* ادارة كلينتون اعطت الاولوية لانهاء "العقبات" التجارية والسياسية على رغم الاهتمام الفائق الذي اعطته الولاياتالمتحدة للقرار الجماعي الذي اتخذته دول مجلس التعاون الخليجي برفع المقاطعة من الدرجتين الثانية والثالثة فانه من الصعب القول بأن هذا القرار كان مفاجأة سياسية بل ربما يصح العكس وهو انه كان خطوة متوقعة في سياق طويل بدأ بقوة بعد انتهاء حرب الخليج الثانية وانطلاق مسيرة التسوية السياسية للنزاع العربي - الاسرائيلي. المقاطعة العربية التي بدأت واستمرت لاسباب سياسية وبغرض استعادة الحقوق العربية المشروعة ضمن مجموعة من الخيارات وأوراق الضغوط الاخرى وتحولت الى ورقة الضغط الوحيدة المتاحة للعرب بعد استبعاد الخيار العسكري وانعقاد مؤتمر مدريد للسلام... تنتهي اليوم او تكاد لاسباب سياسية أيضاً... فالقرار الخليجي الجماعي ليس قراراً اقتصادياً فرضته مصلحة تجارية مباشرة لدول المجلس وليس انعكاساً مباشراً للتحول المتمثل في الانتقال نحو نظام للتجارة الدولية بعد التوقيع على اتفاقية "الغات" ولكنه، وقبل كل شيء، قرار سياسي أملته اعتبارات دولية ومفاهيم سياسية خليجية وعربية تتعلق بالرغبة في المساهمة في صياغة النظام الاقليمي المتوقعة للمنطقة بعد اكتمال عملية السلام الجارية بين اسرائيل وبلدان الطوق. والقرار املاه ايضاً واقع سياسي قائم بالفعل كان قد تم فيه، وعلى مدى سنوات، التعامل مع المقاطعة غير المباشرة بشكل مرن للغاية. وعناصر التحقيق التي جمعها هذا المقال تكشف بوضوح ان القرار الخليجي الذي كان خاتمة لتحركات بطيئة وصغيرة وانعكاساً لتفاعلات وضغوطات دولية واقليمية هو في الوقت نفسه بداية النهاية للمقاطعة العربية الشاملة لاسرائيل التي قد تصبح الدول التي تنادي بتطبيقها اقلية على المستوى العربي. ضغوط سياسية من الادعاء القول بأن الموقف الاميركي الساعي الى انهاء المقاطعة العربية لاسرائيل هو موقف سياسي ناشئ أو جديد ولكن من الادعاء أيضاً مقارنة حجم الضغط السياسي وغير السياسي الذي مارسته الولاياتالمتحدة في سنوات المقاطعة الأربعين حتى عام 1991 بالضغط الهائل غير المسبوق الذي مارسته ولا تزال بكل ثقلها خلال السنوات الخمس الأخيرة. فقد وفرت المشاركة العسكرية الاميركية المباشرة في أزمة الكويت ثم في عملية اعادة اعمارها قناعة لدى واشنطن بأن فرصتها في اقناع الكويت والدول الخليجية الأخرى، بقبول ما رفضته هذه الدول على مدى السنوات السابقة من انهاء بعض صور المقاطعة العربية لاسرائيل، قد باتت أكبر. وقال ديبلوماسي اميركي ل "الوسط" ان رفع المقاطعة العربية عن اسرائيل خاصة في صورتها غير المباشرة من الدرجة الثانية والثالثة كان موضوعاً دائماً في جدول أعمال أي مسؤول أميركي زار منطقة الخليج بعد انتهاء حرب الخليج عام 1991 وبدء مؤتمر مدريد للسلام في العام نفسه. وأكد ديبلوماسي خليجي هذا المعنى عندما قال ل "الوسط" ان الضغط الاميركي بدأ منذ انتهاء الحرب وربما اثناءها وجرى الربط صراحة بين عملية اعادة اعمار الكويت بما تقتضيه من الحصول على تقنية وخدمات متطورة من الشركات العالمية الاميركية وبين رفع المقاطعة عن هذه الشركات التي كان معظمها يتعامل مع اسرائيل والتي كان كثير منها موضوعاً على القائمة السوداء التي يعدّها مكتب "المقاطعة العربية لاسرائيل" التابع لجامعة الدول العربية والذي كانت تلتزم كل دولة عربية عبر مكتب وطني يحمل الاسم نفسه بتطبيق قراراته. وحسب المصادر الاميركية الديبلوماسية نفسها فان الوصول الى انهاء نوع من المقاطعة تم بثلاث وسائل اساسية هي: أولاً: الضغط السياسي بالطرق الديبلوماسية والذي يشمل خاصة في مرحلة الادارة الديموقراطية الحالية شديدة التعاطف مع اسرائيل اشعار جميع الدول العربية بأن قضية انهاء المقاطعة هو أولوية سياسية عليا متقدمة لدى الولاياتالمتحدة ومستعدة لبذل كل ما لديها من امكانيات للضغط والتأثير لتحقيقها. واضافة الى التدخل العلني المباشر والمستمر من قبل الرئيس الاميركي بيل كلينتون، خاصة عقب كل تطور في مسار التسوية السياسية في الشرق الاوسط فتوقيع الاتفاق الفلسطيني - الاسرائيلي في ايلول سبتمبر 1993 واعلان انهاء حالة الحرب بين الأردن واسرائيل بعده بحوالي عام تقريباً والمطالبة بانهاء فوري للمقاطعة العربية الاسرائيلية التي اعتبرها تارة "حرباً اقتصادية غير مشروعة" وتارة اخرى "سياسة تنتمي الى الماضي" فان الادارة الاميركية استطاعت تحويل قضية المقاطعة من أولوية اميركية الى اولوية غربية. فقد نجحت الولاياتالمتحدة في اخضاع حلفائها في الجماعة الاوروبية حتى من ذوي العلاقات التقليدية في العالم العربي مثل بريطانيا وفرنسا بالانضمام الى الحملة الرامية الى حمل العرب على التخلي عن المقاطعة، ثم الى اولوية دولية بعد عرض الموضوع على القمة الاقتصادية للدول الصناعية السبع الغنية في العالم في طوكيو العام الماضي والحصول على تأييد لهدف رفع المقاطعة وهو أمر دعمه رضا ضمني ولكن واضح من موسكو وبكين اللتين طالما اعتبرتا في سنوات الحرب الباردة نصيرتين للعالم العربي وحاجزاً يحول دون اكتمال الضغط الدولي عليه. وقال ديبلوماسي خليجي ل "الوسط" ان اسلوب الضغط السياسي والديبلوماسي الذي اتبعته الولاياتالمتحدة خاصة على دول مجلس التعاون الخليجي وبعض دول المغرب العربي ركز باستمرار على عدة حجج سياسية لاقناع هذه الدول بالتخلي عن المقاطعة... ويذكر من هذه الحجج التي رددها المسؤولون الاميركيون على مسامع نظرائهم العرب والخليجيين ما يلي: ان المقاطعة أصبحت غير متسقة لا مع دخول المنطقة عملية السلام ولا مع دخول العالم مهلة التجارة الدولية الحرة. ان رفع المقاطعة يصبح أمراً ضرورياً "لتشجيع اسرائيل" على المضي في عملية التسوية وانجاز التقدم في مسارات السلام المتعثرة خاصة وان الاخيرة في حاجة الى "بادرة حسن نية" من العرب للتغلب على المعارضة الداخلية لعملية السلام ولاقناع شعبها بقبول "تضحيات السلم". استمرار المقاطعة يضر بالمصالح الاميركية او حسب التقرير الرسمي الاميركي الدوري عن الحواجز التجارية امام الصادرات الاميركية في دول مجلس التعاون الصادر عام 1993 "يضع قيوداً على تجارة الولاياتالمتحدة مع المنطقة وان الغاءها ضروري لالغاء الاجراءات التمييزية ضد الشركات الاميركية الساعية الى توسيع علاقاتها التجارية واستثماراتها في الشرق الأوسط". ان المقاطعة نفسها أصبحت غير فعالة في وجود "خروقات" مستمرة لصورها الثلاث بما فيها الصورة المباشرة نفسها وانه من الافضل والحال كذلك الغاؤها رسمياً والنزول الى أرض الواقع. عقوبات قانونية وجزاءات قرنت الولاياتالمتحدة ضغوطها السياسية التي وصلت الى حد اقناع الجامعة العربية في اجتماع وزراء الخارجية في آذار مارس الماضي بطرح موضوع الغاء المقاطعة غير المباشرة بضغوط قانونية وعقوبات جزائية مضادة للمقاطعة العربية وذلك لاكمال حلقة الضغط والتأثير. اما الضغوط القانونية فتمثلت من ناحية في التشديد داخل الولاياتالمتحدة على القانون الذي شرع عام 1977 وادخل بمقتضاه بند خاص "بمكافحة المقاطعة العربية ومعاقبة الشركات الاميركية التي تخضع لقوانين المقاطعة" وتمثلت من ناحية اخرى في تشجيع دول كبرى مثل المانيا على ادخال تشريعات مماثلة بدأ تطبيقها بالفعل هذا العام. اما العقوبات الجزائية المضادة "لارهاب" الشركات ومنعها من الخضوع لقوانين المقاطعة العربية فقد تم تطبيقها بالفعل وبشكل متشدد وربما مبالغ فيه لايصال الرسالة واضحة الى الدول الخليجية والعربية. ويقول بيان رسمي للحكومة الاميركية تمت اذاعته في 6 نيسان ابريل الماضي وحصلت "الوسط" على نسخة منه ان قائمة الشركات التي تمت معاقبتها لقبولها قرارات المقاطعة العربية بعدم التعامل مع اسرائيل شملت قائمة طويلة من الشركات وغرامات مالية فادحة بلغت عدة ملايين من الدولارات. والاخطر من ذلك منعها من التجارة مع الدول العربية التي هي أحد أهم اسواقها الرئيسية. من هذه الشركات التي عوقبت في 1994 شركة "باكستر" التي تعد أكبر شركة عالمية في مجال توريد المعدات الطبية والتي فرضت عليها غرامة مقدارها ستة ملايين دولار ومنعت من عقد أي صفقات جديدة لمدة سنتين مع بلدين عربيين كبيرين هما السعودية وسورية. وانزلت وزارة التجارة خلال الربع الأول من هذا العام عقوبات مماثلة ب 5 بنوك وشركات اميركية لمخالفتها قانون عام 1977 الذي يحظر التعاون مع قواعد المقاطعة العربية والتي قال جون ديسبرس مساعد وزير التجارة لتعزيز الصادرات انها ما زالت تضر بالتجارة والاستثمارات الدولية للولايات المتحدة. ومن هذه الشركات: البنك العربي في نيويورك - شركة هوني ويل - شركة بوليكو - البنك العربي - الاميركي. ولقد احدثت القوانين الاميركية التي تمنع الشركات الاميركية من الخضوع لاحكام المقاطعة العربية وايضاً الجزاءات المدنية القاسية التي فرضت على الشركات التي تعاونت مع احكام المقاطعة... احدثت اثرها المطلوب لدرجة ان أحد المسؤولين الخليجيين الكبار اشار في وقت مبكر من العام الماضي الى هذه القوانين وهذه العقوبات باعتبارها "سبباً اضطرارياً للتخلي عن المقاطعة من الدرجتين الثانية والثالثة والا تضررت مصالح دول الخليج التي تحتاج في عملية التنمية السريعة فيها الى التقنية والمنتجات الغربية والاميركية". رفع المقاطعة نزول الى الواقع المسار الثاني الذي يؤكده مسؤولون خليجيون وديبلوماسيون غربيون مقيمون في المنطقة التقتهم أو اتصلت بهم "الوسط" هو ان رفع المقاطعة عن اسرائيل في صورتها غير المباشرة "Secondry and Tertiary Aspects of the Boycott against Israel" ليس الا تعبيراً عن واقع فعلي تم فيه عملياً التغاضي وان بدرجات متفاوتة عن تطبيق المستويات غير المباشرة للمقاطعة في دول المجلس خاصة اثناء السنوات الخمس التي اعقبت انتهاء حرب الخليج. وقال الشيخ يعقوب بن حمد الحارثي رئيس غرفة تجارة وصناعة عُمان ل "الوسط" انه لم يحدث خلال توليه رئاسة الغرفة وحتى قبلها ان تلقت الغرفة أي شكاوى من أي شركة اميركية او غربية تظهر انها منعت من التجارة او الاستثمار في عُمان بسبب علاقات او استثمارات لها مع اسرائيل. وأشار الى حقيقة ان الشركات الاميركية على وجه الخصوص أعفيت بشكل تام من شهادات المنشأ "التي تتطلبها قوانين المقاطعة والتي يفترض ان تمنع دخول أي منتج فيه مكونات اسرائيلية او انتجته شركة على علاقة باسرائيل". والأمر نفسه حدث مع الشركات الالمانية بعد تطبيقها قوانين مماثلة للقوانين الاميركية... فقد قدم أحد السفراء العرب في بون حلاً يقوم على الاكتفاء بشهادة من الغرفة العربية - الالمانية، تفيد ان منتجات الشركة الالمانية ليست لها صلة باسرائيل وهي شهادة شكلية. وقال مسؤول سياسي كبير في احدى السفارات الغربية في منطقة الخليج ل "الوسط" ان القرار الذي اتخذته دول المجلس أخيراً برفع المقاطعة "لا يمثل في الواقع أي تغيير يذكر وان عدم الاعتداد التام بمستويات المقاطعة غير المباشرة هو وضع قائم بالفعل منذ سنوات عدة". وقال هذا الديبلوماسي "انه باستثناء اشتراط عدم ورود أي شيء من اسرائيل مباشرة فانه كان هناك اعتراف رسمي من قبل الدول الخليجية بعدم جدوى المقاطعة غير المباشرة... وكانوا في الواقع عمليين للغاية وكان المعيار الوحيد للتعامل مع الشركات الغربية هو السعر والنوعية وعندما كان رجال الاعمال الخليجيون يحصلون على السعر الأرخص والنوعية الافضل لم يكن يحول بينهم وبين ذلك قرار المقاطعة غير المباشرة". ويؤكد هذا الرأي الشيخ يعقوب الحارثي الذي يقول انه لا يتذكر ان شركة عمانية اشتكت يوماً من انه تعذر عليها ابرام صفقة بسبب قرارات المقاطعة أو ان الشركات الدولية التي تتعامل مع اسرائيل قد منعت من العمل في دول الخليج. وأشار في هذا الصدد الى شركات "كوكاكولا" و"فورد" و"تويوتا" للسيارات وشركات "هيلتون" و"شيراتون" للفنادق التي تعمل في دول الخليج بحرية تامة رغم استثماراتها وفروعها واعمالها الواسعة مع اسرائيل. وقال المستشار التجاري في السفارة الفرنسية في مسقط انني لم أواجه أي مشكلة بخصوص المقاطعة ولم ترد لي أي شكوى من شركة فرنسية في هذا الصدد وان شركات فرنسية عديدة استطاعت اقامة علاقات تجارية وابرمت صفقات في الخليج برغم اقامتها علاقات تجارية مماثلة باسرائيل. وأكدت هذا الامر مصادر ديبلوماسية بريطانية في الخليج مشيرة الى ان الشركات البريطانية ذات الباع الطويل في المنطقة لم تواجه اي صعوبات تذكر في النفاذ الى الاسواق ولم يحدث ان تأثرت بقرارات المقاطعة... ولا يتذكر مسؤولوها التجاريون أو الديبلوماسيون في المنطقة حدوث أي مشاكل تذكر خاصة خلال السنوات الأخيرة. وأرجعت المصادر الغربية في الخليج هذا الواقع الى حقيقة ان دول المنطقة طبقت قوانين المقاطعة بأسلوب وروح براغماتية للغاية وبأساليب متفاوتة تعكس المصالح الوطنية لكل دولة. ويقول الشيخ يعقوب بن حمد الحارثي "ان المستثمرين اليهود ورجال الأعمال اليهود والمؤسسات المصرفية الدولية التي يسيطر عليها يهود موجودة بالفعل في منطقة الخليج من خلال الشركات والمؤسسات الاميركية والاوروبية المتعاملة مع المنطقة وانه من قبيل خداع الذات تجاهل هذا الوجود". والسؤال الذي يطرح نفسه هو: اذا كان الواقع يقول ان الحجج الاميركية التي تقول بأنها حرمت من فرص اكبر للتجارة والاستثمار في منطقة الخليج بسبب المقاطعة هي حجج واهية... واذا كان الواقع يقول ان التطبيق الخليجي للمقاطعة غير المباشرة ومنذ خمس سنوات على الأقل اتسم بمرونة وبراغماتية واضحتين حالت دون منع أي شركة اميركية او اوروبية من العمل في المنطقة... فلماذا كان الالحاح الاميركي على انهاء المقاطعة رسمياً؟ المصادر الديبلوماسية في الخليج تجيب بقناعة مفادها ان القرار سياسي بالدرجة الاولى سواء من قبل دول الخليج التي ربما ارادت - حسب هذه المصادر - ان تؤكد قدرتها على المساهمة في صياغة النظام الاقليمي الجديد للشرق الأوسط سواء سياسياً أو اقتصادياً باعلانها مبادرة "جماعية" من هذا النوع طبقتها كل منها بشكل فردي بصورة متفاوتة في السنوات الماضية أو سواء من الولاياتالمتحدة التي ارادت ان تحول مكاسبها الصغيرة في اتجاه تخفيف المقاطعة الى انجاز سياسي ظاهر يكون اساساً لانهاء المقاطعة تماماً والقضاء على كل صورها بما في ذلك الصورة المباشرة التي تتعلق باسرائيل والشركات الاسرائيلية. مسؤول خليجي قال ل "الوسط" ان الطابع السياسي للقرار واضح فعلياً ولن يؤدي ذلك الى اضافة اي مصلحة مباشرة للاقتصاديات الخليجية أو لرجال الاعمال الخليجيين... واسرائيل نفسها ليس لديها شيء تعطيه للمنطقة اذا رفعت المقاطعة جزئياً أو كلياً فالاقتصاد الاسرائيلي نفسه يواجه المتاعب ويعتمد على المساعدات الخارجية لكي يستمر في الحياة. وأضاف: "بأن الأمر لا يتجاوز من ناحية الولاياتالمتحدة البعد السياسي أو الدعائي الذي ربما يزيل من يد اسرائيل مبررات التباطؤ في اعادة الحقوق العربية لاصحابها وفي استكمال مسارات التسوية السلمية". بداية النهاية للمقاطعة النتيجة الأهم لرفع المقاطعة الخليجية من الدرجتين الثانية والثالثة يتمثل في تأثيرها المحتمل على مبدأ المقاطعة برمته. فالقرار في جوهره ليس نهاية المقاطعة فحسب ولكنه نهاية لعملية "تريث" مارستها دول المجلس "رغم قفزات مبكرة من بعض دولها خاصة الكويت التي اعلنت رسمياً منذ أيار مايو الماضي تخليها عن المقاطعة ومثل قطر التي عقد وزير خارجيتها ثلاثة لقاءات مباشرة مع نظيره الاسرائيلي خلال أقل من عام واحد". وقالت مصادر خليجية ل "الوسط" ان موقف التريث ومقاومة الضغوط الاميركية لاعلان جماعي مبكر لرفع المقاطعة غير المباشرة طيلة السنوات الخمس الأخيرة كان تفاعلاً مع مطلب الاطراف العربية المعنية مباشرة بعملية التسوية عامة وتقديراً للموقف السوري سواء في أزمة الكويت أو في مفاوضات السلام. ولكن ابرام الاتفاق الفلسطيني - الاسرائيلي وتوقيع اتفاق انهاء حالة الحرب بين الأردن واسرائيل هذا العام جعل الاستمرار في موقف "التريث" المذكور غير عملي فضلاً عن انه لا يعطي الفرصة للدول الخليجية لامتلاك زمام المبادرة في التعاطي مع هذه المتغيرات ومتطلباتها. يضاف الى هذا شعور الدول الخليجية بأن موقف "العدول" عن تطبيق مستويات المقاطعة غير المباشرة ليس موقفها هي فحسب بل موقف عدد آخر مهم من الدول العربية في مقدمتهم مصر وتونس والمغرب. وهذا التطور الأخير على وجه الخصوص والذي شمل ما يبدو انه "نهاية لما عرف باسم السلام البارد او التطبيع المتجمد بين مصر واسرائيل على الرغم من توقيع اتفاقية السلام قبل خمسة عشر عاماً" وقيام مشروعات تعاون سياحية ونفطية وزراعية بين الدولة العربية الأكبر والدولة العبرية، وكذلك النمو المتسارع للعلاقات السياسية والديبلوماسية والاقتصادية وتبادل الزيارات والوفود بين اسرائيل وكل من تونس والمغرب خلال العام الأخير... هذا التطور هو الذي يجعل من القرار الخليجي، ورغم انتقادات الجامعة العربية وكل من لبنان وسورية وايران له، ليس قرار "الاقلية" العربية بل ربما بحساب كل من الأردن والفلسطينيين ومصر والمغرب وتونس يصبح تقريباً قرار "الاغلبية المطلقة"، وهو بذلك يمهد الطريق كما قال ديبلوماسي غربي مقيم في الخليج لنهاية غير بعيدة للمقاطعة المباشرة مع اسرائيل خاصة اذا ثبت ان توقعات بعض المسؤولين الاسرائيليين باحتمالات التوصل لسلام مع الأردن قبل نهاية العام ومع سورية ولبنان خلال العام المقبل ليست توقعات مبالغاً فيها.