تحضر السينما العربية هذا العام في "مهرجان كان السينمائي" الدولي السابع والاربعين إقرأ صفحة 60 - 63 بعملين متميزين: في "باب الواد - سيتي" يعود المخرج الجزائري مرزاق علواش الى مسرح احداث فيلمه الاول "عمر قتلاتو" قبل عقدين، فيما يسجل "صمت القصور" دخول الفنانة التونسية مفيدة التلاتلي مجال الاخراج بع تجربة طويلة في حقل التوليف السينمائي. هنا تقديم اولي للعملين في انتظار عودة نقدية مفصلة خلال الاسابيع المقبلة، ضمن متابعات "الوسط" التي تحضر كعادتها احداث المهرجان. بعد أكثر من عشرين سنة، يعود المخرج الجزائري مرزاق علواش، لمناسبة تصوير أحدث افلامه: "باب الواد - سيتي" أُختير ضمن الأفلام المشاركة في مهرجان "كان" السينمائي الذي يُفتتح هذه الأيام...، الى حي "باب الواد" الشعبي بالضاحية الغربية للعاصمة الجزائرية. وهي الحي ذاته الذي دارت فيه احداث أول أفلام مرزاق علواش وأشهرها: "عمر قتلاتو" 1972. انه - بالتأكيد - الحنين الى واقعية "عمر قتلاتو" التي أثّرت في جيل كامل من سينمائيي المغرب العربي، وجعلت من "عمر" الشاب المنحدر من عائلة شعبية بسيطة كناية عن كافة شباب الجزائر الممزّق آنذاك مطلع السبعينات بين المشاكل الآنية التي يواجهها: من بطالة وسكن وحرمان إجتماعي، وبين الأحلام الثورية الكبرى التي فتحت أمامه آفاقاً كبرى في التعلّم، والافلات من سطوة "التابو" الاجتماعي، والتطلع نحو مزيد من العدالة الاجتماعية والانفتاح والعصرنة. اساءة الى انجازات الثورة وعلى عكس ما كان سائداً آنذاك في السينما الجزائرية، فان "عمر قتلاتو" لم يكن تمجيداً أعمى لپ"إنجازات ومكتسبات الثورة"، كما كان يحلو لأدبيات الحزب ان تروّج، فمرزاق علواش اختار ان ينطلق من تفاصيل "اليومي" ليصوّر كيف يعيش الناس ويتفاعلون في الواقع العملي مع موجة التحوّلات الكبرى التي جاءت بها سنوات الاستقلال الأولى، بكل ما فيها من تناقضات وقصد احياناً. الشيء الذي أثار عين الرقابة الحزبية ضده، لولا ان النجاح الشعبي الهائل الذي عرفه الفيلم منذ عروضه الأولى قطع الطريق امامها وتجاوزها تماماً، عدا بضع مقالات صدرت في الصحف الجزائرية آنذاك، واعتبرت ان "هذا الفيلم يقدّم عن الواقع مسودة قد تُستغل للإساءة الى الجزائر من قِبل أعداء الثورة في الداخل والخارج". وكان نجاح "عمر قتلاتو" مؤشراً ليس فقط على ميلاد مرزاق علواش كسينمائي متميّز، بل أيضاً على بدايات ظهور الواقعية كمدرسة مغايرة في السينما الجزائرية، من أبرز أقطابها: لحضر حامينا الفائز بالسعفة الذهبية في مهرجان "كان" سنة 1975، عن فيلمه: "وقائع سنوات الجمر"، وأحمد راشدي الطاحونة...، ومحمود زموري سنوات "التويست" المجنونة... تحد سينمائي جديد بعد فيلمه الاول، أخرج مرزاق علواش عدداً من الأفلام التي كرّست تميّزه وخصوصيته السينمائية، أبرزها فيلم "الرجل الذي كان ينظر الى النوافذ" عن سيناريو للروائي الشهير رشيد بوجدرة. قبل أن يصطدم، في مطلع الثمانينات، بالبيروقراطية التي بدأت تضرب اطنابها على المؤسسات الرسمية التي كانت تحتكر صناعة وتوزيع السينما في الجزائر، فيقرّر المغادرة الى باريس، حيث انتج فيلماً وحيداً هو: "حب في باريس"، لكنه كان غير مقنع، أو على الأقل ليس من مستوى منزلته السينمائية! ومع بداية الانفتاح الديموقراطي في الجزائر، عاد مرزاق علواش ليواكب التحولات الثقافية والإجتماعية التي شهدتها بلاده، وأنجز افلاماً تسجيلية زاوج فيها بين التوثيق وبين أسلوبه المعهود في رصد تفاصيل الشارع اليومي والاستماع الى ما يتفاعل فيه من غضب وتمرّد وتحوّلات... وبدأت رحلة العودة السينمائية لمرزاق علواش بفيلم: "ما بعد أكتوبر: إنتفاضة الشباب" 1989، ثم: "حركة النساء" 1991. ثم جاءت فكرة "باب الواد - سيتي" كأكبر تحدّ سينمائي يرفعه منذ "عمر قتلاتو"، فحي "باب الواد" اليوم هو اكبر معاقل الاصوليين الجزائريين، وأصبح مجرد المغامرة بالمجيء اليه ضرباً من المجازفة والإرتماء في المجهول. لكن مرزاق علواش أصرّ على التحدي، وقال: "أريد العودة الى حي "باب الواد" بحثاً عن آثار "عمر قتلاتو"، متسائلاً عن مصيره: هل انقلب "عمر" أصولياً متطرفاً يرفع السلاح في وجه الدولة الوطنية التي غرّرت به وعودها السحرية في سنوات الاستقلال الأولى، وفتحت أمامه آفاقاً سرعان ما انسدّت لتتركه وجهاً لوجه مع الواقع الصعب بكل احباطاته ومنزلقاته المحتملة التي ليست الأصولية سوى غطاءها السياسي؟ أم هل أن "عمر" رضخ في نهاية الأمر لفكرة الهجرة، هذا الحلم الذي يراود الآلاف من الشبان من أقرانه، والتي كان يرفضها بشدة في فيلم "عمر قتلاتو...". الاجابة جاءت على شكل فيلم مؤثر، تعرقل انجازه مرات بسبب مشاكل لعبت دور رقابة غير مباشرة. وعلى احدى شاشات ابرز مهرجانات السينما في العالم، يقدم "باب الواد - سيتي" لنا عودة تفصيلية اليه في الاسابيع المقبلة. في ختام عروض تظاهرة "نظرة ما"، حيث يتوقع له ان يحقق اقبال الجمهور، وان يستقبل بحفاوة نقدية لن تخفف من قلق الانظار المعلقة تلك البؤرة المتأججة من العالم العربي.