اذا التقى مصريان في جلسة سمر فإن ثالثهما النكتة، والنكتة المصرية هي لون من ألوان العلاج النفسي والاجتماعي، وهي مظهر من مظاهر الارتباط بالحرية، ويقول الكاتب الساخر أحمد بهجت: "الضحك له درجات يبدأ بالابتسامة التي لا تسمع.. وينتهي بالقهقهة التي يسمعها الجيران". وكان عباس محمود العقاد يقول "النكتة السريعة تضحكنا، لأنها تفاجئ التفكير بحالة غير مرتقبة، وتعجله عن انتظار النتيجة في طريقها المعبد المألوف". ويلاحظ الدكتور عادل صادق استاذ علم النفس "ان المصريين يطلقون النكات والطرائف بسخاء إذا مرت بهم ضائقة، والنكتة سلاحهم في مواجهة الأحزان، والهموم، وفي بعض الأحيان تتقدم النكتة السياسية لكن في أحيان أخرى تسود النكتة الاجتماعية، وقد أدرك السياسيون خطورة النكتة كتعبير عن سخرية الشعب من القرارات والممارسات المعادية لمصلحتهم، ويُحكى ان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر اهتم بنوعية "النكت" المنتشرة في مصر بعد عام 1967، وكان يطلب تقريراً اسبوعياً عنها لمعرفة تأثير الهزيمة على نفسية الشعب، بينما اشتهر الزعيم الراحل سعد زغلول بسرعة البديهة، وقد سمع احدهم يطعن في بعض الأشخاص الذين تنقلوا بين الأحزاب، فقال لمن حوله: "بالعكس أنا شايف أنه من أصحاب المبادئ النظيفة"، فدهش الحاضرون، وسألوه: كيف؟ فقال: "لأنه دائماً يغيرها حتى لا تتسخ". وفي موقف آخر، وقف أحد النواب في البرلمان يطالب باعتماد مبلغ من المال لاضاءة احدى ضواحي القاهرة الكائنة في دائرته الانتخابية، وقال مؤيداً رأيه: "تصوروا ان القتيل بينقتل فيها في عز النهار"، فرد عليه سعد زغلول قائلاً: "ولما القتل بيحصل في عز النهار، امال عايز النور ليه في الليل؟". طرائف النحاس ولا يختلف الحال مع مصطفى النحاس الذي كان طريفاً في ردوده. وكان الممثل سليمان نجيب يزور النحاس في بيته، فوجده يشكو ألماً في احدى عينيه، ويضع لها دواء مسكّنا فقال له: "أمال إزاي يا رفعة الباشا بيقولوا ان العين عليها حارس؟". فضحك النحاس وقال: "مضبوط.. بس الحارس راح مشوار، وزمانه جاي". وحدث ذات مرة ان خرج محمد علي رفاعي من السجن - بعد الفصل في قضية صحافية كان متهماً فيها - وذهب يشكر مصطفى النحاس لسؤاله عنه أثناء سجنه، فقال له النحاس مندهشاً: "أنت سمنت في السجن يا رفاعي، أنت كنت محبوس عند الحاتي "الكبابجي". وكان المصريون اشتهروا بإطلاق النكات على أهل الصعيد جنوب مصر نظراً لبساطتهم غير أن الرئيس أنور السادات أمر في نهاية السبعينات بمنع اذاعة النكت على الصعايدة، وما زال القرار معمولا به حتى الآن، الى حد أن المونولوجيست المتخصص في اطلاق النكت، مثل سيد الملاح، وحمادة سلطان، يضطر الى القول مرة واحد صاحبنا ثم يلقي النكتة ويقصد بها البسطاء والسذج الذين يشترون الترماي المملوك للحكومة إذا هبطوا الى القاهرة، ووقعوا بين أيدي المحتالين. وبرز في مجال النكتة أدباء وفنانون وكتّاب، وإذا كان الكاتب الصحافي يوسف الشريف أصدر كتاباً قبل 15 عاماً بعنوان "كامل الشناوي آخر ظرفاء هذا العصر" فإن كثيرين اختلفوا معه، فما زال محمود السعدني قادراً على اطلاق "القفشات" في جلساته التي تضم أدباء وصحافيين، أو في مقالاته الساخرة، كما ان الكاتب الساخر أحمد رجب يواصل مقاله اليومي "نصف كلمة"، وانضم كتّاب جدد الى قافلة الساخرين في الصحف المصرية ويحاولون إثبات الوجود. تحت قبة البرلمان وروى برلماني مصري هذه النكتة فقال: أثناء انعقاد الجلسات الأولى لمجلس تشريعي معين، حاول كل عضو ان يثبت جدارته بكلمة طويلة، لكن نائباً ظل في مقعده صامتاً، فظن النواب أنه يفكر في قضية خطيرة، فاقترب احدهم منه وسأله: في ما تفكر يا زميلي، فرد عليه قائلاً: أريد أن أعرف كيف دخلت المنضدة الكبيرة التي يجلس عليها رئيس البرلمان من هذا الباب الصغير". ونعود الى الأربعينات حين كان مجلس النواب المصري يناقش مشكلة الطلاق، واشترك فكري أباظة في المناقشة ولم يكن قد تزوج، فاعترض أحد الأعضاء قائلاً: "المسألة دي لا يتكلم فيها إلا المتزوجون فقط"، ورد عليه أباظة بابتسامة فقال: "طيب ما عندكش عروسة كويسة ليّه؟". وأثناء الحملة الانتخابية لفكري أباظة وقعت نوادر طريفة، فقد وقف أحد المؤيدين له يقول: "انتخبوا خير من يمثل عليكم". وفي مرة أخرى كان اباظة يمر في احدى القرى وقابله أهلها بالهتافات والتصفيق، ونساؤها بالزغاريد، فالتفت اليهن فكري أباظة وقال: "أنا مش عايزكم تزغرتوا، أنا عايز تخلو الرجالة "يصوتوا". العلم والتكنولوجيا ودخلت النكتة مجال الكمبيوتر والتكنولوجيا، ويروى ان زعماء بعض دول من أميركا وأوروبا والعالم الثالث دخلوا غرفة كمبيوتر لمعرفة مستقبل بلادهم، وسأل الرئيس الأميركي الكمبيوتر: متى تصبح الولاياتالمتحدة هي المسيطرة على الأرض والبحر والفضاء؟ فردّ الكمبيوتر بعد عشرين عاماً، فبكى الرئيس الأميركي. ولما دخل رئيس المانيا وسأل الكمبيوتر السؤال نفسه، رد الكمبيوتر بأن المانيا أمامها أربعين عاماً حتى تصبح سيدة الأرض والفضاء، فبكى الرئيس الألماني. وتكرر الحال مع امبراطور اليابان، ولما جاء الدور على أحد رؤساء دول العالم الثالث وسأل الكمبيوتر، بكى الكمبيوتر. "نكت" افريقية والطريف ان الجاليات الافريقية في القاهرة تتبادل النكت، وفي أحد فنادق حي العتبة التي يكثر فيها الأفارقة سمعت هذه النكتة: تنافست أجهزة الاستخبارات العالمية في ما بينها، وقررت اجراء مسابقة باطلاق أرنب في غابة، تبحث عنه الأجهزة في أسرع وقت ممكن وتحدد موقعه، وبعد ربع ساعة تمكن رجال المخابرات الأميركية والروسية والألمانية من معرفة مكان الأرنب، بينما اختفى رجل الاستخبارات الافريقي، وبعد ثلاث ساعات من البحث عنه وجدوه واقفاً أمام حمار ومعه عصا يضربه بها وهو يقول له: "اعترف انك أرنب". أما الجالية الروسية في مصر وهي كبيرة فتطلق طرائف سياسية من نوع ان مواطناً روسياً خطف طائرة تعمل على الخطوط المحلية، فانزعج الركاب وراحوا يصرخون، ولما سمعوا ان المختطف يطلب من الربان التوجه بالطائرة الى ايران، قالوا في صوت واحد: "ودينا أميركا أحسن". وفي عصر بريجنيف هرب كلب سوفياتي الى دولة أوروبية فسألته الكلاب عن سبب هروبه بينما العظم كثير في بلاده فقال: "انا جئت أهو هو". ويتندر الروسيون أيضاً بأن أميركياً التقى روسياً في أحد المطارات، فأشاد الأميركي بالديموقراطية في بلاده وقال: "استطيع أن أقف عند تمثال الحرية وانتقد الرئيس الأميركي بحرية". فرد عليه الروسي: "وأنا استطيع أن انتقد الرئيس الأميركي في الميدان الأحمر وأعود الى بيتي مطمئناً". الشناوي والديب كامل الشناوي كتب مقالاً في مجلة "آخر ساعة" قبل نصف قرن جاء فيه "النكتة.. هي السلاح السري الفتاك الذي استخدمه المصريون في محاربة الغزاة والمحتلين، كانت النكتة هي الفدائي الجسور الذي استطاع ان يتسلل الى قصور الحكام، وحصون الطغاة فأقض مضاجعهم، وملأ صدورهم بالرعب والقلق. لكن الشناوي تخصص في المقالب الطريفة التي كان يدبرها لادباء عصره، ولم ينج طه حسين، والعقاد، والمازني حتى لويس عوض من مواقفه، اذ كان يجيد تقليد الأصوات وعلى الهاتف درب مقالب مضحكة بين العقاد وطه حسين كادت ان تؤدي الى وقيعة بينهما، غير أنه كان يعود ويتصل بكل منهما، مقلداً صوت الطرف الآخر ليعتذر عما بدر منه، ويطلب الصفح، وقد نال الأديب الراحل عبدالحميد الديب قسطاً وافراً من تعليقات الشناوي الساخرة، ومن هذه النوادر أنه كان يخرج من جيبه ورقة فئة عشرة قروش، ويقربها من عبدالحميد الديب مشيراً الى العملة قائلاً: حضرتها عشرة صاغ، ثم يلتفت للورقة مشيراً الى الديب - الذي كان فقيراً معدماً - ويقول لها: حضرته الشاعر الكبير عبدالحميد الديب، وكان الشناوي يكرر هذه المواقف مع أشياء أخرى مثل قطعة الصابونة، ويقوم بتقدميها - للمرة الأولى - الى عبدالحميد الديب الذي له مع الحياة مآس. اما حافظ ابراهيم "شاعر النيل" فلم يكن أحد يضارعه في سرعة البديهة والسخرية اللاذعة، وحدث ان تسلل لص - ذات ليلة - الى منزله، ايام بؤسه فلم يجد شيئاً يسرقه، وعندما هم اللص بالخروج لحق به حافظ على السلم وقال: "والله يا اخي أنا مكسوف منك، لأنك جئت تزورني الليلة وخارج بإيدك فاضية". وكان حافظ مدعواً ذات ليلة الى حفلة زفاف، فأخذ المطرب يعزف على القانون عزفاً مزعجاً، فنادى صاحب الحفلة، وقال له: ايه الحكاية؟ انت جايبنا هنا علشان نسمع قانون العقوبات. وحدث ان كان احد اصدقائه "يعاير" شابا بقبح وجهه، فقال له حافظ: حرام عليك... ده ذنبه إيه تعايره؟ الحق على أبوه اللي ما دفعش مهر كويس. وقصد حافظ مرة قصر القبة، فأمر الخديوي عباس ان يتناول الطعام على المائدة الخاصة في القصر، وكان الأكل شعبياً جداً وقليلاً، فلما فرغ سأله الخديوي ملاطفاً: لعلك انبسطت يا حافظ؟! فرد عليه بسرعة قائلاً: تمام يا افندينا، كأني والله في بيتنا. والتقى به مرة - في الطريق - احد السائلين، فسأله ان يعطيه قرشاً فرد حافظ عليه: والله عمرك أطول من عمري، كنت حاقولك كده. وكان محمد إمام العبد اديباً سودانياً ومن أعز اصدقائه، وذات مرة كان العبد يكتب مقالاً، فوقعت نقطة حبر سوداء على الورقة التي يكتب عليها وهو غير منتبه، فقال له حافظ: "نشفت عرقك يا محمد". وفي مرة اخرى كان إمام العبد يجلس في مقهى ولاحظ مجيء ماسح احذية، فخلع حذاءه، وظل حافي القدمين، لكن الرجل سأله: تمسح يا بيه؟ فقال "إمام" حانقاً: امسح ايه، مش شايفني حافي؟ فقال له ضاحكاً: طيب أغسل لك رجليك وتدفع تعريفة؟ ويعتبر الكاتب الساخر محمود السعدني ان امام العبد واحد من اهم الساخرين في هذا العصر، ويروي انه حضر حفلة ساهرة ببذلة سوداء، فقال له احد اصدقائه: الله انت جاي الحفل عريان يا إمام؟ ويحدثنا محمود السعدني عن الكاتب ابراهيم عبدالقادر المازني فيقول: "كان المازني اصدق الكتاب في وصفه، لم يصف الشمس مثلاً بأنها كطبق من الذهب، بل كان يتعمد اختيار وصفه من محيطه من الأشياء التي تقع عليها عيناه، وهو يصف الزواج فيقول: الزواج يشبه لبس الحذاء، والاعزب كالذي اعتاد الحفان، وقد اطلق المازني على نفسه وعلى عباس محمود العقاد رقم 10، وشرح ذلك بقوله: ان العقاد طويل، بل مفرط الطول كرقم واحد، وأنا بجواره قصير مثل الصفر. وحدث ان اشترى العقاد صديرياً جميلاً من فلسطين، ورآه المازني فأعجب به جداً، فقال للعقاد: انت تشتري لي صديري إعمله بالطو !. طرائف ام كلثوم والذي لا يعرفه كثيرون عن أم كلثوم هو خفة ظلها، وروحها المرحة، ويروى عنها انها عندما كانت الحرب حامية بين الألمان والروس في مدينة "ستالينغراد" في روسيا احتلفت اسرة "الشريعي" في سمالوط بعقد قران احد افرادها ووقف بعض الخفراء يطلقون الرصاص في الهواء تحية للقادمين، فلما اقبلت ام كلثوم وسمعت الطلقات النارية المتتالية لأصحاب الفرح قالت: "هو احنا في سمالوط... ولا في ستالينغراد"! ولاحظت ام كلثوم ان احد وزراء الداخلية السابقين كان عريض المنكبين. وكان وكيله طويل القامة، فقالت عنهما: "دول ماشيين في الوزارة، بالطول والعرض". وكانت ام كلثوم في ميدان سباق الخيل، وتصادف ان فتحت حقيبة يدها فأطل من خلالها رجل قصير القامة من المعجبين بها، فنظرت اليه وقالت له: "انت حاترجع... ولا اقفل عليك الشنطة"؟ وكانت كوكب الشرق أم كلثوم تغني في احدى حفلاتها عندما شاهدت رجلاً بارما شاربه بصورة تشجع الصقر ان يقف عليهما، وكان الرجل دائم التهريج والصخب، فانتهزت ام كلثوم الفرصة وقالت له: "يا فلان انت شنبك شاربك متربي اكثر منك". وما دمنا مع الغناء لا بد ان نذكر الشاعرين احمد رامي وابراهيم ناجي فقد كان لهما في النكتة مجال، وسأل شاعر شاب الدكتور "ناجي" عن رأيه في شعراء العصر الحديث فقال: اعظمهم شوقي، وسأله الشاب ايضاً ومن يأتي بعده؟ وفكر ناجي قليلاً ثم قال: يأتي بعده "علي علي" وظهرت علامات الدهشة على وجه الشاب فسأل مستنكراً: من علي علي ده؟ فأجاب ناجي: والله يا بني ما اعرف. ومطبات احمد رامي مع الشعراء الشباب كثيرة، وقد عرض عليه احد الشعراء الناشئين قصيدة من نظمه فلاحظ رامي ان احد ابيات القصيدة مكسور، وصارحه بذلك. فعارضه الشاعر الناشئ قائلاً: انا واثق ان البيت ده موزون يا استاذ، فقال له رامي، ان ما كنتش مصدقني، روح أوزن بره. واختلف مع احمد رامي ذات مرة شاب مغرور وضايقه، فخرج رامي عن حده، الى ان توسط احد الشعراء وقال: ده شاب احمق وجاهل... وتقدر تقول عليه انه "امي" فقال رامي على الفور: "امي دي شويه عليه، ده لازم "ستي". وكان المخرج السينمائي الراحل حسن الامام الذي عُرف بلقب "مخرج الروائع" من اصل النكتة، وقد اطلق على هند رستم لقب "عند رستم" لأن الفنانة المعروفة كانت عنيدة جداً، ومصممة على حفظ المشاهد كاملة.