ارتفعت حدة المواجهة بين الأجنحة السياسية الايرانية قبل الانتخابات الاشتراعية والرئاسية المقبلة، وبرزت اثناء الاحتفال بذكرى احتلال السفارة الاميركية في طهران في تشرين الثاني نوفمبر 1989، وقبل ذلك اندلعت احتجاجات طلاب الجامعات على قرار كاد يتخذه البرلمان وصفه "الطلاب الثوريون" بأنه مقدمة لتحويل التعليم العالي الى القطاع الخاص. وسرعان ما تطورت الاحتجاجات لتتجاوز حد التعليم الى توجيه انتقادات حادة لحكومة الرئيس هاشمي رفسنجاني، خصوصاً لبرامجه الاقتصادية وخطة التنمية التي بدأت قبل خمسة اعوام. ففي 30 الشهر الماضي نظم آلاف الطلاب الجامعيين في طهران مسيرة سلمية وأصدروا بياناً نددوا فيه بالسياسات التعليمية القائمة و "سيطرة المنحرفين" على المرافق التعليمية والاقتصادية وانتقدوا برامج الرئيس رفسنجاني ودعوا الى محاسبة المسؤولين الذين ساهموا في ايجاد مصاعب سياسية واقتصادية مطالبين بالتحقيق مع محافظ البنك المركزي السابق محمد حسين عادلي الذي حمّلوه مسؤولية تدهور قيمة الريال الايراني في مقابل الارتفاع الحاد للعملات الاجنبية الدولار الاميركي. وكان عادلي نفذ سياسة تراجع عنها، قبل ان يمتنع رفسنجاني عن تجديد ولايته على البنك المركزي، واستمرت خمسة اعوام في تعويم الريال الايراني وتشجيع السوقين الحرة والسوداء. سيطرة "المنحرفين" واللافت ان رفسنجاني لم يعمد الى تغيير عادلي لأنه، اي رفسنجاني، يسعى الى تغيير السياسة النقدية، والدليل انه عين مكانه مستشاره للشؤون الاقتصادية محسن نور بخش، بعد ان فشل في الحصول على ثقة البرلمان كوزير للاقتصاد والمال. وقال نور بخش وهو يتسلم منصبه الجديد انه سيستمر في تنفيذ سياسة المحافظ السابق الذي ينسجم معه في كل شيء. لذلك فان دعوة الطلبة ووراءها يقف جناح المتشددين الى اعادة فتح ملف عادلي ترمي الى توجيه السهام مباشرة الى رفسنجاني وبرامجه الاقتصادية. وانتقد الطلاب، قبل يومين من قيام تظاهرات رسمية مدعومة من الحكومة قرب المبنى السابق للسفارة الاميركية، رواج الأفكار المنحرفة والارتداد عن القيم، وانحوا باللائمة على كبار القيادات في اختيار مسؤولي الاجهزة التنفيذية المختلفة على قاعدة المحسوبية. وحذروا من وجود قوى خفية تعمل على ابعاد الطلاب عن التفكير في الواقع وممارسة النشاط السياسي، وقالوا ان "سيطرة الرأسماليين والمنحرفين" في ايران ستبقي باب الصراع مفتوحاً بين الطلبة ومن وصفوهم ب "المرتدين الذين لا يروق لهم مشاركة الطلاب في العمل السياسي". ورفضوا اعادة العلاقات الايرانية - الاميركية، محذرين الذين يريدون اعادة هذه العلاقات بأنهم "سيواجهون الثوريين اصحاب النظام والثورة الحقيقيين". واستخدم أحد أقطاب المتشددين ومن زعماء "الطلاب الثوريين" والجناح المعارض اصطلاح "أصحاب النظام والثورة الحقيقيين" ووجه الشيخ هادي خامنئي شقيق مرشد الثورة علي خامنئي اتهامات عنيفة الى برامج رفسنجاني وسياسة حكومته الخارجية والوضع الاقتصادي وعلاقة المعارضة بالنظام. وتميزت الشعارات التي اطلقت في التظاهرة غير الرسمية بأنها استهدفت اساساً مواقع الحكومة وجناح اليمين الديني المحافظ المسيطر على البرلمان وحذرت من سيطرة "عملاء اميركا" على الوضع في ايران. ويشن جناح المتشددين من اليسار الديني هجوماً عنيفاً على ما يتردد في الاوساط الايرانية الرسمية عن اعادة العلاقات مع اميركا. وأشار بيانان للطلاب بهذا الخصوص الى معارضة الثوريين لمبدأ اعادة العلاقات داعين الى قطع التعاون التجاري المتنامي بين ايران والولايات المتحدة. وبلغ حجم الصادرات النفطية من ايران الى الشركات النفطية الاميركية اكثر من مليار دولار في العام 1993 وحده، ودعت ادارة المناطق الحرة المسؤول عن المراكز الايرانية للتجارة الدولية الحرة شركة ارامكو الاميركية لتعاون نفطي في جزيرة قشم الايرانية على الخليج. ونقلت مصادر ديبلوماسية في لندن ان الشركة زارت حقول النفط الايرانية في الجنوب وهي تدرس حالياً مشروع اتفاق لتوقعه لاحقاً مع شركة النفط الايرانية حول مشاريع نفطية داخل ايران. وكانت ندوة عقدت في طهران قبل ايام حول العلاقة الايرانية - الاميركية شاركت فيها قيادات ايرانية سابقة وحركة "الجهاد الاسلامي" الفلسطينية، وشن وزير الداخلية السابق علي أكبر محتشمي حملة ضد كبار المسؤولين الايرانيين واتهمهم بأنهم يستقون افكارهم السياسية والاقتصادية في "مؤسسات الجاسوسية الاميركية". وقال محتشمي ان بعض كبار المسؤولين الايرانيين ينتهجون سياسات ترمي الى "اعادة الهيمنة الاميركية" على ايران، وأوضح ان مواقعه القيادية السابقة سمحت له بالاطلاع عن كثب على افكار اولئك المسؤولين. ويقول ديبلوماسيون ان السماح بتظاهرة اليسار الديني خارج الجامعة تشكل نقطة تحول ايجابية لمصلحة رفسنجاني الذي فضّل حل الازمات الداخلية بمنح مزيد من الحريات السياسية. ميزان الشارع ولكن كيف يتسنى لرفسنجاني الافادة من صراع الأجنحة السياسية والاختلاف العميق بين وجهتي نظر متناقضتين في المؤسسة الدينية وتوابعها؟ يرى مراقبون ان تظاهرة اليسار وتنديد قادتها ببرامج رفسنجاني الاصلاحية ووقوف كبار اقطاب المتشددين خلف التظاهرة، وبينهم وزراء ونواب سابقون، افصح عن الحجم الحقيقي الذي يحظى به رفسنجاني في مقابل معارضيه المتشددين، اذ بدا الشارع الايراني غير مكترث تماماً بتظاهرة المتشددين لكنه انضم بقوة وحماس شديدين الى التظاهرة الرسمية التي انطلقت يوم الثاني من الشهر الجاري مع ان التظاهرتين انطلقتا من مكان واحد هو الجامعة وانتهت كلاهما عند مبنى السفارة الاميركية السابق. وعلى رغم ان الجناحين ومعهما الحكومة حثا على التظاهرة الثانية مع الفارق في الشعارات التي اطلقت في كل تظاهرة، أكدت من جديد ان رفسنجاني ما زال الاقوى على صنع القرار مهما كانت الظروف. وببيان آخر فان سماح السلطات الايرانية لتظاهرة المتشددين، وكانت منعتها العام الماضي في بداية الانفصال الرسمي بين اليسار الديني والحكومة، ابرز حجم التأييد الشعبي الذي يحصل عليه رفسنجاني في مقابل المعارضين من داخل النظام.