استقالة ذوقان الهنداوي نائب رئيس الوزراء الأردني شكلت حدثاً سياسياً في الأردن من المرجح ان يكون له علاقة بترتيبات أردنية داخلية جذرية خلال الأشهر القليلة المقبلة. فالهنداوي الذي دخل الحكومة قبل ستة أشهر تماماً من استقالته تلبية لرغبة شخصية من الملك حسين بعد ان اعتذر مرتين لرئيس الوزراء عبدالسلام المجالي عن عدم قبوله المنصب، خرج منها باستقالة مكتوبة بخط يده وصف فيها نهج الحكومة بأنه يسير في غير مصلحة الأردن. واعتبر معاهدة السلام الأردنية - الاسرائيلية انجازاً وطنياً مهماً، لقطع الطريق على أي محاولة "لتشويه صورته لدى الحكم" على حد تعبيره، خصوصاً انه أعلن عن استقالته قبل ساعات من عودة الملك حسين من لندن حيث كان يقضي اجازة خاصة. واستحوذت استقالة الهنداوي على اهتمام السياسيين الأردنيين خصوصاً الوزراء والنواب والأعيان الذين عبّر عدد منهم عن اعتقادهم بأن الاستقالة اسهمت في جلاء الكثير من المواقف، ومنها: - بررت مواقف غالبية السياسيين وبينهم رؤساء وزارات سابقون من الحكومة الحالية. - كشفت عجز الحكومة عن التعامل مع الوضع الداخلي وعن عدم وجود أي خطة لديها لدخول مرحلة ما بعد معاهدة السلام التي تحدثت عنها الحكومة في غير مناسبة. - خففت الأضواء المسلطة على شخصيات بارزة مثل أحمد عبيدات المعارض للمعاهدة وطاهر المصري المعارض للحكومة. وقال سياسي أردني بارز ان خروج الهنداوي من الحكومة يعني ان عمودها الفقري سقط، ولن يستطيع المجالي ان يقنع أحداً بعد اليوم بأنه يقود فريقاً وزارياً واحداً، لأن استقالة الهنداوي لا بد وان تؤثر على مواقف وأداء عدد من الوزراء. عندما أبدى العاهل الأردني رغبته في اشراك الهنداوي في حكومة المجالي قبل ستة أشهر جاءت هذه الرغبة بسبب وضع الحكومة الصعب آنذاك. وزار الأمير حسن ولي العهد منزل الهنداوي آنذاك 5/6/94 لابلاغه رغبة الملك، وقال له انه أي الهنداوي سيكون رئيس وزراء فعلياً للشؤون الداخلية وان المجالي سيتفرغ للمفاوضات مع اسرائيل. وقال الهنداوي لپ"الوسط" انه اكتشف فيما بعد انه لم يكن لا رئيس وزراء ولا نائباً للرئيس لأي شأن داخلي أم خارجي وان جميع المعاملات كانت بيد الرئيس. وانه تحدث مع رئيس الوزراء غير مرة عن الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة في الأردن، وان من واجبهما ان يفعلا الكثير لمعالجة الاختلالات القائمة لأنهما مسؤولان عن محاولة المعالجة على الأقل، من دون ان يجد أي تعاون من الرئيس. وكان مجلس الوزراء الأردني حاول في جلسته بتاريخ 3/12/1994 وضع تصور لمعالجة عدد من القضايا المحلية وفي مقدمتها الأوضاع الاقتصادية والفقر والبطالة. وطرح الوزراء اسئلة عن الانتعاش المتوقع من جراء معاهدة السلام باعتبارها الأسئلة الأكثر الحاحاً في ذهن المواطن الأردني ونوابه في البرلمان ولا يجد الوزراء اجابات محددة عليها. وفوجئ الوزراء برد رئيسهم الذي جاء مقتضباً: "فليسقطنا البرلمان ان لم يعجبه عملنا". وفي اليوم نفسه الذي أعلنت فيه استقالة الهنداوي ترأس الأمير حسن ولي عهد الأردن اجتماعاً لمجلس الوزراء. وقال انه لا توجد عوامل ثابتة وواضحة تدل الى ملامح المستقبل القريب وان عليهم الا يعكسوا آمالاً غير واقعية. ولكنه انتقد الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 1995 وطالب بأن تلبي مطالب الناس. وجاءت انتقادات الأمير حسن للموازنة بعد ظهور أصوات معارضة لها في مجلس النواب وبعد لقائه الهنداوي الذي أطلعه على عدد من التجاوزات التي تقوم بها الحكومة. وأعرب سياسي أردني عن اعتقاده بأن موازنة 1995 لن تمر من مجلس النواب اذا بقي وضع الحكومة على ما هو عليه. "الوسط" سألت الهنداوي عما يقصده بقوله في كتاب استقالته "التوجه المضر بالبلد وبمصلحته"، فأجاب انه لا يريد التصعيد في الوقت الراهن، لكن لديه الأدلة الكافية في هذا الشأن.