لم تستخدم الأطراف الدولية المشرفة على حل الأزمة البوسنية النتائج الايجابية التي ظهرت بعد الانذار الأطلسي وإنقاذ مدينة غوراجدا من براثن الصرب، لم تستخدم هذه النتائج بطريقة فعالة لجمع المتحاربين حول طاولة المفاوضات. ولم تمارس الأطراف الدولية المنتظمة في إطار فريق عمل على الأرض على مستوى الديبلوماسيين روسيا - اميركا - أوروبا - الاممالمتحدة ضغوطاً على المتصارعين لحملهم على التنازل عن شروطهم المتناقضة. فالصرب يطالبون بوقف دائم لاطلاق النار يتيح لهم الاحتفاظ بالمناطق التي احتلوها على الأرض أكثر من ثلاثة أرباع أراضي البوسنة والهرسك وبالتالي التفاوض على تقسيم الأراضي من موقع قوة. في حين يُصر المسلمون على وقف لاطلاق النار ثابت لمدة 3 - 4 أشهر تتم خلالها المفاوضات بين الطرفين، وعلى فرض احترام بنود الانذار الأطلسي ضد الصرب حيث تخترق هذه البنود دورياً في غوراجدا ومحيطها. وأمام إصرار الطرفين على شروطهما وتراجع الضغط الدولي، تبرز من جديد مخاطر استئناف حصار المدن البوسنية واجتياحها. وهذه المرة تنتقل الميليشيات الصربية من شرق البوسنة الى شمالها حيث تشهد مدينة بركو حشوداً للقوى العسكرية تقدر بعشرات الآلاف من المقاتلين بحسب مصادر الأممالمتحدة. ويعتبر مراقبون في باريس وعواصم أوروبية أخرى ان سقوط بركو يمكن ان يشكل منعطفاً في الحرب، فهذه المدينة هي النقطة الفاصلة بين الأراضي التي احتلها الصرب في البوسنة وكرواتيا وبين صربيا والجبل الأسود، وبالتالي فإن بقاءها أو سقوطها من شأنه ان يؤدي الى خلط جديد لأوراق الصراع. لذا يعارض الصرب بشدة تصنيف هذه المدينة في اطار المناطق المحمية من الاممالمتحدة ويعتبرون انها بالنسبة اليهم قضية غير قابلة للبحث. وفي بركو يتحالف المسلمون والكروات لأن سقوطها يشكل خطراً حاسماً على أراضي الطرفين برمتها، لذا فإن التحالف الكرواتي - الاسلامي سيخوض معركة حياة أو موت، وفي هذا الصدد يجري الحديث عن استعدادات بوسنية لاستخدام السلاح الكيماوي "إذا كان لا بد من الموت فلنمت نحن واعداؤنا وليس وحدنا"، على حد تعبير قائد بوسني محلي. ويشار هنا الى ان مدينة توزلا القريبة من بركو تضم مصنعاً ضخماً للكلور، يستخدم لتطهير المياه التي تتزود بها بلغراد، ويمكن للبوسنيين في حالة تدميره "حرمان بلغراد من المياه المطهرة لمدة 15 عاماً" على حد تعبير القائد البوسني نفسه، ما يعني ان خيارات الجحيم قد تكون المرجحة في حالة اندلاع الصراع في هذا الموقع. التراجع الديبلوماسي وتقدم الخيار العسكري، واحتمال سقوط بركو قد يؤدي، بنظر وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه الى إلغاء حظر السلاح عن البوسنيين وسحب قوات الاممالمتحدة، أي الى انفلات كلي للوضع. ولتفادي هذا الاحتمال تدور اتصالات مكثفة اميركية - فرنسية - روسية لاستئناف الضغط على المتقاتلين. لكن بأي هدف وفي إطار أية سياسة؟