ما زال الفنان ناجي العلي حاضراً غائباً، أو غائباً حاضراً على رغم مُضي حوالى 14 سنة على غيابه الجسدي. رسومه ما زالت حاضرة في أكثر من مطبوعة عربية، وفي أكثر من معرض للفن التشكيلي، أو في المعارض التي تود تسجيل اعتراضها على كثير من ممارسات القمع، أَو المطالِبة بحقوق، أو المعترضة على مواقف، أو المنادية بمطالب عادلة. لوحته الفنية - سمها ما شئت - انتمت الى فن الكاريكاتير، أو الى فن التشكيل عموماً، أو التي لا اسم لها في عالم التوصيفات المدرسية، بتعليق أو من دون تعليق، أو حاملة تعليقها الخاص المبتدع... ما زالت حاضرة وفاعلة وتعبر عن كثير من حالات جديدة أو مستجدة وكأنها مرسومة اليوم أَو البارحة، وربما في الغد أو بعد الغد!، لا نقول ذلك لإضفاء التجميلات والتحسينات والترفيعات والتساميات التي نودّ اطلاقها على موتانا أو شهدائنا أو أعمالهم، بل نقولها اعترافاً "بفضل صاحب الفضل"، حقيقة لا مجازاً. نعم غالبية أعمال ناجي العلي ما زالت تحاكي وتحاكم وتعبر وتدين وتتخذ موقفاً من رموز وأحداث وحوادث وشخصيات في هذه المرحلة عبر حضور رؤيوي قل نظيره. هل نعترف انه في البيان الذي رافق اطلاق حنظلة قال قولاً رؤيوياً تنبؤياً ندرك مفعوله ومعانيه البارحة واليوم وفي الغد أيضاً؟ قال ما معناه: قد أَموت شخصياً وجسدياً كناجي العلي. قد أُغتال وأُقتل، لكن حنظلة سيستمر، نعم سيكبر في عقله ومداركه، وفي كشفه واكتشافه مؤامرات ومشاريع تصفيات للقضية. لكنه سيبقى ذلك الطفل ابن العشر سنوات، سيبقى في الزمن طفلاً، وتماماً من جيلي وعمري الذي واجهت فيه النكبة. نكبة الشعب الفلسطيني وتشريده خارج بلاده ووطنه وتشتيته في أَربع جهات الأرض 1948 وما تلاها من سنوات ونكبات. وحنظلة ما زال حاضراً. مشرداً نعم... ما زال، لكنه لم يفقد بوصلة استشعاره في الإعلاء من شأن حملة المشاعل والاقلام والحجارة والريشات والسلاح والتوجه الصحيح في العمل لاسترداد الوطن والإعلاء من شأن المواطن المقهور والمطحون والبائس وخوض معارك الدفاع عنه وعن قضاياه. الكلمة تترجم! ما الجديد عن ناجي وحنظلة وفن ناجي؟ كتاب جديد عنه وعن فنه، صدر حديثاً تحت عنوان "الموضوع والأداة في فن ناجي العلي" للكاتب أحمد عنبوسي، عن دار وائل للطباعة والنشر في عمان - الأردن في 157 صفحة من القطع الوسط. وميزة الكتاب الجديد انه يؤالف بين كلمة الكاتب ورسم ناجي. انه يعيد تنشيط ذاكرات، ويُعرِّف الأجيال الجديدة بفنان وفن افتقدت بعض المطبوعات حضورهما. ويلقي أَضواء على "موضوعات" وأداة فنان قل مثيله. أما "الموضوعات"، فهي من نوع التنويع على "موضوع واحد وحيد" ليس لضيق حيلة، و ضيق "ذات اليد"، بل لأن شجرة النكبة لها فروعها وأَغصانها، وناجي أو حنظلة كان ينتقل من هنا الى هناك من خلال القضية الواحدة الوحيدة، التي "تختصر موضوعات وقضايا كثيرة، ليس من موقف شوفيني تعصبي، بل لأن الظلم هنا يفوق أي ظلم هناك. وأن أي ظلم هناك لا يخرج عن صورة مصغرة عن الظلم هنا. مع ذلك، فإن الكاتب لم يغفل عن الإشارة المقرونة برسوم تطبيقية الى جوانب عدة اهتم الفنان ناجي العلي وانشغل في التعبير عنها، كالأبعاد الوطنية والقومية والانسانية. وهي اضافة الى الأبواب المتعلقة بشخوص كاريكاتور ناجي العلي، والموضوع والأداة كما يراهما ناجي العلي، وأهم ميزات فن الكاريكاتور عند ناجي العلي، فإنني أرى من موقعي ومعايشتي ومتابعتي لناجي وفنه انها لا تحمل جديداً، بمقدار ما انها ترجمت بالكلمة ما كانت تجسده الرسوم، وهي في حدود تعريفية أمينة لموقف ناجي وفهمه وتوجهاته. الا ان الباب الأول في الكتاب "حياة ناجي العلي... بيوغرافيا سريعة" فإنه احتوى أخطاء واضحة، قد تعود الى المراجعة السريعة غير الدقيقة، أو الى عدم وجودها أساساً، وهي تتعلق بحياة ناجي وتنقلاته، أو ايراد اسماء بعض المطبوعات التي نشرت اعماله بدلاً من التي نشرتها فعلاً، أو الخطأ في ايراد زمن انجازه بعض الأعمال، أو ايراده أن عدد لوحات المرايا هو ثلاث والحقيقة انه أربع، ونال عنها الجائزة الأولى في معرض الكاريكاتوريين العرب الثاني في دمشق سنة 1980. كما ان الفنان ناجي لم يُقم معرضاً شخصياً له إلا 1985 في الكويت، وهو المعرض الشخصي الوحيد في حياته. أما بقية المعارض التي ذكرها الكاتب، فإنها معارض اقامها أصدقاؤه والمتعاطفون مع قضيته في المدن المذكورة في الكتاب أثناء حياته أو بعد اغتياله. حنظلة الأخير! لفتت نظري وذهني الملاحظة التي سجلها الناشر في بداية الكتاب، وهي تتعلق بعدم - نقل أو نشر أو اقتباس او اختزان أية مادة من الكتاب من دون الحصول على اذن الناشر الخطي -: والسؤال هنا: هل حصل المؤلف والناشر على اذن خطي على الاقتباسات التي تم تسجيلها في الكتاب والمأخوذة من مصادر أخرى - رسماً وكلاماً - والتي رسمها أو جاءت على لسان الفنان ناجي، أو كتبها عنه كتّاب آخرون في مطبوعات أخرى؟ حتى مصادر الرسوم والاستشهادات التي تضمنها الكتاب - إلا القليل القليل منها - فإنها بقيت مغفلة ولم يتم التطرق الى كُتَّابها أو المصادر التي نُشرت فيها أو تواريخ نشرها! كان لناجي الفنان تواقيع عدة قبل ان ترسو مرساته على حنظلة. فهو وقَّع باسم ناجي، ثم جعل من الصليب الموضوع داخل مستطيل غير متساوي الأضلاع توقيعاً له... وأخيراً رسا على حنظلة، لذا فإن حنظلة لم يكن "التوقيع الدائم لناجي العلي" كما ذكر المؤلف. وكان من اللافت الايجابي انتباه المؤلف الى المخزون الشعبي الذي كان يمتح الفنان ناجي العلي منه ويضمّنه بعض لوحاته بعد التحريف والصوغ المناسب، أو الاضافة على الأصح كالأغاني الشعبية والأمثال والأشعار والزجل. الا ان هذا الانتباه كان محدوداً ومختصراً نصف صفحة وكان يمكن التوسع في هذا المجال ومتابعته في مراحل اعمال الفنان المختلفة.