في الجزائر لا تستطيع ان تمنع نفسك من استرجاع شريط الاحداث. خصوصاً اذا كان اليوم يوم جمعة. حدث ذلك قبل عامين تقريباً. "تحول الجمعة الجزائري" الى علامة فارقة بين أيام الأسبوع وكأنه تحول الى خط تماس. منذ الصباح تستعد الصحف لاستقبال النبأ الوافد "حتماً" من الجزائر. وكان النبأ يأتي دائماً. فمنذ اعلان نتائج الدورة الأولى من الانتخابات التي اجريت في 26 كانون الأول ديسمبر 1991 والفوز الكاسح لپ"الانقاذ" بدت ملامح المأزق وهي تأكدت حين أعلن رسمياً في 11 كانون الثاني يناير 1992 الغاء الانتخابات. مذذاك صار للجمعة الجزائري طعم المواجهة. يحتشد "الانقاذيون" في مسجد السنة في باب الواد أو في مساجد القبة وبلكور. يحتشدون داخل المساجد وخارجها وتنطلق الخطب النارية ثم يقع الاحتكاك مع قوى الأمن فتنهمر القنابل المسيلة للدموع ويدوي الرصاص احياناً ويسيل الدم واحياناً يأتي رجال النينجا الوحدات الخاصة فيتصاعد الغضب وينتشر الخوف. كان من الصعب على الرئيس محمد بوضياف العائد من غربة طويلة الشعور بقدرته على إنقاذ جزائر تمضي الأسبوع في انتظار موعد الاحتكاك. ولم يطق رؤية الجزائر "تتحول في كل يوم جمعة الى طهران" فطلب حسم المسألة واسترجاع المساجد من ايدي "الانقاذيين" لإعادتها الى عهدة وزارة الشؤون الدينية. وكان ذلك بمثابة حرمان "جبهة الانقاذ" من المنبر الذي راهنت عليه للمجاهرة باحتجاجها على حرمانها من الفرصة الذهبية التي سنحت لها حين كادت تتسلم السلطة عبر صناديق الاقتراع. بعد تلك الأيام بقليل ستفتح صفحة اخرى في تاريخ الأزمة الجزائرية. شبان يغادرون الاحياء الشعبية ولا يرجعون. بدأ عهد العمل المسلح وهو تسبب حتى الآن في سقوط أكثر من 3500 قتيل. كان ذلك قبل عامين. كانت الجزائر على أبواب انقلاب كبير هو الأول من نوعه في العالم العربي. وكان المغرب العربي على شفير استحقاق يصعب التكهن بنتائجه وانعكاساته. اليوم تغير الجمعة الجزائري. لا يأتي "الانقاذيون" الى مسجد باب الواد ولا يحضر "الافغان" الى مسجد كابول في بلكور. لم تعد "الانقاذ" تمارس نوعاً من السلطة الفعلية في الشوارع، لكن عودة الهدوء الى محيط المساجد لا تعني عودة الهدوء الى البلاد. في الجزائر واكثر من أي مكان آخر يدرك الزائر حجم هذا الزلزال الذي ضرب العالم واطاح ركائز انظمة وانهى جاذبية نموذج وافكار. تبدو الجزائر منهكة اليوم. فالعقود الثلاثة التي اعقبت نجاح الثورة كانت حافلة بالفشل الذي استنزف الموارد والآمال وكرس القطيعة بين السلطة والناس. هيمنة الحزب الواحد وتحوله مجرد واجهة للاجهزة الممسكة بالخيوط وتجاوزات البطانة وحروب الاجنحة والبارونات ومؤامرات البلاط كلها انهكت البلاد المخنوقة بالشباب الباحث عن العمل واللقمة والسكن وفرصة التعبير ايضاً. وحتى حين أدرك الشاذلي بن جديد في أعقاب احداث 1988 ان التغيير بات حتمياً وسلك طريق التعددية بدا واضحاً ان النظام صار يفتقر الى الحد الضروري من الرصيد أو الجاذبية لادارة لعبة معقدة من هذا النوع تجري في ظل تدهور اقتصادي مريع. الجمعة هادئ. لا مظاهرات ولا احتجاجات. لكن انباء القتل تكاد تتحول خبزاً يومياً وهي ترد من العاصمة نفسها كما من المدن القريبة والبعيدة. حرب استنزاف منهكة يصعب حسمها في ظل ميزان القوى الحالي ويصعب وقفها ايضاً. زروال ... الخطوة الاولى منذ تولي اللواء الأمين زروال الرئاسة انتعشت آمال المتعطشين الى حل يوقف دورة العنف القاتلة. لكن اقناع المسلحين المتحصنين في المغاور والأرياف والجبال بالعودة الى حيث كانوا قبل نحو عامين والتخلي عن السلاح لا يبدو أمراً بسيطاً. فالذين منعوا "الانقاذ" من قطف ثمار انتصارها الانتخابي لم يفعلوا كل ما فعلوه ليعودوا الى تسليمها السلطة. والوصول الى تسوية تضمن "التعايش" ليس سهلاً هو الآخر فالشكوك التي كانت قبل عامين تضاعفت وترسخت بفعل المواجهة وممارساتها. جاء زروال لقيادة مرحلة انتقالية تدوم 3 سنوات تتم بعدها العودة الى المسار الديموقراطي لكن شرط نجاح هذه الخطة هو ان يتغلب منطق التسوية على منطق الحسم والانتصار داخل فريقي النزاع. ولكن هل تستطيع "الانقاذ" طمأنة الجيش وجزء كبير من الرأي العام الى انها ستسلم فعلاً بقواعد اللعبة الديموقراطية في حال وصولها وهل لا يزال للضمانات قيمة بعد عامين من التحاور بالرصاص والسكاكين؟ هذا عدا عن الغموض الذي يكتنف الوضع داخل "لانقاذ" التي ولدت على عجل قبل أربع سنوات في صورة حركة شعبية تتنازعها تيارات واتجاهات. ففي الجزائر اسئلة كثيرة عن التوازنات داخل "لانقاذ" نفسها بعد اندلاع المواجهة العسكرية وتصاعد نفوذ الصقور وبروز مجموعات مستقلة أو شبه مستقلة لا تقبل بأقل من الانتصار الحاسم والكامل مهما كان الثمن باهظاً. نجحت السلطة في عهد بوضياف في منع "الانقاذ" من تصوير المعركة وكأنها تدور بين المساجد والثكنات. لكن السؤال هو عن الأوراق التي تملكها السلطة للتمكن من إدارة الحوار وتوفير الضمانات وكبح مطالب الصقور من هنا وهناك. وبانتظار ان يستكمل زروال ترتيب البيت الداخلي قبل اطلاق مبادرة فعلية في اتجاه الآخرين، كيف تفكر القوى السياسية الاخرى غير المشاركة في القتال الدائر. "الوسط" التقت الأمين العام لحزب "جبهة التحرير الوطني" السيد عبدالحميد مهري وزعيم حركة "حماس" الشيخ محفوظ نحناح وسألتهما عن المرحلة الجديدة وسبل الخروج من المأزق. مهري: تحديد مضمون الحوار عن طريقة التعاطي مع العهد الجديد والحوار وما إذا كان زروال الفرصة الاخيرة قال مهري: "عهد جديد؟ لا. هناك سلطة جديدة. اما ما عدا ذلك فليست لدينا معطيات نستطيع الحكم من خلالها. في الواقع ان فكرة المرحلة الانتقالية فكرة نعارضها بصورة مطلقة. نعتقد ان هذه المرحلة انتهت ويجب التفكير في العودة المنظمة والمخططة الى الأوضاع الطبيعية. أما اقتطاع زمن معين دون بحث محتوى ماذا سنفعل خلال هذه الفترة فإنه يعني تأجيل المشاكل وتمضية الفترة دون حل أي مشاكل. اما عن تعاطينا فهو حسب السياسة التي سيطبقها وسينتهجها زروال في مواجهة الازمة. سياسته ستحدد موقفنا. نحن مستعدون للحوار دائماً لكن نريد التعرف على محتوى كلمة الحوار. قبل سنتين كانت هذه الكلمة مرفوضة من قبل بعض الاطراف والآن هناك من يتبناها ككلمة وهناك من يريدها للتغطية. بالنسبة للفرصة الاخيرة فأنا ليس لدي مثل هذا الانطباع. الفشل سيكون مؤسفاً في حال حصوله ولكن كل حالة تفرز حلولها. وبالنسبة للآمال اقول اذا كان هناك أمل فلأن الوعي اصبح شاملاً لضرورة الحل السياسي عبر الحوار ولضرورة التوصل سريعاً الى حل. لا بد من بلورة مفهوم الحوار وهو يتحدد بتحديد اهدافه. نحن نرى، وقبل ايقاف المسار الديموقراطي، ان الضرورة كانت قائمة لائتلاف وطني لمواجهة مشاكل التغيير نحو الديموقراطية من جهة واقتصاد السوق من جهة اخرى. الفارق بين 1990 واليوم انه اضيفت الى القضايا والمشاكل الموضوعية التي يتطلبها التغيير المشاكل التي افرزها العنف. اذا كان المقصود بالحوار جمع الطاقات لمواجهة الازمة وجمع كل الاطراف حول مائدة واحدة فهذا شيء اما اذا كان المقصود تزكية سلطة او تكوين تكتل ضد قسم من الرأي العام فهذا شيء آخر ولا نشارك فيه. وبالنسبة الى ما سيفعله حزب جبهة التحرير خلال المرحلة الانتقالية الجديدة قال: "ماذا سنفعل وما هي السياسة التي سنطبقها خلال ثلاث سنوات. في رأينا السياسة متروكة على بياض. الشيء الواضح هو اننا سننتظر 3 سنوات تماماً كما كان الامر قبل سنتين حين وعدنا بالعودة الى المسار الانتخابي ولم تحدد السياسة". تحالف "الجبهات" غير مطروح حالياً وعما اذا كانت هناك صلات مع "الانقاذ" او تفكير في التحاور معها اجاب: "لا. الآن ليست هناك أي علاقة. ليست لدينا مشاكل ثنائية مع أي حزب وليست لدينا مشاكل ثنائية نتحاور فيها مع السلطة. نحن نختلف في كيفية معالجة الازمة ورأينا ان الحل يستلزم اجماعاً وطنياً وحواراً يجمع كل الاطراف. اعتقادي هو ان كل يوم يمر يزيد من الخطر المحدق بالمجتمع. خطر بقاء الازمة واستفحالها. كل الميادين معطلة: الحياة السياسية والاقتصادية، والامن منعدم وعلاقاتنا الخارجية معطلة. تسألني عما اذا كانت جبهة "الانقاذ" جاهزة للحوار؟ من الصعب ان اجيب عنهم. من يدعو الى حوار يجب ان يدعو الى حوار حقيقي وعند ذلك تتضح مسؤولية الاطراف". وعن احتمال قيام تحالف بين جبهة التحرير وجبهة الانقاذ وجبهة القوى الاشتراكية قال: "هناك نقاط التقاء بين جبهة التحرير الوطني وفاعليات اخرى ولكن ليس هناك حتى الآن اي مشروع تحالف او تكتل جزئي مع اي جهة كانت". وعما اذا كانت الاحداث التي اعقبت وقف المسار الانتخابي قبل عامين قد أدت الى تغيير في احجام القوى السياسية التي اظهرتها الانتخابات قال: "ليس لدينا مقياس موضوعي نقيس به. عاش المجتمع هزات ولا نعرف ماذا ستفرز اي انتخابات. ثقتي بالشعب الجزائري كبيرة. وتجربة الجزائريين مع الانتخابات قديمة فقد ادخلها الفرنسيون في بدايات القرن واستخدمت لايصال مرشحين الى البرلمان الفرنسي. وحرية الانتخاب كانت من الاشياء المسلم بها وأدى تزوير الانتخابات في 1948 من جانب الادارة الفرنسية الى تكثيف العمل المسلح. المفروض ان الجزائر التي عرفت هذه التجربة لا ترتكب خطأ من نوع ايقاف المسار الانتخابي". ورداً على سؤال عما اذا كان يفضل اسناد الرئاسة الى عبدالعزيز بوتفليقة قال مهري "كنا نفضل العودة الى الشعب" وحين لفتناه الى صعوبة ذلك في الظرف الحالي قال: "نحن نطلب تنظيمها وقبل ذلك لن نشارك في تعيين او تزكية اي سلطة. نحن لا نشارك الا في اطار حوار جاد وتفاهم على حلول وحين يستلزم الامر تحمل مسؤوليات مع الآخرين عند ذلك ندرس. نحن طرحنا العودة الى الحياة الدستورية ودرس الخروج من مسلسل العنف واعادة الطمأنينة للمجتمع وحياة دستورية كاملة والعودة الى الشعب وتنظيم انتخابات وعرضنا برنامجاً اقتصادياً. كل هذه القضايا مترابطة والازمة متعددة الابعاد وعلى الحل ان يغطي كل هذه الابعاد". وبالنسبة الى ما يجري داخل حزب جبهة التحرير ومقدار مسؤوليته عن التردي الحالي قال: "بعدما كان الحزب الواحد صار حزب جبهة التحرير كسائر الاحزاب من الناحية القانونية وخارج السلطة. وهو حزب يؤمن بضرورة التغيير نحو نظام ديموقراطي تعددي ونحو اقتصاد السوق بالاضافة الى تبنيه المشروع الوطني والتراث التاريخي لثورة نوفمبر تشرين الثاني يركز الخطاب السياسي اليوم على تحميل الحزب، وكما هو موجود الآن، تبعات ما حصل في الماضي. وأصحاب هذا الخطاب من الصحافيين والسياسيين وغيرهم كانوا في هذا الحزب ومنهم من يصدر اعنف الخطب في محاولة للتنصل من قسطهم من المسؤولية في تسيير الماضي. والملفت للنظر هو بقاء النظام قائماً بكل سلبياته بل بسلبيات اكبر بعد خروج جبهة التحرير الوطني من الحكم. ومعنى هذا ان سلبيات الماضي لم يفرزها الحزب وحده بل افرزها نظام سياسي لم يكن الحزب فيه الا الغطاء الظاهر". ويتطرق مهري الى موقف حزبه من العنف ويقول: "الموقف المبدئي قبل دخولنا في المسلسل العنيف الحالي هو اننا ندين العنف بكل انواعه بما فيه العنف اللفظي الذي يمهد للعنف الفعلي. نحن ندين العنف ونستنكره كوسيلة للعمل السياسي لاعتقادنا انه لا يحل اي مشكلة. ندين العنف مهما كان مصدره، وبغض النظر عن هوية ضحاياه ولكن التنديد الانتقائي يتضمن معنى قبول العنف في وجه آخر. موقفنا في الواقع اكثر جذرية. نحناح: التخلي عن العقلية الاحادية رداً على سؤال عما اذا كان وصول زروال يعجل في فتح باب الحل قال الشيخ نحناح: "في البداية نقول ان التحولات السريعة في الجزائر عملت فيها الاجهزة المقررة على ان تكون بين يديها مجموعة بدائل ظهر فشل الكثير منها وخير مثال المجلس الاعلى للدولة. وقد راهنت هذه الهيئة على تجفيف منابع العنف لكن اتضح انها اعجز من ان تحل اي ازمة سواء اقتصادياً او امنياً او سياسياً، خصوصاً وان الشعب الجزائري ومن خلال ممارسات معينة فقد الثقة بكل طرح سلطوي يأتي من أعلى المراكز المقررة ولهذا جاءت فكرة رئاسة الدولة بشكل مغاير لما كانت عليه في عهد بوضياف. اما الامين زروال فقد قذفت به المؤسسة الى أعلى رأس الهروم ليزول عن هذه البلاد الهم ولكنه سيجد نفسه حتماً امام تحدي جزائر على فوهة البركان ودولة على حافة الهشاشة وأزمة في عمق المستنقع واقتصاد مجرثم لم يتمكن من النهوض لعوامل تاريخية وتخطيطية وتسييرية. ولعل اجتماع المسؤوليتين الكبريين في يد الأمين زروال مع ما قدمه من يمين مغلظة ومع ما يوجد في المؤسسة العسكرية من وحدة وتماسك قد يكون العامل الأساسي في الخروج الئ شاطئ الشرعية بفتح باب الحوار الشامل والعميق وبأقل التكاليف. هذا هو المأمول خصوصاً إذا وضعنا في الاعتبار ان الأمين زروال كان من المغضوب عليهم في الفترة السابقة ثم عاد من تقاعد لم يدم طويلاً الى رأس وزارة الدفاع ثم ليتحول الى رئاسة الدولة دون نيابة ما يسمح له بتوسيع هامش المناورة واتخاذ المواقف دون حاجة لمراجعة بعض الأجهزة. لكن أبإمكان الأمين زروال ان يعيد الثقة وان يعيد الدولة الجزائرية الى الشرعية وان يتحكم في أعصابه أمام الأزمة السياسية والاقتصادية؟ وهل يستطيع أن يكون أباً للجزائريين جميعاً وليس أباً لمؤسسات الدولة فقط؟ هذا ما ننتظره إذا استطاع التخلي عن عقلية الاحادية والتكيف مع المعطيات الجديدة في الوطن ضمن التحولات الاقليمية والدولية. اننا نلاحظ ان موضوع السيادة الوطنية وربط الجزائر بعجلة التبعية الثقافية والاقتصادية للخارج مع تراكمات التعفن السياسي السابق قد لا تسمح لأي مسؤول مهما كانت قدراته العقلية والنفسية وحنكته السياسية ان يتجاوز هذه التحديات من غير آلام تصل حتى النخاع. والمعروف ان العنصر العسكري له من الصلابة في ما إذا أضيفت اليها مرونة الديبلوماسية السياسية ما يمكنه من الجمع بين المتناقضات. فهل يستفيد من صلابته العسكرية ومرونته الديبلوماسية أم ان أحد الطرفين يتغلب على الثاني. أملنا في أن تتحول الجزائر الى الشاطئ الآمن بأقل التكاليف وهذا يفرض على أي مسؤول وفي أي موقع كان ان يتصف بصفة الصرامة إذا اقتضت الصرامة وكذلك بالتسامح". وعما يمكن أن يحدث في حال تعثر مهمة زروال قال: "إذا فشل زروال فإن الجزائر غنية برجالها سواء الموجودين داخل الخزانة القديمة أو الذين تفرزهم الخزانة الجديدة. الحديث عن حرب أهلية هو قول بعض المتقولين اما نحن فعلى اعتقاد جازم بأن أنواع المكر التي تخطط للجزائر، في الداخل والخارج، لا يمكن لشعبنا الا أن يرمي بها بعيداً وهو صاحب قدرة على امتصاص بؤر الصراع حتى وان كانت في قمة التعقيد". هدنة لتفادي الأسوأ ورداً على سؤال عن رأيه في المطلوب من زروال في المرحلة المقبلة قال: "الأساس الذي يجب أن ينطلق منه أي مسؤول ليس تصفية الحسابات بل المصلحة العليا للوطن والأمة وأهمها الآن إدارة الظهر للمشاكل المفتعلة والتي تعمل بعض الخفافيش السياسية امعاناً فيها ولزرع عملية التيئيس وروح الاحباط. أما المنطلق الثاني لأي رئيس فهو أن يكون أباً لجميع المواطنين. والثالث ان يفتح باب التحاور والتناصح والتشاور مع أي طرف كان في الطبقة السياسية الراغبة في الخروج من الأزمة ولعل نبذ ممارسة التصريحات والمواقف المتشنجة سيهيئ الأجواء التي تضمن لقاء الفرقاء والشركاء وهذا الذي يفرض أن تقام الحجة حتى على الذين أصابتهم لوثة الحدة". وعن خطوات معينة لتسهيل قيام الحوار قال: "من الضروري بمكان ان يعلن الجميع الهدنة لتفويت الفرصة على من يريدون دفع المؤسسة العسكرية الى مواجهة الشعب ولعل الافراج الأخير عن بعض الانقاذيين يعتبر عربوناً على أن ثمة نوايا حسنة لكن الذين لديهم رغبة في ان تعيش الجزائر في هذا التلوث الأمني يعملون على التوتير والتصعيد وخلط الأوراق". وتطرق الى عملية مهاجمة الأجانب فقال: "نعتقد ان الدولة الجزائرية التي تعطي تأشيرة الدخول الى البلد هي المؤهلة لحماية الرعايا الأجانب. ورغبة الأطراف المسلحة أو غيرها في مطاردة الرعايا الأجانب واختطافهم واغتيالهم تنمّ عن روح عدوانية لا علاقة لها بالاسلام ولا علاقة لها بالوطنية وهي غريبة كل الغرابة عن قيم الشعب الجزائري وأخلاقه". وعن قتل العلمانيين والمثقفين قال: "كل تطرف يولد تطرفاً مثله أو أكبر منه. تشبث السلطة بالسلطة طوال 30 سنة أدى الى أن ينفجر في وجهها تطرف شديد. غير أن الذي لا يمكن أن يعقل هو أن التطرف الذي يمسك بيده بطاقات تكفير الناس وتفسيقهم وتضليلهم هو دلالة على روح كهنوتية مستكنة، وأي تصرف فاسد ينم عن تصور فاسد، وليس في الاسلام فكرة ان الغاية تبرر الوسيلة. ولهذا فإن ملاحقة المثقفين والصحافيين والموظفين والمدنيين والمصلحين هي فكرة تنطلق من فكر سبئي أو صابئي أو حشاش". ورداً على سؤال عما إذا كان يعتبر اغتيال رئيس جمعية الارشاد والاصلاح السيد محمد ابو سليماني رسالة موجهة اليه أجاب: "هي رسالة لتدمير الجزائر وليست رسالة لحركة سياسية أو دعوية. وهذا يدل على أن الرعونة السياسية والضحالة الفكرية والتدين المغشوش يفضي الى هذه الممارسة وأكثر، اذ ليس من المعقول في عرف المتحضرين ان يخطف عالم من بيته بعد صلاة الفجر ويبقى أسيراً ومسكوتا عنه من كل الأطراف الرسمية وغير الرسمية مدة 60 يوماً ثم يتضح ان الرجل الشهيد ناله من التعذيب الشيء الكثير ثم ذبح من الوريد الى الوريد وهو المعروف في حركتنا بتسامحه واعتداله وتوازنه. وإذا ما كان الاغتيال ينصب على من سموا الطواغيت فإن الشيخ بوسليماني من علماء الجزائر وكبار الدعاة فيها وكل هذا ليس غريباً بقدر الغرابة من الجهات التي تبنت الفعلة الشنيعة باسم الاسلام، وأغرب من الأولى والثانية هو ان تستنكر الفعلة من بعض الاسلاميين من غير تنديد واضح بفاعليها والبراءة منهم وبهذا المعنى أصبحت الجزائر بلاد العجائب". الحل في الانتخابات ويعود الشيخ نحناح الى التأكيد على طريق الخروج من الأزمة بالقول: "الحل هو الذهاب الى صناديق الانتخابات بكل موضوعية وبعيداً عن رغبة مستكنة في البقاء في السلطة رغم أنف الجميع ولو على أسنة الرماح وبعيداً أيضاً عن فكرة الوصول الى السلطة ولو فوق أنهار من الدماء". وعن احتمال حصول تفاهم بين الجيش و"الانقاذ" على حساب الأطراف الأخرى قال: "نحن لا نخشى إلا أن تكون الجزائر في حرب ولكن اذا كان هناك اتفاق فحيا. اذا كانت مصلحة الوطن في زوالنا فلنزل فالأهم هو المصلحة العامة". وكان لا بد من سؤال الشيخ نحناح عن علاقات "حماس" الجزائرية بالحركات الاسلامية في المنطقة فأجاب: "بحكم علاقاتنا بالاسلام وطروحاته تكونت لنا علاقات مع حركات اسلامية كثيرة في المنطقة العربية والمنطقة العجمية مع مراعاة الخصائص التاريخية والجغرافية لهذه الأوطان. ونسيج الأمة الاسلامية هو نسيج الانسجام والتناغم وليس نسيج التنافر والتقاتل ولهذا تسمى أمتنا أمة اسلامية. غير أن هناك مسألة يجب أن تكون واضحة وهي ان حركتنا بحكم ممارساتها السياسية المعتدلة والديموقراطية والنابذة للعنف وانتهاجها النهج السلمي في كل الحالات لا يمكن أن تتفق الا مع نظرائها وأشباهها. وهذا أكبر هامش دعوي وسياسي يلتقي عليه كل الراغبين في ازدهار شعوب المنطقة وتقدمها، واما موازين التشنج والغلو والحدية والتضييق على الناس فانها ليست من طبيعة الاسلام وليست من خصائص الحركة".