"أرسم. لا أكتب أحجية، لا أحرق البخور، لكنني أرسم. وإذا قيل ريشتي تشبه مبضع الجراح، أكون حققت ما أحلم به منذ وقت طويل... كما أنني لست مهرجاً، ولا شاعر قبيلة، لكنني منحاز لمن بهم كبرت، لمن ينامون في مصر بين قبور الموتى، ولمن يخرجون من حارات الخرطوم ليمزقوا سلاسلهم...". هذا الكلام القديم، قاله الفنان الراحل ناجي العلي قبل سنوات عديدة الى ماهر اليوسفي. وهذا الاخير أصدر أخيراً عن "دار الاهالي" في دمشق كتاباً عن فنان الكاريكاتور الفلسطيني الذي سقط برصاص الغدر في لندن بعنوان: "ناجي العلي - مدهش الملهاة ومفجع المأساة". يخصص اليوسفي أغلب فصول كتابه لدراسة تقنيات وأسس فن الكاريكاتور عند ناجي العلي. من مزج التراجيديا والمواقف الساخرة، الى الشاعرية التي تعانق الواقعية والمباشرة، مروراً بطرق استعمال اللغة المحكية، والكلمة بشكل عام في الرسوم الكاريكاتورية. ويستعيد المؤلف المناخات والافكار والتشكيلات والتناقضات التي قامت عليها رسوم انتشرت في العالم العربي على صعيد واسع، وكانت ترمز اليها شخصية حنظلة، "بطل" ناجي العلي وصنوه وقرينه والناطق باسمه. "ناجي العلي - حسب اليوسفي - رجل مسرح أولاً. خشبته مساحة بيضاء على صفحة جريدة". مسرح يذهب الى الجمهور، يعيد انتاج ذاكرته وحكاياته، يعبر عن همومه وتطلعاته، ويطلق صرخات قهره وغضبه. وكما في كل مسرح لا بد من اقامة توازن دقيق بين الدموع والضحك، بين الابطال والطغاة. ولهذا كله ربما، وجد الرسام الراحل في وجدان الجماعة، تلك المكانة الراسخة التي لم تتضاءل مع مرور السنوات التي تفصلنا عن رحيله.