مسؤول إسرائيلي: سنقبل ب«هدنة» في لبنان وليس إنهاء الحرب    السعودية تتصدر العالم بأكبر تجمع غذائي من نوعه في موسوعة غينيس    الصحة الفلسطينية : الاحتلال يرتكب 7160 مجزرة بحق العائلات في غزة    السجن والغرامة ل 6 مواطنين.. استخدموا وروجوا أوراقاً نقدية مقلدة    جمعية لأجلهم تعقد مؤتمراً صحفياً لتسليط الضوء على فعاليات الملتقى السنوي السادس لأسر الأشخاص ذوي الإعاقة    هيئة الموسيقى تنظّم أسبوع الرياض الموسيقي لأول مرة في السعودية    التعليم : اكثر من 7 ٪؜ من الطلاب حققوا أداء عالي في جميع الاختبارات الوطنية    الجدعان ل"الرياض":40% من "التوائم الملتصقة" يشتركون في الجهاز الهضمي    مستشفى الدكتور سليمان فقيه بجدة يحصد 4 جوائز للتميز في الارتقاء بتجربة المريض من مؤتمر تجربة المريض وورشة عمل مجلس الضمان الصحي    «الإحصاء»: الرياض الأعلى استهلاكاً للطاقة الكهربائية للقطاع السكني بنسبة 28.1 %    الطائرة الإغاثية السعودية ال 24 تصل إلى لبنان    حقوق المرأة في المملكة تؤكدها الشريعة الإسلامية ويحفظها النظام    السعودية الأولى عالميًا في رأس المال البشري الرقمي    سجن سعد الصغير 3 سنوات    حرفية سعودية    تحديات تواجه طالبات ذوي الإعاقة    تحدي NASA بجوائز 3 ملايين دولار    استمرار انخفاض درجات الحرارة في 4 مناطق    «التعليم»: حظر استخدام الهواتف المحمولة بمدارس التعليم العام    قيود الامتياز التجاري تقفز 866 % خلال 3 سنوات    سعود بن مشعل يشهد حفل "المساحة الجيولوجية" بمناسبة مرور 25 عامًا    «الاستثمار العالمي»: المستثمرون الدوليون تضاعفوا 10 مرات    السد والهلال.. «تحدي الكبار»    ظهور « تاريخي» لسعود عبدالحميد في الدوري الإيطالي    فصل التوائم.. أطفال سفراء    من أجل خير البشرية    وفد من مقاطعة شينجيانغ الصينية للتواصل الثقافي يزور «الرياض»    مملكتنا نحو بيئة أكثر استدامة    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    نيوم يختبر قدراته أمام الباطن.. والعدالة يلاقي الجندل    ألوان الطيف    في الشباك    بايرن وسان جيرمان في مهمة لا تقبل القسمة على اثنين    النصر يتغلب على الغرافة بثلاثية في نخبة آسيا    «بنان».. جسر بين الماضي والمستقبل    حكايات تُروى لإرث يبقى    قمة مرتقبة تجمع الأهلي والهلال .. في الجولة السادسة من ممتاز الطائرة    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الرباعي بشأن السودان    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    القتال على عدة جبهات    التظاهر بإمتلاك العادات    مجرد تجارب.. شخصية..!!    كن مرناً تكسب أكثر    الأمير محمد بن سلمان يعزّي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ محمد عبدالعزيز الصباح    نوافذ للحياة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    الرئيس العام ل"هيئة الأمر بالمعروف" يستقبل المستشار برئاسة أمن الدولة    خادم الحرمين يوجه بتمديد العمل ب"حساب المواطن" والدعم الإضافي لعام كامل    كلنا يا سيادة الرئيس!    5 حقائق من الضروري أن يعرفها الجميع عن التدخين    «مانشينيل».. أخطر شجرة في العالم    التوصل لعلاج فيروسي للسرطان    استعراض السيرة النبوية أمام ضيوف الملك    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي في دورته الثانية للعام ١٤٤٦ه    أمير الشرقية يستقبل منتسبي «إبصر» ورئيس «ترميم»    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري    أمير الرياض ونائبه يؤديان صلاة الميت على الأمير ناصر بن سعود بن ناصر وسارة آل الشيخ    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أول فنان عربي يدخل هوليوود من بابها الواسع ... يتذكر . عمر الشريف يروي سيرته لپ"الوسط" : أنا ممثل عربي قبل كل شيء وضيف على السينما الغربية ... رغم نجاحي الباهر الأخيرة
نشر في الحياة يوم 06 - 09 - 1993

صوفيا لورين صاحبة أجمل عينين وباربره سترايسند تنفجر حيوية وبيتر اوتول من أعز الاصدقاء
روى عمر الشريف في الحلقة الخامسة من سيرته قصة طلاقه من فاتن حمامة الذي لم يكن مفاجئاً بعد قطيعة طويلة بين النجمين، وكيف تحولت العلاقة بينهما الى صداقة. وعرج بعدها الى فيلم "ليلة الجنرالات" الذي ارتدى فيه الزي الالماني النازي وجعله يكره النازيين بعدما رأى بأم عينه خلال عملية التصوير أثر ذلك الزي على سكان وارسو حيث صورت بعض لقطات الفيلم. وروى ايضاً قصة تمثيله مع باربره سترايسند والعلاقة التي جمعتهما معاً لفترة، الامر الذي افضى الى حرمانه من جنسيته المصرية. وانتهى اخيراً الى رواية تمثيله لفيلم "تشي غيفارا" والآثار السلبية التي تركها على الاميركيين.
وهنا الحلقة السادسة والاخيرة من سيرة عمر الشريف التي رواها لپ"الوسط":
بعد فترة انقشعت الغيوم وهدأت العاصفة، فالتفت عمر الشريف الى الشاشة الكبيرة من جديد في 1971، واستهل عودته هذه بفيلم "السرقة" الذي شاركه فيه النجم الفرنسي جان بول بلموندو. وأخرجه الفرنسي هنري ايرنوميل على غرار الافلام الاميركية باهظة الكلفة. وربما كانت شخصية الفيلم الهجينة التي تحمل طابعاً اميركياً مشوباً بفرنسية واضحة، اضافة الى شهرة الممثلين، هي التي جعلته يقطف نجاحاً جماهيرياً. واعجاب الجمهور الذي دلت عليه مبيعات الفيلم المرتفعة اثلج صدر عمر الشريف بعد الخسائر التي مني بها علماً ان الفنان اسهم في تمويل الفيلم فتقاضى نسبة جيدة من الارباح ناهيك عن اتعابه كممثل.
مغامرة على هامش الفيلم
ومن الوقائع "الغريبة" التي جرت اثناء تصوير الفيلم في اثينا، اختار عمر الشريف لپ"الوسط" الحكاية الطريفة التالية: "قررت انا وبلموندو رؤية مباراة بطولة العالم للملاكمة في الوزن الثقيل بين محمد علي كلاي ومنافسه جو فريزر ولما تأكدنا من ان التلفزيون اليوناني لن ينقلها حية، بادرنا الى انتهاك القواعد المألوفة التي يجب ان يلتزمها الممثل اثناء تصوير فيلم ما، واستأجرنا طائرة خاصة لتقلنا الى روما حيث يمكننا ان نشاهد المباراة على التلفزيون الايطالي الذي كان يبثها مباشرة. ولم نكتف بخرق القواعد، بل حرّضنا غيرنا ايضاً على مخالفتها، اذ حملنا معنا عدداً من الفنيين العاملين في الفيلم. وقد اقدمنا على هذه المغامرة رغم معرفتنا المسبقة ان المباراة ستبدأ في الخامسة صباحاً، اي قبل الوقت المقرر لبدء عملنا في الاستوديو بثلاث ساعات فقط. ولكننا عدنا والحمد لله من روما في الوقت المناسب دون ان ينكشف امر الرحلة المحفوفة بالمخاطر".
وتنوعت افلامه في السنوات التالية، فمن "بذرة التمر الهندي" وهو حكاية تجسس رومانسية لعب فيها دور البطولة امام جولي اندروز، الى القصة المثيرة "رعب على الباخرة تيتانيك"، فپ"سيدة هازلة" الذي جاء بمثابة حلقة ثانية غنائية من "فتاة هازلة" وأدّاه مع بطلة الفيلم الأول ذاتها باربره سترايساند. وفي النمسا تم تصوير فيلم آخر هو "الجريمة والعاطفة" كان عمر الشريف اختار بطلة له الممثلة كارين بلاك. ويستعيد عمر شريط تلك الفترة فيقول: "بقي هذا الفيلم من احب الافلام التي مثلتها الى قلبي، لانه كان تجربة مدهشة لم اعهدها من قبل. والفضل في ذلك يعود الى المخرج المتفهم ايفان باسر الذي اعطاني حرية مطلقة في التعبير عن الشخصية فاستمتعت بالتمثيل ايما استمتاع وأدّيت الدور للمرة الأولى، بتلقائية تامة".
واعتباراً من سنة 1975، اخذت العروض تنهال على عمر الشريف بكثرة، حتى وجد نفسه عاجزاً عن تلبيتها. ومنذ ذلك الحين صار اكثر تشدداً في قبول الادوار السينمائية والسر في ذلك هو النهج الجديد الذي التزمه الفنان. اذ وضع نصب عينيه حلماً يجدر وصفه بالكمال الفني الذي حاول النجم المصري بلوغه بعدما ملّ الشهرة والنجاح. لذا، يقول عمر الشريف: "اوصدت بابي دون افلام كثيرة، ووجدت متسعاً من الوقت لولعي الآخر: البريدج الذي امارسه يومياً، بعيداً عن اضواء السينما وازددت قرباً من عائلتي وأصدقائي الذين حرصت على التواصل معهم اكثر من اي وقت مضى. وقد جعلت من فرنسا وطني الدائم لأن اهلها لا يقتحمون حياة المرء الخاصة ولا يفسدون عليه صفو عيشه ولذا فضلت البقاء هناك لأن ذلك ينجيني من متاعب الشهرة ويجعلني قادراً على التمتع بحياتي كرجل عادي. وصار البريدج مهنتي الثانية التي تحميني من سقطات السينما الهابطة".
العودة الظافرة
ويبدو انه استطاع البقاء في مأمن من السينما التجارية، فحفنة الافلام التي اداها بعد 1975 تتسم، عموماً، بالرصانة. ومن اشهرها "جبال القمر" و"طبول النار" و"الدمية" و"لص قوس قزح". لكن فيلم "الاراغوز" هو أبرزها، على المستوى العربي في اقل تقدير، لانه كان حدثاً استثنائياً بامتياز على الصعيدين الفني والاجتماعي. فهذا هو فيلمه المصري الثاني منذ غادر بلاده في 1961 للبدء بصناعة "لورانس العرب" مع ديفيد لين وبيتر اوتول. وكان من اقل افلام عمر الشريف كلفة على مدى سنوات كثيرة، فموازنة "الاراغوز" لم تتجاوز 300 الف دولار. وكان الفيلم مناسبة اتاحت للجمهور رؤية النجم ممثلاً ومطرباً وراقصاً يرتدي "جلابية" الفلاح المصري المألوفة.
وتدور احداث الفيلم حول سيرة الشخصية المحورية: الاراغوز صاحب الدمى الذي احترف تحريك خيوطها في براعة، خلال عروض عامة غايتها امتاع الجمهور من ناحية وتذكيره بالقيم الاخلاقية والعادات الكريمة من ناحية ثانية.
ينتقل هذا الفلاح عمر الشريف من قرية الى اخرى ليصبح بفضل شعبيته قائداً لحملة يشنها الفلاحون ضد زمرة من التجار والساسة والبيروقراطيين الفاسدين الساعين الى اقامة مجمع تجاري على ارض زراعية خصبة.
تألق عمر في دور البطولة الذي وصفه ناقد صحيفة "نيويورك تايمز" بأنه "تصوير مثير للفلاح المصري ... وعرض باهر تجلت فيه موهبة الفنان العالمي في واحدة من ابهى صورها حين جسّد شخصية اصيلة تمثل ضمير مصير". وما كتبه هذا الناقد عينة من المديح الذي استحقه الفنان على دور اجتهد كي يؤديه بنجاح. اذ يقول: "قضيت سنة كاملة في انجاز الفيلم. وقد يستغرب القارئ اهتمامي بهذا العمل الذي استهلك من وقتي مدة اطول من تلك التي استغرقتها بعض افلامي المعروفة. لكنني في الحقيقة أردته ان يكون فيلماً متميزاً فلم اضن عليه بالوقت او الجهد. ولم اشأ المجازفة باعداده في مدة قصيرة، كيفما اتفق، لأني لم اظهر على الشاشة العربية منذ سنوات كثيرة ما جعلني حريصاً على العودة الى جمهوري الاصلي في مصر والوطن العربي عودة ظافرة.
ومن ناحية اخرى، قضية الفيلم الأساسية شدتني اليه. فهو يعالج موضوع هجرة الريف الى المدينة والتفريط بثروة مصر الزراعية، وهاتان مشكلتان حساستان للغاية كنت دائماً اعتقد ان من الضروري اعادة النظر فيهما وايجاد الحلول المناسبة لهما. ومن الواضح انهما لا تحتملان التأجيل، فالازمة تزداد سوءاً ويتفاقم خطرها يوماً بعد يوم. مثلاً: حين غادرت مصر في 1961 كان عدد سكان القاهرة لا يتجاوز 2 ملايين نسمة اما الآن فيعيش فيها ما يزيد على 13 مليون انسان. وأدى هذا الى استفحال التلوث والى اهمال الزراعة وازدياد رقعة الأرض البور بعدما هجر الفلاحون الريف وذهبوا الى المدينة بحثاً لهم عن لقمة العيش. نحن الآن نستورد الغذاء والمنتجات الزراعية، ولذا ينبغي ان نعتني بأراضينا الزراعية ونحاول سد حاجاتنا من الخضروات والحبوب لا ان نضحي بأراضينا الخصبة في سبيل بناء مزيد من المجمعات السكنية ولما كان الفيلم يحذر من اخطار استمرار هجرة الفلاحين الذين يتدفقون الى المدينة، ويدعو الى انقاذ زراعة البلاد من ازمتها الحادة، فأنا سعيد بمساهمتي فيه لأنها اتاحت لي بذل جهد متواضع في محاولة تغيير هذا الوضع".
واجتهاد النجم أدهش زملاءه العاملين في الفيلم الذين وجدوا في المشروع فرصة ثمينة هيأت لهم ان ينهلوا من خبرة فنان متمرس ذي تجربة شديدة الثراء في السينما العالمية. الا انهم لاحظوا، بشيء من التعجب، تحمسه للعمل الذي جعله سباقاً في القدوم الى موقع التصوير كل صباح وقد حفظ دوره على ظهر قلب. وأضفى حضوره على الجو نوعاً من الالفة، اذ لم تفارقه البسمة وكان على الدوام مستعداً لتقديم المشورة والنصح، بتواضع، اذا طلب منه.
وبعدما فرغ من "الاراغوز"، عاود عمر الشريف الحنين الى المسرح الذي هجره منذ زمن طويل، فقدم عرضاً في باريس لمسرحية كتبها الاسباني ادوار البي. ثم التقى صديقه بيتر اوتول في فيلم جديد، قبل ان يصور عملاً سينمائياً آخر في هنغاريا مع الممثلة البريطانية المعروفة، ونائبة حزب العمال في مجلس العموم حالياً، غليندا جاكسون.
امجاد البريدج
والى جانب الانتصارات الساحقة التي حققها على جبهة السينما، يعتبر عمر الشريف صاحب انجازات عريقة في ميدان البريدج أيضاً وقد ذكر بعضها لپ"الوسط" قائلاً: "شكلت في 1968 مع ثلاثة ايطاليين اول فريق لمحترفي البريدج. ومنحتني اللجنة العالمية للبريدج لقب "لاعب السنة" في 1972 - 73. كما اصبحت ناقداً ومعلقاً على مباريات اللعبة التي تمرست بها واتقنت فنونها، في صحيفة "صانداي اكسبرس" البريطانية ومجلة "فيغارو" الفرنسية منذ سنة 1984".
ولم يدفع به نجاحه الباهر الى الغرور والخيلاء فظل بسيطاً متواضعاً، كما يبدو لمحدثه. وبسبب هذه البساطة يرفض ان يسدي النصائح، او "المواعظ" على طريقة الاساتذة الكبار الذين يتلذذون عادة باعطاء "التعليمات" للمبتدئين وكشف عمر الشريف لپ"الوسط" عن شعوره بالحرج لدى لقائه احد الممثلين الهواة، فقال: "عندما يسألني احد هؤلاء الناشئين النصيحة بخصوص السينما والتمثيل اجدني في حيرة من امري. اذ لا يمكنني ان اساعد اياً كان ما لم اعرف امكاناته عن كثب واختبره بدقة، فأنا اخشى على المبتدئين من التوجيهات المرتجلة التي يطلقها المشاهير دون ان يدركوا تأثيرها في الهاوي وقدرتها على ايذائه فنياً او جرح شعوره".
النقد الذاتي
وانسجاماً مع هذا التواضع، استجاب عمر الشريف، عن طيبة خاطر، حين رجوناه ان يلقي نظرة الناقد الخبير على سجله الفني، فتأمل ماضيه قبل ان ينطق بالحكم الصريح: "كل واحد من افلامي له مزاياه المختلفة التي تجمع بين الحسن والسيىء. لم اكن قط راضياً عن اي منها كل الرضى، وأنا ارى بوضوح جوانبها الجيدة والرديئة ايضاً. وككل الممثلين اراقب نفسي عن كثب حين يعرض احد افلامي على شاشة التلفزيون. وعندها لا اعير الممثلين الآخرين اي اهتمام، لانشغالي بمراقبة اخطائي. ولا تزعجني هذه الاخطاء لأني اعتبرها دروساً أطمح الى الاستفادة منها، فأحرص على تذكرها دوماً كيلا اكررها مرة اخرى". وبدا تواضعه بوضوح اشد عندما رفض ان ينسب نجاحاته الى موهبته الفنية وحدها، فهو مقتنع تماماً ان وراء كل فيلم عظيم مخرجاً مبدعاً هو "اهم من الممثل"، عموماً، في رأيه.
اضواء عليهن...
واضح ان عمر الشريف تعرّف الى عدد كبير من النجوم عن كثب خلال ما يزيد على 35 سنة قضاها امام العدسة، فهل له ان يقدم لنا بعض اصحاب الاسماء المعروفة المقربين منه؟ "هذا سؤال صعب ومحرج - قال الفنان - فالقائمة طويلة جداً... ولا يجوز ان اغفل احداً من اصدقائي وصديقاتي. لكن اذا كان لا بد لي من اختصار العدد الكبير ممن احتفظ لهم بذكرى طيبة فسأكتفي بحفنة من المشاهير. وكما تقتضي اللياقة، ينبغي ان أبدأ بالسيدات. هنا، اذكر الرقيقة جولي كريستي والممثلة اللطيفة جيرالدين شابلن. وقد التقيتهما في "دكتور جيفاكو" حيث برعت كل منهما في دورها. اما باربره سترايسند، فانها تنفجر حيوية وتتسم بالشجاعة والاخلاص وتتمتع بصوت شجي ناهيك عن موهبتها كممثلة. وأنا لا أنسى لها وقوفها الى جانبي حين اصر كثيرون على تنحيتي بحجة انني، كمصري، لا اصلح لأداء دور البطولة في فيلم "فتاة هازلة"، في وقت كانت بلادي تعيش حالة حرب مع اسرائيل. كما لا انسى صداقاتي الحميمة مع باربره والأيام التي قضيناها معاً، رغم قصرها ومرور زمن طويل عليها.
اما صوفيا لورين فهي صاحبة اجمل عينين رأيتهما في حياتي. كنت اظن هذه الفاتنة متعجرفة تتكبر على من حولها، الا اني اكتشفت في اول مناسبة ضمتنا معاً انها متواضعة اليفة. حتى انها فاقت كثيرات من الممثلات بساطة ومودة، وتطوعت مراراً بتحضير الطعام لنا فلم تتردد في الذهاب الى المطبخ كي تشرف او تسهم في اعداد المعكرونة وغيرها من الاطباق الايطالية الشهية التي سال لها لعابنا. ولم اخطئ في تقدير تواضعها فحسب، بل في تقدير طول قامتها ايضاً. اذ طلبت من قسم الاكسسوار قبل البدء بتصوير "سقوط الامبراطورية الرومانية"، تفصيل حذاء خاص لي بكعب اطول من المعتاد بپ10 سنتم كي لا أبدو قصيراً حين اقف بمحاذاة صوفيا لورين. ولما رأيتها ايقنت انني تسرعت في اتخاذ هذا الاجراء الاحتياطي فالفارق في الطول بيننا كان معدوماً، ولم استعمل الحذاء ذا الكعب العملاق على الاطلاق".
... وأضواء عليهم
بين الرجال، يأتي بيتر اوتول في المقدمة فهو من اوائل الممثلين الاجانب الذين عرفتهم وحافظت على علاقة وثيقة بهم طوال هذه السنوات الطويلة. ولعل ارتباط اوتول بذكريات واحدة من ازهى فترات حياتي الفنية، جعل مكانته لدي متميزة دائماً. وأظن اضافة الى ذلك، ان سخاءه وأريحيته وطبيعته الايرلندية القريبة من طبيعتنا العربية، اسهمت ايضاً في تمتين اواصر الصداقة بيننا. وتجمعني بغريغوري بيك وانطوني كوين، اللذين اشتركت معهما في "انظر الحصان الشاحب"، صداقة قديمة رغم تميز احدهما عن الآخر. فالأول انسان هادئ للغاية ورب عائلة يحرص على البقاء معها اشد الحرص، حتى ان زوجته وأولاده يتبعونه اينما ذهب، بما في ذلك استوديو التصوير. اما الممثل انطوني كوين، فهو، كما يبدو على الشاشة، صلب على بعض خشونة. الا انه يفيض حيوية ومودة وعفوية، مثل جيرانه العرب".
حلم القمة
وعن سؤاله لماذا لا يكثر من لقاء اصدقائه الفنانين على الشاشة الكبيرة، فأعماله خلال التسعينات تعد على اصابع اليد الواحدة؟ ابتسم عمر الشريف ابتسامته الساخرة التي اضحت مألوفة لدينا خلال هذا اللقاء الطويل، وقال: "ما زلت اجهد للوصول الى القمة، وبعد كل هذه السنوات لم اوفق في التربع عليها. لم تعد بعيدة نائية كما كانت في بداية صداقتي مع السينما، ولذا ينبغي ان احترس جيداً وأحاول الصعود بحذر خطوة... خطوة كي لا تزل بي القدم. بعبارة اخرى، ربما كان قدر الفنان الحكيم ان يبقى مقلاً بعدما يشتد عوده ويقوى ساعده فيصبح اقل استعداداً للمجازفة. انا اسعى الى الاحتفاظ بعفويتي فلا اضع شروطاً مسبقة او ارسم برامج لمستقبل يستحيل التنبؤ به، بل ادع حياتي تستمر بتلقائيتها المعهودة. لم اعتزل تماماً، لكني لن اقبل كل ما يعرض علي، وحدها النصوص الاستثنائية تغريني بخوض تجربة جديدة".
الاصالة المصرية
هذا الفنان الكبير الذي يحمل قلب طفل وديع، هو بمثابة السفير الفخري لمصر والوطن العربي في محافل السينما العالمية، فكيف يرى السينما العربية، وهل يفكر بالعودة ثانية الى احضانها، ولو لماماً رغم اعلانه اخيراً بأنه قرر الاعتزال؟ قال: "احمل للسينما العربية كل الود والوفاء كابن مخلص وترعرع في اجوائها. لا بل، انا اعتبر نفسي ممثلاً، ومواطناً، مصرياً قبل كل شيء. ولن افشي سراً اذا قلت ان هذا الشعور لازمني على الدوام، منذ بدأت باعداد باكورة افلامي الغربية حتى الان. وقد ادركت تمام الادراك انني، كأجنبي، ضيف على السينما الغربية، وسأبقى ضيفاً على الدوام لأن المخرج الاجنبي يطمح عادة الى تصوير مجتمعه ومعالجة قضاياه المختلفة. وحين يكون الموضوع حرب فيتنام او القلاقل التي سادت فرنسا في 1968، مثلاً، لا اظن ان هناك حاجة ماسة الى ممثل غريب، فأبناء البلاد اكثر خبرة ومعرفة بتاريخهم المحلي.
وعدا هذه الاعتبارات كلها، اعتقد ان سنوات الغربة الطويلة لم تغير في شخصيتي الاصلية شيئاً يذكر. فأنا ما زلت - كأي مصري - عاطفياً للغاية تنتابني احاسيس جياشة تكاد تكون احياناً ميلودرامية، ما يجعلني ممثلاً مصرياً قادراً على تجسيد ابرز صفات شعبه.
واحساسي بالانتماء الى السينما العربية يحملني على متابعتها او العمل فيها حين تسنح الفرصة وهي تطورت عما كانت عليه في ايامنا. فبعض السينمائيين مشى الى الامام، فيما راوح آخرون في امكنتهم او ساروا الى الخلف. وهي، بالتالي، كغيرها تحفل بالغث والسمين. المهم هو ان يكون الفنان صادقاً مع نفسه الى درجة تسمح له بالاعتراف باخطائه. عندها فقط يمكنه ان يحاول التعلم من تجاربه والمضي الى الامام. وعلى اي حال قدمت السينما العربية اعمالاً متميزة وآمل انها ستكثر من هذه الافلام الجادة، كي تشبع نهم الجمهور الذي تزداد ثقافته ووعيه الفني باطراد، وهذا ما لمسته حين كنت في مصر اثناء الاعداد لفيلم "الاراغوز".
اما بالنسبة الى الشق الثاني من السؤال عن عودة اخرى قريبة، فأنا حتماً لا اعرف الجواب. وكما اسلفت، انا بانتظار نص استثنائي، وحتى تأتي قصة كهذه لكل حادث حديث. لكني اعد بألا اشترط في النص ان يكون مكتوباً بلغة اجنبية...".
بين الالتزام والفن
تركته هنا يقهقه بعد هذا الوعد الساخر الذي جاء خاتمة لاجابة شئتها الاخيرة في مجال الفن، وقررت ان اطرق معه موضوعاً آخر قبل ان ينتهي اللقاء الذي وصل مرحلته الاخيرة. فتساءلت اين هو عمر الشريف من قضايا العرب، وغيرهم من الشعوب، في هذا الوقت الذي يشهد تطوع المزيد من الفنانين والفنانات لتبني قضية ما؟
لم يتردد في الافصاح عن رأيه، وكأنه كان ينتظر سؤالاً كهذا، بل كاد يقاطعني قائلاً: "اولاً، لا اظن شخصياً ان الفنان مدين للمجتمع بشيء على الاطلاق، ولا اعتقد ان تبني فنان ما لقضية من القضايا سيعود عليها بنفع كبير حتماً. مثلاً، اليزابيت تايلور اخذت على عاتقها مهمة مكافحة الايدز كما كرس مايكل بيكادي نفسه لقضية صربيا، فهل ادت جهودهما الى ايقاف الحرب او الى تسريع وتيرة البحث عن وسيلة لمعالجة الايدز؟ وكي اكون اكثر صدقاً مع قرّاء "الوسط"، لا اخفيكم ان بعض الشك يتسلل الى قلبي حين ارى فنانين مشهورين يجوبون العالم مع فريق من المصورين والصحافيين". لم نلح في طلب تفسير هذا الاعتراف الاخير، بل آثرنا ان نترك مهمة ذلك للقارئ الذي خاطبه عمر الشريف مباشرة. ولربما يعتقد الفنان ان النجوم يبحثون من خلال نشاطهم الانساني عن مزيد من الشهرة التي لم يعد بعضهم قادراً على الفوز بها من خلال افلامه. او لعله يظن ان هذه المشاكل التي تبحث عن حل لا تشكل الخطر الرئيسي الذي يتهدد الانسان المعاصر!
حين سمعني اكرر هذا التكهن وكأني افكر بصوت عالٍ، رد على الفور: "اجل، اعتقد ان اخطر مشكلة تتهدد عالمنا هي الفقر. انه الرحم التي تتكون فيها الاوبئة كلها من الشيوعية الى الفاشية الى التطرف الديني، ولا بد من معالجة الفقر مصدر المشاكل، قبل ان يستطيع المرء ان يحلم بحياة اكثر سعادة".
وهل يعني هذا ان حملة العنف التي تعاني منها مصر ناجمة اساساً عن الفقر؟ قال الفنان: "نعم. اعتقد ان هذه الموجة التي تجتاح البلاد عائدة الى الفقر المتفشي والتضخم الآخذ بالارتفاع. وهذا ما يجعل من السهل بمكان على ايران والسودان ان تجندا بعض المأجورين لزرع قنابل هنا وهناك والعبث بأمن المواطنين، لقاء اغرائهم بمبلغ من المال... ومن الضروري ان ندرك ان الدين هو وسيلة للخلاص من البؤس، قادرة على منح المؤمن الامل الكبير بحياة افضل".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.