قال مسؤول أردني كبير من اصل فلسطيني "ان من حق القيادة الأردنية ان تستثمر مشاعر الفلسطينيين في الضفة الغربية حيث يمكن للمرء ان يلاحظ بوضوح موالاة المواطنين للملك حسين". واضاف ان على القيادة الأردنية ان تتعامل مع هذا الواقع الايجابي بالنسبة اليها وتحسب حساباً للمستقبل لأن العلاقة الأردنية الفلسطينية تبدو شبه حتمية بصرف النظر عن شكلها المفترض. ويبدو ان "الأردن ما بعد توقيع اتفاقية الحكم الذاتي" اصبح الشغل الشاغل للقيادة الأردنية حالياً ومن المفترض ظهور قرارات أردنية قريباً توضح طريقة التعامل مع الواقع الجديد الذي يعتبر الأردن أكثر المتأثرين به خصوصاً وان قيادة منظمة التحرير تستعد للانتقال الى غزة وأريحا. وقال مسؤول أردني آخر ان لبّ المشكلة يكمن في ما نقل عن لسان الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات أكثر من مرة في مجالس خاصة ووصل الى المسؤولين الأردنيين من ان لديه مشكلة واحدة مع "رابين" هي مشكلة الأرض والاحتلال اما مع الملك حسين فلديه مشكلتان: الأرض والانسان. ومعروف ان الضفة الغربية اعتبرت عندما احتلت عام 1967 أرضاً أردنية اذ انها كانت جزءاً من الأردن بموجب وحدة الضفتين منذ مطلع الخمسينيات. وتعامل الأردن مع الأراضي المحتلة على هذا الاساس طوال 21 عاماً وحتى عام 1988 عندما اصدر قرار فك الارتباط الاداري والقانوني مع الضفة الغربيةالمحتلة بطلب من منظمة التحرير الفلسطينية استند الى موقف عربي مماثل. ومعلوم ان الأردن وللسبب نفسه ولاسباب اخرى سياسية وجغرافية كان الدولة العربية الوحيدة التي منحت الفلسطينيين حق المواطنة الكاملة. أسباب القلق من أبرز الاسباب العملية للقلق الأردني كان الاتفاق الاقتصادي الفلسطيني - الاسرائيلي الذي ربط اقتصاد مناطق الحكم الذاتي بالاقتصاد الاسرائيلي وجعل الشاقل الاسرائيلي العملة القانونية. وهكذا استبعد الأردن من الاتفاق فلم يعد مأمولاً ان يكون البنك المركزي الأردني مرجعاً مفترضاً لسلطة النقد الفلسطينية التي قد تنشأ في المستقبل. ولهذه الاسباب فان الموقف الرسمي الأردني المؤيد لكل ما تقرره منظمة التحرير الفلسطينية بات مشوباً بعبارات تستثني من الترحيب ما يخص الأردن في هذه الاتفاقات خصوصاً وان الأردن قد استثني تماماً من بعض الجوانب التي كان يجب ان يكون شريكاً اساسياً فيها. ويعلق اقتصادي أردني قائلاً: "لم تعد القصة مجرد فروع لبنوك أردنية سارعت الى فتح فروعها في الضفة الغربية ثم اكتشفت وكأنها فتحتها في صحراء وليس مجرد "300" مليون دينار أردني متداولة في الضفة الغربيةوغزة، بل هي اكثر من ذلك بكثير وتتعلق بخروج الأردن اقتصادياً من مناطق انشأها منذ نشوئه وحافظ عليها طوال فترة الاحتلال". ويضيف بأن الخوف ليس من عودة ثلاثماية مليون دينار الى الأردن بل من احتمال خروج مليارات مستثمرة داخل الأردن نفسه. على الأرض وتبدو المشكلة على الأرض اكثر تعقيداً. فالشعب الأردني هو خليط من فلسطينيين وأردنيين تتفاوت التقديرات بشأن نسبة كل منهما قياساً على الآخر. ويبدي أردنيون من اصل فلسطيني مآخذ على الحكم تبلورت في الآونة الاخيرة عبر مطالبتهم بتمثيل أكبر لهم في السلطة. ويشير هؤلاء الى ان مجلس النواب المنتخب من الشعب مباشرة يضم 14 عضواً فقط من أصل فلسطيني أما البقية وعددهم 66 فجميعهم من أصل أردني. كما يطالبون بتمثيل أوسع في الحكومة والجيش وقوات الأمن. ويرد أردنيون من أصل أردني على هذه المطالب بانه وفي جميع دول العالم يتبع المواطنون المتجنسون بحكم اقامتهم للدولة التي منحتهم الجنسية ويصبحون جزءاً منها ويدافعون عنها في كل مكان ويصبحون "اميركيين أو بريطانيين... من أصل عربي" الا في الأردن فان الفلسطيني يبقى فلسطينياً بصرف النظر عن جنسيته الأردنية واقامته وعمله وتملكه في الأردن. هذه الظاهرة تشير بوضوح الى مستقبل العلاقات الأردنية الفلسطينية خاصة وان حق العودة سيكون محدوداً وان الراغبين بالعودة هم أقل منذ ذلك بكثير. ويقول شبان أردنيون من أصل فلسطيني انهم سيعودون في حالة واحدة وهي عندما يكون متاحاً لهم الاستمرار في الاقامة في الأردن وعندها فقط يمكن ان يذهبوا للعمل في الضفة الغربية أو للزيارة على ان يعودوا في اليوم نفسه أو في نهاية الاسبوع الى منازلهم في الأردن. الوطن البديل ويخشى سياسيون أردنيون من ان يؤدي ما يجري في المنطقة الى قيام نوع من الوطن البديل. وينطلقون الى هذا القول من جملة اسباب في مقدمها عدد المواطنين من اصل فلسطيني واعداد اللاجئين والنازحين غير الراغبين بالعودة. ويضيف أحد السياسيين الأردنيين بعداً جديداً أشد خطورة وهو مشكلة الفلسطينيين المقيمين في لبنان والذين يقدر عددهم بنحو 400 ألف شخص. ويشير السياسي الى انه من المستحيل ان يحصل هؤلاء على الجنسية اللبنانية لسبب واحد على الأقل وهو اخلالهم بالتركيبة الطائفية خاصة وان غالبيتهم العظمى من المسلمين السنة ويتساءل عن مصيرهم واين سيقيمون في نهاية الأمر مشيراً الى الأردن كمكان محتمل للاقامة. وتأتي هذه المخاوف الأردنية من عودة الدعوة الى الكونفدرالية الأردنية الفلسطينية من قبل المنظمة وتأييد اسرائيل لها. ويقول المسؤول الأردني ذاته انه في حال قيام الكونفدرالية وانتخاب برلمان مشترك مناصفة بين الضفتين على سبيل المثال فاننا سنكون امام اغلبية برلمانية فلسطينية لأن نواب الضفة الغربية سيكونون فلسطينيين بينما سيشكل الفلسطينيون 20 في المئة على الاقل من نواب الضفة الأخرى. ويتساءل المسؤول: ما معنى قيام الكونفدرالية بين الأردن والحكم الذاتي الفلسطيني المرتبط اقتصادياً باسرائيل؟ على مستوى الشارع الأردني ثمة تساؤلات عن مغزى قرار الحكومة الأردنية فتح الجسور دون قيود امام حركة المواطنين الفلسطينيين لأن الحركة تتركز نحو الأردن وليس منه بدرجة اساسية. وبرغم تأكيدات وزير الداخلية الأردني سلامة حماد بأن القرار لا ينطوي على اهداف سياسية الا ان الحكومة الأردنية لم تقدم تبريراً مقنعاً للقرار لاسيما وانها كانت تبرر تدقيقها في حركة القادمين بأسباب قومية تتعلق بدعم صمود الفلسطينيين ومنع تهجيرهم وهذه الظروف لم تتغير. الأردن والمفاوضات السؤال الذي يبرز حديثاً في اطار هذه الصورة هو عن موقف الأردن تجاه مفاوضات السلام والصورة التي سيخرج عليها في مرحلة الحل النهائي. فعلى صعيد الأرض لم تعد للأردن من مطالب سوى في مساحة محدودة احتلت من أرضه اضافة الى حقوقه في المياه بعد ان استفردت منظمة التحرير الفلسطينية بالحديث عن حل الشؤون الاخرى مما جعل دور الأردن ثانوياً في تلك المجالات. غير ان الأردن يصر على الحديث عن البعد الانساني للمشكلة برمتها اذ ليس من المعقول ان يتحمل وحده العبء الاكبر من القضايا الانسانية والاجتماعية في المستقبل كما تحمل في الماضي. البعد الاقتصادي في الوقت نفسه يبدي مسؤولون أردنيون تفاؤلاً كبيراً بانتعاش اقتصادي محتمل بموجب الحل النهائي اذا ما سارت الحلول باتجاه نهاياتها المقررة والتي سيكون من جملتها انشاء سلسلة من المناطق الحرة من طبريا شمالاً وحتى العقبة جنوباً اي على شريط طوله نحو خمسماية كيلومتر تقريباً. هذا المشروع الاقليمي الضخم سبق لولي عهد الأردن الأمير حسن ان اشار اليه باهتمام كبير اكثر من مرة لانه سيجعل من الأردن قطب الرحى في تبادل سلعي على مستوى المنطقة برمتها. وهكذا نجد السلطات الأردنية نفسها امام هموم ثقيلة وعديدة ولابد من التخطيط والعمل من اجل التعامل معها ومجابهتها. وتتطلب مواجهة هذه الهموم تماسكاً اكبر في سلسلة حلقات الحكم. وكشف مصدر موثوق ل "الوسط" ان خلافاً نشب مؤخراً بين رئيس الوزراء عبدالسلام المجالي ورئيس البرلمان طاهر المصري عندما اتهم الأول الثاني بانه لم يكن حازماً في دعم موقف الحكومة لتمرير مشروع قانون الضريبة العامة على المبيعات في البرلمان. وبذلك فقد اضاف المجالي خصومة جديدة الى رصيده البرلماني اذ ان حكومته لا تتمتع بأغلبية برلمانية كبيرة ولا تضم وزراء من النواب. وفوق ذلك فان غالبية رؤساء الوزراء السابقين والسياسيين الأردنيين لديهم تحفظات كثيرة عن حكومة المجالي لجهة تفرد رئيسها بالقرارات وضعف الفريق الوزاري. اما الاحزاب السياسية فترى ان الحكومة تضيق الخناق تدريجياً على الحريات العامة. هذه الاسباب وغيرها من متطلبات مواجهة المرحلة الراهنة والمستقبلية تقف وراء الدعوة لتشكيل حكومة جديدة استبقته الحكومة الحالية بطرح موضوع التعديل الموسع لتقوية الفريق الوزاري أو ادخال نواب في الحكومة. وتقول مصادر سياسية أردنية ان الملك حسين رفض طلباً للمجالي بتعديل حكومته لكن لم يظهر ما يؤكل هذه المعلومات. وبرز بصورة مفاجئة خلال الأيام القليلة الماضية اسم السيد ذوقان الهنداوي، الوزير لاكثر من 30 سنة وعضو مجلس الاعيان الحالي، كمرشح لتشكيل الحكومة الأردنية الجديدة. وذوقان الهنداوي برغم كونه سياسياً تقليدياً الا انه يقيم صلات طيبة مع معظم التيارات السياسية ومجموعات السياسيين التقليديين. وقال نائب من حركة الاخوان المسلمين ل "الوسط" ان الحركة تشعر بأن الهنداوي بات مرشحاً فعلياً لرئاسة الحكومة وانها تفضله على الرئيس الحالي مع انها لن تؤيد اي حكومة تشارك في مفاوضات السلام. وترجح اوساط سياسية أردنية ان يكلف الهنداوي بتشكيل حكومة جديدة الشهر المقبل بعد انتهاء الدورة الاستثنائية لمجلس الأمة لان تشكيل الحكومة خلال فترة انعقاد البرلمان يتطلب معركة لنيل الثقة أما في العطلة البرلمانية فتؤجل الثقة الى أول انعقاد عادي لمجلس الأمة. وذوقان الهنداوي من المقربين من الحكم وهو من اقرب الشخصيات الى الشريف زيد بن شاكر رئيس الديوان الملكي. ويعلق سياسي أردني بأن الدولة تحتاج الى ثلاثي مكون من رئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب ورئيس الديوان الملكي الذي ينسق علاقاتهم مع القصر. ويقول انه بالرغم من الخلاف بين الهنداوي وطاهر المصري عندما كان الثاني رئيساً للوزراء وقاد الأول حملة برلمانية ضده الا ان الامور يمكن ان تجري في اطار اكثر أريحية وربما يعاد انتخاب المصري رئيساً لمجلس النواب.