خلال الاسابيع الاخيرة تركزت انظار العالم في الشأن الجزائري على مسلسل المذابح البشعة التي ارتكبت هناك، حتى تحولت هذه القضية الى حالة منفردة، وتم تناسي كونها نتاجاً لحالة معقدة، أو ثمرة مرّة لشجرة ضخمة، لا يمكن التعامل معها بشكل منفرد. ولعل السؤال الجوهري يتركز الآن حول ما اذا كان وقف المذابح سيحل المشكلة في الجزائر، رغم اولوية هذه القضية. ذلك ان ظلالاً من الشك تحوم حول صحة هذه النظرية، أي وقف العنف دون حل لمجمل المعضلة في الجزائر. في تعليقها على زيارة وفد الترويكا الاوروبية الى الجزائر، ذهبت المرأة الاقوى في الجزائر، لويزة حنون، رئيسة حزب العمال الى ان "المسألة الاساسية لنا هي الحرمان الاقتصادي والاجتماعي الذي هو وراء مأساتنا. اللجنة الدولية هي خديعة في بلد يشهد حرباً. لا يمكن ان تقوم اللجنة بشيء. يجب اولاً ان يحل السلام. يجب ايجاد حل سياسي حتى يسلم الملثمون المسلحون الاسلحة". وطالبت حنون بحل سياسي تفاوضي يشمل جبهة الانقاذ، وهو الموقف الذي تؤيده اغلبية القوى السياسية، باستثناء، حليف النظام المشارك في الحكومة الشيخ محفوظ النحناح. المصيبة ان هذه القناعة السائدة في أوساط اغلبية القوى السياسية في الجزائر لم تلامس عقل النظام حتى الآن. فهو يعتقد ان حكاية استكمال المؤسسات التشريعية قد انهت المشكلة، وانه ما ان ينجح الحل الامني في انهاء العنف، حتى يستتب الوضع له، وتصبح الأزمة نسياً منسياً. بينما الواقع العملي يقول غير ذلك. فاقصاء طرف الازمة الرئيس لم ولن يفرض حلاً على الاطلاق، خاصة بعدما اثبتت الاحداث ان الانقاذ خارج سياق الاتهام بالعنف، وان الطرفين المتهمين بارتكابه هما الدولة والجماعات المسلحة، والطرفان مدانان من طرف الانقاذ وقياداتها في الداخل والخارج. لذلك كله، فان المساهمة الحقيقية في حل المشكلة الجزائرية برمتها، انما تكمن في الدعوة الى الحل السياسي الذي يتجنب الاقصاء، والذي يمكنه فرض السلام والأمن ورفع الغطاء عن القتلة أياً كانت هويتهم، وسوى ذلك ليس سوى محض اطالة للازمة، وامعاناً في تعذيب الشعب الجزائري. لقد بات مؤكداً ان ثمة قوى استئصالية في الجزائر، تعمل كتجار الحروب، وان هذه القوى ما تزال تستفيد من اطالة الازمة، وتملك الاستعداد للذهاب بعيداً في لعبة الدم. وقد آن الاوان لكشف هذه القوى والجهات الخارجية التي تقف خلفها، ولن يكون ذلك سوى من خلال الحل السياسي الذي يشارك فيه الجميع، وعلى رأسهم جبهة الانقاذ. هناك احتمالان لا بد من الاشارة اليهما هنا: الاحتمال الأول ويفترض ان تصعيد المذابح من قبل ميلشيات الدفاع الذاتي التابعة للحكومة انما يهدف الى جعل المذابح القضية الاهم، وليتم شطب مطالب الحل السلمي، وعندما تتوقف ينتهي كل شيء، باعتبار ان خطوات المسار الديموقراطي قد اتخذت والعنف قد انتهى، وبذلك، عادت الامور الى طبيعتها. اما الاحتمال الثاني وهو الارجح، فهو ذهاب اصابع الاتهام في اتجاه مجموعة معينة من الجنرالات، حسبما أشار رئيس الوزراء الاسبق عبدالحميد الابراهيمي، وهذه المجموعة لم يعجبها سعي زروال الى تأكيد سلطته الكاملة على الجيش ومؤسسات الدولة، كما حاول بوضياف من قبل، غير ان مواجهة ذلك لن تكون بسهولة بوضياف، ولذلك سعى الجنرالات اياهم الى تنفيذ المذابح لتقويض سلطات الدولة، وقد يصل الأمر حد الانقلاب على زروال، وليتم ايقاف المذابح بعد ذلك لتأكيد حسنات الوضع الجديد. ولعل ما يزيد في تعزيز هذا الاحتمال تصعيد المذابح بعد محاولات زروال اجراء تغييرات حساسة في اجهزة الجيش. اضافة الى اشارة الرئيس الى ذلك مباشرة في المدية حين رفض اتهام الاسلام بالعنف ولمح الى تورط مليشيات امازيغية بربرية في ما يجري. قد يرفض البعض مثل هذه الاحاديث، غير ان واقع الامر يقول ان العقل الامني يمكن ان يذهب ابعد من ذلك في سياق سعيه للوصول الى السلطة. غير ان الاحداث ستثبت فشل ذلك على أرض الواقع، حيث يتواصل الاحتقان السياسي، فيما سيستمر العنف، وان بشكل آخر. سبع سنوات وحوالى مئة ألف ضحية لم يقنعوا حزب العسكر بالتخلي عن الحل الامني، كمسار وحيد للتعامل مع الازمة، كما طالبت كل القوى المعتبرة في الشارع الجزائري، ومع ذلك، يسأل الكثيرون عن الظالم والمظلوم في ما يجري!