ما الذي يحدث في ايران اليوم ؟ ما الذي يقف وراءه ؟ سامي شورش يحاول أن يجيب يرى العديد من المراقبين ان الاسباب الرئيسية لاختطاف وقتل الكتّاب والأدباء في ايران، وآخرهم الناقد الفني والكاتب محمد جعفر بوينده الذي عثرت الشرطة على جثته قبل ايام، تكمن في محاولة اليمين المتشدد عرقلة جهود الرئيس محمد خاتمي في ميادين الانفتاح والتعددية والعلاقات الطبيعية مع العالمين الدولي والاقليمي. والواقع ان اوساطاً بين مقربي خاتمي، ومنهم رئيس اهم مجموعات اليسار مهدي كروبي، يرون الرأي نفسه كما ورد في رسالة الاخير الى رئيس مجلس القضاء اية الله محمد يزدي الذي يعتبر احد اهم رموز التشدد الديني في ايران. ويذكر ان رسالة كروبي، الاثنين الماضي، حملت اليمنيين مسؤولية تصفية الادباء والكتاب. والواقع ان القائلين بهذا الرأي، يرون ان الدافع وراء تركيز حملة القتل على الكتاب والمثقفين، تعود في الدرجة الرئيسية الى اعتماد خاتمي في برامجه الاصلاحية على هذه الشرائح الاجتماعية التواقة الى الحرية. من دون شك، يتضمن هذا الرأي وجاهة غير قليلة. فتجربة خاتمي اثارت وتثير مخاوف اليمينيين على رغم محدودية قدرتها على النجاح. لكن الارجح ان السبب الحقيقي وراء موجة العنف هو غير ذلك. وبغية فهم تفاصيل الصورة في شكل أدق لابد من النظر الى الخلفية التالية: في فترة رئاسة هاشمي رفسنجاني 1989 - 1997 أي في فترة ما بعد الحرب الايرانية - العراقية وغياب الخميني عن المشهد الديني السياسي الايراني، اطلق رفسنجاني حرية نسبية امام المثقفين ووعد باصلاحات اجتماعية واقتصادية وثقافية. وكان يحلو له ان يبرر هذه التوجهات بالقول ان اعادة بناء ما خربته الحرب مع العراق في النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تتطلب مناخا سياسيا وثقافيا جديدا. هذه الطروحات الرفسنجانية لم تحدّ من قوة اليمين المتشدد في أي من مؤسسات الحكم، بل لم تشكل اي خطورة داهمة على مواقع اليمين. وكان رفسنجاني حريصاً طوال فترتي رئاسته على عدم تمييز طروحاته عن الخمينية وعدم التفريط بدعم اوساط اليمين الديني المتشدد وأجهزة الحرس الثوري ودوائر الاستخبارات السرية. لكنها في الوقت نفسه حثت الكتّاب والأدباء الايرانيين على توقع تحولات ولو طفيفة في اتجاه الانفتاح وطروحات المجتمع المدني والاصلاحات. وعلى رغم ان قطاع الادباء والكتّاب العلمانيين حرصوا من جانبهم على تجنب الافراط في التفاؤل، الا ان تنامي احتمالات دور المثقفين كان كافيا في حد ذاته لغليان الدم في عروق اليمين. من هنا اطلقت اوساط اليمين موجة مرعبة من العنف والاغتيالات وعمليات الاختطاف ضد الادباء بهدف قص أجنحة الثقافة العلمانية وابداعاتها الادبية وأقلامها التي كانت تحاول اخذ موقع لها في المجتمع عبر الاستفادة من سياسات رفسنجاني. وشمل قص الاجنحة تصفية الأديب والناقد الأدبي سعيد سيرجاني والكاتب امير علائي والدكتور الباحث احمد تفضلي والدكتور كاظم سامي في ظروف غامضة بين 1992 و1995. ولاحقا حين جمع رفسنجاني حوله مجموعة من التكنوقراط والمتنورين الدينيين، وهي المجموعة التي لا تزال تعرف باسم حركة كوادر البناء، عاد الأدباء العلمانيون الى التطلع نحو تغيير محتمل على رغم انهم لم يصطفّوا مع رفسنجاني لا في جبهته السياسية ولا في جبهته الثقافية. وتجسد تطلعهم هذا في منتصف 1996 حين قدم 134 من الادباء العلمانيين طلبا الى الحكومة للموافقة على ترخيص اتحاد خاص بهم في ايران على غرار اتحادهم الناشط في الخارج. الحكومة رفضت الطلب. لكن اليمين لم يكتف بالرفض الحكومي، بل قامت اجهزة الامن الموالية له في تشرين الثاني نوفمبر 1996 باختطاف الكاتب ورئيس تحرير مجلة "آدينه" فرج سركوحي وآخرين من زملائه بينهم الصحافي الاديب "معروفي" الذي هرب قبل سركوحي الى المانيا. لاحقاً، حين دخل خاتمي معركة الانتخابات في أيار مايو 1997، استبشر هؤلاء الادباء والكتاب العلمانيون ببرنامجه الانتخابي. لكنهم ظلوا، كما في فترة رفسنجاني، بعيدين عن الارتباط بخاتمي وافكاره التي لاقت رواجاً واسعاً وسط المثقفين الدينيين واليسار الديني والاكاديميين الاسلاميين من امثال الدكتور عبدالكريم سروش. واللافت ان جل هؤلاء كان يملك تأثيراً كاسحاً على الوسط الطلابي في الجامعات إما نتيجة خلفياته الجامعية او لكونه من التكنوقراط او الاساتذة والمحاضرين الجامعيين او من المشتغلين في اوساط الصحافة والثقافة الدينية. واهم النماذج في هذا المجال سروش نفسه ورجل الدين المتنور الاصلاحي اية الله محمد مجتهد شبستري ووزير الثقافة الحالي عطاء الله مهاجراني والرئيس السابق لبلدية طهران غلام حسين كرباستشي ورئيسة تحرير صحيفة "زن - المرأة" التي عطلت قبل ايام، فائزة رفسنجاني. معروف ان اليمين المتشدد دخل في صراع متشابك مع قاعدة خاتمي في الوسط الثقافي الديني. وتجلى ذلك في حملات التضييق والطرد ومنع السفر والمحاكم والاعتقالات وغلق الصحف التي طالت افراد هذه القاعدة. لكن اللافت ان ايا من الحملات لم يصل الى حد التصفية الدموية. فاليمين الديني لا يزال يقتصر في استخدام هذا ضد العلمانيين على الاقل حتى الآن. وصول خاتمي هيأ مناخا مفعما بالامل للكتاب والادباء العلمانيين، لكن الواضح ان هذا الامل لم يصل الى حد التطلع الى تغيير النظام او تشكيل البديل عنه نظرا لمعرفتهم بضعف الاسس التي اصبحت عليها العلمانية في ايران خلال العقدين الماضيين. بل كل ما املوا فيه ان يحصلوا على اتحاد خاص بهم، وهو ما رآه اليمين اشارة الى نضوج اوان العودة الى شن موجة جديدة من العنف والاختطاف ضد الادباء من خارج دائرة خاتمي. خلاصة القول ان السبب وراء عمليات القتل والاختطاف الاخيرة قد تعوق تجربة خاتمي وقاعدته وتجربته. لكن الارجح ان السبب الرئيسي محاولات اليمين المتشدد تصفية الجو الثقافي الايراني لصالح الآيديولوجية الدينية ومنع العلمانيين من الاستفادة من الصراع القائم في صفوف الجبهة الدينية ما بين خاتمي ويساره من جهة واليمين ورموزه ومؤسساته من جهة ثانية. ولا يغير من كل هذا الاعلان المتكرر في ايران عن القاء القبض على افراد شبكة مسؤولة عن عمليات القتل والاختطاف. فمثل هذا الاسلوب الدعائي اصبح احدى سمات النشاط الامني في انظمة مغلقة كالنظامين الايراني والعراقي