بين وزارة الخارجية والقصر الرئاسي في منطقة الروضة في دمشق يقع المكتب الرئيسي لمقاطعة اسرائىل التابع لجامعة الدول العربية برئاسة المفوض العام احمد خزعة، الديبلوماسي المتحمس ل"احياء" المقاطعة و"تحديث" اساليبها لتنسجم مع العولمة الاقتصادية. نشأت المقاطعة العربية بقرار من مجلس الجامعة في أيار مايو 1951نص على اقامة جهاز "يتولى الخطط والتدابير اللازمة لمقاطعة اسرائيل والعمل على تحقيقها"، ذلك عبر مكتب المفوض العام في دمشق وضباط ارتباط منتشرين في الدول العربية تكون علاقتهم في دولهم مع حكوماتهم عبر وزارات مختلفة. وبينما اقامت سورية مكتباً مستقلاً لضابط الارتباط والحقته بوزارة الدفاع، فإن مكتب ضابط الارتباط العراقي يقع في مبنى وزارة الخارجية في بغداد. في حين يربطه بعض الدول بوزارة المال او الاقتصاد. وعكس هذا "الربط" الموقف السياسي لكل دولة من المقاطعة ومدى تحمسها اليه ورؤيتها لكيفية تحقيق ذلك بالاسلوب الاقتصادي او الديبلوماسي او المعلوماتي. ولم تكن فكرة المقاطعة متبلورة منذ اقرارها، اذ ان السنوات والتجارب ساعدت في توضيحها و"ابتكار" اساليب تنفيذها. اذ اقرت الجامعة في العام 1954 "القانون الموحد للمقاطعة" الذي فرض عقوبات على كل من يتعامل مع اسرائيل سواء أكان شخصاً طبيعياًَ او اعتبارياً وفرض على كل مستورد تقديم شهادة منشأ لبضاعته. وألحقته بعد سبع سنوات بتوصيف لاجهزة المقاطعة، اذ قسمت الى "مقاطعة سلبية" التي منعت التعامل او التهريب المباشر بين الدول العربية واسرائيل وما يتبعه من اجراءات، كذلك منع التعامل او التهريب غير المباشر من او الى اسرائيل عن طريق الدول الاجنبية وما يتبعه من اجراءات. بينما سعت "المقاطعة الايجابية" الى منع تدفق رؤوس الاموال والخبرات الفنية الى اسرائيل والحيلولة دون تدعيم اقتصادات اسرائيل ومجهودها الحربي بما في ذلك حظر التعامل مع الشركات والمؤسسات التي ترتكب احد الافعال التي تؤدي الى تحقيق منافع لاسرائيل، اضافة الى اصدار "القوائم السوداء" للبواخر التي تخالف مبادئ المقاطعة. وتضمنت "المقاطعة الايجابية" أيضاً مراقبة تطور الاقتصاد والصناعة في اسرائىل ووضع الخطط التي تؤدي الى عدم تحقيق اهدافها، ومتابعة نشاط اسرائيل الاقتصادي والتجاري والصناعي في الدول الاجنبية وخصوصاً الآسيوية منها والافريقية ووضع الخطط اللازمة لاحباط هذا النشاط واهمها منافستها في اسواق صادراتها ووارداتها. ولتحقيق ذلك وافقت الجامعة في العام 1960 على تشكيل لجان اقتصادية عربية مشتركة في الدول الاجنبية و"في الاماكن الحساسة بالنسبة لمقاطعة اسرائيل"، تسعى الى "التحري والتحقيق عن الشركات التي تتعامل مع اسرائيل، والتحقق من صحة البيانات الواردة في شهادات المنشأ، ومراقبة البضائع المصدرة الى البلدان العربية، لكي لا تتسرب اليها بضائع اسرائيلية او تدخل في صناعتها مادة من عمل اسرائيلي، ومراقبة مصير البضائع المصدرة من البلدان العربية الى الدول الاجنبية التي توجد بها اللجان المذكورة حتى لا يعاد تصديرها الى اسرائيل، ومراقبة تطور العلاقات التجارية والاقتصادية بين اسرائيل والدول الاجنبية، ودراسة الوسائل التي تؤدي الى كسب الاسواق الاجنبية وربطها بالدول العربية كوسيلة لمنافسة اسرائىل وحرمانها من تلك الاسواق". وتستند المقاطعة العربية لاسرائىل الى الاعراف الدولية والى مبدأين في القانون الدولي هما: "حق الدفاع عن النفس، اذ من المسلم به ان المقاطعة الاقتصادية من دولة ما لدولة اخرى هي في حالة حرب معها هو امر مشروع ما دامت حالة الحرب قائمة بينهما. ثانياً، حرية اختيار الشريك الاقتصادي، اذ لا يجوز لدولة ما ان تفرض ارادتها على دولة اخرى فتجبرها على التعامل معها حتى في حالة السلم معه، فكيف ان كانتا في حالة حرب. وهذه قاعدة ثابتة في القانون التجاري الدولي فضلاً عن ان العقد شريعة المتعاقدين، ولكل طرف الحق في اشتراط ما يراه مناسباً لمصلحته وللطرف الآخر، أن يقبل او يرفض". ويقول خبراء في القانون الدولي ان المقاطعة الاقتصادية ليست سابقة ابتكرها العرب وانما هي اجراءات طبقت سابقاً في عدد من الحالات بينها ما فرضته عصبة الامم على ايطاليا عند عدوانها على الحبشة، ودول حلف الاطلسي ضد دول "حلف وارسو"، والولاياتالمتحدة على الصين والشركات المتعاملة معها، وعلى كوبا إذ تفرض عقوبات على أية باخرة اميركية تأتي الى الموانئ الكوبية. كما طبقت الولاياتالمتحدة ودول اوروبية المقاطعة على كل من ايران وليبيا "بل ان اميركا ذهبت الى ابعد من ذلك، حيث اصدرت قانونا فرض عقوبات على اية شركة في العالم تستثمر في ايران ما يزيد عن اربعين مليون دولار وهي سابقة لا مثيل لها". وقال احد الخبراء: "اذا علمنا ان هذه العقوبات لم تفرض في حالة حرب وانما في حالة سلم، ادركنا مدى الشرعية الدولية للمقاطعة العربية التي ترمي الى تحرير الارض المحتلة وردع القدرة العدوانية الاسرائيلية ضد ابناء الامة العربية". واذا كانت "المقاطعة" استهدفت سياسياً عدم الاعتراف ب"الكيان الاسرائىلي" و"دمجه" في المنطقة العربية، فانها ادت اقتصاديا الى إلحاق خسائر كبيرة بالاقتصاد الاسرائىلي وصلت الى 87 بليون دولار حسب تقرير ل"مركز الابحاث الاسرائيلي" في القدس المحتلة، بينما يرى خبراء عرب انها تكلف اسرائيل ثلاثة بلايين سنويا او بين 10 و15 في المئة من انتاجها القومي. واقترح خزعة تأجيل الحديث الصحافي مع "الحياة" الى ما بعد انعقاد المؤتمر العادي المقرر في 22 الشهر الجاري في حال توافر النصاب القانوني، لكنه قال في محاضرة ألقاها حديثاً ان الاقتصاد الاسرائىلي تكبد تلك الخسائر بسبب "حرمان الاقتصاد الاسرائيلي من تصريف منتجاته في المحيط العربي الاستهلاكي القريب جغرافياً، والافادة من المواد الاولية الموجودة في الوطن العربي، واضطرار المنتج الاسرائيلي للبحث عن اسواق لمنتجاته في بلدان بعيدة جغرافياً مما يرهق السلعة الاسرائيلية ويفقدها قدرتها على المنافسة، وحرمانه من الاستفادة من بيوت المال العالمية واستثماراتها في اسرائيل خوفاً من حظر دخولها الى الدول العربية ومن اقامة شركات صناعية او فروعاً لها في اسرائيل او منح امتيازاتها لمستثمرين اسرئيليين، اضافة الى ارتفاع كلفة النقل من والى اسرائيل على متن البواخر لأن الشركات المالكة تضع في اعتبارها احتمال ادراجها على القائمة السوداء للمقاطعة مما يؤدي الى انخفاض قيمتها التجارية وفقدانها لفرص النقل من والى الموانئ العربية". حملة مضادة كل ذلك دفع اسرائىل الى القيام ب"حملة مضادة" على المقاطعة. وجاء في دراسة اعدتها جامعة الدول العربية ان اسرائيل "نجحت في استصدار قوانين في عدد من الدول تفرض العقوبات على الشركات التي تستجيب لأنظمة المقاطعة، وقد اصدرت الولاياتالمتحدة قانوناً عاقبت بمبوجبه الشركات التي تستجيب للمقاطعة العربية، كذلك الحال في كندا، حيث تمكنت المنظمات الصهيونية من استصدار قانون ينص على قطع المعونة عن اي شركة تلتزم بأحكام المقاطعة، كما ان الحكومة لن تجدد او تبرم اي عقد مع شركة تلتزم بالمقاطعة العربية". واضافت ان فرنسا "فرضت عقوبات على كل شخص يستجيب لمبادئ المقاطعة باعتباره يقترف تمييزاً عنصرياً عند ممارسة الاعمال التجارية. واُعتبرت اي عبارة على شهادة تشير الى ان البضاعة ليست من منشأ اسرائيلي هي بمثابة تمييز عنصري يعاقب عليه القانون". كما صدرت في هولندا تشريعات مضادة للمقاطعة وفرضت عقوبات على الشركات التي تستجيب لاحكام المقاطعة، و"جاء ذلك في اعقاب نشر مركز التوثيق والمعلومات الاسرائيلي في لاهاي كراس سماه "الكتاب الاسود" بعنوان المقاطعة العربية وهولندا، تضمن معلومات عن الشركات الهولندية التي خضعت لطلبات المقاطعة". كما ان اسرائىل اقامت جهازاً لمكافحة آثارها والحد من فعاليتها. وانعكس ذلك في اطلاق مسارين بعد انطلاق عملية السلام في مدريد العام 1991. مسار المفاوضات الثنائية، ومسار المفاوضات المتعددة الاطراف التي تستهدف "اقامة التعاون الاقليمي بين دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا". وقاطعت سورية ولبنان المفاوضات المتعددة الاطراف ولجانها الخمس لقناعة المسؤولين السوريين ان "المقاطعة سلاح سلمي يجب عدم التنازل عنه دون مقابل وقبل تحقيق السلام" ولان بحث التعاون الاقليمي وعلاقات السلم هو ورقة تفاوضية في مسار المفاوضات الثنائىة. في المقابل، جمدت معظم الدول العربية حضورها اجتماعات مكاتب الاتصال بعد انطلاق مؤتمر مدريد. فلم يعقد بعد ذلك سوى اجتماع واحد في العام 1993. وما ان وقع اتفاق اوسلو حتى بدأت حملة لالغاء احكام المقاطعة. اذ قام وفد اعضاء الكونغرس الاميركي في نهاية تشرين الاول اكتوبر 1993 بجولة على عدد من الدول العربية للقول :"ما دامت المقاطعة العربية مفروضة على الشركات التي لها علاقات اقتصادية مع اسرائيل، فانه يستحيل ان تكون هناك استثمارات من اصحاب رؤوس الاموال في الدول العربية". واستجاب عدد من الدول العربية لذلك وتم فتح مكاتب للاتصال والتبادل التجاري استنادا لقناعة المسؤولين في هذه الدول بامرين: أولاً، ان ذلك يشجع اسرائىل على السلام ويقنعها برغبة العرب الجدية في تحقيقه. ثانياً، ان القسم الأكبر من قضية فلسطين، جوهر الصراع العربي- الاسرائىلي، حل بعد توقيع اتفاق اوسلو. بل ان عدداً من الخبراء العرب والمسؤولين بدأ ينظر للتعاون الاقليمي بعقلية مختلفة بعد اصدار رئيس الوزراء الاسرائىلي السابق شمعون بيريز كتابه "الشرق الاوسط الجديد". في موازاة ذلك، عقدت مؤتمرات اقليمية للتعاون الاقتصادي. كان اولها مؤتمر الدار البيضاء في نهاية 1994 بمشاركة اسرائيل، ومؤتمر عمان في نهاية 1995 وقال السفير الاسرائىلي السابق مارتن انديك: "ان اسباب الاهتمام الاميركي بهذه المؤتمرات هو جعل اسرائيل تمتلك بوابة السوق الشرق اوسطية، ومفترق طرق التجارة الدولية بين اوروبا والشرق الاوسط". وفي هذا المؤتمر تم استكمال اجراءات انشاء بنك التنمية في الشرق الاوسط. كما عقد بعد ذلك مؤتمر القاهرة الاقتصادي وحاولت مصر تحجيم الدور المركزي الاسرائيلي بتقديم 200 مشروع تزيد استثماراتها عن 5،33 بليون دولار. وفي العام 1996 ولدى وصول الليكود الى الحكم بزعامة بنيامين نتانياهو الذي طرح شعار "الامن مقابل السلام"، عقدت القمة العربية في القاهرة وقررت "اعادة النظر" في العلاقات مع اسرائىل ما لم تلتزم ب"خيار السلام"، الامر الذي ادى الى تراجع اهمية دور مؤتمر الدوحة الاقتصادي الذي عقد بين 16و18 تشرين الثاني نوفمبر 1997 بغياب عدد من ممثلي الدول العربية وحضور 13 دولة و850 من رجال الاعمال. ولا شك في ان بحث معظم الدول العربية بتشجيع اميركي - اوروبي في التعاون الاقليمي بعد توقيع منظمة التحرير الفلسطينية اتفاق اوسلو، ادى الى زيادة في تدفق الاستثمارات الاجنبية الى اسرائىل اذ بلغت 3،2 بليون في العام 1995. وبعد تراجعها اثر وصول نتانياهو الى الحكم، عادت وارتفعت الى 3،8 بليون بسبب الاجواء المتفائلة بعملية السلام، حسب دراسة لجامعة الدول العربية. خطأ فني...بالمقاطعة هذا اثر سلباً على نشاط مكاتب المقاطعة وحجّم دورها في مكاتب الاتصال الاقليمية والمكتب العام، بل ان اخطاء فنية - ديبلوماسية ارتكتب لدى تقسيم مجلس الجامعة العربية في العام 1997 المقاطعة الى فئات عندما دعا في بيان ختامي الى "الالتزام بالمقاطعة من الدرجة الاولى"، الامر غير موجود في مبادئ المقاطعة التي تضمنت فقط نوعين: "سلبية" و"ايجابية". وكان اول من استخدم تصنيف الفئات وزير التجارة الاميركي عندما طالب في مذكرة سلمت الى عدد من الحكومات العربية في العام 1994 ب"الغاء المقاطعة من الدرجتين الثانية والثالثة". ويقصد بالدرجة الثانية الشركات الاجنبية المقاطعة التي تتعامل مع اسرائيل وتسهم في مجهودها الحربي او في تقوية وتعزيز اقتصادها. اما الثالثة فهي شركات قوطعت بسبب تعاملها مع شركات مقاطعة او فروع لشركات مقاطعة بأسماء اخرى مستعارة. اما المقاطعة من الدرجة الاولى فالمقصود بها التعامل المباشر مع اسرائيل. لكن "تراخي المقاطعة" لم يلغ دور المكتب الرئيسي في دمشق نهائيا في العقد الاخير، فكان يقوم بمهماته على رغم عدم انعقاد مؤتمراته الدورية، حين كان يدرس الاقرارات المقدمة من الشركات الاجنبية الراغبة بالتعامل مع الدول العربية للمرة الأولى وبيان ما اذا كانت ذات صلة بالشركات المقاطعة او هي فروع لها وان كانت قيد التحقيق لاجهزة المقاطعة ام لا. ويبلغ عدد هذه الشركات عادة خلال ستة اشهر ما بين 200 و250 شركة، حسب مصادر في جامعة الدول العربية. كما يتابع المعلومات الرسمية الواردة عن الشركات الاجنبية المخالفة لمبادئ المقاطعة والطلب الى المكاتب الاقليمية مراسلتها عند تقدمها بطلب للدخول الى الاسواق العربية لبيان حقيقة علاقتها باسرائيل ومواجهتها بالتهم المنسوبة اليها ودراسة الوثائق والردود التي تقدمها وبيان الرأي حولها واتخاذ القرار المناسب بشأنها وفقاً لما تنص عليه قواعد المقاطعة. ويصدر القرارات اللازمة باعتبار مواضيع الشركات الاجنبية التي كانت محل تحقيق اجهزة المقاطعة - منتهياً - بعد ان قامت بتسوية اوضاعها وقدمت الوثائق المثبتة لذلك. ويتابع المكتب الرئيسي ايضاً موضوع تهريب البضائع الاسرائيلية الى بعض الاسواق العربية عبر شركات وهمية موجودة في الخارج تقوم باعادة تعليب تلك البضائع وتصديرها على انها من انتاج ذلك البلد وابلاغ المكاتب الاقليمية بهذه المعلومات لكي تتخذ ما يلزم بشأنها، ومتابعة اوضاع الشركات الاجنبية التي كانت محل تحقيق اجهزة المقاطعة العربية التي تقتضي القواعد المقررة بعرض مواضيعها على مؤتمر ضباط الاتصال الاقليميين العرب مجتمعاً لمناقشتها واقرار التوصيات اللازمة بشأنها، ومتابعة المعلومات الخاصة بالافلام الاجنبية التي تتضمن دعاية لاسرائيل او طعناً بالعرب او اشترك فيها ممثلون اسرائيليون واتخاذ ما يلزم بشأنها، وتزويد المكاتب الاقليمية العربية بأسماء الاشخاص الطبيعيين والاعتباريين الذين سبق وان تقرر حظر التعامل معهم او دخولهم الى الاقطار العربية". عملياً، فان "حظر" اي شركة يحتاج الى اتخاذ قرار في شأنه في مؤتمر ضباط الاتصال الاقليميين، لكن يجوز للمفوض العام "رفع الحظر" من دون الحاجة الى مؤتمر عام يفرض وجود غالبية، الامر الذي لم يتحقق في السنوات السبع الاخيرة على رغم التزام المفوض العام بتوجيه دعوتين رسميا في كل عام. حالياً، لدى المكتب الرئيسي بمفوضه العام ومساعديه اسباب كثيرة ل"الحماس" والنشاط. واهم هذه الاسباب صدور قرار من القمة العربية نص على "العمل على تفعيل المقاطعة العربية ضد اسرائىل ومقاومة التغلغل الاسرائىلي في الوطن العربي". وكانت سورية قادت حملة ل"تفعيل المقاطعة" لدى انعقاد لجنة متابعة اعمال القمة العربية في دمشق نهاية العام الماضي. اذ ان وزير الخارجية فاروق الشرع استطاع اقناع نظراءه العرب الثمانية باتخاذ توصيات غير علنية للدعوة الى عقد اجتماع دوري. ونتيجة "بارقة الامل" وجه المكتب الرئيسي دعوة في مطلع العام الجاري لضباط الارتباط لعقد اجتماع دوري، لكن ذلك لم يحصل ل"عدم اكتمال النصاب القانوني". ثم عاد وكرر الدعوة قبل ايام مستندا الى ثلاثة امور: اولاً، استمرار الانتفاضة والتعاطف العربي الرسمي والشعبي معها ضد العدوان الاسرائيلي. ثانياً، تشاؤم المسؤولين العرب باحتمال حصول السلام مع آرييل شارون. ثالثاً، صدور قرار في مجلس الجامعة نص صراحة على انعقاد الاجتماع. وجاء في القرار ان تفعيل المقاطعة سيتم عبر ثلاثة اساليب هي: "اولاً، البدء باعادة تفعيل نشاط مكاتب الاتصال المختصة في الدول العربية. ثانياً، انتظام عقد مؤتمرات المقاطعة الدورية التي يدعو اليها المكتب الرئيسي لمقاطعة اسرائىل. ثالثاً، البدء باعادة تفعيل دور اللجان الاقتصادية الموجودة في الخارج وتنشيط دورها في كشف عمليات اعادة تصدير البضائع الاسرائيلية الى الدول العربية من خلال التأكد من صحة البيانات الواردة في شهادات المنشأ". وكانت هذه المرة الاولى التي يأتي في البيان "تفعيل المكاتب الاقليمية في الدول العربية وليس المكتب الرئيسي الذي لم يوقف نشاطاته في السنوات السابقة". وطلب المفوض العام "موافقات خطية" من الدول لعقد الاجتماع المقرر بين 22 و25 الجاري، حين برز احتمال انعقاده بعد وصول موافقات من العراق، سورية، لبنان، اليمن، السودان، فلسطين، تونس، وليبيا. ولا تقتصر اهمية انعقاد المؤتمر على الجانب السياسي، بل ان اموراً فنية في حاجة الى حسم وقرارات عربية تتعلق بتكييف آلية عمل المقاطعة مع العولمة الاقتصادية. اذ كيف يمكن نجاحها في وقت لايزال المكتب الرئيسي يفتقد الى ابسط الشروط التكنولوجية، لذلك اذا كانت ارادة فعلية ل"التفعيل" و"الاحياء" لابد من تأسيس موقع على الانترنيت يشرح اسباب المقاطعة ومرجعيتها القانونية ويقيم علاقات مع الجمهور، ومن رفع موازنة المكتب الرئيسي، وارسال المكاتب الاقليمية المعلومات عن الشركات المستهدفة، والاهم توسيع المكتب وتزويده بخبراء في الاقتصاد والقانون... بدلاً من خفض عدد العاملين فيه كما حصل في السنوات السابقة!