سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
قبيل انطلاق "معرض القاهرة الدولي للكتاب" . سمير سرحان رئيس "الهيئة المصرية العامة للكتاب" ل "الوسط" : هناك اجماع على عدم مصادرة الفكر وحركة الثقافة لن تقف عند جيل من الاجيال !
"معرض القاهرة الدولي للكتاب" الذي يفتح أبوابه للجمهور بعد أيام، أكثر من تظاهرة ثقافية، وأكثر من موعد بين الناشرين والكتاب والقرّاء. فالتظاهرة التي احتفلت في العام الماضي بيوبيلها الفضي، هي اليوم مؤسسة ثقافية عريقة قائمة بذاتها، وموعد مع مصر الواقفة، ضد كل أشكال التعصب والتطرف، لتبقى - بمفكريها ومبدعيها وناسها العاديين - منارة للعرب، وموئلاً للنهضة الثقافية التي لا بد أن نتسلح بها لمواجهة تحديات السنوات المقبلة. من هذا المنطلق كان لقاؤنا مع الدكتور سمير سرحان، الذي يشرف على التظاهرة وعلى سياسة النشر الرسمية في العاصمة المصرية. تشهد العاصمة المصرية في الايام المقبلة افتتاح "معرض القاهرة الدولي للكتاب" في دورته السادسة والعشرين. والتظاهرة التي تعتبر من أبرز المواعيد الثقافية في مصر والعالم العربي، تنطلق يوم 24 كانون الثاني يناير المقبل، برعاية وحضور الرئيس المصري حسني مبارك الذي يتوقع أن يلتقي بالمثقفين والكتّاب خلال مراسم الافتتاح، عملاً بتقليد درج عليه منذ العام 1986. ويستمر المعرض حتى الخامس من شباط فبراير 1994المقبل. خلف هذا المشروع الضخم، تقف مؤسسة عريقة هي "الهيئة المصرية العامة للكتاب" التي تشرف على التظاهرة تنظيماً واعداداً وبرمجةً وخيارات ثقافية... ومن الطبيعي أن يكتسي هذا الموعد أهمية خاصة، في عاصمة عربية تتشبث بنهضتها في مواجهة التطرف والارهاب، ويقف مثقفوها بشجاعة ضد كل أشكال الانغلاق والتعصب، رافعين راية الحق المقدس في الاختلاف... قبيل افتتاح المعرض، التقت "الوسط" رئيس الهيئة، الاديب والكاتب سمير سرحان، للاطلاع على شجونه الثقافية والخوض في بعض قضايا وهموم الكتاب المصري بشكل عام، فكان هذا الحوار: ما هي آخر الاستعدادات لمعرض الكتاب هذا العام؟ - اللجنة العلىا للمعرض تعمل على قدم وساق في سبيل تهيئة هذا العرس الثقافي السنوي، وعدم التنازل عن المستوى المحترم الذي وصل الىه "معرض كتاب القاهرة". بطبيعة الحال سوف تستمر الانشطة المعروفة في المعرض، فهي ترسخت وأصبحت مطلباً ثقافياً ملحاً: من الامسيات الشعرية، ولقاءات "كاتب وكتاب" و"المقهى الثقافي"، الى تقديم أحدث ما أصدرته المطابع في مصر والوطن العربي والعالم... أما ندوات المعرض الرئيسية هذا العام فسوف تتركز حول المتغيرات في العالم العربي، والمواجهة مع الثقافة الاسرائيلية، وبحث المناقشات والجدل الدائر حول "السوق الشرق أوسطية"، إضافة طبعاً الى القضايا المصرية الراهنة مثل الحوار الوطني الذي دعا الىه الرئيس مبارك وقضايا الارهاب والتطرف. لا نبحث عن نجوم "الهيئة المصرية العامة للكتاب" هي أكبر دار نشر في مصر. هل تتفق معي في ذلك؟ - هناك سوء تفاهم وخلط حول "هيئة الكتاب" لا بد من توضيحه. فالهيئة ليست مجرد دار نشر، بل مؤسسة ثقافية تتألف من روافد عدة، بينها دار النشر التي تضم مجمّع المطابع، وعدداً من المكتبات العامة الفرعية... "هيئة الكتاب" تقدم في رأيي خدمات ثقافية متنوعة. ما هو موقع الهيئة في سوق النشر؟ كيف تتعامل مع مختلف أطرافه؟ وكيف تحدد سياستها وتفهم دورها على هذا الصعيد؟ - الفلسفة التي تقف وراء انشاء "الهيئة العامة للكتاب" هي تقديم الخدمة الثقافية من خلال الكلمة المطبوعة، بدعم من الدولة. هكذا تساهم في نشر الكتاب المتميّز والقيّم، عن طريق تأمينه للمواطن القارئ بأثمان رخيصة، ولكن دون تعريض المؤسسة للخسارة وتعريضها لهزّات مالية. مما لا يعني أبداً أن النشر في مصر ليس منوطا بهيئة الكتاب وحدها، ولا هو حكر عليها. هناك أكثر من مئة دار خاصة تعنى باصدار الكتب، وتوفر الخدمة الثقافية من خلال الكتاب والكلمة المطبوعة. لكن الدور الرئيسي ملقى على عاتق "هيئة الكتاب". فالناشر الخاص هدفه النهائي - الى جانب الخدمة الثقافية - ان يحقق ربحاً. أما الكتاب المنشور عندنا فليس الغاية منه الكسب المادي والتجاري، انما تقديم زاد حيوي للمواطن المصري العادي، وتغذية الحركة الثقافية وتدعيم بناها... من خلال اصدارات تغطي مختلف مجالات المعرفة الانسانية. ناشرو القطاع الخاص - في معظمهم - يركزون على الكتاب الرائج الآن، السياسي أو الديني أو حتى الثقافي. أما نحن في الهيئة، فلسنا مع ما هو رائج، بل أننا نقوم بترسيخ وتدعيم البنى الاساسية، وذلك بتقديم الكتاب الثقافي في مختلف فروع المعرفة الانسانية من علوم وآداب وفنون وتراث وأفكار. كما نحاول استكشاف وتقديم الحركة الثقافية الجديدة. فالثقافة المصرية لن تقف عند جيل من الاجيال، بل هي ممتدة ومتدفقة. ونحن في "هيئة الكتاب"، لا نسعى فقط وراء "النجوم" والاسماء المعروفة في عالم الكتابة، من مفكرين وعلماء وأدباء معروفين، كما يفعل الناشر الخاص. فرسالتنا تقديم موجات متتالىة من المبدعين في كل المجالات، وبالتالي اعطاء المجتمع فرصة تحديد ملامح ثقافته في الحاضر والمستقبل. أما الشق الثاني في مجال النشر، وأنا أعتبره عملاً مهماً وجليلاً، هو ما يسمى ب "الصناعة الثقيلة" في النشر، أقصد الموسوعات وكتب التراث الكبرى التي يتم تحقيقها عن طريق "مركز تحقيق التراث" في الهيئة، وهو يضم علماء ومتخصصين. أذكر على سبيل المثال موسوعة سليم حسن في تاريخ مصر، وكتاب الاغاني للاصفهاني ولزوميات أبي العلاء. رواج الكتاب الديني هل خطة النشر هذه هدفها مواكبة رواج الكتاب الديني، والالتفاف على هذا الرواج؟ - رواج الكتاب الديني، من أبرز مميزات الفترة الحالىة. ولكن لو دققنا أكثر في نوعية الكتب الرائجة، لوجدنا أنها تلك المتعلقة بالفكر السلفي، وخاصة بالتيارات الداعية الى الجمود والتخلف. وفي انتشار هذه الافكار ما يسيء الى المجتمع، لأن تراث مصر والأمة العربية والاسلامية يقوم أساساً على العقل، وعلى النظرة العلمية. وما أكثر ما نقله الغرب بالامس، من العلوم التي ابتدعها العرب في الطب وعلم الاجتماع والجغرافيا والادب واللغة... من هنا أن خطة نشر الهيئة، تتناقض مع هذا الرواج الظرفي السهل. إننا نسلط الضوء على تراث مستنير، ينفي عن ثقافة الامة شبهة الفكر المحافظ المتزمّت التي يحاول البعض الصاقها بها. نحرص على تسليط الضوء على التراث العقلاني، فمفكرونا انشغلوا أيضا بدنياهم كما انشغلوا بدينهم، وأمتنا - مهما اعتقد البعض، أو روّج أصحاب النوايا المشبوهة - استندت الى أسس علمية ومنهجية، وأسهمت بشكل مباشر في مسيرة الحضارة البشرية. ولا شك أن بعث هذا التراث الخصب، وتحقيقه ووضعه في متناول الناس، هو خير وسيلة لمواجهة الظلامية. إنها الطريقة المثلى للتحرر من مركبات النقص، وتحجيم المغالطات التي تشوب وعي المواطن العادي، عبر وصل الماضي بالحاضر، والتوقف عند المحطات المشرقة في حضارتنا الاسلامية، كي نتمكن من مواصلة الطريق قدماً في ركب الحضارة الانسانية. كيف تضعون سياسة النشر في الهيئة، والخطط المتفرعة عنها؟ - هناك لجان علمية، كتاب وأكاديميون وأصحاب اختصاص، يعملون كل في مجاله. وعلى ضوء دراساتهم وتقاريرهم ونتائج أبحاثهم، يتم تحديد احتياجات المجتمع في اللحظة الحالىة. على أساس تلك الدراسات أيضاً، يتم تحديد المشاريع الكبرى، مثل سلسلة "الالف كتاب" وهي من أخطر المشاريع التي راهنّا عليها، وفي اعتقادي أنها لم تأخذ بعد حقها من الاهتمام. فلسفة هذا المشروع نبعت من رغبة في بعث حركة الترجمة، اذ تضاءلت الجهود خلال العقدين الأخيرين على مستوى نقل الفكر العالمي. ونلاحظ أن فترة التقاعس والتقصير، تصادف مع سنوات الثورة المعلوماتية والتقدم العلمي المذهل في العالم. أخذنا على عاتقنا تعويض هذا النقص عبر تقديم وجوه ومحطات مختلفة من تلك الثورة، الى القارئ العربي في لغته. هكذا شرعنا في ترجمة ألف كتاب من مختلف المعارف الانسانية، مع التركيز على العلم والتكنولوجيا، وصدر من هذا المشروع حتى الآن 240 عنواناً. وتلبية حاجات المجتمع المدني لا تقتصر طبعاً على التراث العلمي الذي نضعه في مواجهة الفكر السلفي. فكما نحتاج الى المعارف الحديثة لمواكبة العصر، نحتاج أيضاً الى الابداعات الجديدة. هذه الابداعات تنشرها الهيئة في سلسلة "اشراقات أدبية". لدينا باختصار، معايير ومنطلقات محددة، لكن أي كتاب جديد وقيّم يعرض علينا، نعرضه على اللجان المتخصصة التي تعود لها صلاحية البت في النشر أو عدمه. لماذا تنشر "هيئة الكتاب" الاعمال الكاملة لكتاب أحياء، لم يضعوا القلم جانباً بعد؟ - مشروع "الاعمال الكاملة" يدخل في اطار "الصناعة الثقيلة" التي أشرتُ اليها قبل قليل. فنحن ننشر ضمن هذه السلسلة مؤلفات كتاب راسخين اكتملت رؤيتهم في الحياة، وبلغ أسلوبهم في الكتابة أقصى احتمالات النضج. فعملية ابراز هذه الاعمال، ووضعها في تصرف القارئ مع حثه على اكتشافها أو اعادة اكتشافها، تأتي في قائمة مهام الهيئة ومسؤولياتها. وأنا لست مع هذه النظرة الكلاسيكية الضيقة التي ترفض فكرة نشر "الاعمال الكاملة" لكتاب أحياء. فأقسام اللغة العربية في جامعاتنا، كانت حتى الامس القريب، تكتفي بتدريس أدب الكتّاب الراحلين، وتقصر برامجها عليهم. الآن تطورت المفاهيم، وأدخلت كل جامعات العالم الى مناهجها أعمال كتاب أحياء اكتملت رؤيتهم الأدبية والفلسفية، وتبلورت تجاربهم على أساس أسلوب محدد، وعلامات مميزة. فما ضرّ أن ننشر لكاتب اكتملت تجربته، إن لم يكن أعماله الكاملة، فعلى الاقل سلسلة أعماله؟ لا رقابة على الكتاب! ما وضع العلاقات بين "هيئة الكتاب" والرقابة على النشر في مصر؟ - لا توجد في مصر، بكل صراحة، أية رقابة على الكتاب... إلا في حدود احترام الآداب العامة ومبادئ الدين. من الذي يحدّد الاساءة الى الآداب العامة أو الاساءة الى مبادئ الدين؟ - في ما يتعلق بالدين، المسؤول الاول والأخير هو "مجمع البحوث الاسلامية" والأزهر الشريف. والرقابة على هذا المستوى تمارس ضمن حدود ضيقة، لأنها تقتصر غالباً على مراجعة الكتب الدينية بغية اصلاح الاخطاء في النص القرآني أو الاحاديث النبوية. عدا ذلك لا رقابة دينية على الكتاب في مصر. فالكتب الدينية المنشورة تنتمي الى كل الاتجاهات، وتتراوح بين أقصى التطرف ومنتهى الاعتدال. أما بالنسبة الى الآداب العامة، فهناك "مباحث المصنفات الفنية" التي قد تكتشف عن طريق المصادفة كتاباً يمس بالاخلاق، وهذا لا يحدث الا في حالات نادرة. عندها يتم التعامل مع الكتاب شأنه شأن شريط الفيديو الفاضح، وهنا تتدخل الشرطة. لكن لا يمكننا القول إن في مصر أي شكل من أشكال الرقابة على الكتاب، أو النتاج الفكري والادبي بشكل عام. هل بين الكتب الصادرة عن الهيئة، عناوين واردة على قائمة الكتب المصادرة في مصر؟ - منذ "مقدمة في فقه اللغة العربية" سنة 1983 لم يصادر أي كتاب للهيئة. ربما كان السبب أن الكتب التي تصدرونها متوافقة مع النسق المفروض، ولا تثير أية مشاكل... - لا، لا أظن. المناخ العام في المجتمع تغير، وهناك اجماع على عدم مصادرة الفكر. المناخ السياسي والفكري في مصر في عهد حسني مبارك استقر على عدم مصادرة الفكر نهائياً. وهذا كلام حقيقي ألمسه كناشر وكمثقف. وكما تعرف، خلال اللقاء الفكري السنوي في "معرض الكتاب"، يلتقي الرئيس مبارك بكل المفكرين والكتاب من كل الاتجاهات: من أقصى الىمين الى أقصى الىسار، ويدور حوار دون قيود من أي نوع. المناخ في مصر الآن يسمح بالحوار، ونحن نستثمر هذا المناخ فننشر لكل التيارات الفكرية، دون انحياز الى أيديولوجية ما. طموحنا خلق حوار صحي في المجتمع. وتكويني العلمي، شخصياً، هو تكوين ليبرالي، أي أنني أعتنق مبدأ الحوار الديموقراطي بين مختلف التيارات الفكرية، وصولاً الى الحقيقة. فالخلاف، لا الصراع، هو وسيلتنا الوحيدة للوصول الى الحقيقة. أتبوأ منصب الرئاسة في "هيئة الكتاب" منذ سبع سنوات، وأقول لك في منتهى الصراحة إنني طوال هذه الفترة، لم أتلق مكالمة هاتفية واحدة من أي جهاز من أجهزة الدولة - استخبارات، أو مباحث أمن الدولة، شرطة داخلية أو جهة في الحكومة أو مؤسسة الرئاسة... - تتدخل في عملي. ولا أتلقى تعليمات من أي جهة بشأن حرية النشر. هذه شهادة أود تقديمها هنا. أقلام مصرية وعربية هل تنشر لمبدعين عرب؟ - منذ توليت منصبي، وهدفي الأساسي أن تصبح "هيئة الكتاب" بيتاً لكل المثقفين العرب. وضعت في قائمة أهداف سياستي السعي لاعادة مركز النشر الى القاهرة، بعد أن كاد يفلت منا الى بغدادوبيروت ومراكز أخرى. وحاولت استقطاب عدد كبير من المبدعين العرب، ونشرنا لكتاب من العراقوالكويتولبنان والسعودية والمغرب وتونس والىمن وفلسطين... كل ذلك ساهم ويساهم في استعادة دور القاهرة كعاصمة ثقافية عربية. لاحظنا أن الكاتب المصري نفسه ينشر في شتى العواصم العربية. وأن عدداً كبيراً من دور النشر العربية يعتمد على الاقلام المصرية. فما كان منا الا أن استعدنا هذه الاقلام المصرية، واستقطبناها الى الهيئة، كما جذبنا أيضاً أعمالاً عربية قيمة بشكل ملحوظ. ولعب "معرض القاهرة الدولي للكتاب"، بطبيعة الحال، دوراً مهماً في استعادة الكاتب والشاعر والمفكر العربي الى الساحة المصرية، من سعاد الصباح وعبد العزيز السريع الكويت، الى محمد علي شمس الدين لبنان ومحمد برادة المغرب ومحمد حربي وعبد الله الجفري السعودية، وغيرهم. وحركة الابداع في مختلف البلدان العربية ثرية، ما تزال ترى أن ميلادها الحقيقي هو في القاهرة نظراً لتاريخ المدينة ومكانتها وريادتها. وهذه النظرة تساعدنا على استضافة كبار المثقفين العرب والاقدام على نشر أعمالهم في الهيئة. من الانتقادات الاساسية الموجهة اليك، والى سياسة النشر التي تعتمدها، اصرارك على اصدار كتاب جديد كل يوم، أي أكبر عدد ممكن من الكتب سنوياً، من دون الاهتمام بالنوعية، والاعتناء بتقديم أبرز الكتب... - هذا كلام صحيح. ولكن ما هي أبرز الكتب وعلى أي أساس يتم تصنيفها؟ اذا كان الاهتمام بالنوعية هو أن أنشر للشيخ الشعراوي أو أن أترجم سلمان رشدي أو كتب المذكرات السياسية، فالامر لا يهمني، وهذه ليست فلسفتي. ما يهمني هو الاسهام في استكشاف معالم الحركة الادبية الجديدة، وفتح الباب على مصراعيه لكتاب القصة والرواية الجدد، وللاصوات الشعرية الشابة، وكذلك للاقلام الجديدة التي تخوض مجالات البحث... فالناشر الخاص يعجز عن تقديم هؤلاء. القارئ هو الحكم أعترف لك بأن هذا الكم لا يقتصر على احتواء أعمال جيدة، فائقة النوعية. ولكننا نضع كل هذه التجارب في متناول المجتمع. القارئ هو الحكم الفعلي، وله أن يقرر ويصفّي ويحدد التجارب البارزة والاعمال التي لن يكتب لصاحبها مواصلة مسيرته. أتريدنا أن نصرف النظر عن كل تلك الاقلام فنتركها مهملة منسية لصالح نجوم الكتاب؟ نحن نصدر في السنة الواحدة من 350 الى 400 كتاب، ونحاول أن نشمل كل ما يقدم من أعمال جيدة. ثم أن الكتاب بطبيعته سلعة راكدة ويخضع أحياناً لاحكام "الموضة". فالكتاب الرائج في العالم كله الآن، هو الكتاب السياسي وخاصة "المذكرات". فلو صدرت "مذكرات غورباتشوف" خلال أيام الانقلاب الشهير الثلاثة، لحقق أرقام مبيع قياسية، في حين أن تصريف رواية لنورمان ميللر يستغرق بين سنة وخمس سنوات. وفي السياق نفسه، نلاحظ أن توزيع المجلات الثقافية انخفض في العالم كله. أما في العالم العربي ومصر، فنعيش موضة الكتاب الديني والسياسي، لكن هدف الهيئة هو التعامل مع الكتاب الثقافي "الثقيل" الذي لا يلبي احتياجات غريزية سريعة في المجتمع، إنما يستجيب لمتطلبات ثقافية وحضارية على المدى الطويل. لذلك فان توزيعه لن يتم بالسرعة المطلوبة. ما هي السمات الاساسية التي تميز اتجاهات القراءة في مصر؟ - في الآونة الاخيرة يأتي الكتاب الديني في المقدمة. والخطير في هذه الظاهرة، هو رواج الكتاب السلفي الذي يعبر حالياً عن موجة سائدة ويلبي احتياجات لدى الشباب. ونحن نحاول مقاومة هذه الموجة بنشر كتب عن الاسلام المستنير، أذكر على سبيل المثال سلسلة "قضايا اسلامية" التي يحررها علماء الازهر، ويشرحون من خلالها جوانب الاسلام المستنير. ويأتي في المرتبة الثانية من حيث الرواج في مصر، الكتاب السياسي. هذا النوع لا تسهم فيه الهيئة الا من خلال كتب الفكر السياسي، ولكننا لا ننشر مذكرات وفضائح وغيرهما. فهذه ظواهر لا تخيفنا فهي موجودة في العالم كله. نحن نقاومها بوفرة الكتاب الثقافي وهو مضاد للتطرف والاثارة. وبعد الكتابين الديني والسياسي، يأتي الكتاب الثقافي العام في المعارف الانسانية، كالعلوم والمعلوماتية والفنون والكتب المترجمة. أصدرنا مثلاً كتاباً مترجماً عن الارهاب في العالم، ضمن سلسلة "الالف كتاب" الثاني، فوزع في اصداره الاول أكثر من 3 آلاف نسخة. وأصدرنا كتاباً آخر في السلسلة نفسها عن "يهود الىوم"، فبلغ توزيعه نسبة مقاربة. بعد ذلك تأتي كتب الفكر، وكتب الاطفال، ثم كتب الابداع الادبي. عادات غرائزية وتراجع النقد لماذا يأتي الكتاب الابداعي في ذيل قائمة اهتمامات القراء في السنوات الاخيرة؟ - عادات القراءة في المجتمعات الحديثة غرائزية. والغرائز متجهة الى الاثارة السياسية والدينية. اذ حققت رواية سلمان رشدي على الرغم من رداءتها أرقام مبيع قياسية في الغرب. ثم أن مجتمعات كثيرة في أواخر هذا القرن، تخضع لعملية مراجعة للذات. أضف الى ذلك أن القرن المنتهي مليء بالاحداث السياسية، والحروب، والتغيرات، والتقلبات على مستوى العالم، وصعود وهبوط ثوابت وأيديولوجيات وأشخاص... وبالتالي فالكتاب السياسي له موقع الصدارة. ومصر كسائر الامم، تعيش هذه الحالة: فنحن نتوقف لمراجعة ما حدث في السنوات الاربعين الاخيرة. من هنا أن الكتب التي تتناول تلك الفترة، تلقى رواجاً واضحاً، مما يترجم رغبة المجتمع في معرفة حقيقة ما حدث وكيفية حدوثه. ولكن ما هو، برأيك، دور المبدعين في عملية المراجعة تلك؟ - ما ذكرته أعلاه لا ينفي أبداً أننا نشهد زخماً ابداعياً ذا مستوى متقدم. لكن أي ابداع لابد أن تواكبه حركة نقدية نشطة تضعه في دائرة الضوء، وفي قلب اهتمام المجتمع. وللاسف فان الحركة النقدية عندنا تكاد تكون ميتة، والاسباب عديدة. من اختفاء النقاد الكبار، الى تجاهل وسائل الاعلام على أنواعها، أهمية خص النقد بالحيز الذي يستحقه، كوسيلة للتعريف بالاعمال الادبية. هناك أيضاً غياب الصفحات النقدية الكبيرة، وتراجع النقد الى خلف اسوار الاكاديمية، ليصبح محصوراً باساتذة الجامعات الباحثين في الاسس النظرية، بعيداً عن النقد التطبيقي... وحين ينشرون، ففي مجلات ثقافية محدودة الانتشار. انقاذ "دار الكتب" ما هو الموقف الآن من "دار الكتب" بعد فصلها عن "هيئة الكتاب"؟ - نحن منذ البداية مع أي قرار يساعد على تطوير "دار الكتب". وها هي الآن تصبح مستقلة، لكن المشكلة هي في تحديثها. لدينا دار كتب من أثرى دور الكتب الموجودة في العالم، من حيث حجم المقتنيات: 67 ألف مخطوطة من أندر المخطوطات في العالم، و8 ملايين كتاب، ومراكز علمية متعددة، ومجموعة من أثمن المراجع الموجودة في العالم... لكن الخدمة المكتبية فيها متخلفة جداً، قياساً الى ما حققته في العالم الان من تطور وتحديث واعتماد للتكنولوجيا، من الكمبيوتر الى الميكروفيلم، مروراً بتبادل المعلومات مع شبكات تابعة لأهم مكتبات العالم. وما أحوجنا نحن الى هذا النوع من التطوير. لكنه يتطلب مبالغ طائلة، من هنا أننا سنواجه الامر على مرحلتين. الاولى تتعلق ب "دار الكتب" القديمة التاريخية التي افتتحت سنة 1870 في باب الخلق، والتي أهملت بعد انشاء "هيئة الكتاب" سنة 1971. وهذه الدار ربّت أجيالاً عديدة من الباحثين والادباء والمفكرين، وكان لها ثقلها في العالم العربي كأول واهم دار للكتب. ونحن الآن في طور احياء الملامح المعمارية العريقة لهذه الدار. وبعد ترميمها، ستخضع لعملية تحديث كاملة بالمعدات والتجهيزات الحديثة. أما المرحلة الثانية، فتتمثل في نقل ثروة مصر من المخطوطات النادرة المعرضة للتلف، الى المبنى المستحدث. من هذه المخطوطات ما سوف يخزن، أو يودع تحت ظروف مناخية وعلمية صالحة للحفظ. ومنها ما سيخضع لعمليات ترميم. ولا بد طبعاً من عرض بعضها، كما يحدث في أعرق متاحف العالم، ووضعها في متناول الباحثين. هكذا ستعود "دار الكتب" لتشع بتاريخها وعناها، ولتستعيد أهميتها عربياً ودولياً. متى سيتم كل ذلك؟ - خلال العام 1994. وتساعدنا مكتبة الكونغرس الاميركية التي تتمتع بالخبرة العلمية اللازمة، اضافة الى الدور الذي يلعبه خبراء من مكتبة فرنسية كبرى. وسوف نقيم مركزاً عالمياً لترميم المخطوطات. أما "دار الكتب" الموجودة على النيل، والتابعة ل "هيئة الكتاب"، فسوف يتم تحديثها بادخال الخدمات المكتبية المتطورة الىها. وهذه الخطوة من أبرز المشاريع التي سنبدأ بها هذا العام. ليس لدى الهيئة أية نية في الهيمنة على "دار الكتب"، المطلوب تحديثها كي تنتقل من مستودع الى دار للكتب على مستوى عالمي. لكن هذه المشاريع تتطلب موازنة ضخمة! - الموازنة المبدئية التي رصدتها رئاسة الوزراء، هي 5 ملايين جنيه. ولكن تحقيق المشروع بأكمله، يتطلب ما مجموعه 20 مليون جنيه. ولدينا فكرة توجيه نداء عالمي للمساعدة في "مشروع تحديث دار الكتب المصرية"، بمجرد أن تنتهي الدراسات الهندسية للمشروع. فهذا المشروع في أهمية مكتبة الاسكندرية، فهنا لدينا المادة الغنية التي سنعرضها، بينما لا تزال "مكتبة الاسكندرية" اسماً بلا محتوى ملموس. الرسوم الجمركية نصل الى قضية راهنة هي الضجة التي أثارها اعتراض الناشرين المصريين على رفع الرسوم الجمركية على الورق؟ - "هيئة الكتاب" قدمت مذكرة بهذا الشأن الى وزير الثقافة الذي رفعها بدوره الى رئيس الوزراء. نصحت الهيئة بضرورة تطبيق الاعفاء الجمركي كلياً على الورق، ومستلزمات انتاج الكتاب بشكل عام، وبضرورة اخراج الكتاب كسلعة، من قائمة المنتوجات الخاضعة لمعايير اقتصادية قائمة على الربح والخسارة. لا بد من التعامل مع الكتاب كوسيلة لتثقيف المواطن، وهو بهذا المعنى "استثمار" خاص، مردوده ضخم على المدى الطويل، وان كان غير محسوس على المدى القصير. وعد رئيس الوزراء الدكتور عاطف صدقي باعادة النظر في كل ما يتعلق بالجمارك على الكتاب. وأعتقد أن هناك خطوات ستتخذ في مجلس الوزراء لدعم الكتاب، وازاحة المعوقات من طريقه. وكانت "هيئة الكتاب" دعمت مذكرة اتحاد الناشرين الى وزير الثقافة، ولا بد من التذكير أن للهيئة مقعدين في مجلس ادارة الاتحاد. في البيان الذي تتحدثون عنه، يشير الناشرون الى الخطر الذي تشكله بيروت على صناعة الكتاب في مصر. لماذا يبرز هاجس بيروت كلما تم الخوض في أزمة للكتاب المصري؟ - يعرف القيمون على حركة النشر جيداً، أن الكتاب المصري اذا ارتفع سعره لن يمكنه منافسة الكتاب الصادر في بيروت أو قبرص أو بعض العواصم الغربية. وما يميز الكتاب المصري عن اللبناني، هو رخص سعره وتميز مادته. فاذا ارتفع السعر سيخرج من دائرة المنافسة. وكتاب بيروت يتميز بجودة الطباعة، ومتانة الصنع، والذراع الطويلة في التوزيع. من هنا يبرز الخوف أحياناً من المنافسة الاقتصادية.