أمير حائل يدشن إنتاج أسماك السلمون وسط الرمال    المسند: طيور المينا تسبب خللًا في التوازن البيئي وعلينا اتخاذ الإجراءات المناسبة للحد من تكاثرها    التعامل مع المرحلة الانتقالية في سورية    جازان: القبض على شخص لترويجه 45 كيلوغراما من «القات»    بناء الأسرة ودور مراكز الرعاية الصحية الأولية    معرض الكتاب بجدة كنت هناك    جمعية(عازم) بعسير تحتفل بجائزة التميّز الوطنية بعد غدٍ الإثنين    البديوي: إحراق مستشفى كمال عدوان في غزة جريمة إسرائيلية جديدة في حق الشعب الفلسطيني    مراكز العمليات الأمنية الموحدة (911) نموذج مثالي لتعزيز الأمن والخدمات الإنسانية    الفريق الفتحاوي يواصل تدريباته بمعسكر قطر ويستعد لمواجهة الخليج الودية    الهلال يُعلن مدة غياب ياسر الشهراني    جوائز الجلوب سوكر: رونالدو وجيسوس ونيمار والعين الأفضل    ضبط 23194 مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود.. وترحيل 9904    الأونروا : تضرر 88 % من المباني المدرسية في قطاع غزة    زلزال بقوة 5.6 درجة يضرب الفلبين    حاويات شحن مزودة بنظام GPS    مهرجان الحمضيات التاسع يستقبل زوّاره لتسويق منتجاته في مطلع يناير بمحافظة الحريق    سديم "رأس الحصان" من سماء أبوظبي    أمانة القصيم توقع عقد تشغيل وصيانة شبكات ومباشرة مواقع تجمعات السيول    بلدية محافظة الاسياح تطرح فرصتين استثمارية في مجال الصناعية والتجارية    «سوليوود» يُطلق استفتاءً لاختيار «الأفضل» في السينما محليًا وعربيًا خلال 2024    بعد وصوله لأقرب نقطة للشمس.. ماذا حدث للمسبار «باركر» ؟    انخفاض سعر صرف الروبل أمام الدولار واليورو    الفرصة مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    الصين تخفض الرسوم الجمركية على الإيثان والمعادن المعاد تدويرها    المكسيك.. 8 قتلى و27 جريحاً إثر تصادم حافلة وشاحنة    أدبي جازان يشارك بمعرض للتصوير والكتب على الشارع الثقافي    دبي.. تفكيك شبكة دولية خططت ل«غسل» 641 مليون درهم !    رينارد وكاساس.. من يسعد كل الناس    «الجوير».. موهبة الأخضر تهدد «جلال»    ابتسامة ووعيد «يطل».. من يفرح الليلة    رئيس الشورى اليمني: نثمن الدعم السعودي المستمر لليمن    مكي آل سالم يشعل ليل مكة بأمسية أدبية استثنائية    جازان تتوج بطلات المملكة في اختراق الضاحية ضمن فعاليات الشتاء    الرويلي يرأس اجتماع اللجنة العسكرية السعودية التركية المشتركة    مدرب ليفربول لا يهتم بالتوقعات العالية لفريقه في الدوري الإنجليزي    رئيس هيئة الأركان العامة يلتقي وزير دفاع تركيا    لخدمة أكثر من (28) مليون هوية رقمية.. منصة «أبشر» حلول رقمية تسابق الزمن    وزير «الشؤون الإسلامية»: المملكة تواصل نشر قيم الإسلام السمحة    خطيب الحرم: التعصب مرض كريه يزدري المخالف    مآل قيمة معارف الإخباريين والقُصّاص    مهرجان الرياض للمسرح يبدع ويختتم دورته الثانية ويعلن أسماء الفائزين    عبقرية النص.. «المولد» أنموذجاً    99.77 % مستوى الثقة في الخدمات الأمنية بوزارة الداخلية    أميّة الذكاء الاصطناعي.. تحدٍّ صامت يهدد مجتمعاتنا    نائب أمير مكة يفتتح ملتقى مآثر الشيخ بن حميد    «كليتك».. كيف تحميها؟    3 أطعمة تسبب التسمم عند حفظها في الثلاجة    فِي مَعْنى السُّؤَالِ    دراسة تتوصل إلى سبب المشي أثناء النوم    ثروة حيوانية    تحذير من أدوية إنقاص الوزن    ضرورة إصدار تصاريح لوسيطات الزواج    رفاهية الاختيار    وزير الدفاع وقائد الجيش اللبناني يستعرضان «الثنائية» في المجال العسكري    حلاوةُ ولاةِ الأمر    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رفع شعارات إيرانية برر لبغداد أساليب البطش . شاهد يروي تفاصيل انتفاضة النجف : شائعات ألهبت المشاعر وتصفيات وأجهزة الامن نجحت في اختراقها
نشر في الحياة يوم 03 - 01 - 1994

لم يشعر العراقيون سواء كانوا قادة في المعارضة أم أفرادا اضطرتهم ظروف بلادهم الى الرحيل بحثاً عن ملجأ آمن او هرباً من جور النظام, بالمرارة واليأس في وقت من الاوقات مثلما يشعرون هذه الايام.
واذا كانت انباء تجفيف الحكومة العراقية مناطق الاهوار في الجنوب وتحويل انهارها واستعمال الاسلحة الكيماوية ضد السكان في الفترة الاخيرة لم تشغل نزوح الاكراد في شمال العراق, فان ما تركه رد الفعل الحالي لدى المعارضين العراقيين هو انهم متروكون لوحدهم يصارعون قدرهم, خصوصا بعد ما امتنعت الولايات المتحدة عن تقديم دعم جوي الى ضباط كانوا يعدون لمحاولة انقلابية ضد حكومتهم. وقبل ذلك رفض الغرب دعم انتفاضتهم ضد النظام على رغم مطالبة الرئيس الاميركي السابق جورج بوش لهم بالوقوف في وجه الرئيس صدام حسين واسقاط نظامه.
ويقول فائق الشيخ علي وهو محام عراقي من مدين النجف حفيد المرجع الديني الشيعي آية الله العظمى علي المرندي الذي يعد كتاباً عن أحداث انتفاضة النجف التي بدأت في الثالث من شهر آذار مارس 1991 وسحقت بعد ثلاثة شهر عشر يوماً من انطلاقتها ان "العراقيين سيفكرون كثيراً وطويلاً قبل أن يعلنوا انتفاضة مماثلة لتلك التي حصلت في الربع الاول من العام 1991 وشملت معظم المدن الرئيسية".
ويوضح فائق الشيخ علي الذي عايش عن قرب انتفاضة النجف حيث توجد أبرز الاماكن الدينية لشيعة العراق ان نجاح اجهزة الامن العراقية في اختراق قيادة الانتفاضة وعدم التنظيم الذي أدى الى حصول فوضى, وقراءة المواقف الدولية قراءة خاطئة لعبت دوراً بارزاً في إخمادها.
ويصف المحامي العراقي الذي لجأ لندن منذ بضعة اشهر الوضع في النجف عشية الانتفاضة بالقول: "ان العراقيين كانوا في غمرة انشغالهم بمتابعة التطورات الدولية ومواقف دول التحالف ضد نظام صدام حسين, خصوصاً بعد الهزيمة الشنيعة التي منيت بها القوات العراقي الغازية للكويت وبعدما تبين للعراقيين ان تهديدات الرئيس العراقي وتلويحه باستخدام الاسلحة الكيماوية وحرق نصف اسرائيل كانت مجرد كلام في الهواء, كل هذا زاد من حالة الغليان التي شهدتها مدن عراقية, مثل النجف وكربلاء والبصرة والناصرية والكوفة وبغداد وحتى كركوك والموصل.
ولعل سقوط آلاف الضحايا من العراقيين والفلتان الذي عم البلاد بسبب ارتباك اجهزة السلطة في استيعاب الهزيمة افسحا المجال لتشجيع سكان النجف والبصرة وغيرهم على الثورة والسيطرة على مؤسسات النظام واجهزته ورفع شعارات غابت طوال عقود عن مسامع العراقيين والعودة الى ممارسات ظلت محظورة في العراق مدة طويلة. ولم تنج مدينة النجف من القصف الذي صاحب حرب الخليج الثانية وأوقع ضحايا كثيرين, إذ فقدت أسرة آل الحبوبي 11 فرداً منها بعد اصابة منزلهم بصاروخ. كان سيل الضحايا يتدفق على مقبرة مدينة النجف, وكانت نفوس العراقيين تعتمر بالغضب, إذ لم ينس الشباب وعود صدام بالنصر وتهديداته بإيقاع اشد الخسائر في صفوف القوات المتحالفة, وزاد الطين بلة تدهور الأوضاع المعيشية وانقطاع التيار الكهربائي والمياه, الامر الذي بدأ يزرع بذور الثورة لدى العراقيين وفي مقدمهم الشباب".
بدء الانتفاضة
وفي مطلع آذار مارس عام 1991 انتشرت في مدينة النجف أنباء في قيام تظاهرة في الساعة الثانية والنصف من اليوم الاخير من شهر شباط فبراير 1991 احتجاجاً على ما يجري, وكان الهدف من نشر هذه الأنباء من دون أن يحصل شيء من هذا القبيل, خلق أجواء عامة تمهد للانفجار الكبير, وتأجل الموعد إلى اليوم التالي بهدف تمرير الرسائل إلى القيادة العراقية أن الانتفاضة على وشك ان تهب في النجف ومنها في كل المدن العراقية. وفي الثانية والنصف بعد ظهر الأحد في الثالث من آذار مارس 1991 كانت حركة الشارع في النجف مزدحمة وسطوح المنازل امتلأت بالشباب والاطفال والشيوخ الذين بادروا بإطلاق صرخات الله اكبر, ودفعت بعضهم إلى النزول إلى الشوارع مسلحين ببنادق كلاشينكوف والعصي, وكان أكبر التجمعات رصد في الشوارع الرئيسية كشارع زين العابدين وشارع الصادق وباب الطوسي.
ولم تمر فترة وجيزة حتى كانت منطقة النجف القديمة تشهد صدامات بين الشرطة والمتظاهرين الذين كانت غالبيتهم من الشبان والأطفال والنساء, في عمليات كر وفر, ولم تمض ساعات حتى كان الشباب يجمعون على أن تكون وجهتهم الصحن الشريف ومرقد الإمام علي عليه السلام, نظراً إلى وجود إذاعة داخلية ومكبرات صوت لتحريره من رجال السلطة التابعين لجهاز الشرطة ومكافحة الاجرام الذين كانت مهمتهم مراقبة الداخلين الى المقام وتصوير الآتين للقاء العلماء.
واعتقد المشاركون في الانتفاضة ان السيطرة على الصحن وعلى مكبرات الصوت تعني السيطرة على المدينة, وبعد مقاومة عنيفة بين المنتفضين ورجال النظام وتبادل اطلاق النار, نجح الشباب في الوصول الى هدفهم بفضل مساعدة بعض العاملين في سدنة الروضة الحيدرية الذين فتحوا المئذنة للثوار واستعملوا مكبرات الصوت, وتولى خطباء حض الناس على الثورة ضد النظام. ولم تمض دقائق على اطلاق النداءات حتى كانت الشوارع تكتظ بالمتظاهرين الذين اصطدموا مجدداً مع رجال الشرطة واسفرت الصدامات عن وقوع ضحايا من الطرفين, في مقدمتهم سعد العامري واخرون بينهم اطفال.
واقتصرت انتفاضة اليوم الاول علي وسط النجف. مع مواصلة الخطباء حض الناس على الثورة والدعوة الى قتل العناصر التابعة للسلطة, كان شارع الصادق يشهد تجمعاً لتظاهرة غالبية عناصرها من المسلحين المزودين بنادق كلاشنيكوف وعصياً وسكاكين اتجهوا نحر مركز شرطة المحافظة حيث يوجد جناح خاص بالأمن والاستخبارات وسجن ومخزن للعتاد وما لا يقل عن 200 شرطي وضابط. وراح المتظاهرون يهتفون "يا صدام شيل ايديك كل الشعب ما يريدك", ووقعت معركة عنيفة استمرت حتى ساعات الصباح الاولى, اسفرت عن اخلاء رجال الشرطة للبني تاركين وراءهم مئات السجناء, معظمهم من العسكريين المتخلفين عن خدمتهم او المتهاونين في إداء واجباتهم, وعتاداً ثقيلاً وخفيفاً".
معركة مديرية الشرطة
وأضاف: "كانت المراكز الحكومية في مدينة النجف اشبه بترسانات عسكرية ضخمة, وكان اكثرها تحصيناً مديرية الامن في حي الغدير.
"كانت معركة مديرية الأمن معركة من جانب واحد بفضل غزارة النيران التي أطلقها الثوار على الواجهة الامامية للمديرية. ولم يحسم مصير المعركة الا وصول دبابتين غنمهما الثوار في اليوم الأول, إذ بدأتا بإطلاق القذائف على المديرية, الامر الذي دفع رجال الدولة الى الهرب تاركين خلفهم 35 اسيراً كويتياً ومئات من العراقيين وأسلحة وسجلات وملفات".
وتابع فائق الذي شارك في عملية الاقتحام: سمع اشتداد القصف على المبنى, نجح أحد المعتقلين في الهرب حيث راح يصرخ قائلاً أن المبنى لا يضم سوى المعتقلين, وان ضابطاً كبيراً أشعل النار فيه قبل مغادرته وانه كن ينوي إعدام المعتقلين, لكن ضيق الوقت واقناع مساعديه له بترك المبنى بسرعة حالا دون ذلك".
مرت احداث اليومين الاولين في النجف كأنهما سنوات, واستغرق بلورة قيادة لادارة الانتفاضة 24 ساعة على الأقل, اذ كان كل مشارك فيها يعتبر نفسه قائداً, وكان كره الشباب للضباط الذين التحقوا بالثورة بلا حدود على اساس ان الضابط يمثل لهم الدولة والجيش والاجهزة والاوامر والقمع وما شابه ذلك. ولا مبالغة في القول أن قيادتين تشكلتا في اليوم الثاني: الاولى كانت عسكرية وتولاها شبا يدعى مسلم طاهر العذاري الملقب مسلم الحسيني وكان لا يتجاوز الرابعة والشعرين من العمر واتخذ من الصحن الشريف مقراً له, والثانية قيادة دينية تمثل المرجعية الاسلامية الشيعية وقد شكلها آية الله العظمى ابو القاسم الخوئي. وأصدر الخوئي بياناً جاء على الشكل التالي:
بيان الخوئي
"بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله رب العالمين وبه نستعين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين ... وبعد فانه البلاد تمر في هذه الأيام بمرحلة عصيبة تحتاج فيها الى حفظ النظام واستتباب الأمن والاستقرار والإشراف على الأمور العامة والشؤون الدينية والاجتماعية تحاشياً لخروج المصالح العامة عن الإدارة الصحيحة الى التسيب والضياع.
من أجل ذلك نجد أن المصلحة العامة للمجتمع تقتضي منا تعيين لجنة عليا تقوم بالاشراف على ادارة شؤونه كلها، بحيث يمثل رأينا رأيها، وما يصدر عنها ويصدر عنا.
وقد اخترنا لذلك نخبة من أصحاب الفضيلة العلماء المذكورة اسماؤهم ادناه ممن نعتمد على كفاءتهم وحسن تدبيرهم, فعلى ابنائنا المؤمنين اتباعهم واطاعتهم والانصياع الى اوامرهم وارشادهم ومساعدتهم في انجاز هذه المهمة. نسأل الله عز وجل ان يوفقهم لاداء الخدمة العامة التي ترضيه سبحانه وتعالى ورسوله.
الله ولي التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
النجف الاشرف العشرين من شعبان المعظم سنة 1411 هجرية".
وقد ضم البيان اسماء اعضاء اللجنة وهم:
1 - السيد محيي الدين الغريفي
2 - السيد محمد رضا الموسوي الخلخالي.
3 - السيد جعفر بحر العلوم.
4 - السيد عزالدين بحر العلوم.
5 - السيدمحمد رضا الخرسان.
6 - السيد محمد السبزواري.
7 - الشيخ محمد رضا شبيب الساعداني.
8 - السيد محمد تقي الخوئي.
واضيف اسم السيد محمد صالح السيد عبدالرسول الخرسان الى اللجنة المذكورة في اليوم التالي لصدور القرار الاول.
وقد سبق آية الله العظمى السيد عبدالاعلى السبزواري ايه الله العظمى ابو القاسم الخوئي في اصدار بيان لتوجيه الانتفاضة".
ويقول فائق الشيخ علي أن بيان السبزواري صدر في النجف في اليوم الأول للانتفاضة ووزع في اليوم التالي وقد تضمن البيان دعوة الثوار الى الجهاد ضد النظام وقد وصف كلامه بالجرأة. ولعب تدهور الاوضاع وتزايد عمليات التصفية الجسدية من دون محاكمة والتمثيل بالجثث وسرقة المؤسسات العامة وحل النزاعات الشخصية بالقوة من دون اللجوء الى اولي الامر في ظل غياب المحاكم, دوراً بارزاً في استعجال تشكيل اللجنة التي سماها السيد ابو القاسم الخوئي, وتعكس الفتوى التي صدرت عنه في اليوم الثالث للانتفاضة جانباً مما جرى. وما جاء في الفتوى الموقعة في الثامن عشر من شهر شعبان عام 1411 "اهيب بكم ان تكونوا مثالاً صالحاً للقيم الاسلامية الرفيعة برعاية الاحكام الشرعية رعاية دقيقة في كل اعمالكم وجعل الله تبارك وتعالى نصب أعينكم في كل ما يصدر منكم, فعليكم الحفاظ على ممتلكات الناس واموالهم واعراضهم, وكذلك جميع المؤسسات العامة لأنها ملك الجميع, والحرمان منها حرمان للجميع...
كما اهيب بكم دفن جميع الجثث الملقاة في الشوارع وفق الموازين الشرعية وعدم التمثيل بأحد, فانها ليست من اخلاقنا الاسلامية وعدم التسرع في اتخاذ القرارات الفردية غير المدروسة والتي تتنافى والاحكام الشرعية والمصالح العامة".
تصفيات وتمثيل بالجثث
وأورد فائق الشيخ علي امثلة عن عمليات تصفية فقال: "ان جاسم الكرماني قتل ثلاثة اشخاص من بينهم نوري نرهود وعبدالجواد وهما من فرقة مكافخة الاجرام كما اقدم وهاب سعد راضي على قتل بضعة اشخاص من بينهم عبدالحسين الاصفهاني الملقب ببلبلي, وجرت عمليات تمثيل كثيرة, بجثث لعسكريين ومسؤولين حزبيين من ذوي الرتب المتدنية ومن بينهم احد أنجال عبد مطرود شعباوي ونجم مزهر وعبدالامير جيثوم مرزوق العواد.
ولا يعكس صدور بيانين عن السيدين ابو القاسم الخوئي والسبزواري وجود خلاف في وجهات النظر بين الزعيمين الدينيين النجفيين, وقد برز ذلك من خلال مشاركة نجل السبزواري في اللجنة التي شكلها السيد ابو القاسم الخوئي. وقد حرص السيد مسلم طه العذاري القائد المدهني الميداني لشباب الانتفاضة على زيارة القيادة الدينية للانتفاضة في دارة محمد تقي الخوئي الواقعة في حي السعد والتي تحولت الى مقر للمرجعية بسبب وجود منزل السيد ابو القاسم الخوئي خارج وسط المدينة.
وكان عدم وجود قيادة عسكرية للانتفاضة حافزاً للسيد الخوئي على تشكيل قيادة عسكرية تضم بعض الضباط الذين انضموا الى الانتفاضة وقد عرف منهم عباس كريم ومصطفى شريف محمد رشاد وعبدالحسن البستاني واخرون.
وحاول اعضاء هذا المجلس تشكيل وحدات عسكرية للدفاع عن مدينة النجف إلا أن ذلك جاء متأخراً, كما لعب عدم اقتناع الشباب الثوار بقيادة الضباط لهم دوراً في عدم وجود مقاومة منظمة لقوات الجيش التي نظمت نفسها وبدأت بشن هجومها المعاكس تمهيداً لاسترداد المدينة.
وعلى رغم وقوع معارك ضارية بين الجيش والثوار في منطقة المطحنة على بعد 15 كلم من وسط النجف الا ان هناك معارك اقل اهمية حصلت في مناطق اخرى مثل معركة أبو صخير - النجف, وكان الجيش يسعى خلالها الى التقدم نحو المدينة كمقدمة لاستعادتها. وكان سلاح الثوار متواضعاً, ولم تكن الدفاعات التي اقيمت محصنة الامر الذي تسبب في سقوط ضحايا بالمئات".
اختراقات أمنية
وكشف فائق الشيخ علي نجاح اجهزة الامن في اختراق قيادة الانتفاضة: سكنت في زيارة لمنزل السيد محمد تقي الخوئي حيث القيادة الدينية للانتفاضة ومقر المجلس العسكري للانتفاضة حين رأيت شخصاً اعرفه ويدعى النقيب احمد الاعظمي - كان احمد الاعظمي قد تخرج ضابطاً في جهاز الامن من كلية الامن القومي في بغداد ونقل الى جهاز الدفاع المدني في النجف لممارسة مهماته, وخلال وجوده في النجف نجح في اقامة علاقة صداقة مع ابراهيم نجل السيد ابو القاسم الخوئي, ومع بدء الانتفاضة اخذ النقيب الاعظمي يتردد على منزل السيد محمد تقي الخوئي الذي فسح له المجال للمشاركة في متابعة تطورات الانتفاضة والمساهمة فيها من خلال خبراته في مجال الدفاع المدني.
وكان النقيب الاعظمي يستغل موقعه لنقل معلومات عما يجري في النجف من تطورات لاجهزة السلطة في بغداد وبعد ما تأكدت انه هو الشخص الذي اعرفه خريجاً لكلية الأمن القومي, طلبت مقابلة السيد إبراهيم الخوئي لابلاغه شكوكي في وجوده في منزله والخطر الذي يشكله, خصوصاً وان لاحمد الاعظمي شقيقاً يعمل في مديرية أمن النجف ويدعى جمال, وقد فوجئ السيد ابراهيم بأقوالي وأصر على سؤالي هل كنت متأكداً مما اقول, فاجبت بنعم واضفت "انني مستعد لمواجهته امام الحضور, وما هي الا لحظات حتى غادر الخوئي الغرفة ليطلب من النقيب الاعظمي مغادرة داره.
ويؤكد فائق "ان اختراق منزل السيد الخوئي من قبل اجهزة الامن العراقية لم يكن الوحيد اثناء الانتفاضة في النجف, فقد تولى كثيرون مهمة بث شائعات غير صحيحة منها ما قيل عن وصول السيد محمد باقر الحكيم الى البصرة في طريقه الى النجف للاشراف على الثورة وقيادة البلاد, واخرى عن سقوط عدي صدام حسين قتيلاً على ايدي الثوار في منطقة الناصرية, وسيطرة ثوار الانتفاضة على 250 دبابة في الديوانية.
الشائعات والهجوم
إلا ان الشائعة الاقوى كانت اذاعة نبأ نقلته سيدة إلى مقام الامام علي يوم الاثنين في الحادي عشر من شهر آذار مارس وقالت فيه للسيد احمد الخرساني ان صدام حسين قتل, ومع ترداد الإشاعة بين صفوف زوار المقام, تحمس أحمد الخرساني واذاع النبأ عبر الميكروفون, الامر الذي شجع كل حملة السلاح على اطلاق العنان لنيران رشاشاتهم في السماء.
وقد اعقب اذاعة النبأ من ميكروفون الصحن الشريف قطع التيار الكهربائي الأمر الذي اعاق اعادة نبأ معاكس ينفي الشائعة ويدعو الناس الى توفير ذخائرهم لمعاركهم مع النظام. ولم تمر نصف ساعة على بث شائعة موت صدام حسين حتى كانت وحدات الجيش العراقي تعد عدتها لشن هجوم واسع على مدينة النجف من ثلاثة محاور وبدأت قصفاً استمر حتى الساعة السادسة من صباح اليوم التالي. وقد أعطت السلطات المواطنين مهلة ساعتين لمغادرة المدينة ليستأنفوا بعذ ذلك القصف لثلاثة أيام متتالية.
واستعملت صواريخ سكود الثقيلة في قصف المدينة الأمر الذي أحدث خسائر جسيمة وأوقع ضحايا في صفوف المدنيين, ومهد لدخول الجيش المدينة من الجهة الشرقية والغربية والشمالية وترك المحور الجنوبي مفتوحاً بسبب سيطرة الثوار عليه وانفتاحه على بقية المناطق المحررة في الجنوب. "وأثبتت آلاف الوثائق التي صادرها الثوار من دوائر الدولة المختلفة وجود عملاء لهم حتى في صفوف الشيوخ المعممين. وبعض هذه الوثائق نقل الى منزل السيد الخوئي, واتلف لئلا يقع في يد النظام من جديد".
ويروي فائق عينات عن بعض ما في هذه الوثائق فيقول "ان بعضها يدعو إلى تصفية الاسرى الذين كانوا محتجزين في ايران, خلال الشهر من عودهم لئلا يبثوا افكارهم الهدامة, كما ان هناك تعليمات اخرى تدعو مسؤولي اجهزة الامن الى تصفية رجال الدين الذين يشك في ولائهم للسلطة".
ويقول عراقيون كانوا في النجف: "ان شعارات إيرانية رفعها الشبان اعطى الحكومة العراقية حجة لاستخدام كل أساليب البطش, وان دخول الجيش قلب النجف كلف آلاف الضحايا الذي بقيت جثثهم في الشوارع لأسابيع, خصوصاً وان الجيش وجه نداءات عبر مكبرات للصوت كانت تذاع من الجو ومثبتة في طائرات هليكوبتر تدعو المواطنين الى دخول الصحن الشريف وتقول من دخل الصحن فهو آمن ومن دخل بيت السيد الخوئي فهو آمن, لكن ما حصل أن رشاشات الطائرات قتلت كل من لجأ إلى الصحن الشريف وجادة كربلاء واعتقلت كل من دخل منزل السيد الخوئي".
ولا يخفي فائق خوفه من ان يطول بقاء صدام حسين في الحكم ويقول "ان ما عانيناه على يد اجهزته لن يكون الزمن قادراً على مسحه من ذاكرة طفل او شيخ او امرأة, ولعل ما حصل لحوالي مليون نسمة في منطقة النجف ومحيطها سيبقى ماثلاً في الاذهان".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.