رئيس لجنة مراقبة وقف النار يصل لبنان    وفاة والد الأستاذ سهم الدعجاني    نفاذ تذاكر "كلاسيكو" الاتحاد والنصر    «فار مكسور»    طبيب يواجه السجن 582 عاماً    مطربة «مغمورة» تستعين بعصابة لخطف زوجها!    بسبب المخدرات .. نجوم خلف قضبان السجن!    مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة يوقع عددًا من مذكرات التفاهم    التشكيلي الخزمري: وصلت لما أصبو إليه وأتعمد الرمزية لتعميق الفكرة    الملحم يعيد المعارك الأدبية بمهاجمة «حياة القصيبي في الإدارة»    تقدمهم عدد من الأمراء ونوابهم.. المصلون يؤدون صلاة الاستسقاء بالمناطق كافة    «كورونا» يُحارب السرطان.. أبحاث تكشف علاجاً واعداً    ساعتك البيولوجية.. كيف يتأقلم جسمك مع تغير الوقت؟    الرياض يتغلّب على الفتح بثنائية في دوري روشن للمحترفين    تعزيز حماية المستهلك    هل يمكن للبشر ترجمة لغة غريبة؟ فهم الذكاء الاصطناعي هو المفتاح    «قمة الكويت».. الوحدة والنهضة    مملكة العطاء تكافح الفقر عالمياً    اكتشافات النفط والغاز عززت موثوقية إمدادات المملكة لاستقرار الاقتصاد العالمي    مرآة السماء    ذوو الاحتياجات الخاصة    في عهد الرؤية.. المرأة السعودية تأخذ نصيبها من التنمية    الاتحاد السعودي للملاحة الشراعية يستضيف سباق تحدي اليخوت العالمي    انطباع نقدي لقصيدة «بعد حيِّي» للشاعرة منى البدراني    عبدالرحمن الربيعي.. الإتقان والأمانة    رواد التلفزيون السعودي.. ذكرى خالدة    روضة الآمال    قيمة الهلال السوقية ضعف قيمة الأندية العربية المشاركة في المونديال    المغرد الهلالي محمد العبدالله: لا مكان لنيمار والمترو الأفضل وحلمي رئاسة «الزعيم»    هيئة الترفيه وأحداثها الرياضية.. والقوة الناعمة    فصل التوائم.. البداية والمسيرة    «متلازمة الغروب» لدى كبار السن    نائب وزير الموارد البشرية يزور فرع الوزارة والغرفة التجارية بالمدينه المنورة    إنصاف الهيئات الدولية للمسلمين وقاية من الإرهاب    «COP16».. رؤية عالمية لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي    "راديو مدل بيست" توسع نطاق بثها وتصل إلى أبها    كابوس نيشيمورا !    بالله نحسدك على ايش؟!    الاستدامة المالية    لولو تعزز حضورها في السعودية وتفتتح هايبرماركت جديداً في الفاخرية بالدمام    رسائل «أوريشنيك» الفرط صوتية    وكالة الطاقة الذرية: إيران تخطط لتوسيع تخصيب اليورانيوم بمنشأتي نطنز وفوردو    حملة توعوية بجدة عن التهاب المفاصل الفقارية المحوري    مفتي عام المملكة ونائبه يستقبلان مدير فرع الرئاسة بمنطقة جازان    أمير تبوك يستقبل المواطن مطير الضيوفي الذي تنازل عن قاتل ابنه    برنامج مفتوح لضيوف خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة "بتلفريك الهدا"    رئيس مجلس أمناء مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة يعقد اللقاء السابع عشر    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الدورة ال 162 للمجلس الوزاري التحضيري للمجلس الأعلى الخليجي    بالتضرع والإيمان: المسلمون يؤدون صلاة الاستسقاء طلبًا للغيث والرحمة بالمسجد النبوي    الدكتور عبدالله الوصالي يكشف سر فوزه ب قرص الدواء    إنسانية عبدالعزيز بن سلمان    أمير حائل يعقد لقاءً مع قافلة شباب الغد    أكدت رفضها القاطع للإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.. السعودية تدعو لحظر جميع أسلحة الدمار الشامل    محمد بن عبدالرحمن يشرّف حفل سفارة عُمان    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ضابط الاستخبارات السابق سامي الخطيب "في عين الحدث" 45 سنة من تاريخ لبنان ... والفيلم السوري الطويل
نشر في الحياة يوم 18 - 09 - 2008

ليس صعباً على قارئ كتاب اللواء سامي الخطيب "في عين الحدث" نشر خاص - بيروت 2008، أن يلاحظ، أن الكاتب، كان في معظم الأحيان، مشاركاً وإن بنسب متفاوتة، أو مراقباً أحياناً أخرى، في ما مر به لبنان والبلدان المجاورة من أحداث طوال عقود ثلاثة. ففي العام 1958، وبعد تخرجه في المدرسة الحربية بثلاث سنوات فقط، تقدم على رأس فصيلته التي كانت متمركزة في مستديرة شاتيلا، إثر حوادث 1958، للتصدي لإنزال الجنود الأميركيين على شاطئ الأوزاعي، جنوبي بيروت، من دون موافقة أو علم رؤسائه المباشرين أن القيادة العسكرية العليا، واضعاً السواتر الترابية وقاطعاً الطريق العام. ولدى معرفة قائد الجيش، في تلك الفترة، الجنرال فؤاد شهاب بما حصل اتصل به هاتفياً وقال له:"برافو يا خطيب اللي عملتو مش عاطل أبداً، ولكن لازم تحافظ على حركتك العسكرية ... لازم الشباب ... اللي حدك يرجعوا لمراكزهم في داخل حرج بيروت، وتفتحوا الطريق للناس"، مطمئناً إياه الى أن ما قام به لن تكون له ذيول مسلكية. يعلق اللواء على هذه الواقعة بالقول:"يمكن أن تكون هذه الخطوة قد أسست لمستقبل جيد لي في المؤسسة العسكرية". أما آخر مهمة كلّف بها فكانت عام 1983، كان يشغل حينها مركز قائد قوات الردع العربية قبل أن يحلها الرئيس أمين الجميل في 31-3-1983، عندما انتدبه الجميل ليكون ممثلاً شخصياً له لدى الرئيس السوري حافظ الأسد ولينقل رسالة خاصة منه الى هذا الأخير، وهي عبارة عن محضر الجلسة العشرين لپ"سبر الموقف السوري"من المفاوضات التي كانت جارية آنذاك بين لبنان وإسرائيل وأدت الى اتفاق 17 أيار مايو. لقد فوجئ اللواء بأن لدى السوريين محضر الجلسة العشرين والواحد والعشرين لهذه المفاوضات، ويعتقد أن الأميركيين والأمم المتحدة هم من سرّب هذه المحاضر لتخفيف وطأة المعارضة السورية. أما الرد السوري على إصرار الرئيس اللبناني على إجراء هذه المفاوضات بمنأى عن السوريين، على رغم أنه هو وآخرين قد حذروه من هذه المفاوضات، فكان"تسهيل دخول طلائع حرس الثورة الإيرانية الى البقاع بحجة المشاركة في الجهاد ضد العدو الإسرائيلي الذي هو عدو الإسلام قاطبة وإعادة تسليح ميليشيا الحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط، وكذلك ميليشيا"أمل"بزعامة نبيه بري"، وعلى الصعيد الدولي إقناع الرئيس السوفياتي يوري أندروبوف بتعويض سورية ما فقدته في المواجهة العسكرية مع إسرائيل في لبنان...
يصف الكاتب الساحة اللبنانية في منتصف خمسينات القرن الماضي، فيرى أنها خضعت لتيارين اثنين: الأول مؤيد للرئيس المصري جمال عبدالناصر الذي أمّم قناة السويس وطرد الإنكليز منها وأقام الوحدة المصرية ? السورية، والثاني تتزعمه الولايات المتحدة التي كانت تسعى لضم لبنان الى حلف بغداد لمواجهة النفوذ المصري المتزايد على الساحة اللبنانية. نتجت من مواجهة هذين التيارين حوادث 1958 وانتخاب رئيس جديد للجمهورية هو قائد الجيش الجنرال فؤاد شهاب، فعرف لبنان هدوءاً ملحوظاً، خصوصاً بعد"لقاء الخيمة"على الحدود اللبنانية - السورية في 9/2/1959 بين شهاب وعبدالناصر. وقد وجد في ذلك"احتراماً وتقديراً للسيادة الوطنية لكلا البلدين".
في بداية الستينات فُصل الضابط الخطيب الى أركان قيادة الجيش ? الشعبة الثانية"ليبدأ مع هذا التاريخ فصل جديد في حياتي المهنية والوطنية وفي صياغة تطلعاتي وطموحاتي"، كما قال. ومن مجريات الأحداث الواردة في هذا الكتاب، في هذه المرحلة، نستطيع القول إن النشاط المتعدد الأوجه للشعبة الثانية كان، في معظم الأحيان، مقترناً بمشاركة اللواء الخطيب.
مع حلول هذا العقد أخذت الأحداث العاصفة تهز الوضع اللبناني من جديد. فقد حصل الانفصال بين مصر وسورية عام 1961، وبسبب العلاقة الجيدة بين لبنان والجمهورية العربية المتحدة والتي أقامها عبدالناصر وشهاب، بدأ مسؤولو الانفصال الجدد يوجهون الاتهامات الى الحكم اللبناني بأنه يؤوي أعداء النظام السوري"ويقيم المعسكرات والمخيمات والمراكز"لتدريب العناصر المناوئة لهم، فكان على أركان الشعبة الثانية دحض هذه المغالطات لتصويب الاتجاهات، لكن وبعد أقل من سنتين، في 8/3/1963، حصل انقلاب آخر أطاح الانفصاليين، بعدها تسلم السلطة في دمشق حزب البعث العربي الاشتراكي وسلك الفريق الحاكم الجديد الطريق نفسه باتهامه السلطة اللبنانية بإيواء الناصريين الفارين الى لبنان.
في المجال السياسي اللبناني فقد أجريت الانتخابات النيابية عام 1964، التي ارتدت طابعاً مميزاً، إذ ان انتخابات رئاسية ستجرى بعد أشهر عدة. سيطر الشهابيون على الأكثرية في المجلس الجديد، وعند إصرار الرئيس شهاب على عدم المسّ بمواد الدستور ورفض التجديد لولاية جديدة، تم تأييد شارل حلو كمرشح للفريق الشهابي. سجّل في بداية العهد الجديد تنافر بين الرئيس حلو والشعبة الثانية، وكما يقول اللواء الخطيب:"في الوقت الذي كنا نعمل جميعاً بقيادة المقدم غابي لحود لتهيئة مناخ صحي وجيد للعمل مع العهد الجديد ... كان الرئيس حلو يحضّر في السر لعملية سياسية كبيرة تغير المشهد السياسي في لبنان وتجعله على حد اعتقاده أكثر حرية في اتخاذ القرارات بعيداً من فؤاد شهاب وضباط الشعبة الثانية".
في هذه الأثناء، ابتدأ الصراع العربي - الإسرائيلي يأخذ منحى تصاعدياً، ودخل الفلسطينيون على خط المواجهة مع إسرائيل من خلال العمليات العسكرية داخل الأراضي الإسرائيلية وعلى الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، وعاشت المناطق الحدودية في مناطق الجنوب اللبناني هواجس الحرب الإسرائيلية على لبنان. ومع ذلك، يقول الخطيب:"وحتى حرب حزيران يونيو 1967، ظل الوضع الفلسطيني في لبنان تحت سيطرة أجهزة الأمن اللبناني الكاملة وبالتحديد الشعبة الثانية". ان النتائج المباشرة لهذه الحرب، التي انهزمت فيها الجيوش العربية المشاركة، على لبنان الذي لم يشارك فيها"جعلت الدولة اللبنانية بكامل أجهزتها تتعامل مع الواقع الفلسطيني الجديد بمرونة أكبر"، وشهد هذا الواقع نشوء الكثير من المنظمات الفدائية الفلسطينية المؤيدة للعمل العسكري ضد إسرائيل والتي"أخذت تنتشر في الجسم اللبناني مثل الفطر".
لم تفلح المبادرات التي قدمتها السلطة اللبنانية في الحد من تجاوزات القوى الفلسطينية على حساب القانون والدستور ومصالح الشعب اللبناني، ولم يصمد طويلاً الحوار الإيجابي الاستيعابي الذي قامت به الشعبة الثانية للنشاط الفلسطيني على الساحة اللبنانية، وأدى هذا المناخ المتوتر الى اتفاق القاهرة الذي كان قد مهد له مسودة اتفاق بين قائد الجيش اللبناني العماد إميل البستاني الطامح الى تولي رئاسة الجمهورية - والقائد الفلسطيني ياسر عرفات، بين الجانبين اللبناني والفلسطيني برعاية الرئيس المصري جمال عبدالناصر في 3/11/1969، إن أهم ما يجب ذكره بالنسبة الى هذا الاتفاق أن رئيس الحكومة اللبنانية رشيد كرامي الذي كان من المقرر ترؤسه الوفد لم يحضر بحجة أن الحكومة التي رأسها مستقيلة، فحلّ محله البستاني، وكلّف الضابط الخطيب أمانة سر الوفد اللبناني، ولم يصل ياسر عرفات الى القاهرة إلا بعد خمسة أيام بحجة"أنه كان مشغولاً بإدارة العمليات العسكرية في لبنان"، وأن له شروطاً، على الدولة اللبنانية تلبيتها قبل قدومه الى القاهرة، وأخيراً لم يطّلع مجلس النواب اللبناني على بنوده بل صادق عليه بمادة وحيدة. وبالنسبة الى العمل الفدائي الفلسطيني، اتُفق على تسهيل العمل الفدائي، وذلك من طريق:
- تسهيل المرور للفدائيين وتحديد نقاط مرور واستطلاع في مناطق الحدود.
- تأمين الطريق الى منطقة العرقوب.
بعد ذلك تسارعت الأحداث على الساحة الإقليمية: القتال الأردني ? الفلسطيني وكان من أهم نتائجه انتقال آلاف الفلسطينيين المسلحين مع الكثير من قادتهم الى لبنان عبر سورية، ما أوجد وضعاً ملتهباً جديداً على الساحة اللبنانية، ووفاة الرئيس عبدالناصر على أثر إنهاء مؤتمر القمة العربية الذي عُقد في القاهرة لمعالجة الخلاف الفلسطيني - الأردني المتفجر. أما على الصعيد الداخلي اللبناني فقد انتُخب رئيس جديد لرئاسة الجمهورية هو سليمان فرنجية ضد ممثل التيار الشهابي الياس سركيس، وبذلك بدأت مرحلة جديدة بالنسبة الى الشعبة الثانية وقادتها، ومنهم سامي الخطيب.
اعتبر اللواء الخطيب، في بداية هذه المرحلة، أن العام 1970 عام مفصلي، إذ بعد مشاركته في مؤتمر القمة العربية في أيلول سبتمبر 1970 بصفته من ممثلي قيادة الجيش، عاد الى لبنان ليجد أنه أعيد الى الجيش وعيِّن معاوناً ثالثاً لقائد منطقة جبل لبنان، إلا أنه لاحظ بداية مؤشرات"الواقع العقابي الجديد"، على رغم مساعي قائد الجيش العماد نجيم"التخفيف من وطأة الحمى الانتقامية لدى الحكم الجديد". فاتفق على تعيين ضباط الشعبة الثانية السابقين ملحقين عسكريين في السفارات اللبنانية في الخارج، وكان نصيبه"ملحقاً عسكرياً في باكستان"، ومع ذلك لم تنته المضايقات والملاحقات في حقه الى أن سُرِّح من الجيش"فسلّم بطاقة هويته العسكرية"، في 19/4/1972. أما التهم التي وجهت اليه وبقية رفاقه السابقين:"التدخل في السياسة والإدارة وحجز حريات وإتلاف مستندات..."، فقرر اللجوء الى سورية التي أصبحت تحت حكم الرئيس حافظ الأسد بعد الحركة التصحيحية التي قام بها عام 1970، وفعلاً لجأ الى سورية في شباط فبراير 1973 وبقي هناك الى حزيران 1974. أعاد اللواء"اللاجئ السياسي المميز"، في دمشق الحرارة الى علاقاته القديمة، خصوصاً مع الفريق الحاكم على مختلف المستويات. ويذكر أنه في آذار مارس 1974 بحث للمرة الأولى موضوعاً لبنانياً مع حكمت الشهابي حول انتخابات الرئاسة اللبنانية التي سيحين موعدها بعد سنتين وتأييده الياس سركيس. من أهم الأحداث التي حصلت على الساحة اللبنانية في هذه الفترة مقتل ثلاثة قياديين من منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت، على أيدي كومندوس إسرائيلي تسلل الى بيروت ما أدى الى إضافة تعقيدات جديدة على العلاقات اللبنانية - الفلسطينية، وأدى تدخل سلاح الجو اللبناني في الصراع الى خلاف حاد بين الرئيس فرنجية ورئيس الحكومة، وأخيراً وفاة الرئيس شهاب.
أما على الساحة الإقليمية فكانت الحرب السورية ? المصرية على إسرائيل في السادس من تشرين الأول اكتوبر 1973 حيث أشاد اللواء كثيراً بقيادة الرئيس السوري لهذه الحرب مُلقياً اللوم على الرئيس المصري أنور السادات لإيقافها. تحسنت العلاقات بين الرئيسين فرنجية والأسد، ما سمح بإعادة فتح ملف الضباط اللاجئين الى سورية. وفي 24/6/1974، عاد هؤلاء ليمثُلوا أمام المحكمة العسكرية ولتصدر الأحكام ببراءتهم في 5/8/1974 ولينصرف اللواء الخطيب الى العمل في ميدان التجارة والبناء والتعهدات.
بعد ذلك تعرضت الساحة اللبنانية لأحداث دراماتيكية، منها مقتل معروف سعد أحد الناشطين في صيدا ثم اندلاع الحرب اللبنانية - اللبنانية على أثر حادث مقتل عدد من الفلسطينيين في"باص"في منطقة عين الرمانة شرق بيروت. وفي 13/4/1975 بدأت حرب السنتين، وتخلل هذه الفترة وصول الرئيس إلياس سركيس الى مركز الرئاسة خلفاً للرئيس فرنجية لتبدأ مرحلة جديدة بالنسبة الى اللواء الخطيب.
يلاحظ أن اللواء الخطيب، كان في هذه المرحلة، مراقباً أكثر منه مشاركاً في الأحداث التي جرت على الساحة الداخلية والإقليمية، ما عدا مهمة واحدة، الى جانب نشاطه لانتخاب الياس سركيس رئيساً للجمهورية، هي حمله، في آذار 1976، رسالة من النائب أمين الجميل الى المسؤولين السوريين لمدّه بالذخيرة والسلاح ليتصدى لطلائع الحملة الفلسطينية مع جيش لبنان العربي التي كانت وصلت الى تخوم بلدة المروج في المتن الأعلى بعد احتلالها المتين وعينطورة، مما يشكل تهديداً جدياً وخطيراً للقوى المسيحية التابعة للنائب الجميل.
يصف الكاتب شهر آذار 1976 بشهر السقوط الكبير للمؤسسة العسكرية. يقول في هذا الخصوص:"إن القيادات العسكرية التي تسلمت السلطة كانت غير قادرة على ضبط المسار وتنمية التوجيه الوطني الحقيقي للمؤسسة، ولا الشعبة الثانية حرصت على إكمال مهمتها، فكانت النتيجة تفتت الجيش اللبناني الى وحدات متعددة الولاءات بحسب القوى الداخلية والإقليمية الداعمة لها". في هذه الأثناء، وقبل تسلم الرئيس سركيس مهماته الرسمية، وبعد تحسن العلاقات بين الحكمين اللبناني والسوري، أصدر الرئيس فرنجية بالاشتراك مع رئيس الحكومة رشيد كرامي مرسوماً قضى بإعادة الضباط الذين لجأوا الى سورية سابقاً الى الجيش وذلك بتاريخ 28/4/1976،
انطلق الرئيس سركيس لتدعيم حكمه وتفعيل انطلاقته، من الدعوة الى مؤتمر قمة عربية، فكان مؤتمر الرياض في 16/10/1976 وضم كلاً من مصر والسعودية وسورية والكويت ولبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية. وبعد يومين من المناقشات اتخذ المؤتمرون القرارات الآتية: الدعوة الى وقف إطلاق النار على الساحة اللبنانية بين جميع القوى المتقاتلة، وتعزيز قوات الأمن العربية، التي كانت وصلت منها كتيبة ليبية فقط بناء لقرار اتخذه وزراء الخارجية العرب سابقاً، وتحويلها الى قوات ردع وتنفيذ اتفاق القاهرة بين الدولة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية. وقد أكد اجتماع القمة العربية العام الذي عقد في القاهرة يومي 25 و26 من الشهر نفسه هذه القرارات. وهكذا وصل الى لبنان 30 ألف جندي معظمهم من السوريين ووضعوا بإمرة الرئيس سركيس، الذي عيَّن العقيد أحمد الحاج قائداً لهذه القوات بتاريخ 1/11/1976.
لكن هذا الأخير ما لبث أن اعتكف في منزله احتجاجاً على مداهمة بعض أفراد القوات السورية بعض الصحف اللبنانية من دون علمه وموافقته. يقول الكاتب عن هذه المرحلة ان الخلاف بدأ باكراً بين اللبنانيين والسوريين بسبب عدم معرفة رجال كل طرف رجال الطرف الآخر، وتعاطى السوريون مع اللبنانيين بقسوة، في حين أعرضت بعض الفئات اللبنانية عن التعاون الكلي مع السوريين. ويضيف أن السوريين"مستعدون للمسامحة بكل شيء في سياسة المنطقة العربية - شرقي المتوسط إلا بموضوع لبنان، فهو كالشرك بالله، فلبنان هو عطية الله للسوريين وهم غير مستعدين على الإطلاق للتنازل عن درهم واحد مما أعطاه الله لهم في لبنان".
عندما تسلّم اللواء الخطيب قيادة قوات الردع العربية في 11/4/1976 خلفاً للعقيد الحاج كانت الساحة اللبنانية تتعرض لتغيرات جذرية، إن لجهة التحالفات بين القوى المتقاتلة، أو لجهة دخول وخروج لاعبين عليها. فالحكم اللبناني كان يرى أن تطبيق اتفاقية القاهرة تطبيقاً أميناً يريح الوضع ويبرد الأجواء، لذلك كلف قائد قوات الردع العربية السابق وضع تفسير جديد وتحديد الأسس الوطنية الثابتة للتنفيذ، إلا أن اللجنة العربية الرباعية المكلفة الإشراف على التنفيذ تغيبت عن الاجتماع الذي دعاها اليه الرئيس سركيس ما عدا المندوب السوري، وعندما حمل اللواء الخطيب خطة التنفيذ، بصفته قائداً جديداً لقوات الردع، ليعرضها على السلطات السورية، كان الجواب اننا لا نستطيع مواجهة الفلسطينيين بمفردنا على الساحة اللبنانية.
قضى بشير الجميل في السابع من تموز يوليو 1980، في المناطق الخاضعة لهيمنته على التنظيمات المسلحة الأخرى فلم تبق فيها إلا البندقية الكتائبية أو القواتية، ومنذ تلك الفترة قفزت فكرة الترشح لرئاسة الجمهورية من"دائرة الخيال الى دائرة الواقع الحقيقي ووضعت المعادلة: مقاومة زائد شرعية يساوي دولة قوية"، وأخذ فريق عمله يهيئ الأجواء في مختلف الاتجاهات، فأمّن تأييد الإدارة الأميركية وازداد تقربه من الرئيس سركيس الذي كان من غير المحبذين للفكرة، وقال لبشير لدى طرح الفكرة عليه:"إنك تعرض عليّ واحداً من أمرين: إما أن تقوم بانقلاب عسكري بموافقتي أو أن أقوم بانقلاب سياسي بمساندتك. وهذا ليس بسيطاً يا شيخ بشير، ولا سهل التحقيق. فلنأخذ وقتاً للتفكير ودرس الإمكانات المتاحة وطبيعة المرحلة المقبلة، قبل اتخاذ أي قرار". كما استطاع أن يمد جسور الحوار مع بعض الدول العربية ومنها سورية، في حين بقي معظم رجال الطرف الإسلامي اللبناني من المعترضين.
أصبحت الأجواء مهيأة لحدث كبير، وتعرض السفير الإسرائيلي في لندن في الرابع من حزيران 1982 لمحاولة اغتيال، فاستغلت إسرائيل الحادث ونفذت خطة كانت قد أعدتها سابقاً واجتاحت الجنوب اللبناني تحت اسم"عملية سلام الجليل"وهدفها المعلن إبعاد منصات الصواريخ والمدفعية الفلسطينية مسافة 45 كيلومتراً عن المستعمرات الإسرائيلية في الجليل، لكن الحملة العسكرية الإسرائيلية تابعت تقدمها، عندما لم تصطدم بمقاومة تؤخر هذا التقدم، الى العاصمة اللبنانية بيروت حيث خضع الشطر الغربي منها لحصار شرس، وأرغم قادة المقاومة الفلسطينية وعناصرها على مغادرة هذا الشطر من العاصمة الى تونس. أما على الصعيد السياسي فقد انتخب بشير الجميل رئيساً للجمهورية في تاريخ 23 آب أغسطس 1982، لكنه اغتيل في 14 ايلول قبل تسلمه مهماته الرسمية، فانتخب شقيقه الأكبر أمين رئيساً وذلك بعد مرور أسبوع على الحادث.
بدأت المفاوضات اللبنانية - الإسرائيلية بعد وصول قوة متعددة الجنسية لحفظ الأمن في العاصمة اللبنانية، وتتابعت لتؤدي الى اتفاق 17 أيار 1983، في حين أن الرئيس اللبناني حل قوات الردع العربية في 31 آذار وانتقل اللواء الخطيب ليكون ممثلاً شخصياً للرئيس الجميل لدى الرئيس السوري حافظ الأسد.
يؤرخ كتاب اللواء سامي الخطيب لمرحلة مهمة ودقيقة من تاريخ لبنان الحديث، ومن الطبيعي أن يتفق القارئ معه في أمور ويختلف في أخرى، لكن تبقى العبرة في الاستفادة مما جاء على لسان مشارك رئيسي في هذه المرحلة. يعلق الكاتب على كيفية تعاطي الدول الإقليمية والدولية مع تهديد الرئيس سركيس بالاستقالة في تموز 1978، فيقول:"... تراءت لنا سياسة سورية تجاه الولايات المتحدة واضحة جداً: فإما أن يبقى الجيش السوري في لبنان, وإما أن يفقد لبنان استقراره، وعلى الولايات المتحدة أن تضبط إسرائيل، وإلا فلتتحمل حرباً كبيرة في الشرق الأوسط. وهكذا تبدو البراعة السياسية السورية في أجلى مظاهرها، فهي تعرف كيف تطرح نفسها كخصم للأميركيين وفي الوقت ذاته كأهون الشرور! أليس ما يجري اليوم في الشرق الأوسط هو نسخة منقحة عن الفيلم السوري الطويل؟".
* كاتب لبناني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.