سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أبو مازن يتذكر المحطة التونسية وانطلاقة "فتح" . خسرنا بيروت فحاولنا استئجار جزيرة في اليونان ! المبادرة التونسية وفرت لنا المقر والاستقلال الحلقة الاولى
من تونس رأت منظمة التحرير الفلسطينية العالم يتغير كأن عليها أن تتغير أيضا. كان على المنظمة أن تستخلص العبر من تجربتها الطويلة والمريرة في لبنان بعد تجربتها المريرة في الأردن أيضا. والواقع هو أنه لم يكن أمامها غير خيار إعادة النظر في أشياء كثيرة لم تكن تجرؤ في السابق على وضعها موضع التساؤل. ولا مبالغة في القول إن الفترة الممتدة من 1982 إلى 1994 شهدت أصعب القرارات وأخطرها إذ كان على المنظمة أن تتكيف مع الزلازل الدولية والإقليمية. روى السيد محمود عباس أبو مازن، عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، في مكتبه في تونس، ل "الوسط" أبرز أحداث المحطة التونسية واستعاد مشاهد من بدايات حركة "فتح" وانطلاقتها العسكرية. وهنا الحلقة الأولى: متى جئت إلى تونس؟ - أنا أول من وصل إلى تونس قبل أن تصل المقاومة وقبل أن تقرر الاقامة فيها. قراري اتخذته إثر إحكام الإسرائيليين الطوق على بيروت. في 10 حزيران يونيو 1982 عندما طوق الإسرائيليون بيروت شعرت بأن الوضع في لبنان انتهى وأن وجود الثورة الفلسطينية فيه انتهى وأنها إذا ذهبت إلى دمشق فستنتهي. وبناء عليه قلت إنني لا أريد أن أبقى في دمشق ولا أن أكون جزءا من القيادة إذا قررت البقاء فيها ولذلك جئت إلى تونس واستأجرت منزلا وطلبت من عائلتي أن تُحضر نفسها للسفر ورتبت أموري العائلية على أساس السكن في تونس أيا كانت نتائج الحرب وفي كل الظروف. هل يشبه قرارك بمغادرة دمشق قرار الرئيس ياسر عرفات مغادرة بيروت بحرا؟ - تقريبا. لقد شعرت بأن الوضع لم يعد طبيعيا أو صحيا. كانت الخيارات بعد إحكام الطوق حول بيروت هي الآتية: إما أن تنتهي القيادة في بيروت وتنتهي بالثورة وأنا لم أكن مستعدا للاستمرار في إطار أي مجموعة موجودة في دمشق، وإما أن تخرج القيادة إلى دمشق وفي هذه الحالة سنكون أسرى للقرار السوري. لا الخيار الأول كان مناسباً لي ولا الخيار الثاني، فقلت أجلس في تونس وأنتظر. إذا كان لي أن ألعب دوراً في المستقبل فسألعبه، وإن لم يكن لي دور فلا حول ولا قوة إلا بالله. أرسلت إلى أبو عمار ما مفاده أن عليه أن يبحث عن مكان غير دمشق. وفي هذا الوقت بالذات جاءتنا رسالة من الرئيس الحبيب بورقيبة وكانت من شقين: الأول شيك بخمسة ملايين دولار مساعدة للفلسطينيين، والثاني دعوة رسمية من الحكومة التونسية لكل القيادات الفلسطينية وكوادرها لكي تأتي إلى تونس إذا رغبت. كان الأمر بمثابة منجاة. أرسلت إلى أبو عمار أقول له: جاءك الفرج وتستطيع أن تذهب أنت وقيادتك إلى تونس، والحقيقة أنها كانت مبادرة تونسية لا يمكن نسيانها. ماذا عن وصول عرفات في الأيام الأولى إلى تونس؟ - خرج أبو عمار بحراً من بيروت إلى أثينا ومنها بالطائرة إلى تونس حيث نزل ضيفا على الحكومة التونسية لمدة معينة. بعدها استؤجر فندق خارج مدينة تونس اسمه فندق "سلوى" مقراً لأبو عمار ومكاتبه وكوادره ومن معه. بقي الفندق تحت تصرفنا مدة سنة وأكثر ثم دخلنا في الحياة التونسية واستأجرنا مكاتب وأسسنا وجودنا. كيف كان مزاج عرفات بعد وصوله؟ - الحقيقة أنه كان يشعر بنوع من الغربة والتمزق نتيجة للضغوط التي كان يتعرض لها من إخوانه سواء أعضاء قيادة "فتح" أو القيادات الفلسطينية الأخرى. كان هناك من يحمل عليه ويقول له لقد هربت وابتعدت عن خطوط التماس ولا يمكن أن تكون مناضلا على بعد أربعة آلاف ميل. أصبحت في منفى بعيد. هذا كان يؤلمه كثيرا كما كان يؤلمنا ويزعجنا جميعا. من كان يمثل وجهة النظر هذه في "فتح"؟ - كثير من الذين كانوا في بيروت سواء منهم الذين انشقوا أم غيرهم. هناك فريق كان يتصور أن الذهاب إلى تونس خطأ. الواقع أنه حصل خلاف شديد بيننا على مسألة من يريد أن يأتي إلى تونس، لذلك تأخر كثيرون في الوصول إلىها ولا أريد الخوض في الاسماء. هناك من لم يكن يتصور أن تونس يمكن أن تكون مرحلة انطلاقة جديدة للثورة الفلسطينية على رغم البعد الجغرافي عن أرض الوطن. وكيف كان عرفات يرد؟ - كان يقول إن المسألة ليست مسألة جغرافيا وليست مسألة مسافة. أنا هنا ربما أملك قراري وأستطيع أن أفعل ما أريد لكنني في دمشق لا أستطيع أن أملك قراري وبالتالي فحتى لو كنت على الحدود لا قيمة لذلك مادمت لا أمتلك قراري. وثبت لاحقاً أن هذا صحيح. القضية ليست قضية بعد أو قرب المهم أولا أن تكون ارادتك حرة تستطيع أن تذهب من تونس في دورية إلى فلسطين لأنك تملك الحرية حيث تقيم ولا تستطيع أن تذهب من الحدود المباشرة إذا كنت مقيما فيها ومفتقرا إلى القدرة على القرار. وماذا عن أبو أياد؟ - ذهب أبو أياد إلى دمشق وكنت أنا هناك. بقي فترة قصيرة ثم غادرها إلى تونس. كان مدركا مبررات الوجود في تونس لذلك سارع إلى استئجار منزل له ولعائلته. وأبو جهاد؟ - الشيء نفسه بالنسبة إلى أبو جهاد. توافد الإخوان إلى تونس. في تلك الفترة لم تكن العلاقات سيئة مع دمشق وكانت هناك اتصالات وبعد وصوله إلى تونس قام عرفات بزيارات عدة لسورية إلى أن حصل الإنشقاق في "فتح" في 1983 ومنذ ذلك بدأت صفحة أخرى مع دمشق. الجزيرة اليونانية ما صحة أنكم فكرتم في استئجار جزيرة في اليونان؟ - صحيح. راودتني هذه الفكرة ويومها كان الأخ فاروق قدومي أبو اللطف يستعد للتوجه إلى أثينا. عرضت عليه الفكرة، أي أن نستأجر جزيرة ونعيش فيها في انتظار مقر آخر. إنها فكرة مجنونة وغير واقعية. ويقول أبو اللطف إنه عرضها على رئيس الوزراء اليوناني فلم يتقبلها بأي شكل من الأشكال. ما هي النقاشات التي دارت داخل "فتح" والقيادة الفلسطينية في بداية المرحلة التونسية؟ وهل حصلت خلافات لجهة تقويم ما حصل في بيروت؟ - نعم حصل خلاف شديد لدى مناقشة "لماذا حصل ما حصل في بيروت"، وكان هناك من يطالب بالمحاسبة لكننا انشغلنا عن ذلك بموضوع الانشقاق الذي كان يُرتب وحصل سريعا. قرار الانشقاق هل تعتقد بوجود علاقة بين قرار عرفات الخروج بحرا والانشقاق الذي حصل؟ - لا، الانشقاق كان مرتبا في اعتقادي منذ 1979 وهذا حسب ما قاله أحمد جبريل الأمين العام للجبهة الشعبية - القيادة العامة ونايف حواتمة الأمين العام للجبهة الديموقراطية اللذان ذكرا أن الانشقاق رتب له في قمة للصمود والتصدي في ليبيا، وهذا ما أكده جبريل. كانت هناك تنظيمات بزعامة جورج حبش وحواتمة وجبريل والصاعقة ودرست مواضيع الانشقاق، وهذا مسجل عندنا. هل كان لأبو أياد رأي مختلف مثلاً في تقويم ما حصل في بيروت؟ - كان السؤال ماذا حصل في بيروت ولماذا حصل؟ كنا في صدد إجراء تقويم شامل حين جاءنا ما هو أسوأ وهو الانشقاق فنسينا عملية التقويم. في 1983 ذهب أبو عمار إلى طرابلس في شمال لبنان. هل كانت القيادة على علم بذلك؟ - نعم فريق من القيادة على الأقل. أبو أياد وأنا كنا نعرف. ماذا كان معنى الذهاب إلى طرابلس؟ - كان يريد أن يدافع عن الوجود الفلسطيني هناك. كانت هناك قوات فلسطينية تواجه المنشقين والفريق الذي يدعمهم وكان لابد من التصدي لذلك. إذا كنت تذكر، فإن قرار خروجنا في 1982 هو قرار خروجنا من بيروت وليس من لبنان. لقاء عرفات - مبارك ماذا تعرف عن قصة ذهاب عرفات؟ - ذهب جواً إلى لارنكا ودخلها متنكراً وخرج منها متنكراً ووصل بحراً إلى طرابلس. هل كنتم على علم بأن عرفات سيتوقف في مصر للقاء الرئيس حسني مبارك بعد خروجه بحراً من طرابلس؟ - لا، لقد فاجأ الجميع، ولذلك كانت ردة فعل الإخوان كلهم في القيادة سيئة على هذا اللقاء، وحدث نوع من القطيعة لكننا استطعنا أن نلمها بسرعة. قطيعة بين أبو عمار وأبو أياد؟ - قطيعة بين أبو عمار من جهة ومجموعة من القيادة من جهة أخرى مثل أبو أياد وأبو السعيد وحتى أبو جهاد وأبو الهول. حصلت جلسة وسئل أبو عمار عن اللقاء فأجاب: ساعدني الرئيس مبارك وفك الحصار عني وحماني في الطريق فذهبت لأقول له شكراً. الزوبعة لم تستغرق أكثر من بضعة أيام. وربما كان سبب الزوبعة إلى حد كبير الحملة التي شنتها المنظمات الفلسطينية الأخرى المقيمة في دمشق والتي طالبت بإقصاء ياسر عرفات وتأثرت بعض الأحداث داخل "فتح". شرح أبو عمار موقفه وشعرنا بالحملة الخارجية فسارعنا إلى إنهاء المسألة. ماذا كان موقفك أنت؟ - أنا لم أكن معترضا على اللقاء. ألم يكن عرفات يسعى إلى ترتيب إنقلاب على التوازنات العربية التي كانت قائمة آنذاك؟ - كان ياسر عرفات محاصراً وامتدت يد عربية لمساعدته. وكانت مصر محاصرة آنذاك، وكان طبيعياً أن يقدر عرفات ذلك الموقف. ثم إن مصر حتى ولو حُوصرت، كما جرى بعد اتفاقي كمب ديفيد، تبقى مصر بثقلها المعروف. وصل أبو عمار من صنعاء إلى تونس بعد التوقف في مصر فاجتمعنا وتناقشنا وتعاتبنا وتشاكينا وتباكينا وأنهينا الموضوع. هل كان أبو جهاد من بين المعترضين؟ - أبو جهاد، رحمه الله، كانت اعتراضاته صامتة. كان في منتهى التهذيب ويعترض بصمت. لم يكن يصرح ولم يكن عنيفاً في أقواله. كانت المعارضة تظهر على ملامحه وفي بعض كلماته لكنه كان يصوغ موقفه دائماً بمنتهى التهذيب والأدب. هل كان أبو جهاد يعرف أن عرفات سيلحق به إلى طرابلس؟ - لا، لم يكن يعرف. معركة الشرعية بعد حصول الانشقاق ماذا كان موضوع النقاش الرئيسي في تونس؟ - كان الحفاظ على الشرعية الفلسطينية، فعندما بدأ الانشقاق بدأت المنظمات الفلسطينية في دمشق تسعى إلى شق منظمة التحرير وضرب شرعيتها، خرج عدد من أعضاء اللجنة التنفيذية فوصل عدد الموجودين إلى الحد الأدنى الضروري لتوفير الشرعية وإلى درجة أن وفاة شخص أو غياب شخص كان يمكن أن يؤدي إلى غياب الشرعية. كان كل همنا أن نعقد المجلس الوطني بسرعة وبهدف حماية الشرعية. لسوء الحظ أُقفلت جميع الأبواب في وجهنا آنذاك باستثناء موافقة الملك حسين على استضافة المجلس. ذهبنا إلى الأردن وعقدت الدورة السابعة عشرة وربما كانت أشهر دورات المجلس الوطني أو على الأقل من أشهرها. في تلك الدورة تمت حماية الشرعية. بذلنا مجهوداً خارقاً من أجل إحضار أعضاء المجلس الوطني وكانوا يتعرضون لضغوط وتهديدات. وفرنا العدد المطلوب وفوقه ثمانية وشكلنا اللجنة التنفيذية من الموجودين ثم انطلقنا للملمة الجبهات الأخرى. هكذا عقدت الدورة الثامنة عشرة في الجزائر التي أدت إلى مشاركة "الشعبية" و"الديموقراطية" والحزب الشيوعي وبالتالي ضربنا عصب المعارضة في دمشق التي بقي منها جبريل والصاعقة والمنشقون ومن لف لفهم. كانت المعركة معركة شرعية. العلاقة مع الأردن في المرحلة التونسية شهدت العلاقات مع الأردن توقيع اتفاق وتشكيل لجان وتجميداً وتأخيراً، فما هي القصة؟ - بعد 1982 ذهبت أنا وأبو اللطف إلى الأردن وتحدثنا مع الملك وكانت العلاقات بدأت تتطور، طبعا عودة العلاقة مع الأردن سبقت هذا الموعد وتحديداً بعد 1977 حين زرت الأردن، وذات مرة أخذ العقيد معمر القذافي أبو عمار من دمشق إلى عمان لكن المصالحة لم تكتمل. ثم طرحت مسألة توأمة المدن العربية مع المدن الفلسطينية وشكلنا لجنة مشتركة بعد قمة بغداد ومشت العلاقة في خطوات وئيدة. بعد 1982 تحسنت العلاقة أكثر. في 1984 عقدنا المجلس الوطني هناك وكان موقف الأردن نبيلاً في حمايتنا وحماية شرعيتنا. ثم جاء اتفاق عمان والخلاف عليه. وذهبت أبو أياد لاحقاً لإجراء بعض التعديلات البسيطة على الاتفاق ومشى إلى أن ألغي في الدورة ال18 للمجلس الوطني. هل صحيح ما ذكر أن غورباتشوف طلب من أبو عمار في برلين تجميد الاتفاق؟ - صحيح. ربما لم يطلب تجميداً بالتحديد لكننا كنا نشعر بأن السوفيات والدول الإشتراكية ضد "اتفاق عمان". شعر السوفيات بأن الاتفاق يستبعدهم من الحل. ما الفكرة الأساسية التي كانت وراء اتفاق عمان؟ - الفكرة نفسها التي تبلورت أكثر في مدريد، وهي فكرة الوفد المشترك. الفكرة نفسها لكنها صارت أكثر تبلوراً وطبقت في ظروف مختلفة. هناك اتهام بأنكم وقعتم الاتفاق بغرض الانتظار مع البقاء في صورة التطورات؟ - كنا نريد الاقتراب من الأميركيين ومن الحل. والحل لا يأتي إلا من خلال واسطة. قالوا من خلال الأردن فقلنا نحن على استعداد. كان الأمر تعبيراً عن حسن النيات الفلسطينية وعن الرغبة في السلام. والدليل أنه بعد ست سنوات أنجزنا الاتفاق نفسه وذهبنا في وفد مشترك إلى مدريد. ما صحة أن غورباتشوف نصح عرفات في موسكو بالسعي إلى الحوار مع الأميركيين؟ - نعم، رآه عرفات في موسكو وكانت الزيارة غير موفقة. فوجئ الوفد الفلسطيني، إذ أنه للمرة الأولى يسمع من السوفيات نصيحة بالذهاب إلى الأميركيين. في السابق كانوا يطلبون من المنظمة مواقف ليبحثوا فيها مع الأميركيين أو على أمل البحث مع الأميركيين بمشاركتهم. وجد الوفد الفلسطيني نفسه أمام لغة جديدة وقد فاتهم أن السياسة الجديدة من غلاسنوست وبيريسترويكا ستؤدي إلى انهيار شامل للاتحاد السوفياتي. موسكو تتغير إلى أي حد تنبهت منظمة التحرير إلى التغيير الذي كان يحصل في موسكو والعالم؟ - نحن شعرنا بذلك وأفدنا منه بعد بدء الانتفاضة مباشرة ورغبتنا في وضع برنامج سياسي جديد لمنظمة التحرير. بعد انطلاق الانتفاضة ببضعة أشهر رحنا نفكر في برنامج سياسي جديد لمنظمة التحرير ينسجم مع الوضع الدولي الجديد. هذا البرنامج الذي أعلن في 1988 لقي قبولاً كبيراً لدى السوفيات وهو يقوم على القبول بالقرارين 242 و338 وحق إسرائيل في الوجود، إضافة إلى إعلان الاستقلال. طبعاً إن إعلان الاستقلال لم يكن واقعيا أو على الأرض إنما كان هناك نوع من خطوة في مقابل خطوة. أي أننا نريد إنشاء دولة وإعلان استقلالها المعنوي ولكن على أساس الشرعية الدولية التي لم نكن قادرين في السابق على التطابق معها. وجدت خطوتنا هذه ترحيباً لدى السوفيات الذين سموه مشروع أبو مازن. ذهبت إلى موسكو والتقيت وزير الخارجية الكسندر بسمرتنيخ وعضو اللجنة المركزية كارين بروتنس، وللمرة الأولى التقينا الطرفين في اجتماع واحد. شجعنا السوفيات على ما بدأناه وطلبوا منا الاستمرار في هذا الخط السليم. هذا قبل المجلس الوطني. قبل ذلك كانت موسكو مهتمة بألا تكون لكم صلات مع واشنطن؟ - كانوا مهتمين بمدى ما يمكن أن يفعلوه لنا لدى الأميركيين، كان أندريه غروميكو يقول لأبو عمار اعطونا الموافقة على القرار 242 ونحن نسوق موقفكم لدى الأميركيين. ولهذا السبب غضبوا من اتفاق عمان لأنه يقطع الطريق على الدور الذي كانوا يريدون لعبه. طبعاً في السياسة السوفياتية الجديدة بدا الفارق واضحاً إذ شجعونا على الحوار مع الأميركيين. وحتى حين سألناهم عما يمكن أن نطلبه في مقابل بدء الحوار مع الأميركيين قالوا لا تطلبوا شيئاً. أنا سمعت ذلك من بسمرتنيخ حين ذهبت لأبلغهم بحوار بيننا وبين الأميركيين عبر السويد. قال لي: إذا كان الأميركيون يريدون فتح حوار مباشر معكم فهذا مكسب ضخم لكم فلا تطلبوا شيئاً ولا تتركوا الفرصة تفوتكم. وعلى الاثر بدأ الحوار المباشر. البدايات في "فتح" من هو أبو مازن؟ - أنا من مدينة صفد القريبة من الجنوباللبناني. يعني أنك لست مشمولاً بالاتفاق الذي وقعته، وأنك لن ترجع إلى صفد؟ - لن أرجع إلى صفد إلا إذا حلت مشكلة اللاجئين. مشكلة اللاجئين لا تزال قائمة. نريد معرفة أكثر من ذلك؟ - ولدت في مدينة صفد في 1935 وتعلمت فيها حتى الصف السابع. في 1948 لجأنا إلى سورية ثم أمضينا شهراً في الأردن ثم عدنا إلى سورية واستقررنا هناك. ماذا تذكر من 1948؟ - كل شيء. أذكر الحرب والأرض والطرق والمدرسة وزملائي فيها. أذكر كل الحارات. كيف خرجت في 1948؟ - سقطت قرية اسمها عين الزيتون على الطريق بين صفد وبنت جبيل في جنوبلبنان. وهكذا قطعت أمامنا طريق لبنان فاضطررنا إلى المرور عبر نهر الأردن، إلى سورية. أنا ووالدي وإثنان من إخوتي وزوجة أخي الكبير وأولادهما، وبقي إثنان من إخوتي الكبار يحملان السلاح وأمي معهما. بعد شهر سقطت البلدة فخرجوا والتحقوا بنا. أقمت في سورية وتعلمت فيها الإعدادية ثم عملت مدرساً ودرست البكالوريا وتابعت دراسة الحقوق في جامعة دمشق ثم سافرت إلى قطر. هل تابعت تدريباً عسكرياً في سورية؟ - لا. دخلت الكلية العسكرية سنة 1956 وطردت منها بعد شهر. لماذا؟ - لا أدري. أنا كنت معلماً ابتدائياً وطالباً في السنة الثالثة في كلية الحقوق. وكنا أسسنا في 1954 تنظيماً سرياً ينادي بمسألة واحدة "جندونا"، أي أنكم تقولون إنكم تريدون تحرير فلسطين فلماذا لا نشارك نحن؟ من كان معكم في التنظيم؟ - كان هناك عبد الله الدنان وعادل عبد الكريم وكانا من قيادة "فتح" في البداية وتركاها لاحقا. في 1956 بعد العدوان الثلاثي وافق السوريون على قبول الفلسطينيين في الكليات العسكرية فتقدمت بطلب وتركت الوظيفة التي كنا أنا وأهلي نعيش منها وذهبت إلى الكلية العسكرية. قبلوني وحلقت شعري وارتديت البزة وتعلمنا تفكيك البندقية 36 وتركيبها، وأستمع وأستعد. ثم أُجري لنا فحص طبي ثان وقيل لنا أنتم رسبتم فيه وكنا بين 20 و30 شاباً. رجعت فوجدت أنهم يستعدون لفصلي من الوظيفة لأنني غادرت من دون إذن وأن الجامعة بدأت، لكنني رجعت إلى الوظيفة وفي السنة الرابعة من دراسة الحقوق ذهبت إلى قطر ثم عدت وقدمت امتحاناتي. أبو أياد وأبو عمار هل كنت في دمشق تعرف ياسر عرفات؟ - لا، لم أعرف ياسر عرفات إلا بعدما شكلنا في قطر تنظيماً آخر سميناه "أبناء فلسطين"، وذلك في أواخر العام 1957. وكان في التنظيم الشهيد محمد يوسف النجار أبو يوسف والشهيد كمال عدوان وسليمان الشرفة. بدأنا نسأل عن التنظيمات الفلسطينية الأخرى، وكانت أكثر من 30 موزعة في عواصم عدة. وقيل لنا إن هناك "فتح" في الكويت واكتشفت أنها تضم صديقاً لي اسمه صلاح خلف أبو أياد. كنت عرفت صلاح خلف في غزة في 1960، كنت في زيارة لأخذ معلمين فعرفني عليه سليمان الشرفة وقال لي إنه شخص طيب فوقعنا عقداً معه للتدريس في قطر. لم يأت إلى قطر ذهب إلى الكويت ولكن ولدت صداقة بيننا. تبين أيضا أن عبد الله الدنان موجود في الكويت، وأكد لنا من سألناهم أنه التنظيم الأكثر جدية. وهكذا كانت بداية مجيئنا إلى "فتح" وسميت وأبو يوسف عضوين في اللجنة المركزية. هناك عرفنا بوجود أبو عمار وعادل عبد الكريم ويوسف عميرة. وفي السنة نفسها التي تعرفنا فيها إليهم كان أبو جهاد ذهب إلى الجزائر لفتح مكتب ل"فتح". تأسست "فتح" في الكويت في 1958 وانتسب إليها أو شارك في التأسيس من ذكرت اسماءهم إضافة إلى أبو أياد وأبو السعيد وأبو اللطف. معظم الذين جاؤوا إلى "فتح" في البدايات مروا في تنظيم "الإخوان المسلمين" أو كانوا أصدقاء لهم، هل كانت لك علاقة من هذا النوع؟ - أنا شخصياً لا، أنا من عائلة متدينة لكنني كنت مقتنعاً بأن العمل من خلال الأحزاب لن يؤدي إلى نتيجة وبخاصة الأحزاب التي تطرح إطاراً واسعاً لمعركتها كالحزب القومي الذي يريد حل مشكلة عدن والجزائر وغيرها أو الحزب الإسلامي الذي يريد معالجة وضع بنغلادش أو الحزب الأممي. أنا كنت أريد تركيز الجهود على فلسطين، وكنت أسأل عن الإطار المؤدي إليها. لم أدخل لا في "الإخوان" ولا في "البعث" ولا غيرهما. كنت أزور الأحزاب وأستمع وأحاور وكان معي محمود المغربي الذي تولى رئاسة الحكومة في ليبيا. جولتنا على الأحزاب اقنعتنا بأنها ليست الإطار المناسب لنا. جاء أبو أياد من تنظيم "الإخوان المسلمين"؟ - معظم إخواننا في غزة من الذين كانوا من "الإخوان المسلمين" مثل أبو أياد وأبو جهاد وسليم الزعنون أبو الأديب وعبد الفتاح حمود. تأثروا بظروف 1948 حين مرت كتائب "الإخوان" في غزة وقاتلت. في 1956 حين قالت قيادة "الإخوان" ان الحرب ممنوعة تخلوا جميعا عنها وبدأوا بالبحث عن إطار آخر. هل تذكر اللقاء الأول مع ياسر عرفات؟ - نعم كان ذلك في 1963 عندما جاء إلى قطر. قبلها كنا نذهب باستمرار إلى الكويت وشاءت الصدف أن يكون غائباً خلال زياراتنا. كان أبو عمار شديد الحماسة والاندفاع، وقد جند حياته كلها لقضية يريد أن يحققها. لذلك لم يكن يهتم بأعماله الشخصية فقد كان دائم السفر والتنقل والأجازات. ولعل هذا الاستعداد الكامل للتضحية هو في طليعة الأسباب التي جعلت رفاقه يتمسكون به. ترك عمله كمهندس وشركته وتفرغ. في ذلك الوقت كان ترك عمل في الخليج والتفرغ تضحية كبيرة. أول من تفرغ كان أبو جهاد وهو كان يعمل مدرساً لكنه ترك وذهب إلى الجزائر. هل كان أبو عمار المسؤول أم كانت القيادة جماعية؟ - كانت هناك قيادة وكانت تأمر وتنهي. ومرات عدة جمدت القيادة وضع أبو عمار. مثلا من الطرائف الغريبة أنه كان مقررا أن تحدث الانطلاقة في 1/9/1964. لم تحدث، تبين أن المجموعات التي أعدها أبو عمار لم تنطلق وكان مقرراً أن تفعل ذلك من الأراضي الأردنية. طبعاً لم تكن الانطلاقة سهلة. عاتبت القيادة أبو عمار. ويمكن الحديث في تلك المرحلة عن وجهتي نظر: الأولى تقول أنه يجب تحضير كل شيء قبل الانطلاقة. والثانية تقول إن علينا أن ننطلق بما هو موجود وإن العمل كفيل بتوفير مستلزمات الاستمرار. وأنا كنت من أنصار وجهة النظر الثانية. عندما فشلت العملية الأولى اعتبر الفريق الأول أن الحادث أثبت صحة نظرياته. قبل 1/1/1965 ذهبنا من قطر إلى الكويت فقالوا إن أبو عمار فشل في التجربة الأولى فاتفق على أن يذهب ولكن بإمرة توفيق حوري وأبو يوسف النجار ومعهم كمال عدوان ليغطي العملية إعلامياً. نجحت الانطلاقة هذه المرة فأثبت أبو عمار أنه نجح في الامتحان. انطلقت الثورة لكن الخلافات إزدادت. فريق يقول إن الأمر لا يفيد وآخر يقول إن الثورة ستنمو. ثم جاء وقت وصلت الخلافات فيه إلى حد القتل: يوسف عرابي قتل أحمد محمد حشمي في 1966. ثم حدث خروج جماعي من القيادة والحركة. وسجن عرفات يومها في الشام. سجن في الشام مرة بتهمة الإعداد لتفجير خطوط التابلاين ثم تبين أنه غير صحيح فأطلق، والمرة الثانية بعد حادث القتل الذي ذكرناه، وسجن مرة ثالثة في ثكنة الحلو في لبنان وهو كان سُجن في مصر حين كان طالباً. متى تفرغت؟ - في 1969. كانت القصة أنه كلما ظهرت حاجة إلى شخص كان يتفرغ. والأفضل ألا يكون من يتفرغ يشغل منصباً بارزاً لأن المنصب البسيط لا يشكل خسارة كبيرة. أنا كنت مدير شؤون الموظفين في وزارة التربية ولذلك تأخر التفرغ. بعد استشهاد عبد الفتاح حمود تفرغ كمال عدوان، لكنه لم يدخل اللجنة المركزية ثم تفرغت أنا وعدت إلى اللجنة المركزية وكانت آنذاك قد بدأت المؤتمرات. من كان الفاعل في "فتح" في فترة 1965 أو بعدها؟ - كان أبو عمار وأبو جهاد وأبو علي أياد وأبو صبري. أبو اللطف تفرغ في آواخر 1966 وأبو أياد في 1967. بعد 1967 دخل أبو عمار الأراضي المحتلة؟ - دخل مرتين ونجح في تهيئة الانطلاقة الجديدة. كنا نرسل إليه السلاح. وكاد ان يعتقل مرات عدة بينها حين كان هناك في 1968. التجربة في الأردن وماذا عن تجربة 1970 في الأردن؟ - أنا تفرغت في عمان وعشت الأحداث كلها، وهي كانت - من وجهة نظري - تجربة مرة. لم أكن مرتاحا على الإطلاق الى الممارسة الفلسطينية. وكان رأيي - وكنت أقوله للآخرين - إنكم لا تدرون ماذا تريدون. فلا أنتم تريدون إسقاط النظام ولا تريدون التعايش معه. لم يكن هناك قرار باسقاط النظام ولا قرار بالتعايش معه، فوضى كاملة ولا أحد يحكم الساحة. كانت ممارساتنا سلبية واستفاد منها النظام في الأردن. الناس في 1967 أحبت الثورة التي جاءت في أعقاب فراغ عربي. الممارسات راحت تبدد هذا الرصيد. وقلنا لهم يومها: من يرغب في إسقاط النظام لا يفعل ما تفعلون، ومن يرغب في التعايش معه لا يفعل ما تفعلون. أين كنت خلال مرحلة لبنان من حياة الثورة الفلسطينية؟ - أقمت في دمشق منذ 1971 وحتى 1982. ما هي أبرز الصراعات التي عاشتها "فتح" مثلاً؟ ماذا عن العلاقة بين أبو عمار وأبو جهاد؟ - ليس هناك من صراعات حقيقية، هناك تجاذبات داخلية ومراكز قوى بسيطة، أبرز الصراعات هو ما جرى في الانشقاق. والعلاقات بين أبو عمار وأبو إياد؟ - كانت تمر بمراحل صعود وهبوط. ألم تحدث صراعات بمعنى مواجهات بين خطوط مختلفة؟ - قليلة بمعنى خطوط سياسية. نحن تركيبتنا واحدة تقريبا، ونفكر بشكل متقارب. طبعا عند المنعطفات تظهر وجهات نظر مختلفة. هل كانت أخبار الاجتماعات تسرب الى الدول، بمعنى أن الدول اخترقتكم؟ - في البداية لا. في المرحلة الأخيرة حصلت أشياء من هذا النوع. يحكى عن فردية أبو عمار كيف تفسرها؟ - الطبع يؤثر في الاسلوب. هو يميل إلى الفردية وربما كان الطبع البشري هكذا. طبعا لا يستطيع دائما العمل بهذا الاسلوب فلو فعل لصار وحيدا. هل أنت خائف من المرحلة الجديدة؟ وهل صحيح ما يبدو ان الثورة أسهل من السلطة والدولة؟ - نعم هذا معروف. الجهاد الأصغر أقل من الجهاد الأكبر. الجهاد الأصغر هو الثورة والجهاد الأكبر هو الدولة. الخوف من الفشل إلى أي حد لديك مخاوف من أن تفشل الثورة على أرضها بعدما نجحت في الوصول إلى أرضها؟ - لا شك في أن ثمة مخاوف وأنا حكيت ذلك في المجلس المركزي. قلت إنه لابد من تغيير العقلية، أي أن تكون عقلية الدولة غير عقلية الثورة. إذا حكمت الدولة بعقلية الثورة فإنها ستفشل. هل نستطيع أن نقول إن هذه الأيام هي آخر أيام الثورة وأول أيام الدولة؟ - نعم. هناك مرحلة جديدة اسمها الدولة. هناك من يسأل وأين الكفاح المسلح؟ يا أخي نريد أن نبني البيت بعدما بنينا الانتفاضة. لكل مرحلة أسلوبها ومقتضياتها. بعد الكفاح المسلح والانتفاضة ندخل الآن مرحلة مختلفة هي مرحلة الدولة وأشكال العمل السابقة هي لمراحل سابقة. يجب أن نبني بيتنا، يجب أن نبني المدارس والمستشفيات وأن نعيد الأولاد إلى المدارس بعدما جلسوا خارجها ست سنوات، ونريد جامعات. نعم يجب أن نوقف الكفاح المسلح والانتفاضة. نقولها من دون أن نخجل. هل هناك خطر حرب أهلية فلسطينية؟ - لا أتصور. أعتقد بأن الفلسطينيين في الداخل يختلفون عن كثير من الفلسطينيين في الخارج. في الداخل يعرفون معنى الانتهاء من الاحتلال وبناء الاستقلال. ثم إن الناس قدمت تضحيات كبيرة والموارد تراجعت والصعوبات المعيشية كبيرة. أعتقد بأن وقت البناء قد حان وأن علينا أن نوفر فرص العمل والتعليم، طبعاً مع الحريات. أنا لا أتصور أن الناس في الداخل يمكن أن يغامروا ويهددوا الإنجاز الذي تحقق. قد لا تكون هناك موافقة واسعة عليه لكنه الطريق لإنهاء الاحتلال، وهذا إنجاز. توليت ملف العلاقات مع السوفيات. متى بدأت الاهتمام به؟ - في 1978 وحتى الآن وانتقل اهتمامي إلى الروس. إلى أي حد أمسك السوفيات بالقرار الفلسطيني؟ - لنتفق أولا أن السوفيات لم يمتلكوا يوما القدرة على صناعة حل، لكنهم امتلكوا القدرة على الاعتراض أو المناورة أو العرقلة بفضل علاقتهم مع المنظمة، وهذا ما لاحظناه في 1984. أنا أفتخر بأن العلاقة معهم كانت متوازنة، وأنا لم أكن ماركسياً في أي يوم ولم أذهب إليهم لاسترضائهم. بهذه الذهنية كنت أتولى علاقات المنظمة معهم. لم يحدث أن قالوا لي مثلاً "يا رفيق على حزبكم أن يطيع حزبنا". هذه اللغة لم تستخدم. وإلى أي حد اخترقوا أمنيا أجهزة المنظمة؟ - الاختراقات بسبب التنظيمات الموجودة والتي كانت تتبرع بتقديم المعلومات اليهم وتفتخر. هناك الحزب الشيوعي الفلسطيني وحواتمة وحبش وحتى جبريل. أنا أنتمي إلى مجموعة كانت تعرف أهمية السوفيات وتقدرها ونتعامل مع السوفيات كأصدقاء يرغبون في مساعدتنا وليس من منطلق أننا نعمل لديهم. ولقد اصطدمنا كثيرا ويشهد على ذلك الإخوان. غروميكو: القرار 242 من كنت تلتقي؟ - كنت أرى أندريه غروميكو وزير الخارجية. ماذا كان يقول؟ - كان حريصاً على أن تقبل منظمة التحرير بالقرارين 242 و338 وأن تعطي هذا القبول للسوفيات ليحصلوا على مكسب للفلسطينيين. وكان يردد هذا شيك في يدكم، لكن مفعوله يمكن أن ينتهي، ولذلك عليكم أن تستفيدوا. طبعاً لم تعط الورقة له وهو كان يتمنى الحصول عليها. وهذا دليل آخر على أننا لم نكن ورقة في يدهم. ما هو وضع العلاقات اليوم؟ - ممتازة. مرت بمرحلة صعبة أثناء محاولة الانقلاب على غورباتشوف، صدرت تصريحات من عندنا تهاجم غورباتشوف وتؤيد الإنقلابيين. لحسن الحظ عالجناها سريعاً ببيان رسمي أوضحنا فيه أننا لا نتدخل في شأن من هذا النوع وحُلت الأزمة. طبعا العلاقة اليوم مختلفة. هل يمكن القول إن المحطة التونسية تميزت أيضاً بسوء تفاهم دائم مع سورية؟ - لم تكن هناك في الواقع محاولات جادة لبناء علاقات طبيعية وأقول إن ذلك لم يحدث من جانب الطرفين. هل هي ذيول بيروت؟ - منذ البداية. الموقف السوري يريد الورقة الفلسطينية. في تونس لم يعد في الإمكان إعطاؤها هذه الورقة وكل المشاكل نجد تفسيرها في هذا الإطار: الانشقاق وحرب المخيمات وغيرها. وعندما قمنا بعملية أوسلو انزعج الجانب السوري. وحرصنا على أن نقول للسوريين إننا نؤيد معاملة ندية معكم ولا مبرر لمعاملة مميزة، نحن وأنتم ومصر والأردنولبنان نتعامل بالمعايير نفسها. بدا أخيراً أن مصر هي شريككم العربي في البحث عن السلام؟ - شريك فعال. لم تكن له مصالح آنية لكنه ساعد. متى ستذهب إلى غزة وأريحا؟ - بعد ذهاب السلطة إليها. هناك من فسر عدم مشاركتك في السلطة بأنك تريد الاحتفاظ بأوراقك لتكون البديل في حال حصول فشل؟ - أنا لا أفكر بهذه الطريقة. أنا أريد أن تنجح السلطة. لا يجوز أن نكمن لها. أنا لست من هذا النوع. علينا أن نساعدها لتنجح.