الحقيل يؤكّد أهمية الشراكة السعودية – التركية    "البُن الشدوي".. قهوة سعودية بنكهة الطبيعة    "قصور العسابلة" تستقبل عشاق التراث بالنماص    شوريات يشاركن باجتماعات "العشرين" للبرلمانيات    رسميًا.. الاتحاد السعودي يعلن رحيل سعد الشهري    مهام جهات الرقابة بحماية المُبلِّغين والشهود    "بيت حائل" يعيد الزمن الجميل    تكريم الطلبة الفائزين بمسابقة المهارات الثقافية    بخيوط الحرير والذهب.. كسوة الكعبة بأنامل سعودية    من أعلام جازان.. الإعلامي جبريل بن خليل المعافى    القبض على حسام حبيب بتهمة ضرب شيرين عبدالوهاب    مشروع التوطين الصيفي لشاغلي الوظائف التعليمية.. اليوم    عبير صبري تعود بمسلسلين جديدين    أخضر الطائرة يواجه العراق .. في رابع مبارياته في البطولة العربية    يورو 2024.. هولندا تُكمل أضلاع المربع الذهبي وتضرب موعداً مع إنجلترا    كشافة المملكة يستكشفون علوم وتقنيات الفضاء في "ناسا"    وزير الخارجية البريطاني الجديد يزور ألمانيا    تغيير كسوة الكعبة المشرفة    توقعات بعودة هجمات برامج الفدية حول العالم    «العهنة» يزهو بلونه البنفسجي الجاذب    الأهلي يبدأ تحضيراته للموسم الجديد    القبض على عشرة مروجين للمخدرات    أتربة مثارة على منطقة المدينة المنورة    ولي العهد مهنئاً رئيس وزراء بريطانيا: نسعى لتعزيز علاقات بلدينا الصديقين    «الصحة العالمية»: ابتعدوا عن الوحدة تقربكم من الوفاة    بتوجيهات ودعم القيادة الرشيدة.. مساعدات سعودية مكثفة ومستمرة لإغاثة الشعب الفلسطيني    نقل مواطن تعرض لوعكة في طرابزون    كشافة المملكة يستكشفون الفضاء بزيارة "ناسا الأمريكية"    شارك في اجتماعات المجلس الأوروبي.. وزير الخارجية: ضرورة حل الدولتين وخطوات أكثر صرامة بشأن الاحتلال    مراهقة تصادف توأمها على «تيك توك»    كشافة المملكة يبهرون العالم    ضبط (16565) مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    تعزيز السياحة المحلية وتقديم تجربة ترفيهية مميزة للزوار.. حديقة «سيتي ووك جاردن» تجذب رواد موسم جدة    وافق عليها المقام السامي.. منح الجنسية السعودية لعلماء وباحثين ومبتكرين    محافظ الطائف يقدم التعازي لرئيس نادي عكاظ    رؤية 2030.. عالمية    مخطط المملكة العربية السعودية لنجاح الفعاليات العالمية    "بصمات" بجامعة الملك فيصل يحتضن 120 موهوبًا    المتاحف الخاصة بالحدود الشمالية توثق تاريخ المنطقة    "مانجا" تُطلق العرض الأول لمسلسل "جريندايزر يو"    الفريق السعودي "Team Falcons" يحقق لقب أولى بطولات كأس العالم للرياضات الإلكترونية    كانتي لا يعرف الهزيمة مع (الديوك)    ضيوف الرحمن يعيشون روحانية المسجد النبوي    دي بروين يوافق على الانتقال ل" الاتحاد"    تطوير حبات أرز بنكهة اللحم    المجلس الصحي يطلق تحذيرًا جديدًا.. مختصون ل(البلاد): المشروبات «المحلاة» خطر على الإطفال    السند يطلع على منجزات "الأمر بالمعروف" في موسم الحج    محافظ الطائف يقدم التعازي لرئيس نادي عكاظ    ضبط شخصين بالمدينة لترويجهما 75 ألف قرص إمفيتامين    كم مرحلة تمر على صناعة كسوة الكعبة المشرفة؟    دراسة تؤكّد ارتباط التدخين بالخرف    اصدقاء البيئة والجمعية السعودية للإعاقة السمعية توقعان إتفاقية تعاون مشتركة    النائب العامّ يبحث تعزيز التعاون القانوني مع الصين    «الأحوال المدنية»: أمرٌ سامٍ بمنح الجنسية السعودية ل«محمد العنزي»    أمر ملكي: للوزير رفع طلب تحديد من يحلّ محلّه من نوابه.. والاتفاق معه على الصلاحيات    أمير القصيم يبارك حصول جميعة الإسكان الأهلية بالقصيم على جائزة الأمير محمد بن فهد    محافظ بيش يتابع تحسين المشهد الحضري لطريق الملك عبدالعزيز    محافظ بيش يرأس اجتماع لجنة السلامة المرورية الفرعية بالمحافظة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سراييفو في ذلك السبت المرعب . المذبحة
نشر في الحياة يوم 14 - 02 - 1994

سيدة عجوز تبيع زهوراً. شاب في العشرينات يصف امامه اكواما من الخشب. فتاة تبحث عن حاجة لأمها. فجأة توقفت الحياة في قلوب 68 مواطناً ... وتعالى صراخ اكثر من 200 جريح.
قتلى وجرحى ممددون علي الارض، الدماء تغطي المكان ... وخليط من بقايا ما يشبه الخضار والفواكه. ورعب يطبق على المكان، فهذا اسوأ يوم تعرفه ساراييفو منذ اندلاع الحرب.
في منتصف نهار السبت في التاريخ المذكور وبالتحديد بين الساعة 12 و30،12 كان سوق ساراييفو المركزي يغص بزبائن وتجار جاؤوا لتبادل سلع متواضعة تتيح لهم البقاء. وكان السوق تعوّد في نهاية الاسبوع ان يشهد حركة كثيفة لا تقارن بحركة الاحياء الاخرى في العاصمة البوسنية. فالناس يأتون الى السوق وفي ظنهم انهم بمأمن من القذائف ليس فقط لاعتقادهم بصعوبة تبرير قصف السوق من طرف الصرب، ولكن لأن السوق نفسه يقع في منطقة محاطة بأبنية من كل جانب ولا يمكن ان تأتيه القذائف العشوائية وإن جاءته قذائف فمن الصعب ان تكون صادرة عن رام هاو.
باختصار ربما كان زبائن السوق افرطوا في ثقتهم بابتعاده عن مرمى النيران، وربما سمحت لهم تجربتهم السابقة بمثل هذا الاعتقاد.
في ذلك الوقت انطلقت قذيفة صربية من مدفع هاون من عيار 120 ملم. وهذا النوع من القذائف ينشطر فور انفجاره الى آلاف الشظايا. لذا فان قذيفة واحدة كانت كافية لاحداث مذبحة حقيقية. ويعرف مطلق القذيفة انها ستؤدي الى مجزرة في سوق شعبي تتجمع فيه في وقت واحد وفي لحظة واحدة اكبر نسبة من سكان المدينة. انها اذن مجزرة حقيقية عن سابق تصور وتصميم.
بعد وقوع المجزرة فقدت التفاصيل معناها، لذا اصبح الحديث عن عدد القتلى غير ذي فائدة: مصادر تقدرهم بپ66 قتيلاً و200 جريح. ومصادر اخرى تتحدث عن 100 قتيل وأكثر من 300 جريح. ولعل اهالي المدينة الذين نجوا من المذبحة لم يصدمهم حديث الأرقام بقدر ما صدمتهم ردود فعل القوات الدولية في ساراييفو هذه القوات التي ما زالت تحمل اسم "حفظ السلام".
ردود الفعل الأولى للقوات الدولية كانت معاينة مكان القذيفة لمعرفة الجهة التي انطلقت منها. فكان رجال الامم المتحدة يقيمون اعتباراً جدياً وحقيقياً لتصريحات زعيم صرب البوسنة رادوفان كاراجيتش الذي أكد فور وقوع المجزرة أن المسلمين هم الذين اطلقوا القذيفة على مواطنيهم. في هذا الوقت خرج المواطنون عن طورهم وصبوا غضبهم على مثل هذه المبادرة.
ولم تتأخر قوات الأمم المتحدة في تصويب موقفها فأصدرت تصريحات أكدت فيها أن القذيفة انطلقت من شمال غربي المدينة حيث تتمركز المدفعية الصربية ومن حيث اعتادت أن تأتي قذائف الموت العشوائية الى ساراييفو.
قذيفة "السبت" هي الواحدة بعد 300 ألف قذيفة من مختلف العيارات سقطت على المدينة خلال 22 شهراً الماضية. وهي وإن كانت الأشد ايلاماً فان ما سبقها من قذائف أدى الى حصيلة مأسوية. وتشير مصادر موثوقة الى انها حصدت 7872 قتيلاً بينهم 1563 طفلاً و278 امرأة حاملاً وجرح 57897 مواطناً، بينهم 2900 ألف اصيبوا بعاهات دائمة لمدى الحياة.
واذا كان السؤال عبثياً عن الهدف من المجزرة وتوقيتها بالنسبة الى أهالي المدينة الذين يدركون بما لا يدع مجالاً للشك أن الصرب يريدون تصفيتهم وان الاستراتيجية الصربية القائمة على التطهير العرقي تفترض بداهة مثل هذه العمليات وان كل ما حصل حتى الآن يقع ضمن هذه الاستراتيجية، اذا كان التساؤل عبيثاً بالنسبة الى البوسنيين فانه طُرح من زاوية التوقيت بالنسبة الى المراقبين الخارجيين: لماذا الآن ولماذا مذبحة بهذا التصميم وبهذا الحجم؟
الذين يدافعون عن الصرب وخصوصاً اصدقاءهم السلافيين يؤكدون أن قذيفة "السبت" لم تكن مقصودة، وأن الصرب لم يكونوا بحاجة الى وضع العالم كله بمواجهتهم كما هي الحالة الآن.
دور جيرينوفسكي
في المقابل يرى المراقبون الحياديون أن المذبحة كانت مقصودة وأن توقيتها يرمي الى تحقيق الاهداف الآتية:
1- الرد على المبادرات العسكرية الناجحة التي نفذها الجيش البوسني على الجبهتين الكرواتية والصربية خلال الأسابيع الماضية. ومعروف ان هذا الجيش نظم صفوفه وتحرر من قياداته البيروقراطية السابقة وأخذ زمام المبادرة من الميليشيات ذات التنظيم السيئ والاعداد الضعيف. وهكذا صار الجيش البوسني يضم 200 ألف رجل منظمين ومدربين تدريباً جيداً، وصار التنسيق بين وحداته فعالاً وقادراً على حماية مواقع المسلمين وردع الاختراقات الصربية - الكرواتية وتطهير جيوب ومواقع الطرفين في بعض الحالات. ما اعاد الثقة للبوسنيين بوسائلهم وجعلهم يأملون بتحقيق شروط تفاوض أفضل حول مصيرهم.
لذا جاء الرد الصربي من خلال احداث مذبحة لإحباط البوسنيين وللرد على ارتفاع معنوياتهم.
2- قبل المجزرة كانت المواقف الدولية، خصوصاً الاوروبية، ضاغطة على المسلمين من أجل حملهم على القبول بمشروع تقسيم البوسنة. وبدا أن الحديث الأوروبي الذي شاركت في جزء منه وحدات الامم المتحدة، عن امتناع البوسنيين عن التزام خطة التقسيم، جاء ليشجع الصرب على ارتكاب مجزرة جديدة والافادة من اجواء النقد الموجهة ضد البوسنيين.
3 - لم يحسب الصرب يوماً أن أية مجزرة ومن أي نوع يمكن أن تعدّل في ميزان الصراع الداخلي طالما أن مسلسل التهديدات الدولية المتواصل بالرد على الصرب لم يقترن بالفعل. لذا فان ارتكابهم المجزرة يأتي في سياق قناعة لديهم بأنهم مهما ارتكبوا من فظائع فان احداً لن يردعهم.
4 - تأتي المجزرة، وفق بعض المصادر، لتعزّز من اندفاع التيار العنصري وغلبته داخل الجيش الصربي الذي يحاصر ساراييفو، خصوصاً بعد زيارة زعيم اليمين الروسي المتطرف جيرينوفسكي لخطوط القتال الصربية وطمأنة الصرب الى ان التعرض لهم سيقود الى "حرب عالمية"، وان روسيا لن تقف على الحياد اذا ما تعرضوا لهجمات دولية، ما يعني ان غلاة الصرب باتوا اسياد الموقف وقادرين على ارتكاب المذابح من دون حساب ومن دون الخوف من أي رادع دولي.
اذا صدقت المؤشرات الدولية الراهنة التي نشأت بعد المجزرة فان صرب البوسنة ربما يكونون ارتكبوا خطأ مميتاً. فهذه المؤشرات تدل الى بداية تحول جدي في الموقف الدولي من قضية البوسنة.
فمن المعروف ان وسائل الاعلام الدولية التي نقلت مشاهد المجزرة الى كل بيت في العالم دفعت الحكومات الاوروبية والأميركية التي كانت تجرجر مواقفها من هذه الحرب، الى الوقوف بجدية حيال ما حدث والبحث عن مبادرة حقيقية لردع الصرب.
لذا لم يعد بامكان القوى الدولية اذا ما أرادت أن تحافظ على الحد الأدنى من الصدقية، ان تتصرف بعد المجزرة كما كانت تتصرف قبلها، ما يعني ان حرب البوسنة ستدخل منعطفاً جديداً وان الموت المجاني اليومي الذي تتعرض له ساراييفو لن يطول كثيراً أو انه على الأقل سيدخل في هدنة.
في كل الحالات لن تظلّ الأمور في ساراييفو كما كانت عليه قبل المجزرة، سلباً أم ايجاباً، وفي هذه الحالة يكون الجندي الذي اطلق قذيفة "السبت الأسود" صنع من دون أن يدري حدثاً تاريخياً، وساراييفو ليست بعيدة عن احداث طبعت تاريخ العالم. ألم تنطلق منها الشرارة الأولى للحرب العالمية الثانية؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.