سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أول فنان عربي يدخل هوليوود من بابها الواسع ... يتذكر . عمر الشريف يروي سيرته لپ"الوسط" : باربره سترايسند حرمتني من جنسيتي المصرية وفيلم تشي غيفارا أثار الاميركيين فحطموا صالات العرض 5
روى عمر الشريف في الحلقة الرابعة من سيرته قصة ليلة الافتتاح الحقيقي في هوليوود لفيلم "لورانس العرب" وكيف انعقد لسانه عندما غمره نجوم السينما العالميون باهتمامهم واطرائهم حيث قال: "تلك كانت ليلة مجيدة لن انساها ما حييت". وتحدث ايضاً عن "ملاكه الحارس" المخرج ديفيد لين ونصائحه المتعددة له التي لم يتقيد بها فأدت به الى فخ مع شركة "كولومبيا" اطبق عليه 7 سنوات. وروى اخيراً قصة تمثيله لفيلم "دكتور جيفاكو" مع ابنه طارق الذي ابدع، كما والده، في تأدية دوره في الفيلم. وهنا الحلقة الخامسة من سيرة عمر الشريف كما رواها لپ"الوسط": يعود نجاح طارق في جزء منه الى المخرج الذي اشرف عليه، لكن موهبة عمر الاخراجية لم تستقطب الاهتمام لأن اجادته في تصوير شخصية جيفاكو حجبت ما عداها من مساهماته في الفيلم. ومع ان دور البطولة هذا لم يؤد الى ادراج اسم الفنان المصري في قائمة المرشحين لنيل الاوسكار فهو عاد عليه بجزاء لائق: جائزة افضل ممثل درامي التي اهدتها اليه جمعية الصحافة في هوليوود، وكانت عبارة عن كرة ارضية من الذهب. وذكر الذهب يفضي بنا الى الاجر الذي تقاضته شركة كولومبيا لقاء اطلاقها سراح النجم. ومع ان الاجر بقي سراً لم يبح به المعنيون بالامر، فهو بلا شك كان مرتفعاً جداً، كما يدل المبلغ الذي امنت به الشركة المنتجة على الممثل اذ وصلت قيمة عقد التأمين الى 14 مليون دولار. وكان دوره في الفيلم بمنزلة القمة الثانية التي ارتقى اليها بعد "لورانس العرب". وبفضل هذين الدورين، كما يقول الفنان، اخذ بعض الصحافيين يدبج المقالات حول اوجه الشبه بينه وبين النجم الاميركي الشهير رودولف فالنتينو. ويرى عمر الشريف ان المقارنة بينه وبين الممثل الراحل عقدت أساساً لأن كلا منهما اشتهر بعد ادائه دورين مختلفين. الا انه لا يجد مبرراً للاستفاضة في الحديث عن تشابهه مع النجم الاميركي فلا صفات مشتركة تجمع بينهما، عملياً. وتزامن تصوير الفيلم مع حدث عائلي فائق الاهمية وان كان متوقعاً اذ انفرط العقد بين عمر وفاتن حمامة وانتهى بالطلاق. ولعل سخرية القدر تجلت في التزامن بين بلوغ عمر الشريف قمته الفنية وتردي حياته العائلية، ففي الوقت الذي شمر عن ساعديه تمهيداً لبدء تصوير الفيلم كان عمر الشريف يستعد لالقاء تحية الوداع الاخير على زواجه من سيدة الشاشة العربية. ومع نهاية الاعداد للفيلم الذي استغرق ثمانية اشهر بين 1964 و1965، طويت آخر صفحة من كتاب زواجهما... لم يكن الطلاق، كما اسلفنا، مفاجأة صاعقة. فالقطيعة القديمة نسبياً بين عمر الشريف والقاهرة جعلت الكثيرين يدركون ان الشحوب راح يعرو علاقته بزوجته المقيمة في مصر. وكان غيابه عن مصر فترات طويلة، بدأ مع رحيله الموقت عنها بقصد انجاز فيلم "لورانس العرب". ومنذ ذلك الحين دأب عمر على قضاء قرابة ثلاثة اشهر فقط من كل سنة، في ربوع مصر. وتحولت صلته بفاتن رويداً رويداً الى صداقة متينة لم تنفصم عراها حتى حين اقدم الاثنان على الطلاق، فهو يؤكد: "انفصلنا تدريجاً بود وحرصنا على البقاء صديقين حميمين في اثناء استكمال عملية الطلاق وبعدها ايضاً". وكما جمعه فيلم آخر بديفيد لين بعد لقائهما الأول، شاءت الفرص ان ينجز مشروعاً سينمائياً جديداً مع صديقه القديم بيتر اوتول الذي شاركه الزهو والشهرة اثر نجاح "لورانس العرب". وتم ذلك في 1966 بناء على اقتراح منتج الفيلم الأول سام سبيغل الذي شاء ان يقدم النجمين معاً مرة اخرى في فيلم حمل عنوان "ليالي الجنرالات" واختار لعمر الشريف دور شخصية لا تبعث على الارتياح، كما يبدو، فكيف قبل الدعوة؟ قال: "لم يزعجني، بادئ الامر، دور الشرطي الألماني المكلف بالتحقيق في جريمة قتل فنانة اشتبه بأن جنرالاً نازياً بيتر اوتول تورط فيها. أنا، اولاً وأخيراً، ممثل. وغني عن القول ان الممثل قد يؤدي خدمة جلى لجمهوره حين يمثل دور شخصية شريرة على نحو لائق فيكشف عن خباياها ويجسد نوازعها الكريهة بنجاح. من ناحية اخرى، كنت أحن الى العودة الى الشاشة الكبيرة مع ممثل جيد من طراز بيتر اوتول. تحفظت عن الزي العسكري الذي وجب عليّ ارتداؤه، لكن المخرج اناتول ليتواك اصر عليه ونجح في اقناعي بأنه يليق بي. وفعلاً انطلقنا الى وارسو خلال شهر كانون الثاني يناير في عز البرد لتصوير مجموعة من المشاهد. وهناك بدأ الغيظ يملأ قلبي تدريجاً لسبب لا علاقة له بالفيلم من الناحية الفنية، وصرت اكره النازيين واحقد عليهم، فتجاربي اليومية مع ضحاياهم اهل وارسو على مدى شهر كامل علمتني انهم كانوا وحوشاً كاسرة. وكي لا يبقى الامر غامضاً، دعيني احدث قرّاء "الوسط" عن الحكاية التي بدأت عفوياً وجعلتني عدواً للنازية. ذهبت في اليوم الأول خلال الاستراحة الى مقهى قريب طلباً للدفء ولكوب من القهوة يبعث فيّ الحياة من جديد. ولم انتبه للأثر الذي احدثه الزي العسكري النازي في نفوس من رأوني من اهل المدينة الا حين دخلت المقهى وأخذ الجميع يحدقون الي بعيون جاحظة ووجوه مذعورة غاضبة فصرخت بهم، انا لست نازياً...، فلم ينبسوا ببنت شفة وبقيت وجوههم على حالها. رفض النادل ان يقدم اليّ شيئاً، فاتجهت صوب الباب اريد الابتعاد سريعاً، وقبل ان اغادر المكان وقع نظري على مشهد لن انساه: عيون تفيض بالدموع لرؤية ثيابي العسكرية النازية. عاودت الكرّة يومياً خلال الشهر الذي مكثته في وارسو فذهبت الى هذا المقهى والى سواه، وكنت دائماً احس بالعيون الحزينة والوجوه الهلعة تحاصرني، ولم تفلح اي من محاولاتي للفوز بفنجان قهوة، فكيف لي الا امقت النازيين بعدما لمست الذعر الذي تثيره ذكراهم...؟". "الصديقة" فاتن وفي نهاية هذا الشهر العاصف، رجع الجميع الى باريس حيث صورت بقية المشاهد. ومن هناك انتقل الى هوليوود كي يبدأ بتنفيذ عدد من العقود السينمائية الجديدة. وبادر فور وصوله الى استئجار شقة في بيفرلي هيلز استعداداً لاستقبال ابنه طارق مع الكلب "ستارلايت" والمربية بيبيتا، و"صديقته" المقربة فاتن حمامة والقادمة من القاهرة مع كريمتها ناديا. وكان ابنه ذو الاحد عشر ربيعاً التحق بمدرسة داخلية في سويسرا بعدما انتهى من انجاز باكورته السينمائية "دكتور جيفاكو". لذا كانت هذه الزيارة حدثاً استثنائياً بالنسبة الى ابيه الذي افتقده وتاق الى ممارسة دور الوالد من جديد بعد اجازة طويلة. غير ان ضغط العمل، حرم عمر الشريف من استثمار الفرصة ورضي على مضض، باللقاءات القليلة التي ظفر بها في اثناء تناولهما وجبة العشاء. استهلك العمل وقت عمر الشريف بعد عودته الى عاصمة السينما. وقد شكل اول مشاريعه "انتهاكاً صريحاً" لنصيحة ديفيد لين القديمة، اذ كان هذا المشروع فيلماً من افلام الوسترن. ولم يشترك ثانية في فيلم من هذا النوع احتراماً لرأي صديقه السديد. لكن هذا الفيلم على رداءته فتح الباب امام عمر الشريف للمشاركة في فيلم ناجح اثار ازمة في مصر وفي دول عربية اخرى ونترك لعمر ان يروي لنا التفاصيل: "لم تخلُ المسألة من الارباك. ولكن قبل ان نعرف النتيجة لا بد من العودة الى بداية القصة. كنت اتناول غدائي ذات يوم في اثناء تصوير فيلم الويسترن، في مطعم الاستوديو الصغير على طاولة محاذية لتلك التي تحلق حولها المخرج ويليام ويلير والمنتج راي ستارك. وكان الاثنان اختارا باربره سترايساند بطلة لفيلمهما الجديد "فتاة هازلة" الذي تدور احداثه في حي يهودي ببروكلين حول علاقة شاب يهودي بفتاة يهودية. وبعد العثور على ممثلة تتقمص شخصية الفتاة، بقي عليهما ان يجدا فناناً مناسباً لتأدية دور الشاب، وفي ذلك اليوم، تعالت اصوات بعض الحاضرين في المطعم بتساؤل ساخر: "لمَ لا يكون عمر الشريف هذا البطل المنشود؟". وردد هؤلاء الفضوليون هتافهم غير مرة في ايام لاحقة، رغم ان حدة التوتر بين مصر واسرائيل بلغت اقصى درجاتها آنذاك عشية حرب حزيران يونيو 1967، ولم تمنع الاعتبارات السياسية المخرج ويلير من ان يرد على المازحين ذات مرة قائلاً: "فعلاً لمَ لا يقاسم عمر الشريف باربره سترايساند البطولة؟" ثم التفت اليّ يرجوني ان افكر في المسألة "لأن الاقتراح لا يبدو سيئاً البتة"، فحدق الاخرون اليّ بشيء من الدهشة والترقب. وبعدما فكرت ملياً بالامر رضيت ان العب دور البطولة امام باربره. غير ان حرب الأيام الستة نشبت بعد ايام قليلة ووجدت نفسي اعمل مع ممثلة يهودية في استوديو اصحابه يهود ومعظم من فيه موالون متحمسون لاسرائيل. تعقدت الامور تدريجاً، ثم اتى تدخل والدة باربره سترايساند التي اعلنت عن رفضها ان تمثل ابنتها امام فنان مصري، ليزيد الطين بلة. والأدهى ان المنتج اليهودي رغب في فسخ العقد معي. وكانت مبادرته هذه بمثابة القشة التي كادت تقصم ظهر البعير لولا وقوف المخرج اليهودي الى جانبي وقوله محذراً الجميع: هذا موقف غير مقبول في اميركا على الاطلاق. وسأتنحى عن دور المخرج ما لم يكن عمر الشريف بطل الفيلم. وحذت باربره حذو المخرج فشرعنا بتنفيذ المشروع وفق الخطة المرسومة، في أيام قليلة". كلف المنتجون خبيراً بالعلاقات العامة تقديم العون للفنان ومساعدته في تخفيف الاحراج الذي سينجم عن اشتراكه في الفيلم. وسارت الامور على ما يرام الى ان جاء دور احد المشاهد الذي اقام الدنيا ولم يقعدها في مصر، حين تجرأ "الابن العاق" على تقبيل ممثلة يهودية كانت اقامت حفلات لجمع التبرعات لاسرائيل. وهنا ضحك عمر الشريف، وعلّق على الحدث بقوله: "السخرية في المسألة هو ان دوري في الفيلم اقتضى مني تقبيل باربره مرتين على الشاشة اولاهما أدت الى علاقة حميمة فيما حرمتني الثانية من جنسيتي المصرية عملياً. اذ ان احدى صحف نيويورك نشرت صورة القبلة التي وجدت طريقها الى القاهرة فثارت ثائرتهم هنالك وحكموا على الفيلم بأنه مؤيد لاسرائيل". نقل الفنان ردود الافعال المختلفة على دوره في الفيلم، من احتجاج معظم زملائه اليهود الى ادانة المصريين الغاضبة، ولم يفصح عن رأيه الصريح بهذا الاحتجاج او تلك الادانة. وحين الححنا عليه في محاولة لانتزاع موقف واضح من هذه الضجة المزدوجة التي لم تعرقل سير عملية التصوير طبعاً، تدارك الأمر مرة اخرى قائلا: "كنت حزيناً للغاية. كل الحروب تبعث في نفسي الحزن والألم الشديدين... وأعادي التطرف الديني والعنصرية". ضيف الرئيس الفرنسي وحين طوينا صفحة المنغصات السياسية التي القت بظلالها على الفيلم، جاء دور قصة الحب التي عاشها مع البطلة اثناء اعداد الفيلم. وقد حدثنا عنها بكلمات انسابت في دفء بالغ املته عذوبة الذكرى: "باربره التي بدت قبيحة أول الامر كشفت، شيئاً فشيئاً، عن موهبة رائعة وشخصية جذابة فربطتنا قصة حب احيطت بتكتم شديد، عاشت اربعة اشهر ولفظت انفاسها الاخيرة مع تصوير المشهد النهائي". اثر ذلك التفت الى عمل سينمائي آخر، كان واحداً من النقاط المضيئة في تاريخه الفني. اذ لعب دور البطولة في "مارلينغ" الذي تم تصويره في النمسا. ويذكر عمر الشريف شريكته في البطولة الممثلة القديرة آفا غاردنر "التي اتسمت بثقتها الهائلة بنفسها". ومع حلول 1968 بدأ عز السينما بالانحسار وشهدت تلك السنة أفول نجم الاعمال الهوليوودية التي عجزت عن مجاراة الزمن والتواصل مع الجمهور. ففي هذه الآونة انطلق التلفزيون ليفتح اعين الناس على واقع حجبته عنهم السينما طويلاً. وانشغل الناس بتراجيديا الحرب المشتعلة في فيتنام وملأت احداثها الدموية حياتهم بالقتامة فلم تعد العروض السينمائية الفخمة تروق لهم. في هذه الاثناء شعر عمر الشريف بالحاجة الى بيت ووطن "ثان"، فيمم شطر فرنسا التي فتنته دوماً. واختار دارة انيقة في بولفار اوتوي في ضاحية بولونياالباريسية الجميلة لتكون مقر اقامته الدائم. وقد استقبلته فرنسا "الرسمية" بحفاوة وشملته برعايتها فصار واحداً من ضيوف رئيس الدولة الراحل جورج بومبيدو الدائمين في اللقاءات الدورية التي كان يعقدها كل يوم خميس في "ماتينيون". يقول عمر الشريف: "تلك كانت مساءات هادئة وممتعة دأبنا فيها على مشاهدة احد الافلام قبل الانتقال الى مائدة العشاء التي نتابع بعدها السهرة بالتندر والحوار الممتع". واصل النجم حياته هذه فارتاد حلقات النخبة والمجتمع المخملي في فرنسا. وذات يوم، وقفت هوليوود عند عتبته مرة اخرى. ففي ايار مايو 1968 كان عمر الشريف منهمكاً في مباريات لبطولة البريدج اقيمت في جوان لي بين على الكوت دازور، حين بلغه ان المنتج داريل زانوك والمخرج ريتشارد فليشر وصلا من المانيا بغرض التحدث اليه. فهم على الفور انه بصدد الخوض في نقاش آخر حول دور البطولة في فيلم تشي غيفارا الذي يعتزمان اعداده، واستغرب ان يحاولا اقناعه للمرة الرابعة بقبول الدور. لكنه توقع ان في جعبتهما عرضاً معقولاً والا لماذا يقطع عليه الزائران "خلوته" هذه مع لعبته المفضلة ويتكبدان عناء البحث عنه في هذه الأيام بالذات والاضرابات شلت، او تكاد، حركة الحياة في فرنسا؟ سبق لعمر الشريف ان رفض الاستجابة لرجائهما تمثيل "دور بطل يساري في فيلم سيكون حتماً، يميني الصبغة، لأن المخرج كان يعمل لدى شركة فوكس للقرن العشرين القريبة جداً من الحكومة الاميركية. كنت احترم في تشي غيفارا اخلاصه ونقاءه بغض النظر عن انتمائه السياسي. ومع انني كنت، ولا أزال، مقتنعاً ان الانسان بوجه العموم ضعيف لا يستطيع مقاومة اغراء المال والثروة التي تفسده، فقد رأيت في غيفارا استثناءً لهذه القاعدة. لذا لم اكن مستعداً للاساءة الى سمعته، على الاقل لأنه بقي نظيفاً ولم يسمح لأي اغراء بأن ينال منه". غير ان المخرج والمنتج اللذين سمعا هذه الكلمات من عمر الشريف مراراً، حملا اليه هذه المرة عرضاً مقنعاً تضمن تنازلات كان اصر عليها النجم، مع انها لم تمنح لممثل آخر في تاريخ هوليوود. فبعدما اكدا له من جديد نيتهما الصادقة في انصاف تشي غيفارا وافقا على اضافة مادة خاصة في العقد تخول الفنان رفض اي مشهد يراه مجافياً للحقيقة، كما تخوله مراجعة المضمون السياسي للفيلم. ولما كان لعمر الشريف ما اراد، وقع العقد وانطلق مع طاقم المشروع الى بورتوريكو حيث باشروا تنفيذه. لم يحنث معدو الفيلم بوعدهم ونجت شخصية غيفارا من التشويه بفضل عمر الشريف. اما فيديل كاسترو فتحول على ايديهم الى رجل اخرق يفتقر الى الحنكة والمرونة. ولئن لم يعبأ النجم بمصير شخصية الزعيم الكوبي، فان جموعاً من الشباب الاميركيين انتصرت له وثارت على الفيلم بحجة انه بالغ في الاساءة الى كاسترو. ولم يمضِ على توزيعه في نيويورك سوى ثلاثة ايام حتى اقتحمت حشود غاضبة دار السينما وحطمت المقاعد كلها تعبيراً عن احتجاجها. وتكررت الظاهرة ذاتها اينما عرض الفيلم، فاضطر اصحابه الى سحبه من السوق. وعندما سألته كيف انتهى به المطاف بعد فيلم "تشي غيفارا"؟ اجاب عمر بسخريته وذكائه المعتادين: "لم ينته بعد، فأنا ما زلت في الميدان، لكن، لنعد الى الجد. انتهى تنفيذ المشروع البائس وانتقلت الى النمسا لتصوير "الوادي الاخير" الذي مثلته مع مايكل كين وفلوريندا بولكان. ثم اتجهت الى افغانستان للبدء في التحضير لفيلم "الخيالة" المأخوذ عن قصة للروائي الفرنسي جوزيف كيسيل. وهناك حصلت معي واقعة طريفة. قمت بزيارة ملك البلاد الذي غمرني بسخائه وتكرم باهدائي كلباً فاحترت في كيفية نقله في الطائرة الى فرنسا. بالطبع لا يمكن شحنه مع الامتعة. وكي لا يشعر بالغبن عاملناه باحترام جم يليق به، فحجزنا له اثنين من مقاعد الدرجة الأولى تمدد عليهما بأبهة وجلال طيلة الرحلة من كابول الى باريس. وخفف الكلب "النبيل" من الضيق الذي سببه لي عدم تحقيق الفيلمين نجاحاً تجارياً كبيراً". كارثة مالية لكن سنة 1969 جرت عليه خسائر مادية فادحة، وأورثته متاعب شخصية. ومرد ذلك الى ان عمر الشريف وظف قبل سنوات امواله الطائلة، التي جمعها خلال عمله السينمائي الطويل، في شركة عقارات وفي سوق البورصة بنيويورك. كما استثمر جزءاً منها ايضاً في سباقات الخيول التي تعلق بها في مرحلة متأخرة نسبياً بعدما شارك صديقاً له ملكية حصان دفعا ثمنه مناصفة. وتحولت تلك البداية المتواضعة في 1966 اعجاباً شديداً بهذه الرياضة، فاقتنى عدداً من الخيول كان الاشراف على تدريباتها، احياناً، يغمره بالسرور. ومع الزمن، ازداد معرفة بأنواعها ومزاياها نتيجة مراقبتها عن كثب في اوقات فراغه... غير ان المتعة الجديدة انتهت على نحو مفاجئ قبل ان يرتوي منها الفنان الفارس، حين انهار سوق البورصة وتسبب في كارثة مالية لم يواجه مثلها عمر الشريف من قبل وكان عليه ان يدفع الفوائد والقروض المصرفية التي لم تكف ثروته كلها لسدادها، مع انه اطمأن سابقاً الى ضخامة هذه الثروة وحسبها كافية لحمايته من مفاجآت القدر والأيام السود. وبدلاً من ان تحطمه الكارثة المالية، يصر عمر الشريف على انها عادت عليه بالفائدة، ولكن كيف تم هذا الانقلاب المدهش؟ قال: "نضجت في اتون الازمة. صحيح انني اكتويت بنارها، لكنني ازددت خبرة وتجربة بفضلها ايضاً. صرت اقدر قيمة المال، وأعرف اني عرضة لمواجهة مشاكل قد يستعصي عليّ حلها مهما كنت غنياً ومشهوراً. وأصبحت اكثر ادراكاً لحقائق حياتية وقيم اجتماعية ثمينة، وهذا ما دفعني الى الايمان بأن العائلة والصداقات، وليس المال او الشهرة، هي الدرع الحقيقية التي تقي الانسان غدر الزمان. انقطعت عن المقامرة واستعضت عنها نهائياً بالتردد على نادٍ وحيد للبريدج لم أبدله قط. تغيرت، اذن، تغيراً جذرياً وبدأت اعيش حياة عادية مختلفة كل الاختلاف عن تلك التي اعتدتها قبل الازمة. ومكنني ذلك من متابعة حياتي المهنية بالطريقة المتروية التي اردت".