وصفت أوساط ايرانية دعوة بعض الجهات الدينية الى مرجعية النجف في العراق بأنها "مؤامرة خطيرة يجب التصدي لها وفضحها". وعبّرت شخصيات روحية في تصريحات أدلت بها الى "الوسط" عن قلقها من الدعوة الى نقل المرجعية الدينية للشيعة الى النجف وقالت ان مثل هذه الدعوة تنطلق من خارج المؤسسة الدينية ويجد لها اصداء في داخلها عند السذج والذين يتحركون بوحي من الخارج". وقال حجة الاسلام مسيح مهاجري المقرب من مرشد الثورة آية الله علي خامنئي "ان بريطانيا والولايات المتحدة تسعيان منذ وقت طويل الى محاولة التأثير في انتخاب مرجع ديني أعلى للشيعة، ولم تنسيا وقائع تاريخية وضربات وجهتها المرجعية العليا الى مصالحهما". واشارا بالتحديد الى فتوى الميرزى الشيرازي التاريخية بتحريم التنباك وثورة الامام الخميني الراحل، "ولذلك فان بريطانيا واميركا تعملان على مدّ نفوذهما داخل المؤسسة الشيعية لتحريكها في اتجاهات تخدم مصالحهما". ويعتقد مهاجري، وهو يرأس تحرير صحيفة "جمهوري اسلامي" وأحد مستشاري الرئيس هاشمي رفسنجاني اضافة الى قربه من خامنئي بأن "بعض سفارات الدول الغربية يوزع الاموال هنا وهناك ربما قصد بها توزيع المرتبات الشهرية للطلبة لتعزيز مواقف بعض اولئك المطروحين لسدة المرجعية العليا". وأكد اهمية تبني مرجعية آية الله العظمى الشيخ محمد علي الاراكي، بل حصرها به ووصفه بأنه "مرجع الزمان الوحيد الذي يجب الترويج لمرجعيته وتعريفه للشيعة في العالم". بني فضل وحذّر آية الله بني فضل أحد كبار الاساتذة في حوزة قم العلمية من "أبواق اعلامية تحاول تبني مرجعية شخص يقف من النظام الاسلامي في صف الاعداء". وقال: "لا يجوز تقليد شخص كان يثير العقبات والمشاكل امام الثورة الاسلامية وعمل خلال وجوده في النجف على الاساءة الى الامام الخميني الراحل، والآن تسعى اميركا وعملاؤها الى طرحه لسدّة المرجعية العليا". وتبنى بني فضل الدعوة الى مرجعية الشيخ الاراكي، ووصفه ب "شيخ الفقهاء". وقال: "ان حفظ النظام الاسلامي يعدّ من الواجبات الرئيسية التي تسبق عملية البحث عن الأعلم"، على رغم تأكيده أعلمية الاراكي، واضاف: "يجب ان نلقى ربنا يوم الحساب ووجوهنا بيضاء". واستند حجة الاسلام استاذي أحد كبار اعضاء اللجنة العليا للحوزة العلمية في قم الى وصية آية الله العظمى الكلبايكاني التي كتبها بخط يده، ودعا فيها الى تعزيز حوزة قم والحفاظ عليها وعلى النظام الاسلامي، وقال: "ينبغي على الطلبة الامتناع عن تسلّم الشهرية المعطاة من اشخاص يطرحون انفسهم لسدة المرجعية بغية اضعاف النظام الاسلامي والحوزة العلمية في قم". علماء الاخلاق أدلوا بدلوهم في هذا الموضوع وقال آية الله احمدي ميانجي، وهو يُدرّس سيرة الصالحين من العلماء ان "على العلماء التمثل بالسابقين والافادة القصوى من شهر رجب بما يحوي من مراقبات ويضم من عبادات، والا يحدثوا انفسهم بها بالرئاسة والمرجعية". واستشهد بالحديث: "ملعون من ترأس… ملعون من حدّث نفسه بها"، واشار الى سابقة تاريخية على صعيد المرجعية العليا بعد وفاة الميرزى الشيرازي، وقال: "ان احد تلامذته المبرزين، آية الله سيد محمد نشاركي وجد في نفسه الرغبة في الترؤس والمرجعية العليا لأنه كان متقدماً على اقرانه، لكنه اكتشف بعد التوسل والدعاء ان مجرد حديثه مع نفسه بالرئاسة يجعله لا يليق بها ودعا في ذلك الوقت - كنتيجة للدعاء في حرم العسكريين في سامراء - الى مرجعية ميرزى محمد تقي الشيرازي". ولم تتوقف في ايران حملات التحذير من "مرجعيات خطيرة" على النظام الاسلامي. وكشف بيت المرجع الراحل وصية مثيرة وضعها آية الله الكلبايكاني، ولم يذكر فيها - وان تلميحاً - اسم النجف الاشرف في العراق، بل أكد اهمية بقاء المرجعية العليا في قم الايرانية. وجاء في الوصية التي حصلت "الوسط" على نسختها الاصلية بخط اليد في البندين الثاني والرابع نص صريح يدعو آيات الله والاساتذة وطلبة العلوم الدينية الى العمل للحفاظ على الحوزات العلمية، وذكر حوزة قم بعد الثورة الاسلامية الايرانية. واعتبر ان النجاح الذي وصلت اليه واعتبارها مركز الشيعة نتيجة معاناة السلف والفقهاء العظام السابقين. ودعا الى حفظ استقلالها وادارتها باشراف المراجع الكبار. وقال انه فعل ذلك في حياته وكرر استقلالية الحوزة وارتباطها بالمعنويات العالية، خصوصاً العلاقة مع السيدة معصومة في قم … وكل هذه دلالات على رغبة الكلبايكاني الراحل في تعزيز موقع حوزة قم ومرجعيتها، خصوصاً في اشارته الواضحة - في البند الرابع - الى الاستمرار في ادارة مؤسساته ومراكزه الدينية والعلمية والانسانية واخذ الاجازات الشرعية اللازمة او "الضرورية" من فقيه يستقر في قم من دون غيرها من حوزات الشيعة كالنجف مثلاً. ومع ان الكلبايكاني ذكر اسم آية الله لطف الله الصافي كمجتهد مطلق عادل الا انه حصر في نص وصيته تحصيل بيته المرجعي على الاجازات الشرعية الضرورية لاستمرار عمل مؤسساته بمجتهد عادل مطلق من حوزة قم الدينية، مع تأكيده في البند الثالث بقاء نظام الجمهورية الاسلامية، وتحذيره من اي اختلاف يؤدي الى ضياع "هذه العطية الالهية". وقال عدد كبير من العلماء بينهم كبار آيات الله ان مصلحة النظام والعمل بوصية الكلبايكاني "تلزم ان تبقى المرجعية العليا في قم من دون غيرها من الحوزات العلمية" علماً ان مرجعيات ايران لا تسجل تحفظات عن مرجعية آية الله علي السيستاني في النجف، ولكن آية الله بني فضل اكد ل "الوسط" "ان انتقال المرجعية الى النجف في ظل الظرف الحالي الذي يعيشه العراق، اضافة الى سابقية المراجع وعلى رأسهم الشيخ الاراكي في العلم والمرجعية، كل هذه توجب بقاؤها في قم". وتحدث كثيراً عن فضل الحوزة العلمية في قم ورجالها التاريخيين. التمهيد لخامنئي في هذه الاثناء يواصل رجال الدولة وعلى رأسهم آية الله محمد يزدي قاضي البلاد الاول، ورئيس البرلمان حجة الاسلام علي اكبر ناطق نوري التمهيد لطرح مرجعية خامنئي. وتحدث يزدي في خطاب الجمعة قبل نحو اسبوعين عن الجمع بين المرجعية الدينية والسياسية وشروط المرجع الصالح، مستنداً الى حديث سابق للامام الخميني الراحل مفاده ان المرجع يجب ان يكون عارفاً بزمانه وان يدرك الزمان والمكان ويتفهمها ويكون على علم ودراية بالظروف التي يعيشها العالم والناس ويقوم بتقويم الظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعسكرية للبلاد، وعلى علم بوضع المسلمين واعدائهم. وقال يزدي: "ان المرجع يجب ان يكون قادراً على ابداء رأيه في الحرب والسلم والعلاقات مع هذه الدولة او تلك والاستقراض من الاجانب او من البنك الدولي واجراء اتصالات مع هذا البلد او منع الحوار معه وغير ذلك من الامور التي يجب ان يكون الفقيه عالماً بها وعارفاً بزمانه". وأوضح انه "قبل قيام نظام الجمهورية الاسلامية فان العلماء الفقهاء كانوا يجتمعون بعد وفاة المرجع الأعلى لتقرير الأصلح منهم للمرجعية العليا. واتبع هذا الاسلوب مراراً في النجف الاشرف بعد رحيل الفقيد الاخوند، وحتى في زمن الميرزى الشيرازي والفقيد ابو الحسن الاصفهاني. وان مسألة تحديد المرجعية قبل قيام الحكومة الاسلامية يختلف عما عليه الوضع الآن". ودعا الى الجمع بين المرجعيتين الدينية والسياسية، وقال: "ان الاجتهاد غير قابل للتجزئة". وطالب بتقليد خامنئي باعتباره "من الفقهاء العظام وتتجسد فيه كل معاني المرجعية العليا، وينبغي عدم اعطاء الحقوق الشرعية إلاّ له". وأعلن رئيس البرلمان حجة الاسلام ناطق نوري انه وعائلته وافراد عائلته يتبعون مرشد الثورة في التقليد. ووصف مسؤول ايراني كبير هذه التصريحات ورسالة وجهها آية الله محمود الهاشمي الى خامنئي، وهو من علماء قم الثوريين يدعو فيها آية الله الى تبني المرجعية المطلقة بأنها ترمي الى"تهيئة الرأي العام للطلب المباشر من خامنئي تبني المرجعية المطلقة". نفي ونفى عدد من العلماء الذين وردت اسماؤهم في قائمة وزعت في قم وخارجها الدعوة الى مرجعية النجف. وعلمت "الوسط" ان هؤلاء اكدوا انهم لم يدعوا الى مرجعية النجف كمرجعية مطلقة في مقابل قم، وانما أجازوا تقليد السيستاني بينما هم يتبنون مرجعية آية الله العظمى الاراكي. ونقلت صحيفة "جمهوري اسلامي" عنهم قولهم ان اسماءهم زجّت في القائمة من دون علم منهم، في وقت قالت اوساط الحوزة العلمية في قم ان كثيرين من الذين وردت اسماؤهم لا يملكون صلاحية تشخيص الأعلمية "فهم ليسوا من اهل الخبرة وبعضهم طلبة مبتدئون، وآخرون ليسوا بطلبة وانما كتبيون" اشارة الى واحد منهم الذي عُرف باسم الشيخ علي النفسي الكتبي، وهو مسؤول عن طباعة الكتب ونشرها. وقال احد اعضاء البيت المرجعي الكلبايكاني ان الشيخ حسين خليفة الذي ورد اسمه في القائمة يدعو الى مرجعية آية الله العظمى الاراكي خصوصاً بعدما اطلع على نص وصية الكلبايكاني وفيها تأكيد واضح لمرجعية قم. ودعا كبار الآيات في الحوزة العلمية في قم الى توقيعات رسمية وليس الى اسماء مطبوعة في قائمة لتأييد هذا المرجع او ذاك. وقال آية الله يوسف صانعي احد كبار مدرّسي "الخارج" ان الطلبة سيقومون بما عليهم لمنع تصدي غير اللائقين للمرجعية العليا. واضاف في "درس الخارج" قبل ايام "ان قم ليست عاجزة عن تقديم مرجع أعلى للشيعة وفيها المئات من المجتهدين". وحذّر "الذين يعملون على نقل المرجعية الى خارجها او حصرها بشخص من خارجها". وعلمت "الوسط" ان آية الله الاراكي بدأ يمارس مرجعيته للشيعة، وتلقى برقيات تأييد من عدد كبير من زعماء الحوزات العلمية، فيما يستمر مكتب المرجع الراحل بتلقي الاموال الحقوق الشرعية والعمل في مؤسسات المرجع الراحل بإدارة نجليه حجة الاسلام السيد محمد جواد وحجة الاسلام السيد محمد باقر. وقال احد المسؤولين في مكتبه ل "الوسط" ان المرتبات الشهرية للطلبة قد دفعت كما في السابق، "وسنستمر على ذلك". وصرّح آية الله الاراكي بأنه يؤيد عمل المكتب المرجعي السابق، وأشاد بالكلبايكاني الراحل.