور الرقم الصعب ويلزمه الاعباء والثمن.
جاء وليد جنبلاط من نافذة الجرح وأطل على المأساة الواسعة وتحول شريكاً كبيراً فيها. ذهب الاجتياح الاسرائىلي للبنان في 1982 ب"الحركة الوطنية" تماماً كما ذهب بأشياء كثيرة. وبعد عام واحد سيتمكن وليد جنبلاط من ان يحقق في "حرب الجبل"، بتحالف اقليمي ودولي، انتصاراً أكبر من قدرة المعادلة اللبنانية على احتماله.
كان قرار الرئيس الراحل بشير الجميل بإرسال "القوات اللبنانية" الى الجبل قراراً بالغ الخطورة بسبب استناده الى زلزال طارئ وتجاهله حقائق تاريخية وحساسيات متوارثة. ومن تلك الهزيمة في الجبل ستبدأ "نكبة الموارنة" وستتضح معالمها في التسعينات من القرن الماضي بعدما توجوا انتحارهم في الشوف وعاليه بانتحار في شوارع المنطقة الشرقية نفسها. وجهت "حرب الجبل" ضربة قاصمة الى التوازنات التي قامت غداة الغزو الاسرائىلي والى هيبة رئاسة الجمهورية والجيش آنذاك، لكن حجم العامل غير المحلي في صنع الانتصار حال دون تمكن وليد جنبلاط من ترجمة النتائج العسكرية الميدانية الى ما يوازيها سياسياً. ففي الحرب الجبل عقدة ونقطة استراتيجية، وفي السلام ترجع حسابات الطوائف والاحجام والاعداد لتفرض نفسها.
منذ دخوله المعترك السياسي والى شهور مضت، تفرد وليد جنبلاط بمواقف وأسلوب. يملك القدرة على اطلاق العواصف ويكاد دوي تصريحاته النارية يوازي احياناً دوي مدافعه. ويملك ايضاً القدرة على تفادي العواصف او الاحتماء منها مع استعداد للتصحيح او الاعتذار، لكن بعد ان تكون الرسالة وصلت. وفي الحالين وفي هدأة القصر الذي ذاق اسياده لذة الانتصارات ولسعة الهزائم يراقب وليد جنبلاط حركة الرياح المحيطة بلبنان وتسارع التغيرات في العالم.
كان يمكن ان يكون وليد جنبلاط واحداً من اولئك الخاسرين الذين ادى غياب الاتحاد السوفياتي الى غيابهم. لكن تجذر الزعامة الجنبلاطية في الطائفة الدرزية ودور وريثها الحالي في حرب الجبل خففا كثيراً من حجم الخسارة التي شكلها هروب "الرفاق" السوفيات الى التاريخ. كل هذا لا يعني ان وليد جنبلاط لم يرتكب اخطاء وثمة من يتهمه بارتكاب افدحها. لهذا كان لا بد من مواجهته بأسئلة عن شخصه وحزبه وطائفته وعلاقاته وهذا ما كان.
يشدد جنبلاط حالياً على انه وزير المهجرين كأنه يريد القول ان مهمته تقتصر على النجاح في هذا الملف. وهو تخلى للمرة الأولى عن دور الوزير المشاكس، مؤكداً علاقاته الوطيدة مع رئيس الوزراء رفيق الحريري على رغم قلقه من افتقار البرنامج الحكومي الى سياسة اجتماعية.
ومن المختارة يراقب جنبلاط ما يجري في المنطقة الشرقية. فالمحارب الآخر في حرب الجبل سمير جعجع هو الآن قيد التوقيف وقد طلب له القراران الظنيان، في جريمتي تفجير الكنيسة واغتيال داني شمعون، الاعدام.
والواقع ان "حرب الجبل" كانت حاسمة بالنسبة الى مصير المنطقة الشرقية. فمن تلك الهزيمة صعد صقور "القوات" ليخطفوا القرار بعد غياب بيار الجميل مؤسس حزب الكتائب وتراجع نفوذ كميل شمعون.
تشعب حديث الوزير جنبلاط الى "الوسط" وتناول محطات سياسية وأمنية وتخطى الاطار اللبناني. وهنا الحلقة الأولى:
شكلت حرب الجبل في 1983 منعطفاً في مسار الحرب في لبنان وغيرت موازين القوى وأثرت في ملامح التسوية لاحقاً. من اتخذ قرار حرب الجبل؟
- حرب الجبل كانت نتيجة لثلاثة قرارات التقت في وقت واحد. قرار اتخذته أنا وقرار سوري وقرار سوفياتي. واذا شئت وضع هذه الحرب في اطارها، فهي جاءت رداً على حرب اسرائىلية - اميركية - كتائبية - قواتية بعد هزيمة القوات الوطنية وسورية في 1982. في العام 1983 جاء الرد. كما يمكن اعتبار حرب الجبل رداً على سياسة فرنسية محدودة انساقت كالعادة وراء السياسة الاميركية.
هل اتخذ هذا القرار الثلاثي على أرفع المستويات؟
- في تلك الفترة قدم الاتحاد السوفياتي الى الحزب التقدمي الاشتراكي مساعدات عسكرية ضخمة تقدر بعشرات ملايين الدولارات، اضافة الى تدريبه المئات من شباب الحزب كضباط وقادة وكتائب. يجب ألا ننسى ان يوري اندروبوف كان الزعيم في تلك المرحلة وقد اتخذ قراراً بتعويض سورية ما تكبدته في مواجهات 1982. كل المساعدات السوفياتية كانت تمر عبر سورية. وحين كان يحصل نقص في الذخيرة لدى الحزب في المعارك الرئيسة، كانت قوافل الذخيرة تبدأ في حمانا وتنتهي في الشام.
هل قدم الاتحاد السوفياتي اليكم دبابات ومدافع؟
- قدم الينا مساعدة عسكرية محترمة. نعم.
تردد لفترة انك ارسلت طلاباً للتدريب كطيارين في الاتحاد السوفياتي؟
- لم تكن الحرب في لبنان تحتاج الى قوات جوية. الطيران استخدم مرة واحدة في الحرب بأمر من امين الجميل وأسقطت طائرتان للجيش اللبناني.
متى اتخذتم القرار بشن هجوم واسع؟
- على الصعيد العملي يمكن القول ان حرب الجبل بدأت حين تصاعد التوتر الطائفي اثر دخول الاسرائىليين ثم وصول الكتائبيين في اعقابهم في حزيران يونيو 1982. أعقبت ذلك سلسلة حوادث امنية من عين المعاصر الى بريح وكفرنبرخ وسوق الغرب وعاليه. كانت الاجواء مشحونة والتوتر يتفاقم ومعه القلق. وسرعان ما راحت كرة الثلج تكبر. الانفجار الكبير وقع في ايلول سبتمبر 1983. القرار كان جاهزاً وكنا ننتظر الانسحاب الاسرائىلي، وحين حصل تحولت المناوشات الى مواجهة واسعة، ثم انه في تلك الفترة كانت العمليات ضد الاسرائىليين بدأت بالتصاعد في صيدا والجنوب وكان واضحاً ان الاسرائىليين سينسحبون. بعد استكمال مستلزمات المعركة وفور انسحاب الاسرائىليين من بحمدون بدأنا معركة بحمدون الاساسية التي كانت سبقتها معارك محدودة في عاليه والحي الغربي.
القوى المشاركة
من هي القوى الاساسية التي شاركت في "حرب الجبل" ضد "القوات"؟
- كنا نحن القوة الاساسية ثم اتت قوة مساعدة من الحليف الاساسي لنا، اي الحزب الشيوعي اللبناني. وشاركت من الجانب الفلسطيني في معركة بحمدون قوات تابعة لما سمي "فتح - الانتفاضة" بزعامة ابو موسى وقوات تابعة ل"الجبهة الشعبية - القيادة العامة" بزعامة احمد جبريل. وللتاريخ نقول اننا استخدمنا اربع دبابات فقط في معركة بحمدون. فقد كان هناك تردد في استخدام الدبابات، خصوصاً ان الاسرائىليين كانوا لا يزالون في الشوف. طبعاً في المعارك الكبيرة لاحقاً كمعارك سوق الغرب وصل عدد الدبابات الى مئة.
من قاد هذه المعارك ميدانياً؟
- نحن وقيادة الجيش السوري في لبنان بالتنسيق مع القيادة في الشام. من جانبنا كان يقود المعركة أنور الفطايري والمقدم شريف فياض مع مسؤولي الجيش الشعبي. لاحقاً خضنا معركة اقليم الخروب ونجحنا في المرحلة الأولى، لكنهم ردوا علينا بسبب خلل حصل.
أين كنت تقيم في تلك المرحلة؟
- بين الشام وحمانا وحين فتحت طريق المختارة عدت الى المختارة.
كم بلغت تكاليف حرب الجبل بشرياً بالنسبة اليكم؟
- على لائحة شهداء الحزب الاشتراكي خلال الحرب اللبنانية بمختلف مراحلها 1400 شهيد.
وكم كلفت مالياً؟
- لدي سجلات مالية لكنها ليست تحت يدي الآن.
ألم يكن هناك اي دور آنذاك للرئيس ياسر عرفات؟
- لا، في ذلك الوقت كان يتسلى في حرب طرابلس في شمال لبنان.
قلبت التوازن
ماذا كان تأثير حرب الجبل في المسار العام للوضع في لبنان؟
- قلبت التوازن الداخلي وجعلته لمصلحة سورية ولمصلحتنا ومصلحة القوى الوطنية والصف الاسلامي العربي وضربت فيها اميركا وفرنسا واسرائيل. لا ننسى ان اسرائيل اضطرت الى الانسحاب وفرنسا ايضاً. كما ان الاميركيين انسحبوا بعد حادث المارينز وفتحنا الطريق من الشام الى الجنوب وهي طريق المقاومة؟
كيف كانت علاقتك مع الرئيس الياس سركيس.
- كانت علاقة ممتازة. الرجل محترم وآدمي، لكنه كان اسيراً للمحيطين به، بشير الجميل من جهة وجوني عبده مدير مخابرات الجيش اللبناني آنذاك من جهة اخرى. كان من المستحيل على سركيس الخروج من هذه المعادلة التي تكبله.
شهادات بعض الذين عاشوا تلك المرحلة تفيد ان سركيس كان يكنّ لك تقديراً؟
- كما قلت، العلاقات كانت ممتازة مع الشخص نفسه. لكنه منذ انتخابه وحتى نهاية ولايته كان أسير معادلة داخلية ودولية. لقد حاول قدر استطاعته، لكنه كان من الصعب عليه التفلت من الضغوط المحيطة به.
هل تعتقد ان الياس سركيس رئيس مظلوم؟
- كان كمال جنبلاط ضد وصول الياس سركيس الذي جاء الى الرئاسة على ظهر دبابة سورية. وحصل آنذاك الصدام بين سورية والصف الوطني اللبناني بزعامة كمال جنبلاط. حاول سركيس توفير جو من الاستقرار، ولكن بعد عامين حصلت احداث الفياضية بين الجيشين السوري واللبناني. كان على يمين الرئيس كل من كميل شمعون وبيار الجميل وسليمان فرنجية ومقررات لقاء سيدة البير والتعددية الحضارية، فماذا كان يستطيع ان يفعل وكان نجم بشير بدأ بالصعود.
حرب ضد بشير
كيف تصف علاقتك مع بشير في 1982؟
- لم تكن هناك علاقة باستثناء اللقاء في اطار هيئة الانقاذ الوطني التي شكلها سركيس.
يتحدثون عن خلوة عقدت في القصر الجمهوري بينك وبين بشير وانه أبلغك خلالها انه مرشح للرئاسة؟
- لم تعقد خلوة. اجتمعنا مرتين في اطار هيئة الانقاذ واكتشفت ان الامر مجرد مشروع لدفن المقاومة الفلسطينية في لبنان ولتمرير السياسة الاميركية بالذات.
لم يحدث شيء بينك وبينه؟
- لم تكن هناك محبة لا شخصية ولا سياسية. تماماً كما كان الأمر بين كمال جنبلاط وبيار الجميل وبيننا وبين حزب الكتائب، والأمر نفسه بيني وبين بشير الجميل. وللتذكير فقط أقول انني حذرت يومها المبعوث الاميركي فيليب حبيب من الاتيان ببشير الجميل، وفضلت، على رغم العداوة السياسية، كميل شمعون، لكن فيليب حبيب كان ملتزماً بشير.
أريد العودة الى سؤالي، ما صحة ان بشير أبلغك في لقاء جانبي انه مرشح للرئاسة او ماذا طلب منك؟
- لم تعقد خلوة، وكل ما اقترحه عليّ هو القيام بجولة ميدانية لتهدئة الوضع، اذ كانت احداث عاليه بدأت، فقلت له بعد بكير.
هل تعتقد ان حرب الجبل كانت الخيار الوحيد المتاح لكم في عهد الرئيس أمين الجميل.
- حرب الجبل كانت في الاصل ضد بشير، لكن أمين كان اكثر شراسة من بشير. لا فرق بينهما لا في الطبيعة السياسية ولا في الطبيعة الانسانية. جاء أمين الى الرئاسة استناداً الى ما سمي اجماعاً نيابياً وحاول تحقيق نوع من الهدنة مع الرئيس حافظ الأسد. والتقيا في نيودلهي في اطار مؤتمر عدم الانحياز. طبعاً كانت سورية في ذلك الوقت تتسلح وتلتقط انفاسها وتقوم بمناورات سياسية، وهي استفادت من وجود اندروبوف الذي قدم اليها دعماً كبيراً. قمنا بمحاولات عدة مع أمين الجميل ومستشاريه وحتى عبر صديقه فرانسوا دوغروسوفر مستشار الرئيس فرانسوا ميتران الذي انتحر حديثاً. احد هذه الاجتماعات عقد في منزل دوغروسوفر نفسه وحضره روبرت ماكفرلين وريجيس دوبريه ووديع حداد ومروان حمادة وأنا. وعدنا والتقينا في منزل رفيق الحريري. فهمت يومها من وديع حداد - وكان ذلك قبل ايام فقط من اندلاع حرب الجبل - ان السلطة مصرة على ارسال عشرة آلاف جندي الى الجبل، فقلت له عظيم ونحن بانتظارهم.
ماذا كان دور رفيق الحريري في تلك المرحلة؟
- كان مكلفاً وساطة واستمرت هذه الوساطة حتى اتفاق الطائف. اجتمعنا مرات عدة في دمشق وباريس وكذلك عقد اجتماع في روما حضره امين الجميل ومروان حمادة. طائرة خاصة تذهب وطائرة اخرى تجيء. مرة اختلفنا على تلة بكشتين في ساحل الشوف فاقترحنا على امين الجميل ان يشتريها يضحك ولكن لم تكن لديه روح النكتة.
ماذا قال بيريز في المختارة؟
لو رجعنا الى مرحلة الاجتياح الاسرائيلي، ماذا جاء يفعل شمعون بيريز في المختارة وماذا قال لك؟
- لقد طنطنوا طويلاً في هذه القصة. نعم جاء شمعون بيريز وفي اليوم الذي نزلت الى بيروت. قال بيريز يومها انه مبعوث من فيلي برانت، وقد سألت لاحقاً وتبين لي ان برانت لم يكلفه ولم يوفده. جاء بيريز ليحكي بنظريته ومفادها انه ضد الارهاب. وفي الاساس لا مودة بيني وبينه، فأنا لا يعجبني خبثه وكلامه الذي لا يمت الى الحقيقة بصلة. يومها دار الحديث على المجزرة التي وقعت في ملجأ في صيدا بسبب القصف الجوي الاسرائىلي. وقلت له إن جيشكم يقتل الابرياء. فرد قائلاً: "جيشنا لا يقوم بمثل هذه الاعمال". فأجبته ان عاملين في الصليب الاحمر مروا قبل قليل من هنا وأكدوا وقوع المجزرة. قال بيريز ان الجيش الاسرائيلي لن يدخل بيروت. طبعاً اجتاح الجيش الاسرائىلي بيروت لاحقاً. الحمد لله لم نتحدث اكثر من ربع ساعة. كان ينتظرني في القصر في صالون آخر الوزير مروان حمادة وريان كروكر الذي كان ملحقاً في السفارة الاميركية. غادر بيريز وصعدت الى سيارة السفير الاميركي ونزلت الى بيروت. كنا هنا في حال ضغط سياسي وأمني وعسكري رهيب.
قبل ذلك كانت رسائل عدة وصلتني من ياسر عرفات ومروان حمادة وجهات عربية مفادها ان الدنيا ستخرب اذا لم انزل الى بيروت وهي كانت خربانة قبل نزولي. توجهت الى بيروت وبدأنا اجتماعات مع الحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية وكذلك في هيئة الانقاد الوطني.
كيف كانت مساهمة الحركة الوطنية في معركة بيروت آنذاك؟
- الواقع ان رجال الحركة الوطنية والجيش السوري والمقاومة الفلسطينية قاتلوا قتالاً شرساً من معركة المتحف الى غاليري سمعان الى المحاور الأخرى. تصرفوا كأبطال، لكن المعركة كانت كبيرة وانتهت الى ما انتهت اليه.
كيف كان عرفات خلال حصار بيروت؟
- كنت التقي اكثر خليل الوزير ابو جهاد. مسكين عرفات كان ينتقل من بناية الى اخرى وكلما وصل الى بناية كانت تفرغ من سكانها. وفرنا له بعض الأماكن في كركول الدروز ووطى المصيطبة. فور وصوله كان السكان يغادرون لأنهم كانوا يعرفون ان الاسرائىليين يطاردونه.
و"أبو جهاد"؟
- على سلامته أبو جهاد مناضل وقبضاي. و"ابو الهول" كان منيح وأبو الوليد ايضاً الله يرحمه.
تبهدلنا في جنيف ولوزان
هل كانت هناك فرص فعلية لنجاح لقاء المصالحة الوطنية في جنيف؟
- الفرص تحددها موازين القوى القائمة على الأرض. في جنيف لم تكن هناك فرص فعلية. القوة المتعددة الجنسية كانت لا تزال موجودة والجيش اللبناني موجود في الشحار وأمين الجميل كان متمسكاً بموقفه ويعاند. لم تكن هناك فرصة كبيرة وكان كل شيء معلقاً على نتائج الحوار الاميركي - السوري. اما في لوزان فكان امين ضعيفاً. في 6 شباط فبراير 1984 طار الجيش من بيروت ثم غادر الاميركيون. الحقيقة هي ان الفولكلور كان طاغياً. السياسيون يتجادلون في القاعة وزوجات السياسيين يشترين المعاطف والساعات وغيرها. تشرشحنا. ثم أقام الجميل تلك الوليمة في البوريفاج: كافيار وسومون وقال الناس ان اللبنانيين يموتون بينما يلتقي زعماؤهم حول الولائم الفاخرة. تبهدلنا منيح. وفي النهاية كفر السويسريون. لوزان لم تكن جدية.
من طلع بفكرة "الاتفاق الثلاثي"؟
- نحن ونبيه بري والسوريون. وكان ايلي حبيقة قام بانتفاضة.
هل كان الوصول الى الاتفاق صعباً؟ - مساكين مروان حمادة وأكرم شهيب أمضيا وقتاً طويلاً على الطريق. زارا دمشق نحو 40 مرة لوضع التفاصيل. كانت القصة مضنية. ذات مرة وصل عدد اعضاء مجلس النواب الى 144 ومرة اخرى وصل الى حدود 180. وكانت هناك لدى بري نظرية المثالثة ضمن المناصفة. اي انه كان يريد ان يعطي الروم الارثوذكس حصة كبيرة من حصة الموارنة الى درجة انهم قالوا انهم لم يطالبوا الى هذا الحد. حفلة التوقيع ليست قليلة فؤاد بطرس وكريم بقرادوني ومخايل الضاهر وميشال اده.
هل التقيت سمير جعجع؟
- مرة واحدة عند الرئيس الياس الهراوي في المقر الرئاسي الموقت وكانت لمناسبة استقبال الكاردينال سيلفستريني.
هل حصلت مصافحة؟
- نعم.
ألم تحصل محاولات لجمعكم بغرض التحاور؟
- تاريخياً ليس هناك بيننا وبينهم لا المودة ولا المحبة ولا اللقاء السياسي.
يقولون انك صعب في العلاقات. مع من تنسجم من السياسيين؟
- المسألة ليست مسألة انسجام شخص. المهم ان يستقر البلد على صيغة معينة تضم الحد الأدنى من الديموقراطية والحريات. اما كيف ستتطور الأمور فلا اعرف. لقد حذرت من الانزلاق نحو جمهوريات الموز. لا يجوز ضرب النقابات واعتبار العمل السياسي والحزبي كأنه مخالفة او خطر. إذا كانت الحرية ممنوعة فمن يضمن ألاّ يأتي دورنا كحزب اشتراكي. لا بد من بعض النظر لدى السلطة وإلا سنقع في مآزق كثيرة.
هناك شعور بأن الدولة عادت وهناك مخاوف من طريقة تركيب هذه الدولة، فما هو رأيك؟
- هناك دولة موجودة وهناك اجهزة. القوات المسلحة صارت كبيرة وفاعلة، وهناك امن عام وأمن دولة وغيرهما. الخطأ هو التشابك بين الأجهزة وتعددها، ثم ان مفهوم التنمية غير موجود. نكاد نصير طبقة غنية جداً تحكم البلد وتستند الى قوات مسلحة وتعدد اجهزة والشعب فقير. هكذا ارى الوضع. ربما كان رفيق الحريري يرى الوضع في صورة مختلفة. انا اتمنى له كل الخير وأنا صديقه وحليفه لكنني ارى الأمور هكذا وأتمنى ان أكون مخطئاً.
هل تقصد خطر حصول انفجار اجتماعي؟
- نعم. لأنني لا أرى اهتماماً بإنماء المناطق. عليك الاهتمام بصور وعكار وكل المناطق. ولا بد من دعم الزراعة. صحيح ان زراعتنا اضعف من الزراعة السورية والأردنية، لكن الحل هو دعم المزارع بدل ترك الزراعة تموت والناس يهاجرون الى المدينة، خصوصاً الى بيروت. ولا بد ايضاً من دعم الصناعة. ملف الزراعة كان من ابرز اسباب معركة "الغات" بين فرنسا وأميركا. اضطر المزارع الى مغادرة ارضه لكنهم يعطونه الثمن من الآن وإلى خمس سنوات. اليوم نشهد ولادة كليك تجمع مالي رهيب على حساب الشعب الفقير.
هل انت خائف على لبنان من مرحلة السلام؟
- هنا لا بد من الصراحة. الجميع يذهبون متفرقين الى موعد غير متكافئ. انها مواجهة غير متكافئة مع الغرب وإسرائيل. وميزان القوى هذا ينعكس على كل شيء. لو كانت هناك سوق عربية مشتركة لاختلف الأمر. نذهب الى اسرائيل بالمفرق.
ما هي المرحلة الأصعب منذ توليك مهماتك السياسية والقيادية في 1977؟
- مراحل كثيرة كانت صعبة وقرارات كثيرة كانت صعبة. المواجهة مع ميشال عون كانت الأقسى. لم تكن سهلة ابداً. منذ ان سلّمه امين الجميل الحكم شعرت بأن البلد يتجه نحو ديكتاتورية عسكرية. وقد سارت وراءه فئات عدة مسيحية وإسلامية.
متى التقيت عون؟
- شاهدته في القصر الجمهوري في بعبدا عندما كنا نناقش الخطة الأمنية المتعلقة بدخول الجيش الى الجنوب عبر الإقليم. طرح امين الجميل آنذاك انتشاراً واسعاً للجيش في اقليم الخروب. وتفاهمنا يومها مع سورية وأخذت الخرائط معي ونبهت الى ان امين يحاول ايجاد سوق غرب ثانية. ومن الجهة الأخرى، يومها سمحنا للجيش بالمرور على خط واحد فقط وأحبطنا المحاولة لتطويقنا من جهة الإقليم بحجة توجه الجيش الى الجنوب. يومها التقيت ميشال عون.
هل كنتم الطرف البادئ بالمواجهة مع عون؟
- لا، هو الذي اعلن حرب التحرير.
لكنك قصفت المرفأ؟
- غير صحيح، بدأ ميشال عون بحصار المرافئ والجية وانزعج من قصة الهليكوبتر. تلك العصفورة اليتيمة التي جاء بها ضابط لم يعد يحتمل اجواء ميشال عون. في النهاية كانت التسوية ان نعيدها الى احدى ثكن الجيش فأعدناها الى ثكنة حمانا وكانت معطلة. في الأساس ميشال عون مشروع حرب. كان عون جزءاً من معادلة عربية مضادة. هذه المعادلة كانت عراقية - فلسطينية و... في مواجهة سورية والقوى الوطنية اللبنانية. وطبعاً كان هناك صديقنا المشترك رينيه آلا السفير الفرنسي الذي دعمه.
قلت ان المواجهة مع عون كانت الأقسى، هل تقصد الناحية العسكرية؟
- كل جولة جديدة كانت اقسى من غيرها. حتى مع امين الجميل لم يصل عنف المعارك الطاحنة والقصف العشوائي الى ما وصل إليه مع عون.
تقصد معارك سوق الغرب؟
- وكذلك في بيروت. لم يقصر بحق احد. وفي مرحلة معينة ظن بعض السذّج من الوسط الرجعي في بيروت انني انا كنت اقصف بيروت. حين اصطدم عون وجعجع فض المسألة وتوزيع الأدوار بين مدفعيتهما. كانت لدى عون شعبية في بيروت لدى بعض الناس.
كيف تفسر شعبية الجنرال عون؟
- طرح فكرة تحرير لبنان. طبعاً تحرير لبنان من سورية وليس من اسرائيل. حرَّك مشاعر لدى الفئات المعادية لسورية وكانت تساعده ماكينة مالية وأمنية عراقية. الشبكات العراقية انفضحت اخيراً. وهي تسربت في بعض الوقت الى مؤسسات امنية. وكانت هناك ماكينة اعلامية "المؤسسة اللبنانية للإرسال" و"صوت لبنان". إعلامه كان في الأساس اقوى.
هل انتهى الدور العراقي؟
- صدام حسين لا يزال موجوداً. إذا اصر العرب على ان يتحاربوا فهذا شأنهم. المهم ألا يتحاربوا عندنا. صدام موضوع في الكرنتينا لكنه موجود. استقال شوارزكوف وصدام لا يزال موجوداً.
هل نفهم من ذلك ان خيار التحالف مع سورية راسخ لديك؟
- خيارنا كان وسيبقى مع سورية وهو خيار طبيعي في السياسة وفي الاقتصاد. الى اين نذهب؟ الى غزة - اريحا ام الى بغداد؟ هذا حكم الجغرافيا والتاريخ؟
كيف ترى مستقبل العلاقات بين لبنان وسورية؟
- انا اعتقد ان لنا مستقبلاً كبيراً مع سورية اذا احسنت الإدارة السياسية في لبنان، وحتى لنا سوق كبير في سورية للمنتجات الصناعية وغيرها ويمكن حصول استثمار لبناني كبير في سورية.
ماذا حققت "الجمهورية الثانية" حتى اليوم؟
- الجمهورية الثانية حققت استقرار النظام السياسي على صيغة، وإن غير متطورة، تتضمن الحد الأدنى من التوازن قياساً على الجمهورية الأولى التي كانت تقوم على تسلط فئة معينة وبالتحديد رئيس الجمهورية الماروني. الآن هناك نوع من المشاركة. طبعاً الأمثل هو عدم الرضوخ للتمييز الطائفي والغاء الطائفية السياسية وهذه المسألة تحتاج الى وقت.
مشكلة الموارنة
ما الذي أوصل الموارنة الى وضعهم الحاضر؟
- الاخطاء التي ارتكبها قادتهم منذ عهد المتصرفية الى تاريخ توقيع اتفاق الطائف. انها اخطاء الحكم الماروني وأخطاء الحاكم الماروني والاصرار على رفض الخيارات الواقعية والدخول في مشاريع لم يكن ممكناً ان تؤدي الا الى ما أدت اليه. اخطاء من أيام المتصرفية الى عهد الانتداب وصولاً الى عهد الاستقلال. كان على الحاكم الماروني والمحيطين به ان يروا أبعد في 1956 و1958 وفي محطات كثيرة اخرى. وحتى الآن لا يزال هنا من يرفض ان يرى. ان القيادات الروحية والزمنية المارونية تتحمل مسؤولية ما حصل. هناك من لا يزال يعيش في عقلية القرن الماضي ويرفض الالتفات الى كل التغييرات التي حصلت. وهذه مسألة حساسة، خصوصاً في بلد مثل لبنان.
تبدو في هذه المرحلة كأنك بلا تحالفات سياسية. فمع من لك علاقات في الوقت الحاضر؟
- لي علاقة متينة مع الرئيس رفيق الحريري ومع الاستاذ نبيه بري من اجل القضايا المتعلقة بإعادة المهجرين وتوفير مستلزمات عودتهم. انا وزير المهجرين وإذا اعطيت الوزارة الامكانات اللازمة نستطيع وضع خطة خمسية. موضوع المهجرين له الأولوية المطلقة في اهتماماتي واعادتهم الى الجبل وإقليم الخروب والضاحية وغيرها.
العلاقة مع الحريري
متى بدأت علاقتك مع الحريري؟
- قبل حرب الجبل كنا نبحث عن متمول لانقاذ معمل سبلين وكان اول لقاء معه. ثم جاءت حرب الجبل وصار معمل سبلين بيننا وبين "القوات". ثم بدأ يقوم بوساطات برفقة الأمير بندر بن سلطان.
ما هي في رأيك اهمية الحريري او اسباب قوته؟
- انه رجل مؤمن بعمل الخير وبأسلوب المؤسسات، اهتم بتعليم الطلاب الجامعيين وأقام مؤسسات تربوية وطبية كما فعل في كفرفالوس. لديه طموحات سياسية، نعم لديه. ولديه استثمارات مالية، نعم لديه. وأسلوبه قياساً على الطبقة السياسية القديمة عصري. وعنده كادر مقبول. المشكلة هي في غياب الرؤية الاقتصادية - الاجتماعية. هذا ما ينقص الحكومة. لقد حذرت وأكرر الآن من خطر انفجار اجتماعي ما لم تكن لدى الحكومة رؤية اقتصادية واجتماعية وسياسية لإنماء المناطق.
أعود الى التحالفات السياسية. قلت ان لك علاقات مع بري والحريري؟
- ومع سورية أيضاً اعتقد ان ذلك كاف.
تركز على موضوع المهجرين في علاقاتك؟
- انه تحد سياسي واقتصادي واجتماعي ووطني. فبناء 30 ألف بيت يعني الكثير وطنياً وسياسياً واجتماعياً وحتى على صعيد ازمة السكن.
أفهم ان لا علاقات لك مع قوى مسيحية فاعلة؟
- مع من تريدني ان أبني علاقات.
هل العلاقة مع الحريري لتعويض خسارتك المساعدة السوفياتية؟
- لا، فقد كانت هناك علاقة معه في عز العلاقات مع السوفيات. لكنني أنبه رفيق الحريري، وأنا احبه وأحترمه، الى خطورة غياب السياسة الاجتماعية، وأنا أقول هذا الكلام من اجله لما يعنيه وجوده بالنسبة الى استقرار البلد.
علاقتك مع الحريري تبدو مختلفة عن تلك التي ربطتك برؤساء الحكومة كالرئيس رشيد كرامي مثلاً؟
- كانت بين رشيد كرامي وكمال جنبلاط علاقة قديمة. تحالفا في 1958 وكانت هناك محبة ولكن حدث خصام في أيام الشهابية وتباين في ايام الوثيقة الدستورية. طبيعة الاشخاص مختلفة. الحريري يتمتع مثلاً بديناميكية لم تكن موجودة لدى رشيد كرامي. كانت له طريقة في الحكم فريدة من نوعها.
والعلاقة مع الرئيس صائب سلام؟
- لم تكن بينه وبين كمال جنبلاط مودة كبيرة. كانت العلاقة الشخصية مليحة. وفي المحطات الكبيرة لم تكن مواقفه جيدة معنا، بالتحديد في محطة انتخاب بشير الجميل وكذلك في انتخاب أمين والأمر نفسه في حرب الجبل. ذهبت انا والشيخ محمد أبو شقرا شيخ عقل الدروز رحمه الله والأمير مجيد ارسلان لزيارته وكنا تقريباً في موقع الاستجداء. وكان الغرض ان يتدخل لدى أمين الجميل ليحل عنا. وكانت لدينا ورقة المطالب الدرزية. تقريباً اتهمنا بالعمالة لاسرائيل.
حكي في تلك الفترة ان الحريري وظف امكاناته المادية لمنع انتخاب بشير ومن طريق الرئيس سلام؟
- لا اعرف. لكنني اعرف انه سلام بعد خروجنا من بيروت كان احد عرابي بشير الجميل، بعد خروجي من بيروت بواسطة فيليب حبيب. فشلت الوساطة اول مرة ونجحت في المرة الثانية. قلت لفيليب حبيب: جئت ببشير الجميل فدعنا نغادر البلد لأننا لا نريد ان نعيش تحت النير الديكتاتوري للجيش اللبناني آنذاك و"القوات اللبنانية". أول مرة صعدنا الى اليرزة ولم يمش الحال وفي الثانية مشي الحال وتنفسنا الصعداء لدى وصولنا الى صوفر.
شعرت بالارتياح لاغتيال بشير
بماذا شعرت لدى تبلغك نبأ اغتيال بشير؟
- بالارتياح. لنكن صريحين، المسألة اعطتنا معنويات وطحشنا.
هل كان يمكن ان تكون المعركة أقسى لو حكم بشير؟
- مثل بعضها. على كل حال أقسى معركة كانت مع ميشال عون. كل جولة كانت أقسى من سابقتها. لا يتعلق الأمر به كشخص فهو كان جالساً تحت الأرض في اليرزة ولم يكن يجرؤ على الصعود الى الجبهة، لكن الامكانيات التي اعطاها للجيش اللبناني صدام حسين كانت هائلة. وتنسيق النيران بين الجيش و"القوات" كان قوياً بفضل مساعدات صدام السخية. وأعتقد انه كاد ان يرسل لهم صواريخ "سكود" وعرف السوريون بها فلوحوا بإرسال صواريخ بدورهم وأدى الانذار السوري الحاسم الى وقف الصواريخ العراقية في عرض البحر. خط السلاح كان يمر في بلدين عربيين قبل ان يصل الى حيفا ثم جونية.
توليت مسؤوليات سياسية وخضت معارك عسكرية، ما شعورك تجاه الذين خانوك او تساقطوا او استفادوا؟
- المرارة. من فعل لم يكن اول من يصعد درج المختارة ويخون وليس آخر من يفعل. كثيرون خانوا وكثيرون كانوا اوفياء. هناك اناس اصيلون وهناك خونة. يضحك تعودنا.
هل انت كثير الشكوك والحذر في العلاقات مع الناس؟
- حسب أي نوع من الناس. هناك أناس اوفياء تاريخياً لهذا البيت ولهذا الخط وهناك عابرون.
كونك وريث زعامة راسخة، هل يجعل من الصعب عليك التفاهم مع رؤساء الجمهورية الموارنة؟
- لا، المسألة انني لا احب ان اكون مواطناً من الدرجة الثانية وكمال جنبلاط كان لديه الموقف نفسه. لماذا نكون مواطنين من الدرجة الثانية او الثالثة نتيجة ان مذهبنا أقلية؟ هذه هي القصة بصريح العبارة. دائماً هناك علامات استفهام حول دور الدروز في المنطقة من الجهات المتطرفة الدينية وغيرها. هناك شكوك إن عقائدية او سياسية. لا احد افضل من احد. المعيار هو الكفاية والمناقبية والمواقف. فهمنا ان هناك دروزاً في فلسطين فماذا بعد. فريق من الدروز يتعامل مع اسرائيل وماذا بعد؟ كان هناك نحو مليوني جزائري يتعاملون مع السلطة الفرنسية في الجزائر. ونصف لبنان وسورية كان يتعامل مع الفرنسيين والى آخره. يستقوون على الضعيف. يضحك
لم يثبت انك ضعيف؟
- عقائدياً لست مسؤولاً عن الانقسامات الاسلامية. انا لا علاقة لي بهذه المسألة. انا درزي في الهوية السياسية وليس في الهوية الدينية.
هل اتخذت قراراً بإعدام اشخاص خلال الحرب؟
- أعدمنا شخصين. في المراحل الأولى بعد حرب الجبل دبت الفوضى. أعدمنا شخصين ونجا الثالث بأعجوبة. الشخصان اللذان اعدما هما من الطائفة الدرزية. واحد قتل شقيقته في شكل شنيع والثاني ارتكب جريمة شنيعة أيضاً. كان لا بد من هذا الاجراء في تلك الظروف. الثالث كان متهماً بالتعامل مع "القوات" وعمره 17 عاماً، وكان من سكان المنطقة الشرقية اصلاً. كان مقرراً ان ينفذ به حكم الاعدام صباحاً. في الليل لا اعرف ماذا اصابني. انتابني أرق وقلت لماذا نقتله. في الثالثة فجراً ثمة شيء دفعني الى الغاء التنفيذ.
والاغتيالات السياسية؟
- لم ندخل هذه اللعبة ونحن اول من ذاق مراراتها. الاغتيالات السياسية والسيارات المفخخة سلاح ذو حدين ولا ينجو منه من يستخدمه.
اهدن ثانية
بماذا شعرت حين عرفت ان الجيش اللبناني اقتاد سمير جعجع من منزله الى وزارة الدفاع؟
- كانت نتيجة حتمية لكل اعماله. يبدو انه كان يظن انه قادر على الخروج من الأمر. اذا كنت تذكر انا أول من قال بعد اغتيال داني شمعون انها اهدن ثانية. بعدما انهزم ميشال عون وبعدما كان جعجع عراب الطائف على طريقته راوده حلم الزعامة المسيحية وكان له منافس واحد هو داني شمعون.
هل تستطيع ان تجزم بأن الماكينة العسكرية والأمنية للحزب التقدمي الاشتراكي لم تتورط في اغتيالات؟
- على الأقل في الجبل استطيع أن اجزم. في بيروت وفي مرحلة معينة - وهو الأمر الذي ادخلني في حروب ثانوية وسخيفة وظلم فيها اهل بيروت - جهاز الأمن في الحزب ارتكب اموراً شنيعة ولم يكن تحت سيطرتي. ظننت انه تحت سيطرتي واكتشفت لاحقاً انه تحت سيطرة آخرين.
يقال ان هناك من حاول تنفيذ عملية تفجير تستهدفك داخل قصر المختارة؟
- لا التفجير الوحيد الذي استهدفني عندما فجر أمين الجميل السيارة في بيروت وكان ايلي حبيقة هو المدبر آنذاك وهو الذي اخبرني.
بماذا اخبرك؟
- انه هو الذي اعد العملية. واعترف بتدبير محاولة قبلها وكنا في مطعم "الماندرين" ونجونا بفضل القدر لأنه كان معنا موريس درايبر وبيل كوانت وغسان تويني. عرفوا بوجود الاميركيين فنجونا. وأبلغني حبيقة عن محاولة ثالثة على طريق المختارة - الدامور قرب ملتقى النهرين وكانت "القوات" لا تزال في اقليم الخروب. يومها حضَّر لي عبوة وصاروخ ميلان. اما لماذا لم ينفذ فعليك ان تسأله.
من هم المحاربون في مجلس الوزراء الحالي؟
- ايلي حبيقة. لا اعرف تاريخ الوزير سليمان طوني فرنجية العسكري.
اغتيال الشيخ صبحي الصالح
حكي عن شخص سلمته الى السوريين؟
- سلمت مسؤولي جهاز الأمن في بيروت. أبو هيثم الذي كان من امن الحزب وتبين انه من امن اسرائيل او امن "القوات" او ما بعرف لمين. وهو مرتكب جرائم كبيرة في بيروت.
هل له علاقة باغتيال الشيخ صبحي الصالح؟
- هكذا نمي اليّ من احد المسؤولين السوريين.
هل شارك في اغتيال شخصية اخرى؟
- لا. هذا ما عرفته.
من أين هو؟
- مصري الأصل. ذات يوم تعرض لحادث سير في منطقة الاوزاعي فأقفلت بيروت. كان قوياً ويرعب بيروت. هذا مزروع في الحزب من زمان لكنني لا اعرف من زرعه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.