* مدني يطالب بالحرية الكاملة للحصول على تفويض "الانقاذ" * نحناح ل "الوسط": السلطة مصابة بفقدان المناعة في فندق الجزائر أو "السان جورج"، كما يحلو للصحافيين الجزائريين والأجانب تسميته، كنت أخبر ثلاثة زملاء أجانب عن قصة وجودي في منطقة بن جراح أو في باش جراح الشعبي وواد أوشايح على بعد خمسة كيلومترات من وسط العاصمة، حين أوقفني حاجز عسكري اتخذ الجنود عنده وضعاً قتالياً. لم يكد الجندي يعرف انني صحافي غريب حتى بدت على وجهه الدهشة قبل أن يطالبني بترك المنطقة مع مرافقي، وحين استفسرت منه عن الوضع، قال لقد قتل شرطيان في المنطقة قبل دقائق، وبعد أقل من 24 ساعة على قتل صحافي من وكالة الانباء الجزائرية يدعى اسماعيل سبغدي كان يستقل سيارة تاكسي في الشارع نفسه الذي غطت جدرانه مئات الشعارات مثل "وين تروح يا قاتل الروح" و"ارهابيون لكن في سبيل الاسلام" و"لا حوار مع الكفار إلا بالمعشوشه".. أي بندقية الصيد. وقبل أن أكمل حديثي، وأسمع تعليق مراسل تلفزيوني الماني ذكرني بأنه نصحني بالحذر قبل مغادرتي الفندق ذلك الصباح، قال مراسل محطة ال "بي. بي. سي" التلفزيونية انه كان عند ظهر اليوم نفسه في محلة باب الواد حين سمع صوت طلق ناري على مسافة قريبة منه أثناء توقفه أمام دكان صغير، وحين التفت الى الوراء وجد رجلاً ملقى على الأرض جثة هامدة والدم ينزف منه. استفسر الصحافي من صاحب الدكان عما جرى للضحية، فاكتفى البائع بالقول "لقد اعتدنا هذا الأمر، وبات حدوثه لا يهزنا". ومع أن اليوم نفسه شهد وقوع عمليات قتل مشابهة في منطقة القبة وغيرها ذهب ضحيتها مدنيون بينهم محام ورجال شرطة، إلا أن وسائل الاعلام لم تتوقف عند هذه الحوادث كثيراً. وبات وجود نقاط التفتيش والحواجز الطيارة لرجال الأمن من المناظر المألوفة. لا يخفي العامة من الجزائريين حقيقة شعورهم بأنهم لا يعرفون أي مستقبل ينتظرهم بعد سنوات من العنف حصدت آلاف القتلى ودمرت مؤسسات عامة ومراكز حكومية وكلفت خزينة الدولة أموالاً طائلة، لا سيما وان الأمل بعودة الطمأنينة الى النفوس والاستقرار الى البلاد، بعد قرار الرئيس الأمين زروال بنقل زعيمي "الجبهة الاسلامية للانقاذ" الشيخ عباسي مدني وعلي بلحاج من السجن الى الاقامة الاجبارية في احدى الفيلات الواقعة في مجمع حكومي وسط العاصمة واطلاق سراح قادة آخرين، بدأ يتلاشى. ويقول الشيخ عباسي مدني زعيم "الجبهة الاسلامية للانقاذ" انه ورفيقه علي بلحاج لا يزالان يعتبران أنفسهما سجينين، وان الفرق بين اقامتهما في سجن البليدة والفيلا الحالية التي سبق وشغلها رئيس الحكومة الجزائرية الأسبق بلعيد عبدالسلام هو "انه كان يأكل في الجميله أي في صحن من الحديد والآن بات يأكل في صحن من زجاج". ويرد مدني على سؤال ل "الوسط" عن أحواله ورؤيته لمستقبل الوضع في البلاد بالقول "ان شاء الله خير"، ويضيف أنه ورفيق دربه علي بلحاج بصحة ولديهما ارادة كبيرة للعمل لاخراج البلاد من الأزمة التي تتخبط فيها، ويعتذر عن الخوض في الحديث، لأن الادلاء بتصريحات صحافية لا يزال "غير ممكن". وتقول شخصيات زارت مدني وبلحاج أخيراً انهما لا يزالان يصران على المطالبة باطلاق سراحهما كاملاً عبر اصدار عفو واضح المعالم عنهما، كما ان أمر مشاركتهما في جولات الحوار الوطني لا يمكن أن تحسم دون عقد اجتماع لمجلس الشورى للجبهة، لأن من صلاحية هذا المجلس دراسة أبعاد هذه الخطوة واتخاذ القرار المناسب بشأن المشاركة ونوعيتها وأهدافها. وينقل الزوار عن الشيخين "اسفهما لاتخاذ الحكم مثل هذه الخطوة بنقلهما في وقت متأخر وبشكل غير كاف، وأملهما بالحصول على حريتهما كاملة". ويطالب مدني باطلاق سراح كل المعتقلين من "الانقاذ" والسماح للمبعدين والفارين بالعودة حتى يتسنى للجبهة اتخاذ القرارات المناسبة. وينفي الشيخ عباسي مدني ان تكون الجبهة الاسلامية تسعى للاستيلاء على الحكم، ويقول لزواره انه شخصياً يكتفي بتطبيق الشريعة الاسلامية. ويصف مدني خطوة اطلاق سراح كل السجناء السياسيين وسجناء "الجبهة الاسلامية للانقاذ" وفي مقدمتهم عبدالقادر حشاني بأنه خطوة على غاية كبيرة من الأهمية، فمن شأن جمع شمل قيادات الجبهة وكوادرها أن يفسح المجال للتشاور تمهيداً لبدء الحوار الفعلي، كما يصر مدني على ضرورة اعادة الاعتبار للحزب بعد اتخاذ الحكومة قراراً بحظر نشاطه. ويشدد أمام زواره على أهمية احترام رغبات الشعب وخياراته، ويقول انه شخصياً لن يكون قادراً على الحوار بمفرده، لأن رأيه لن يكون ممثلاً لكل قواعد الجبهة الاسلامية وقياداتها اذا لم يحصل على تفويض منهم. وينظر التيار الديموقراطي أو ما يصفه الاسلاميون بالتيار "الاستئصالي" أو "الفرانكوفوني" بعين الشك الى الخطوات التي اتخذتها الحكومة في مجال التساهل مع قيادة "الانقاذ"، ويقول الدكتور سعيد سعدي الأمين العام للتجمع من أجل الثقافة والديموقراطية بأن النظام والجبهة الاسلامية للانقاذ هما الآن بصدد التقارب حول كل ما يسمى "المشاكل الاساسية المطروحة على المجتمع الجزائري". وفيما يؤكد سعدي على وجود طريقين، الأول هو ما يصفه بالوطنية الاسلامية والثاني هو الذي يدخل في اطار الديموقراطية، فإنه يبدي مخاوفه من اعادة الاعتبار القانوني ل "الانقاذ" "لأن تلك الخطوة تقود الى تسليمها السلطة". ومع ان رضا مالك رئيس الحكومة السابق والهاشمي شريف الأمين العام لحركة "التحدي" الشيوعية أبديا مخاوف مماثلة واعتبرا خطوة الرئاسة تجاه "الانقاذ" بأنها بمثابة الاستسلام أمام الأصولية، ذهب حسين آيت أحمد زعيم جبهة القوى الاشتراكية الى أبعد من ذلك وتخوف من أن يكون قد تم عقد صفقات بين السلطة و"الانقاذ" قدم فيها الطرفان تنازلات متبادلة للحفاظ على مصالحهما، الأمر الذي نفته الجهات العليا في الحكومة الجزائرية وقيادات "الجبهة الاسلامية للانقاذ". قناة زروال ويقول مسؤول كبير في "الجبهة الاسلامية للانقاذ" ان اتصالات الرئيس الجزائري بالجبهة بدأت منذ أن كان على رأس وزارة الدفاع، وبأن الرئيس زروال حين قام بزيارة الشيوخ في سجن البليدة يوم كان يشغل وزارة الدفاع في شهر كانون الثاني يناير 1994 حطم الحاجز الذي أقيم بين المؤسسة العسكرية باطارها العام والجبهة، ويضيف ان زروال استمع الى قادة الانقاذ واصغى الى شروطهم، وتم الاتفاق بينهم على اطلاق سراح علي جدي وعبدالقادر بوخمخم ليكونا حلقة الاتصال بين المسلمين وقواعد الجبهة وكوادرها وقادتها. ومع ان الرئيس زروال واجه صعوبات من تيارات تعارض سياسته في هذا المضمار، إلا أنه لعب دور الوسيط بين الجبهة الاسلامية والمؤسسة الحاكمة في ذلك الحين، ونجح الى حد كبير في دفع "الانقاذ" الى التخلي عن مطالبتها له بمحاكمة بعض المتسببين في الانقلاب على خيار الشعب. ويروي علي جدي وعبدالقادر بوخمخم وقائع لقاء تم بين قادة "الانقاذ" وثلاثة من أعضاء لجنة الحوار التي مهدت لندوة الوفاق الوطني وهم يوسف الخطيب وعبدالقادر بن صالح واللواء الطيب الدراجي ممثلاً لقيادة الجيش.. وقد عرض اعضاء اللجنة حينها أوضاع البلد الصعبة، وطلبوا من قادة "الانقاذ" التخلي عن الشروط التعجيزية، وفي تلك الجلسة، تخلى الشيوخ عن شرط استئناف المسار الانتخابي واكتفوا بالمطالبة باطلاق سراح قادة الجبهة والمتعاطفين معها واعادة حقها في العمل بما في ذلك اجتماع مجلس الشورى الوطني. وقد كتب علي بلحاج في رسالته الى الرئيس زروال يتمنى "ان يكون الله في عون الرئيس ليكتشف الاعداء الحقيقيين للوطن". وبعد تعيين اللواء زروال رئيساً للدولة واستمرار توليه منصب وزير الدفاع استرجع مركزية القرار وواصل تفتيت مراكز القوى مما أفسح المجال له لأن يكون أكثر حرية في الحركة والتعامل مع الآخرين. وفي لقاء للرئيس الجزائري مع قادة الأحزاب الخمسة التي شاركت في الحوار، دعا قادة الأحزاب الرئيس لاشراك "جبهة الانقاذ"، فكان ان أطلعهم على فحوى رسالة بلحاج اليه، وأعقب ذلك بأن أوفد الناطق الرئاسي ميهوب ميهوبي للقاء الشيخ عباسي مدني. ويقول كمال قمازي عضو مجلس الشورى في الانقاذ ان اطلاق سراحه مع زميليه الشيخ نورالدين سيغادة والشيخ عمر عبدالقادر تم بموجب مرسوم رئاسي رقمه 94/35ج مؤرخ في 13 أيلول سبتمبر 1994، أما الشيخ عباسي مدني وعلي بلحاج فقد حولا الى الاقامة الاجبارية. ويقول الشيخ عمر عبدالقادر ان لقاء 30 آب اغسطس عام 1994 مع مسؤولين في الحكم تلاه لقاء آخر في الأول من أيلول سبتمبر الماضي، وقد عرض علينا في هذا اللقاء اجراء يتعلق باطلاق سراح ثلاثة منا وتحويل الشيخين الى اقامة أخرى، لكننا أكدنا على ضرورة اطلاق سراحنا جميعاً. وقلنا إذا كانت هناك فعلاً نية حسنة من النظام لحل الأزمة فيجب أن يتم هذا الأمر، وذكرناهم بأن هذا الاجراء تقرر يوم كان الأمين زروال وزيرا للدفاع وخرج بموجبه الاخوان علي جدي وعبدالقادر بوخمخم، بعد ذلك تم تخييرنا بين تحويل الجميع الى الاقامة الاجبارية أو اطلاق سراح ثلاثة منا وتحويل الشيخين الى الاقامة الاجبارية ورأينا من المصلحة العامة ان نقبل بخيار اطلاق سراح ثلاثة منا والابقاء على الشيخين وهذا التنازل غرضه المساهمة في ايجاد حل عادل ودائم قائم على شرع الله. ويؤكد نور الدين شيقارة ان التوصل الى هذا القرار تم بعد ان عقدنا اجتماعاً لمجلس الشورى المصغر. وكشف شيقارة ان السلطات حاولت ان تطلق من رسالة الشيخ عباسي مدني المؤرخة في 26 آب اغسطس 94 الى الرئيس زروال كنقطة لبدء الحوار معنا، إلا أننا قلنا ان هذه الرسالة هي عبارة عن أفكار قابلة للأخذ والرد، ولم تتم مناقشتها في مجلس الشورى. وتؤكد رسالة مدني للرئيس زروال على احترام الجبهة الاسلامية للدستور والطابع الجمهوري وضمان التداول على السلطة والحفاظ على الديموقراطية، وقد وصفت هذه الرسالة بأنها كانت تتضمن طلبات السلطة الاساسية لرفع الحواجز المقامة أمام انضمام "الجبهة الاسلامية للانقاذ" الى طاولة الحوار. ومع أن رسالة عباسي مدني حوت شروطاً أخرى مثل مطالبته باطلاق سراح جميع قادة الجبهة الاسلامية واعضائها، وعرض هدنة بين الحكم والجماعات المسلحة، إلا أنها وضعت السلطة والمعارضة أمام الأمر الواقع. ويقول قادة آخرون في "الانقاذ" ل "الوسط" ان مطالب كثيرة لم تأت عليها الرسائل المتبادلة بين الشيوخ والحكم وفي مقدمة ذلك الغاء كل القرارات التي صدرت منذ تعطيل المسار الانتخابي والغاء الحالة الاستثنائية في البلاد. وفي دردشة مع "الوسط" أكد عبدالقادر بوخمخم وعلي جدي وجود اتصالات مستمرة بين الحكم و"الجبهة الاسلامية للانقاذ" لكنهما استبعدا حصول تطورات دراماتيكية على صعيد مشاركة "الانقاذ" في الحوار. وقال بوخمخم "ان الجبهة الاسلامية للانقاذ لا تطلب المستحيل وهي مستعدة لأن تحاور من موقع الضعيف من أجل تجنيب البلاد المزيد من النزف وحتى لا تصل الأمور الى مرحلة اللاعودة والطريق المسدود". ووصف ما يتردد عن صفقات بين الحكم و"الانقاذ" بأنه كلام غير منطقي، اذ كيف نعقد الصفقات وقادتنا واخوتنا في السجون والمنافي. ورفض بوخمخم الفكرة القائلة بأن الكرة الآن في ملعب "الانقاذ" بعد نقل الشيوخ من سجن الى شيء آخر مشابه. رسالة الشيوخ الخمسة وقال ان الرسالة التي بعث بها الشيوخ الخمسة الى رئيس الدولة في السادس من أيلول سبتمبر الماضي كانت واضحة وصريحة وقد حددت النقاط التالية: 1- رفض أي وساطة أو مفاوضات داخل السجن إذ أن السجن اكراه ولا مسؤولية لمكره. 2- ان مسألة وضع شروط الحل وأرضية المفاوضات مع السلطة الفاقدة للشرعية لا يمكن أن تتحقق إلا إذا كنا جميعاً في حرية كاملة غير منقوصة ونتمكن من اللقاء المباشر مع جميع قيادات الجبهة الاسلامية الثابتة بجناحيها الجهادي المسلح والسياسي في الداخل والخارج فضلاً عن بقية القيادات المسجونة في المحتشدات والسجون كخطوة أولى. 3- عند اجتماع القيادات كلها نسعى جاهدين للوصول الى حل عادل قائم على شرع الله تعالى لحل جذور الأزمة من أصولها. 4 - لقد اعلمناكم مراراً وتكراراً وخاصة في اللقاء الأخير اننا جزء من القيادة لا كل القيادة، ومن هنا فالذي يحدد شروط حل الأزمة والدخول في المفاوضات أو عدمه، إنما ذلك من صلاحيات القيادة الثابتة بجناحيها بحكم انها مطلعة على الواقع في كل جوانبه ومن حق كل واحد منا الادلاء برأيه مع بقية اخوانه من اجل صياغة ارضية حل متفق عليه لاخراج البلاد والعباد من أزمتها السياسية الخانقة حتى تعود اليها الشرعية. 5 - تنبيه هام - كلنا يسعى جاهداً للوصول الى حل حقيقي وجذري لما تتخبط فيه البلاد، وهذا محل اتفاق بحمد الله تعالى غير ان جدية الحل الجذري تتطلب في نظرنا تحقيق ما سبق الاشارة اليه وان أي تجاهل لما ذكر يعد إطالة لمدة الأزمة وزيادة في تعقيدها وتعميقها ولكل حادث حديث. ويؤكد عبدالقادر بوخمخم وآخرون في "الجبهة الاسلامية للانقاذ" على حق كل الاخوة الذين عملوا للمصلحة العامة في ابداء رأيهم، ويقول ان من حق الجميع المشاركة في القرار. ومع ان قيادات مثل محفوظ نحناح زعيم حركة "حماس" لا ترى ضرورة لافساح المجال امام مؤيدي العنف ومنفذيه للجلوس الى طاولة الحوار بسبب الدماء التي سالت والضحايا التي سقطت نتيجة ممارساتهم، يقول مسؤولون في "الانقاذ" ان هناك عمليات نفذت من قبل الفصائل المسلحة ولها شرعيتها، وهناك عمليات تمت من غير وجه حق، وهناك عمليات نسبت الى الجماعات المسلحة وهي بريئة منها. وأشار المسؤولون الى انه في كل عمل شعبي سري غير مؤطر وفي ظروف كظروف الجبهة الاسلامية للانقاذ والتي اضطرت الى اعتماد مرحلة العمل السري، كان لا بد من وقوع اخطاء علماً ان الطرف الآخر يتحمل المسؤولية ايضاً. ويقول مراقبون ان "الجماعة الاسلامية المسلحة" اعلنت في اكثر من مناسبة وفاءها للقيادة التاريخية ل "الانقاذ" ويشيرون الى ان عدداً من مساجد العاصمة الجزائرية علقت فيها قبل اسبوع بيانات حملت اشارات الولاء للشيخين عباسي مدني وعلي بلحاج، الامر الذي يعني ان أي انفراج حقيقي يمر عبر اطلاق سراح الشيخين ويؤدي الى حصول هدنة حقيقية تفتح المجال امام اجراء حوار بناء لاخراج البلاد من أزمتها الراهنة. سيناريوهات ويدعو رئيس حكومة جزائرية سابق السلطة والاحزاب الى عدم تضييع الفرصة الذهبية النادرة لتجنيب البلد هزة قد تقود الى الهاوية. ويقول رئيس الحكومة الذي يرفض الادلاء بتصريحات صحافية ويفضل الاستماع والعمل من وراء الكواليس ان هناك أربعة سيناريوهات تنتظر البلاد وقد تقودها اما الى الانفراج أو الى الانفجار. الأول: احتمال قيام تيارات أو جهات داخل السلطة والمؤسسة العسكرية بتحرك لوقف اندفاع الرئيس الامين زروال نحو الحوار. الثاني: تصاعد النزعة المناطقية بعد المطالبة بادراج اللغة الامازيغية كلغة رسمية تمهيداً لتدريسها في المدارس، واستعمال بعض الأحزاب لهذه القضية كغطاء لإفشال الحوار، الأمر الذي يقود في حال نجاح هذه الدعوات الى افساح المجال امام الدعوات الانفصالية. الأمر الثالث، فشل "الجبهة الاسلامية للانقاذ" في فرض سيطرتها على كل قياداتها وكوادرها وتنظيماتها المسلحة الأمر الذي قد يحول دون وفاء القيادة التاريخية للجبهة بالتزاماتها تجاه الدولة والاحزاب، ويدفع بها الى الانجرار وراء الشعارات التي تدعو الى اقامة دولة الخلافة على انقاض الجمهورية. الأمر الرابع وهو سلوك طريق الحوار واجماع كل الاطراف المعنية والأساسية على ان أي تنازلات يقدمها كل طرف من الاطراف هي بالنهاية تنازلات لمصلحة البلاد وتقدمها تمهيداً لبعث نظام حكم جديد يخرج البلاد من محنتها ومأزقها البغيض. نحناح: ترسيخ الحوار ومن جانبه اكد الشيخ محفوظ نحناح ل "الوسط" صعوبة خروج الاحزاب والحكم بحل للأزمة الجزائرية من خلال أربع جولات حوار، وقال ان الهدف الأساسي كان الحرص على تكريس مفهوم عدم الاقصاء لدى الاحزاب ولدى الدولة، إضافة الى تأكيد جدية الطبقة السياسية في الخروج من الأزمة بمشروع بيان مشترك. وأشار نحناح الى ان لدى الطبقة السياسية الجزائرية رغبة كافية اثرها الايجابي الاول هو التصريح بضرورة ديمومة الحوار وتوسيع قاعدته واقناع الغائبين بضرورة المشاركة فيه، خصوصاً جبهة القوى الاشتراكية التي تمثل في رأي "حماس" حزباً سياسياً وطنياً يعبّر من خلال ممارساته السياسية عن رغبته في وجود حوار ليس فيه فتائل الشك وينتفي فيه هاجس الخوف من اقتسام السلطة. وحمل زعيم حركة "حماس" على السلطة وممارساتها "الحمقاء" المتعلقة برفع الدعم عن المواد الاستهلاكية ذات الانتشار الواسع مثل البنزين والحليب وغيرها وتحريك الآلة الاعلامية من خلال "الاستئصاليين والتغريبيين الذين يعملون على تعكير الاجواء وتشويه صورة الحوار وزرع اليأس في نفوس المواطنين والرأي العام". ووصف نحناح السلطة بأنها "هشة ومصابة بداء فقدان المناعة الأمر الذي سمح للراديكاليين بزيادة عملية التأزيم، وهذا ما يفسره ما بلغنا من تصريحات بعض الشخصيات السياسية المعنية في الداخل والخارج من أنه لا حل في الجزائر الا من خلال تشكيل ميليشيات للمقاومة واعتراف الجبهة الاسلامية للانقاذ عن طريق بعض ممثليها في الخارج من أن لهم يداً طويلةً في جمع التشكيلات المسلحة في الجزائر". وقال نحناح ان المتطرفين "يتحينون فرصة أي لقاء تحاوري لتصعيد العمليات وتوتير الاجواء وتلويثها ما يعطي دلالة مع مؤشر آخر وهو التصريح بأن لا هدنة ولا مصالحة ولا حوار، لأن هذه الجهات لا يهمها قطع الاعناق ولا سلب الأرزاق ولا دخول البلد في شقاق". وشدد على ان الحل "يجب ان يكون سياسياً ويرفع فيه الغطاء عن قطاع الطرق وسالبي الأموال". وعن قدرة الجبهة الاسلامية على الدخول في حوار مع الأحزاب والسلطة في الظروف الحاضرة، قال نحناح "مفترض في الجبهة الاسلامية ان يكون لديها القدرة على تحمل مسؤولياتها، وكل يوم يمر وليس هناك رفع للغطاء عن هذه الممارسات سيحسب على الجبهة خصوصاً بعدما تم الافراج الجزئي عن الشيخين مدني وبلحاج والافراج الكلي عن آخرين. وكشف نحناح عن اتصال اجراه مؤخراً بالشيخ عباسي مدني وحثه فيه على ضرورة المشاركة في الحوار، وقال ان مدني وعده بالرد بعد ان تجري الجبهة الاسلامية المشاورات المطلوبة. واعتبر نحناح الجبهة الاسلامية للانقاذ من العوامل المهمة لانجاح الحوار لكن يجب ان نميز بين ما هو شرط وما هو عامل، وقال ان التأخير في اعطاء ردود ايجابية على المشاركة في الحوار يعطي المجموعات المسلحة مساحة اكبر من المناورة. وقال نحناح الذي تعرض لأكثر من محاولة اغتيال قتل في احداها سائقه، ان فشل كل الأطراف وعجز العمل المسلح سلطوياً وفوضوياً في ان يحقق الاستقرار يجب ان يقودنا الى العودة الى الشعب في عملية استفتاء أو انتخاب تصبح ضرورية ومفروضة على الجميع ولو بالحد الأدنى من نسبة الناخبين. ويتساءل نحناح بالقول "لا يعقل ان يراهن المفسدون في الأرض على تعطيل الارادة الشعبية".