تعتبر منى واصف من الممثلات الكبيرات في العالم العربي وتنتمي الى جيل الريادة الذي وضع بصماته على الفن، وخصوصاً المسرح، في سورية. ولطالما لفتت الانتباه بحضورها المتألق على خشبة المسرح وبطلّتها المتميزة في أعمال تلفزيونية وسينمائية عدة. وكان فيلم "الرسالة" الذي مثلت فيه دوراً بارعاً، المنعطف الحقيقي في خروجها من المحلية الى العربية. "الوسط" التقت منى واصف في منزلها في دمشق وكان معها هذا الحوار: كيف بدأت حياتك الفنية؟ - بدأت في أيلول سبتمبر 1961 كممثلة في المسرح العسكري وصوّرت في السنة نفسها مع الراحل عبداللطيف فتحي مسرحيتين عرضتا في معرض دمشق الدولي. هكذا كانت بدايتي الفنية، وبعد سنتين في المسرح العسكري قدمت خمسة أعمال مسرحية مترجمة عن موليير وعملاً للأميركي شتاينيك اسمها "أفول القمر". وفي بداية 1963 خطبت وتزوجت وبعد سنة انتسبت الى ما كان يسمى "الفنون الدرامية" التابعة لوزارة الاعلام. وفي شتاء العام 1965 تعاملت مع المسرح القومي التابع لوزارة الثقافة بالتمثيل في مسرحية "دونجوان" لموليير. في 1966 ضُمّت فرقة الفنون الدرامية الى فرقة المسرح القومي التي لا أزال أعمل فيها حتى الآن. خلال مسيرتي المسرحية مثلت اكثر المترجمات العالمية لموليير وشنيفسكي وغوركي وناظم حكمت وغوغول وبروتسلاف نوشتش، وفي بعض المسرحيات العربية لألفرد فرج والطب البلح، وأثناء عملي في المسرح القومي عملت في السينما في القطاعين العام والخاص، ومثلت في التلفزيون والاذاعة، وتركت ادوار الفتاة الدلوعة بسرعة كبيرة جداً، اذ أهلني شكلي ونطقي للغة العربية، باعتبار ان المسرح القومي لا يقدم أعمالاً الا باللغة العربية الفصحى، لألعب أدواراً صعبة ومركبة، وهذه الميزة فرضتني على التلفزيون، بحيث لعبت أدواراً لم تكن موجودة في الساحة العربية، وهي أدوار المرأة الواثقة بنفسها. المرأة الطموحة المسيطرة ذات السلطة والكبرياء. ثم انتقلت الى السينما في العام 1974 حين تم اختياري لفيلم "الرسالة" الذي نقلني من المحلية الى العربية. كانت منى واصف تطمح لأن تكون أديبة ما الذي حوّلها الى الفن؟ - كان عندي طموح أدبي عندما كنت مراهقة وفي مرحلة شبه النضوج وهذا يحدث للفتيان والفتيات عادة. طموحي الأدبي واضح الآن في سلوكي. عندي احساس مرهف بالتعامل مع الكتابة. أهوى الكتابة حتى بعد عملي في الفن. تنوعت بعد ذلك قراءاتي وتأثرت بالأدب الروسي الكلاسيكي، ما جعلني اشعر انني لا استطيع ان اكون غوركي ولا تولستوي ولا ديستوفسكي كتابة، ولكنني استطيع ان أنقل ما يكتبون بصدق ولذا تخليت عن طموحي كأديبة. وأنا اعتبر ان الممثل الناجح هو مؤلف ذاتي، بمعنى أنني لا أتدخل في تأليف دوري بشكل عام ولكن فقط بالتفاصيل الصغيرة. أنا أخلق دوراً وأخلق نموذجاً لشخصية وأجعلها تصنع علاقات اجتماعية وأصنع لها الفشل والنجاح والطموح، وأحاول أن اجعل الشخصية المكتوبة شخصية حياتية بسبب طموحي الأدبي أو لأنني في داخلي أديبة صغيرة. كيف تقومين الفورة الانتاجية التي شهدتها الدراما السورية في السنوات الأخيرة والمستوى الذي وصلت اليه؟ - لا شك ان تميز الاعمال السورية في السنوات الأخيرة لم يكن تحصيلاً حاصلاً وانما جاء نتيجة التأسيس الجيد والمدروس والاهتمام الكبير من قبل الدولة. وكانت هناك نهضة فنية سورية نتيجة هذا التأسيس الجيد والمدروس كما ذكرت اضافة الى اهتمام الفنانين في ان يكونوا على مستوى جيد من الأداء والثقافة والوعي الاجتماعي والسياسي. المسرح في أزمة هناك هروب من المسرح وتحديداً المسرح القومي، والأسباب باتت معروفة للجميع بأزمة نص وأزمة جمهور. هل هناك تصورات واضحة للخروج من هذا الجمود؟ - اعتقد ان الأزمة لا تخص المسرح القومي في سورية فقط بل هي أزمة المسرح العربي عموماً. هناك أزمة نص، وأزمة ممثلين. وأزمة مسارح ويمكن ان تكون الأزمة عالمية، ذلك ان الفيديو والتلفزيون كان لهما تأثير كبير على المسرح وعلى السينما ايضاً. ليس عندي اي حل أو اقتراحات او تنظير لهذه القضية، انما استطيع القول بأن الحقبة الآن هي حقبة الأعمال السهلة السريعة وليست حقبة الكلمة بقدر ما هي حقبة الصورة. تنقلت ادوارك بين الجدية والمسرح فأين انت في الساحة الفنية الحديثة؟ - إنني ممثلة تراجيديا أكثر من إنني ممثلة كوميديا، وأدواري التي اوصلتني الى الشهرة هي الأدوار التي كانت باللغة العربية الفصحى. من الممكن ان أكون اكثر الممثلات التي قدمت أعمالاً باللغة العربية الفصحى. هذا له علاقة كوني أعمل في مسرح قومي لا يقدم أعماله الا باللغة الفصحى. فأعمال الكوميديا التي تقدم بلغة وضحى هي قليلة لذلك كانت شهرتي مستمدة من الأدوار التاريخية عموماً. ولكن لماذا ابتعدت عن المسرح؟ - لست بعيدة عن المسرح، أنا ابنة مسرح قومي، لكن المسرحيات التي يمكن ان ألعب فيها دوراً هي قليلة الآن، لأن هذا الزمن ليس زمن مسرح، أو زمن الأدوار التي كنت أحلق بها على الخشبة. كل أربع سنوات يأتيني دور جميل وأهم دور لعبته في السنوات الثماني الماضية كان في مسرحية "حرم سعادة الوزير" للأديب "سعد الله ونوس"، التي أعيدت بعد سنتين في حلة جديدة. وأتصور انه بعد "حرم سعادة الوزير" يجب ان أفكر بشكل جيد قبل ان أقدم على أي عمل جديد. والمسرح بالذات لا تنازل فيه بالنسبة اليّ لأنه بيتي الحقيقي، التلفزيون يمكن ان العب فيه ضيفة شرف اذا اعجبني العمل ككل يمكن ان ألعب دوراً ثانياً وثالثاً، انما في المسرح فأنا صاحبة البيت. الى أي مدى تتدخل منى واصف في الأدوار التي توكل اليها؟ - طبعاً اعتمادي على تجربتي الطويلة وخبرتي استطيع أن أعطي رأيي في النص وفي الأدوار كما انني اشترط بعض الممثلين. أتدخل في النص بشكل حازم في البداية، يعني في بداية موافقتي ومن خلال البروفات اذا وصلنا الى نتيجة مرضية أكمل الدور واذا لم نصل الى نتيجة مرضية انسحب من دون أي "شوشرة"، لكنه اجمالاً لم تحدث في حياتي انسحابات كبيرة لأنه كان هناك تفاهم كبير بيني وبين المخرج والكاتب، هناك نوع من التعديل في النص أو في الدور على الأقل حتى يناسبني الأمر. اجمالاً لديّ حلان إما أن أقبل أو أرفض. اذا قبلت هناك مناقشة ورؤية جماعية نصل اليها، واذا رفضت يعني رفضت من دون عودة. في فيلم "بقايا صور" وقفت منى واصف تحرق سور البيك المتسلط والعميل. كيف تفسرين دور المرأة في الحياة؟ - "زنوبة" في فيلم بقايا صور هي ضحية من ضحايا الاقطاع. وطبعاً هذه من الشخصيات المهمة التي لعبتها في السينما كونها مستقاة من أدب "حنا مينا" وكوني متأثرة بأدب حنا مينا وأعرف بأن "زنوبة" تحمل مضامين كبيرة حتى ولو كانت امرأة ساقطة. لكن استطيع القول بأنها نموذج للمرأة العربية. ولكنها ليست نموذجاً للمرأة التي يجب ان يحتذى بها، إنما هي من النساء الساقطات في الأدب ولكن الساقطات جسدياً وليس روحاً أي الساقطات بنبل مثل "نجمة" في فيلم "الشمس في يوم غائم" انما هؤلاء لسن نماذج يحتذى بهن، هؤلاء نماذج يخلقن الأدب ويصورهن الفن بطريقة ساحرة، ولكن اذا كان القصد من السؤال هو قوة المرأة فهذا شيء آخر ليس له علاقة بهذه الشخصيات، أظن بأن هناك واقعاً ثانياً للمرأة يجب ان يحكى عنه عموماً، انما هؤلاء نماذج جميلة تقدم بقدسية معينة حتى ولو كن ساقطات ولكن لسن نماذج لمرأة عربية. رشحت نفسك الى عضوية مجلس الشعب "البرلمان" ما هو السبب الذي دفعك للدخول في هذا المجال والانتقال من العمل الفني الى العمل السياسي؟ - أولاً من خلال ادواري على مدار ثلاثين سنة تقريباً. وفي العشرين سنة الماضية كان لي هدف بأن أقدم المرأة العربية بطريقة متميزة غير موجودة في السينما العربية ولا حتى في الاعمال التلفزيونية. هي المرأة الطموحة المثقفة والمتعلمة التي تتحمل المسؤولية وتكون رفيقة درب الرجل في العطاء نفسه. ليست جارية ولا تقبع في البيت، هي أم تحمل مسؤولية وحتى ولو قبعت في المنزل تكون على مستوى مسؤولية الأم تريد أن تربي الأجيال. كانت قضيتي في الفن بأن أقدم هذه النماذج التي لم تكن موجودة في الساحة الفنية العربية، فكان جزء من طموحي بأن تكون هذه النوعية من النساء موجودة في الحياة وليس فقط نوعيات اقدمها في الفن. أي بأن يكون للمرأة دور أكبر. ومن خلال العلاقات الاجتماعية والندوات التي حضرتها في أغلب البلدان العربية كان هناك تركيز وتأكيد على دور المرأة وضرورة ان تنتهز الفرص المتاحة من دون خوف أو جبن حتى تكون على قدر من المساواة مع الرجل. وباعتباري امرأة اطمح الى السلطة من خلال ادواري فان دخولي الى "البرلمان" هو تأكيد لدور المرأة في ان تمارس دورها في كافة المجالات. وخلق هذا المجال لكي أستطيع أن أناقش وأدافع وأن أطرح مشاكل وهموم المرأة. يتهمك البعض بأنك امرأة متكبرة وأنانية ما مدى صحة هذا القول؟ - لست امرأة متكبرة ولكن عندي ثقة بنفسي، عندي كبرياء. هناك فرق كبير بين التكبر والكبرياء. لا أتكبر على عباد الله الصالحين ولا على الناس الذين احبوني. منذ ولدت كان عندي كبرياء إمرأة ولا يستطيع أحد في الدنيا أن يحرمني منه. أما مسألة ان يطلق بعض الناس الاحكام جزافاً من دون سابق تجربة أو تعامل فهذه هي الأنانية وهذه هي النظرة القاهرة للحياة والمجتمع. يجب ان تكون هناك علاقة عمل واحتكاك وتواصل وصداقات ولقاءات حتى يعرف الناس بعضهم ولا يجوز بتاتاً اطلاق الاحكام على الآخرين قبل التعامل معهم ولا أظن ان هذا الاتهام من قبل أناس عاملوني. العقاد أدخلني الى العالمية تعاملت مع كبار السينمائيين، فمن ترك بصمات واضحة أثرت فيك؟ - في الحقيقة أعتبر كل تجربة كانت بالنسبة اليّ، فاشلة أو ناجحة هي بصمة صنعت مني "منى واصف" في النهاية. في البداية عملت مع مخرج فاشل استفدت من فشله لأنني أعرف لماذا فشل حتى لا أتعامل معه مرة ثانية. طبعاً المخرجون الناجحون سواء في التلفزيون أو في السينما استفدت من خبرتهم واستفدت من ثقتهم بنفسهم ومن نجاحهم. لكن الناجحين الذين عملت معهم في السينما يجب ان يذكروا هذا حق علينا. أول هؤلاء المخرج الكبير مصطفى العقاد الذي أدين له بفضل كبير لأنه اختارني لكي ألعب دور "هند بنت عتبة" في فيلم "الرسالة" الذي أهلني لكي أكون منافسة شريفة للمثلة العالمية "أيرين باباس"، هذا شيء كان له أثر كبير وقفزة نوعية في دخولي الساحة الفنية العربية والعالمية. كذلك هناك المخرج "القيس الذبيدي" حيث كانت لي معه تجربتان سينمائيتان هما فيلم "اليزرلي" المستقى من أدب "حنا مينا" وفيلم قصير اسمه "الديّبة" عن القضية الفلسطينية. حقيقة كانت تجربتي مع القيس الذبيدي ممتعة وغنية. كذلك المخرج محمد شاهين الذي هو زوجي. عملت معه أيضاً عملين للأديب "حنا مينا" ولا أفشي سراً ان قلت ان تميزي في أعمالي السينمائية هو اختياري لأعمال الكاتب "حنا مينا". وما هو سبب اختيارك لأعمال "حنا مينا"؟ - لا اختار، يمكن ان أقبل أو أرفض، لكن المخرجين والكتّاب هم الذين يختاروني وحظي انهم اختاروني. ما هي آخر مشاريعك الفنية؟ - انتهيت أخيراً من تصوير فيلم "آه يا بحر" للكاتب "حنا مينا". يحكي عن عمل البحارة وآلامهم وعذابهم، عن الفقر الذي كانوا يعيشونه اثناء الاحتلال الفرنسي لسورية. ألعب دور زوجة البحار "صالح أحزوم" الذي اختفى في يوم من الأيام وهو في رحلة بحرية ولا أحد يعرف هل هو مات أم هرب من الفرنسيين و"سعيد حزوم" ابنه الذي يريد ان يذهب لكي يفتش عن أبيه والأم التي تخاف على ابنها كحال كل نساء البحارة.