تعيش إيران هذه الأيام حدثاً كبيراً تحاول التكتم على تفاعلاته التي أخذت تتفاقم في الكواليس وربما ظهرت قريباً الى السطح، اذا واصلت السلطات الأمنية النهج الذي بدأته الخميس قبل الماضي 26 آب/ اغسطس باعتقال أحد أقطاب الجناح المتشدد من جماعة رابطة علماء الدين المجاهدين روحانيون ما أثار تكهنات عن عزم الرئيس هاشمي رفسنجاني وأنصاره على استخدام سياسة العصا الغليظة مع الجناح الذي حاول التحالف مع الرئيس في فترة تأليف الحكومة الجديدة لكنه اخفق في الحصول على شيء بعد الوزارة شبه الائتلافية التي شكلها رفسنجاني مع الجناح المسيطر على البرلمان، أي جماعة "روحانيت" مقدماً اليها بعض التنازلات. هذا الحدث الكبير الذي فتح ملف الصراع الداخلي على مصراعيه بدأ بشكله الأخير عندما روجت جماعة "خليفة الإمام الخميني المخلوع" آية الله منتظري، بالتعاون مع جماعة "روحانيون" نبأ عن منع وزارة الأمن والاستخبارات منتظري من دخول أحد المستشفيات الحكومية "لقمان الدولة" في طهران بعدما أصر الأطباء على وجوب وضعه في غرفة العناية الفائقة لتعرضه لأزمة قلبية وخلل في الرئة واحدى كليتيه. تلك كانت الرواية التي كذبها مدير المستشفى والفريق الطبي الذي عالج منتظري، وكذلك نفتها وزارة الأمن والاستخبارات، وصرحت على لسان مصدر مطلع مسؤول فيها بأن "بيت منتظري هو الذي روج هذه القصة المختلقة بالتعاون مع صحيفة "سلام" المعروفة باختلاقها الأكاذيب على الحكومة". وهذه ليست المرة الأولى التي تعمل فيها جماعة "روحانيون" والصحيفة الناطقة باسمها "سلام" على إثارة موضوع منتظري لأنها كانت أول من كتب عن تعرضه "لمضايقات" على يد أجهزة الأمن، وذلك اثر انتقادات وجهها الى الشخصيات الحكومية وكبار زعماء المؤسسة الدينية في شباط فبراير الماضي، فيما الواقع هو ان الحشود الغاضبة في قم تظاهرت ضد منتظري بعدما اتهمته بالانحراف عن نهج الإمام الخميني الراحل. وأكد المصدر المطلع المسؤول في وزارة الأمن والاستخبارات الايرانية ان أحد العاملين في مكتب منتظري سرب نبأ منع الوزارة دخول منتظري المستشفى على رغم ان نجله الأكبر أحمد صرح في قم بأن المعلومات الجديدة المتوافرة لأبيه تشير الى عدم وجود مثل هذا المنع "وكل الحكاية تتلخص في أن التباساً في الفهم حصل عندما أصر منتظري على العودة الى قم بعدما أشار عليه الأطباء في مستشفى لقمان الدولة بوجوب دخوله غرفة العناية القصوى، لكنهم تراجعوا أمام اصراره وأجروا فحوصاً جديدة أكدت انه يمكنه العودة الى قم في الوقت الحاضر". فصول القصة لكن القصة كبرت وأصبحت لها فروع وفصول كثيرة، اذ قالت "سلام" ان وزير الأمن الايراني حجة الاسلام علي فلاحيان تفقد منتظري الذي رقد اثر عودته من قم في مستشفى "خاتم الأنبياء" الذي تديره فاطمة كروبي زوجة رئيس البرلمان السابق وزعيم جماعة "روحانيون" آية الله مهدي كروبي. لكن الوزارة نفت مثل هذه الزيارة، واضطرت الصحيفة الى نشر التكذيب كما نشرت رسالة من مستشفى "لقمان الدولة" ان المستشفى تعرض لضغوط مارستها وزارة الأمن لمنعه من استقبال منتظري. ولم تقف القصة عند هذا الحد لأن الأجهزة الأمنية اعتقلت الخميس قبل الماضي رئيس تحرير "سلام" المهندس عباس عبدي ووجهت اليه تهمة القيام بتحركات مشبوهة "عليه الاجابة وتقديم إيضاحات مقبولة لكي يفرج عنه". وزعمت الصحيفة ان اعتقال عبدي يرتبط بما تنشره، لكن المقربين من وزارة الأمن أبلغوا "الوسط" ان اعتقاله ليست له علاقة ب "سلام" لأن مثل هذه المخالفات يعالج بطريقة مختلفة تماماً تضمنها حرية الرأي والتزام قانون الصحافة. أما لماذا اعتقل عبدي، وكان أحد الطلاب الذين سيطروا على السفارة الأميركية في طهران عام 1979 واحتجزوا الأميركيين رهائن فيها لمدة 444 يوماً؟ مصادر مسؤولة قالت ان جماعة "روحانيون" تقيم علاقات "مشبوهة" مع جماعات تختلف مع أهل النظام وتعمل على تغييره. وأضافت ان الأجهزة المعنية رصدت عباس عبدي وهو يجري اتصالات مع أنصار "حركة تحرير إيران" بزعامة المهندس مهدي بازركان الذي تولى رئاسة الحكومة الموقتة بعد مجيء الخميني الى إيران من منفاه. وأضافت ان رئيس تحرير "سلام" ومعه كثيرون من أقطاب الجماعة "يقيمون علاقات عضوية مع عناصر في بيت منتظري تخطط لاثارة المشاكل في ايران وتختلق الأكاذيب لتشويه سمعة كبار المسؤولين وتعمل على فصل الشعب عن النظام". وحاول كبار أقطاب الجماعة دعم عبدي ونشرت "سلام" تصريحاً لمديرها المسؤول حجة الاسلام موسوي خوئينيها قال فيه انه وحده المسؤول أمام القضاء الايراني في مقابل ما ينشر في الصحيفة. وموسوي خوئينيها كان ممثلاً للخميني في قيادة الطلاب الذين احتلوا السفارة الأميركية في طهران، وخسر في الانتخابات البرلمانية العام الماضي، ومُثلَ يوم الثلثاء أمام محكمة خاصة برجال الدين بعد شكاوى عدة من امام الجمعة في الاهواز عاصمة اقليم خوزستان وعدد آخر من كبار علماء الدين لما نشرته الصحيفة عن أولئك. الشدة مع الصحف وتنوي المحاكم المختصة ممارسة نوع من الشدة مع الصحف التي تنشر أخباراً كاذبة تسيء الى شخصيات الدولة الرئيسية، خصوصاً زعماء المؤسسة الدينية. وقد استدعت محكمة طهران أخيراً مهدي نصيري مدير التحرير المسؤول لصحيفة "كيهان" المسائية كبرى الصحف الايرانية وافرجت عنه بكفالة مالية ريثما يحاكم بعدما وجه إهانات في الصحيفة الى قاضي ايران الأول آية الله محمد يزدي الذي كان ادخل تعديلات في المحاكم وكبار المسؤولين فيها. وقد ذكرت "كيهان" في حينه ان تلك التعديلات "تصب في مصلحة أعداء النظام والثورة". وإذا أضيف الى كل ذلك ان قطباً آخر من "روحانيون" وهو حجة الاسلام علي أكبر محتشمي المسؤول السابق عن "حزب الله" لبنان والسفير والوزير والنائب المعزول، قد وضع في الاقامة الجبرية شأنه في ذلك شأن نصيري حتى نتيجة المحاكمة وما يتردد عن مستقبل عدد آخر من أقطاب تلك الجماعة، فإن الثابت هو أن المرحلة المقبلة ستشهد المزيد من التشدد حيال الجماعات التي تعارض مسيرة الانفتاح السياسي.