قبل ان يعزله الإمام الخميني الراحل من منصب نائب الولي الفقيه، والخليفة المنتظر، كان آية الله حسين علي منتظري واحداً من أبرز رجال الدين الذين توجهت اليهم الانظار في ايران وخارجها خصوصاً خلال مواجهته الساخنة لنظام الشاه وتوليه مسؤولة الاشراف على حركات التحرر العالمية وعلاقتها بالنظام الجديد. وكانت الأجنحة السياسية الايرانية المختلفة، من داخل النظام وخارجه، تنظر الى آية الله منتظري باعجاب ما بعده اعجاب ووصفته كما الإمام الخميني الراحل بالفقيه الرفيع ذي المقام الشامخ. ولكن منتظري سرعان ما انحدر الى الهاوية باصراره المستمر على تأييد شقيق صهره مهدي الهاشمي ومجموعته المسؤولة عن عمليات قتل وعنف ومحاولات اعتداء على بعض الدول العربية. ورغم ان الخميني الراحل أشاد حتى بعد عزله منتظري بعلم الفقيه الذي يعد أول من أرسى قواعد الفقه الشيعي حول نظرية ولاية الفقيه والحكومة الاسلامية وزود تراث الشيعة بكتاب الفقهي الشهير عن الدولة الاسلامية المعاصرة دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الاسلامية ونصح الخميني بالابقاء على منتظري فقيهاً كبيراً والافادة من علمه، الا ان موقفه السياسي من النظام خاصة بعد وفاة مؤسس الجمهورية الاسلامية، جعل امكانية اختياره مرجعاً أعلى للشيعة في عداد الممنوعات التي يصعب تجاوزها في خضم المرحلة الحالية في ايران. وبعبارة فقد كان من مصلحة النظام لو لم تقع الفجوة بينه وبين منتظري تبني مرجعيته العليا خاصة وانه ربما يكون الوحيد الذي يعتقد، بين المراجع العظام، بتلازم الدين والسياسة ولا يؤمن بالفصل بين المرجعيتين الدينية والسياسية مع انه وافق على قرار عزله من خلافة الامام واستمر في مزاولة بعض النشاطات السياسية. ما بعد الاراكي واثر وفاة المرجع السابق آية الله محمد رضا الكلبايكاني حاول بعض الاطراف من داخل النظام الترويج لمرجعية منتظري ولكنها اصطدمت بمرجعية آية الله محمد علي الاراكي الذي يعيش ايامه الاخيرة وسط جدل لن يتوقف عن المرجع الذي سيخلف الاراكي في الزعامة الدينية العليا للشيعة. وساد الاوساط الايرانية نقاش حاد خلال الايام الماضية عن المرجع الذي يأتي بعد الاراكي، وتبنت أوساط قريبة من الحرس الثوري الدعوة الى تقليد منتظري ما أدى الى بروز مخاوف عكستها رسالة مفبركة وجهت الى مندوب الولي الفقيه خامنئي في قيادة الحرص الثوري عن الحكم الشرعي في من يقلد منتظري من افراد الحرس فأفتى موحدي كرماني بعدم الجواز. وفي قم وأصفهان العديد من يرجع الى منتظري في التقليد وكذلك في مدن اخرى وكلهم من الثوريين انصار النظام الأمر الذي دفع بمنتظري اخيراً الى كتابة رسالة مفتوحة لمرشد الثورة آية الله علي خامنئي فسرت بأنها محاولة لاصلاح ذات البين. وضمت الرسالة نقاطاً مهمة ركزت على تقديم نصيحة للولي الفقيه بحل محاكم رجال الدين الخاصة التي يرأسها حجة الاسلام محمدي ري شهري وجاء فيها ان تأسيس محاكم خاصة برجال الدين يتناقض مع الدستور الايراني الجديد ولذلك دعا منتظري الى حلها استناداً الى القانون. أكدت رسالة منتظري ايضاً ان الولي الفقيه القائد ليست له السلطة المطلقة غير المقيدة ويجب عليه ان يعمل في حدود القانون والدستور والشريعة الاسلامية. وزعم منتظري ان صمت مجلس الخبراء المسؤول عن تعيين القائد وكذلك مجلس صيانة الدستور حول اجراءات الحكومة والقائد، التي وصفها بأنها تتعارض مع القانون الدستور، أدت برأي منتظري الى عدم استقرار النظام في ايران. محاكم رجال الدين والدستور وعن المحاكم الخاصة برجال الدين قال منتظري ان تأسيس هذه المحاكم يناقض الدستور لأسباب عديدة وادعى ان هذه المحاكم خربت وجه الاسلام وصورة الحكومة الاسلامية في ايران وزعزعت هيبة مراجع التقليد وعلماء الدين لأنها تتدخل، كما قال، في جميع الشؤون الدينية لطبقة رجال الدين وخاصة مراجع التقليد بذرائع وصفها منتظري انها "واهية وغير قانونية". واستند منتظري في رسالته المفتوحة والطويلة الى المادة 61 من الدستور الايراني الذي اشرف منتظري بنفسه على وضعه خلال رئاسته لمجلس الخبراء المختص بتدوين الدستور. وقال ان المادة 61 تشترط وتؤكد ان تنفيذ الفعاليات القضائية يجب ان يتم من خلال المحاكم ووفقاً للموازين الاسلامية. وأضاف ان المحاكم الخاصة برجال الدين لا تتبع المحاكم القضائية ولا تعمل تحت اشراف السلطة القضائية وهي تستخف - كما ورد في الرسالة - بالقوانين القضائية. ولذلك فلا يحق لها التدخل في الشؤون القضائية. وانتقد منتظري ايجاد هذه المحاكم كما انتقد القائد الفقيه على تأسيسها والسماح باستمرارها كمحاكم مستقلة وقال ان انشاء هذه المحاكم تعمداً يعدّ اهانة واساءة وان لم يكن كذلك فيجب على الولي الفقيه حلها وتعويض ضحاياها عن الخسائر والأضرار التي لحقت بهم. مسؤولية القائد وقال منتظري في جانب آخر من الرسالة ان المادة 112 من الدستور تجعل القائد او اعضاء مجلس القيادة سواسية امام القانون ولا يحق بذلك للولي الفقيه تولي محاكم مستقلة وليس لأي مسؤول في البلاد ذلك. ووفق المادة 111 من الدستور فانه يجب على مجلس الخبراء الذي عين القائد واختاره بالاجماع ان يدرس هذا الموضوع بدقة وان المادة 110، والكلام لمنتظري، تحدد مسؤوليات وصلاحيات القائد في 11 بنداً لم تشر على حد ما جاء في رسالة منتظري الى تأسيس محاكم خاصة برجال الدين، ولذلك فإن ايجاد هذه المحاكم يعد أمراً غير قانوني، ووصف منتظري قرارات محاكم رجال الدين الخاصة بأنها غير مشروعة وتنطوي على اتهامات واهانات لرجال الدين وهي تأسست في عهد الإمام الخميني الراحل بموافقته، وقال منتظري انه طلب من الإمام حلها فوافق. ولكن هذا الادعاء لا يحظى بتأييد معارضيه في الحكومة الايرانية. عقدة مهدي الهاشمي وعودة الى سجل محاكم رجال الدين خاصة وانها كانت وراء اعدام مهدي الهاشمي وأنصاره وسجن العديد منهم، ولأن مهدي الهاشمي الذي كان في قيادة الحرس الثوري، كان وراء عملية الانفصال الكبيرة التي حصلت بين منتظري والنظام ومعارضة منتظري المستمرة اية اتهامات وجهت لشقيق صهره - ومن بعده الى صهره هادي الهاشمي - فان رسالة آية الله الاخيرة تبدو وكأنها محاولة لفتح باب الغزل بين منتظري والنظام لأن حل المحاكم الخاصة برجال الدين يعني أولاً توجيه ضربة للمراكز المعادية لمنتظري وثانياً اعادة الاعتبار الى مهدي الهاشمي وجماعته عبر تعويض عائلاتهم دون الخوض بتفاصيل جرائمهم ما داموا في العالم الآخر وغير قادرين على حضور محاكمة عادلة تجريها لهم محاكم داخل المؤسسة القضائية، وبذلك يمكن لمنتظري العودة من جديد الى البروز كفقيه ومرجع ديني أعلى. وحتى الآن لم ترد القيادات الايرانية الرسمية خاصة خامنئي على رسالة منتظري ولو كان الرد بالايجاب لأزاح منتظري أصعب العقبات التي تواجه مرجعيته العليا في ظل غياب مراجع عظام يؤيدهم النظام ويؤيدونه في وجه المنافسين الجديين سواء في العراق النجف مثل آية الله علي السيستاني، او في قم ومنهم آية الله محمد الروحاني. وقبل ان يصدر مثل هكذا رد سارعت جماعة الدين المحافظ التي تسيطر حالياً على مجلسي الخبراء وصيانة الدستور بالاضافة الى البرلمان، الى طرح اربعة اسماء لا يمكن لأحدهم ان يحظى بالإجماع في ايران ناهيك عن اوساط الشيعة في الخارج وهم آيات الله وحيد خراساني، ميرزا جواد تبريزي، الشيخ بهجت، فاضل لنكراني. دعوة لعزل وزير الداخلية وتزامنت دعوة منتظري المذكورة مع رسالة كتبها انصاره وهم في الغالب من طبقة مقلديه، وجّهوها الى الرئيس هاشمي رفسنجاني طالبوه فيها باقالة وزير داخليته علي محمد بشارتي ومحاسبته لاصداره أوامر باعتقال وضرب اعداد من الطلبة اقتحموا مبنى السفارة الفلسطينية في طهران. وأصبح بشارتي يملك صلاحيات واسعة بعد ان فوض البرلمان قوات الأمن الداخلي التي يقودها استخدام السلام وفتح النار على التظاهرات التي توصف بأنها أعمال شغب. وقد أجاز البرلمان لوزارتي الداخلية والأمن استخدام السلاح بهدف المحافظة على النظام العام والسيطرة على التظاهرات غير الشرعية وقمع أعمال الشغب والتمرد التي تخرج عن سيطرة الحكومة. ومن المتوقع ان يثير القانون الجديد غضب منتظري ويزيد الفجوة بينه وبين النظام. ومعروف عن منتظري انه وجه انتقادات حادة الى قانون آخر سمح البرلمان بموجبه بالحصول على قروض اجنبية.