تزداد الضغوط الخارجية على الحكم السوداني الذي يعاني عزلة دولية وعربية تكاد تشبه الحصار غير المعلن. وتزيد الازمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة عزلته الداخلية، فيما فشل حتى الآن في فتح كوة في جدار ازمة الجنوب تقود الى حل نهائي للحرب الاهلية... وتوقف زحف المجاعة. انه "نظام اشبه بالجالس على صفيح ملتهب" لذلك لن يستمر، كما قال السيد الصادق المهدي زعيم حزب الامة المقيم في ام درمان اقامة جبرية، في حديث الى "الوسط". ويوافقه اقطاب المعارضة المقيمين في الخارج على أن الحكم مهدد وأن الانتفاضة الشعبية قادمة لا محالة. لكن باحثا سياسيا سودانيا يقول ان الذين يتوقعون قرب سقوط النظام في الخرطوم يدعمون هذا التوقع بالعودة الى تجارب الحكم في هذا البلد الذي كان اهله من العسكر ينقلبون على التجارب الديموقراطية، ليعود اهله، من الشعب والاحزاب فينتفضوا من اجل الديموقراطية... على رغم كل ما يقال في كل مرة عن فشل الاحزاب او فشل العسكر. انها اشبه بالدورة التي تتكرر، وتتكرر معها اخطاء هؤلاء الساسة الحزبيين، وأولئك الخارجين من الثكن على ابراج الدبابات. وربما هذا ما يفسر بعض ما يتردد عن يأس الناس من "ثورة الانقاذ"، الناس انفسهم الذين لم ينسوا بعد المشاحنات والمشاجرات ايام حكم الاحزاب قبل اربع سنوات ونيف، لكنهم يفضلون طعم الديموقراطية على بيوت الاشباح. لن تكون كسابقاتها صحيح ان هذه الدورة باتت جزءاً من تراث الحكم وتقاليده في السودان، لكن الصحيح ايضاً ان الوضع في هذه الأيام يختلف عما كان في الأيام السابقة. وحتى الانتفاضة المتوقعة... قد لا تكون كالانتفاضات السابقة، ذلك ان السلاح في هذا البلد لم يعد حكراً على العسكر الرسمي، بعدما بنت الجبهة الاسلامية القومية التي تحكم في الخرطوم، من وراء الفريق عمر حسن البشير، جيشها الرديف بعدد يكاد يصل الى نصف تعداد الجيش الحكومي. ما يستدعي مخاوف من ان يؤدي اي انقلاب الى ما ليس في طبيعة الشعب السوداني... الى حرب اهلية، او احتراب يغرق البلاد ونيليها. ... لكن هذه المخاوف ليست هي الكابح او العائق امام اي انفجار شعبي في مدن السودان، ولن تكون في حساب المكتوين بنار الازمة السياسية والاقتصادية، ما دام ان المواطن العادي مهدد بأمنه الشخصي مثلما هو مهدد برغيف الخبز... والسكر والشاي، ومهدد بكرامته وحريته. بل ان هذه المخاوف يطغى عليها، كما يلاحظ المراقبون، هذا التأزم السياسي الذي بلغ ذروة لم يبلغها منذ انقلاب الفريق البشير والجبهة الاسلامية في 30 حزيران يونيو 1989. واذا كان مرد جزء من التأزم الى هذه العزلة السياسية الخارجية التي يعانيها النظام، فضلاً عن وصول العلاقات مع مصر الى حد المواجهة، ومع ليبيا الى حد انعدام اي تعاون وان في حدوده النفطية، فان تدهور الوضع الاقتصادي فاقم النقمة وولد حصاراً داخلياً على الحكومة وأعوانها. حتى ان الرئيس السوداني وعد مواطنيه باجراءات اقتصادية لمعالجة ازمة ارتفاع الاسعار. وأعلن ان هذه الاجراءات "لن تمس روح سياسة التحرير الاقتصادي المتبعة حالياً". غير أنه عاد بعد يومين ليعلن قرارات اقتصادية أعادت الدعم الحكومي الى السلع الاستهلاكية الاساسية، وقيدت تبادل العملات الاجنبية، فألغى عمليا أهم جوانب سياسة التحرير الاقتصادي التي حدت بصندوق النقد الدولي الى الاشادة بجهود السودان في مجال الاصلاح الاقتصادي. وكان التدهور المعيشي دفع رئيس اتحاد نقابات عمال السودان تاج السر عابدون الى التصريح بأنه مضطر الى عدم التقيد بسياسة عدم انتقاد الوضع الاقتصادي. فقد خلف الحصار الاقتصادي حالاً من الغلاء المستشري لا مثيل لها منذ الاستقلال عام 1956. والحكومة نفسها صرحت بأن الحد الادنى للكفاف يبلغ 15 الف جنيه سوداني شهرياً، في حين لا يزيد الحد الادنى للاجور على اربعة آلاف جنيه في الشهر. صدمة تضاعف النقمة وكان الامر يهون لو ان الحكومة استطاعت اقناع مواطنيها بالصمود في وجه ما تسميه "هجمة غربية" تستهدف البلاد واستقلالها وحرية قرارها... لكن الفريق البشير نفسه اعترف قبل ايام في لقاء دوري مع الصحافة المحلية بوجود ظاهرة الاستغلال والجشع لدى شريحة كبيرة من التجار السودانيين. ويتحدث القادمون من السودان بمرارة عن استفادة تجار الجبهة الاسلامية وأصفيائها من سياسة تحرير الاقتصاد في بلد يعاني من شح الموارد والانتاج. وتضاعفت النقمة عندما اعترف وزير المال عبدالرحيم حمدي، احد كبار قادة الجبهة الاسلامية امام نواب المجلس الوطني الانتقالي برلمان معين بأن الحكومة لم تتوقف، منذ توليه الوزارة عام 1990، عن استيراد القمح. ووقع هذا الاعتراف وقع الصدمة فوق رؤوس المواطنين الذين صمّت آذانهم وهم يتابعون منذ أكثر من عام الحملات الدعائية الرسمية عن "الاكتفاء الذاتي" و"تصدير القمح واللحوم" الى العراق وبعض البلدان الافريقية الفقيرة و"تمزيق فاتورة القمح"... فيما "مثلث الجوع" في جنوب السودان تحول الى "مثلث الموت"! وبات قادة الجبهة يخشون وقوع انتفاضة او اضطرابات، فقرروا اخيراً عقد اجتماعات للجانها الاقتصادية ومجلس الشورى العام لنهج سياسة جديدة. ولوحظ في هذا المجال أن معظم قيادات "الجيل الثاني" في الجبهة استدعي الى الخرطوم من أماكن عمله في سفارات السودان في الخارج للمشاركة في هذه الاجتماعات التي يبدو أن وزير المال نجا من حملاتها وانتقاداتها بتمسكه بالقول أنه لم يفعل سوى تنفيذ مقررات المؤتمر القومي لانقاذ الاقتصاد الذي رعاه النظام في عامه الاول. وهي المقررات نفسها التي صاغتها لجان الجبهة وأقرها مجلس الشورى الخاص بها وقدمت الى لجان المؤتمر القومي واقتنع المشاركون في المؤتمر بها وأقروها. وكذلك أمر الفريق البشير وزراء القطاع الاقتصادي، اثناء غياب وزير المال في لندن في الاسبوعين الماضيين بتقديم سياسة تعيد الدعم الى عدد من السلع الاستهلاكية وتعيد النظر في كثير من جوانب التحرير الاقتصادي... كل ذلك للتخفيف من تنامي النقمة الشعبية. وارتفعت اصوات من صفوف كبار ضباط الجيش تلح على الرئيس البشير لتأديب تجار الجبهة... كما حدث في آخر ايام الرئيس السابق جعفر نميري عندما زج بالتجار في السجن واصفاً اياهم بأنهم "اخوان الشياطين". سعي الى تحسين العلاقات وأفادت اوساط سودانية ان بعض اركان الجبهة الاسلامية سارع الى المطالبة بايجاد مخرج من الازمة يتجه في الضرورة الى تحسين العلاقات الخارجية للسودان، وأولها مع الجيران، وتغيير السياسات المالية بعدما اتضح ان الخرطوم، بخلاف ما تبثه اجهزة الاعلام الرسمية، متوقفة عن سداد ديونها لصندوق النقد الدولي. وكانت الخرطوم اوفدت الدكتور علي الحاج محمد وزير الحكم الاتحادي والرجل الثالث في الجبهة الاسلامية بعد الدكتور الترابي والسيد علي عثمان محمد طه وزير التخطيط الاجتماعي، الى واشنطن سعياً الى تحقيق انفراج في العلاقات وقطع الطريق على امكان ادراج السودان في لائحة الدول التي ترعى الارهاب... ولكن يبدو ان مهمة "الرجل الثالث" لم تنجح. وأثارت الادارة الاميركية في وجهه ازمة السفير الايراني في الخرطوم مطالبة القيادة السودانية بترحيله، متهمة اياه بأنه "ارهابي" وكان بين الذين احتجزوا الرهائن الاميركيين في سفارة بلادهم في طهران في الأيام الأولى للثورة الاسلامية. وردت الخرطوم بأن السفير الاميركي لديها دونالد باترسون "جاء ليحارب السودان". ويقول معارضون سودانيون على صلة بالادارة الاميركية "ان اتخاذ اجراء أميركي ضد الخرطوم بات مسألة وقت، اذ ان واشنطن تملك معلومات وافرة عن خطط سودانية للتمدد عبر محاور شرق افريقيا والقرن الافريقي وايران". وأشاروا الى "وجود تنسيق مصري - اميركي في هذا المجال، خصوصا ان واشنطنوالقاهرة تعتقدان بأن الخرطوم تعمد الى تفجير أزمة حلايب المنسية منذ عام 1958 كلما تضاعفت أزماتها الداخلية والعزلة الداخلية". لكن الدكتور علي الحاج ذكر انه طلب من المسؤولين في ادارة مكافحة الارهاب في وزارة الخارجية الاميركية تزويده لائحة باسماء ارهابيين سودانيين او عرب يقيمون في معسكرات تدريب في السودان. وقال انهم أبلغوه عدم وجود أي لائحة من ذلك القبيل، واكتفوا باثارة قضية وجود السفير الايراني في الخرطوم مجيد كمال الذي يتهمونه بالارهاب. وأثار هذا الضغط الاميركي مخاوف الخرطوم، حتى ان الفريق البشير كرر أخيرا في أحد أحاديثه الصحافية انه يخشى عملية تحضير للرأي العام العالمي تمهيدا للقيام بعمل عسكري ضد السودان على غرار ما حصل في الصومال. وأكد انه سيواجه أي تدخل أجنبي في بلاده. وكان الحديث عن الاعداد لتدخل في السودان بدأ على أثر دخول القوات الاميركية والدولية الاخرى مقديشو مطلع هذه السنة. واعتبرت فكرة اقامة مناطق آمنة في جنوب السودان جزءا من هذا الاعداد. الى ذلك تعرضت الحكومة لضغوط شعبية شديدة لاعادة تطبيع العلاقات مع دول الخليج العربي حيث يقدر عدد العاملين السودانيين بنحو ثلاثة ملايين اوقف معظمهم تحويل العملات الصعبة الى اسره في البلد الأم، لأن السياسات المالية للخرطوم مضطربة وغير مجزية للمغترب الذي يحوّل ما يرسله من عملات صعبة الى جنيهات سودانية بالسعر الرسمي الذي يختلف كثيراً عن السعر الحقيقي للجنيه. فالدولار يساوي رسمياً 135 جنيهاً، ويساوي في السوق السوداء 275 جنيهاً! وهو رقم متفاقم ومتغير باستمرار وربما وصل الدولار مع موعد صدور هذا العدد الى 290 - 300 جنيه. صراع داخل الجبهة ويشير مراقبون للوضع في الخرطوم الى ان ثمة صراعاً خفياً بين اجنحة الجبهة الاسلامية سرعان ما ظهر جلياً، بعدما تصاعد التوتر بين السودان ومصر. ويعتقد بعض هؤلاء بأنه على طريق الحسم لمصلحة المعتدلين، وبينهم احمد عبدالرحمن محمد وزير الداخلية ابان حكم نميري والمحامي محمد يوسف محمد رئيس البرلمان الديموقراطي السابق والمحامي عثمان خالد مضوي نائب في البرلمان المنتخب السابق... وآخرون. وهكذا اضطر "الصقور" في الجبهة الى الظهور مظهر المعتدلين وانهم ليسوا بالتشدد الذي يوصفون به. وفي هذا الاطار وافق المحامي علي عثمان محمد طه على قبول منصب وزاري على رغم انه ظل يدير الحكم من وراء الستار منذ الانقلاب قبل اربعة اعوام. وبدأت الاسبوع الماضي محادثات في القاهرة بين وفد مصري وآخر سوداني حرص اعضاؤه على التأكيد ان الدكتور الترابي يدعو الى علاقات راسخة بين البلدين. والمعروف ان مصر تشترط لتحسين هذه العلاقات ابعاد زعيم الجبهة الاسلامية عن دوائر الحكم والقرار. ولاحظ المراقبون انفسهم ان ثمة وجهاً آخر للأزمة في صفوف الجبهة الاسلامية، اذ يبدو ان الدكتور الترابي بات يحتل مكاناً شرفياً بعدما انتزع منه الدور السياسي اليومي والمباشر علي عثمان محمد طه ومجموعة من شباب الجيل الثاني الصاعد. وأشار هؤلاء الى ان مساعدي الترابي يضربون حوله طوقاً يحول دون وصوله الى وسائل الاعلام او دون وصول الصحافة اليه. فهو لا يدلي بتصريحات، كما يقول القريبون منه. وكان بعض اركان "الحرس القديم" في الجبهة بدأ يتحدث منذ مدة عن جيل الشباب الذي يبدي الكثير من الحماسة، فلا يتوقف عند حلول وسط تفرضها السياسة والديبلوماسية احياناً، ما أوحى بأن "الحرس القديم" ضعفت قبضته. لكن قيادات الصف الأول تؤكد انها لا تزال تمسك بزمام القرارات وقادرة على فرض تنفيذها وان واجهت شيئاً من التذمر والاستياء في صفوف المتشددين والشباب. ولاحظ سكان العاصمة السودانية أن قادة التيار المتشدد نجحوا في انتزاع منابر لاسماع صوتهم، ومنهم المحامي محمد طه محمد أحمد يخطب في جامعة الخرطوم، والدكتور حسن مكي يكتب في مجلة "الملتقى" الحكومية. ويذكر في هذا المجال ان محمد طه محمد أحمد اعترض على حل مجلس قيادة "ثورة الانقاذ الوطني"، وهو أمر دعا اليه مرارا الدكتور الترابي. ويلاحظ ان القادة المتشددين من الشباب على صلة وثيقة بزعماء الجناح المتشدد خصوصا "الركائز الثلاث": الدكتور نافع عثمان نافع مدير الامن العام، والدكتور غازي صلاح الدين العتباني وزير الدولة للشؤون السياسية، وعلي عثمان محمد طه وزير التخطيط الاجتماعي. بين الترابي والعسكر وتؤكد مصادر سودانية محايدة ان ثمة صراعاً بين الترابي والعسكر... لكنه ليس بالحجم المتداول، ولم يصل الى حد الطلاق او الانفجار. لكن ذلك لا يخفي فعلاً ان ثمة استياء في اوساط كبار الضباط غير المنتمين الذين ابعد منهم نحو الفين واعدم نحو 50 بتهم الاعداد لمحاولات انقلابية على النظام. اذ لا يخفي هؤلاء حفيظتهم عندما يشاهدون قوات الدفاع الشعبي وهي تتنامى حتى بلغ عديدها من انصار الجبهة الاسلامية نحو 80 الفاً، في حين ان تعداد القوات النظامية يبلغ نحو 180 الفاً. وتعتقد هذه المصادر بأن من الخطأ الرهان على انفراط النظام في صراع بين اركان "ثورة الانقاذ" المدنيين والعسكريين من جهة، وممثلي الجبهة الاسلامية في السلطة من جهة اخرى. ذلك ان الجبهة تمسك بكل مقاليد السلطة الفعلية. ويعرف قادة المعارضة جيداً ان هناك ثلاث ركائز اساسية يقوم عليها النظام الحالي في الخرطوم وتؤمن استمراره هي: 1 - جهاز الامن، ومسؤولياته حماية امن الجيش والشرطة والشارع، اي ضبط هذه المحاور ومراقبتها ومنع اي نشاط معاد للحكومة. ويشرف عليه الدكتور نافع عثمان نافع استاذ في كلية الزراعة وعضو في الجبهة الاسلامية، ويتردد انه تدرب في ايران ولبنان، يعاونه المقدم ابراهيم شمس الدين والعقيد بكري حسن صالح عضو مجلس قيادة "ثورة الانقاذ الوطني". 2 - الجهاز السياسي، وتشمل مهماته تسيير شؤون رئاسة الجمهورية، ورسم علاقات السودان الخارجية، والاشراف على السياسة الاعلامية. ويديره الدكتور غازي صلاح الدين العتباني، وزير الشؤون السياسية في ديوان رئاسة الجمهورية. وهو عضو قيادة الجناح العسكري للجبهة الاسلامية. ومعروف انه قاتل في تموز يوليو 1976 وكان مكلفاً احتلال مقر دائرة الهاتف في قلب الخرطوم، يوم قاد الصادق المهدي والترابي محاولة لاطاحة نظام نميري لم تعمر اكثر من ثلاثة ايام. 3 - الجهاز الاجتماعي ومهمته السعي الى تغيير البنية الاساسية للمجتمع تمهيداً للتطبيق الشامل للشريعة الاسلامية. ويرأسه المحامي علي عثمان محمد طه. واستحدثت له وزارة للتخطيط الاجتماعي بلغت من الاهمية حداً استدعى تعيين وزيري دولة لمساعدته. وبدأ علي عثمان عمله في الوزارة باصدار قرار قضى بفرز الاغنيات في الاذاعة الوطنية لتتماشى مع المفاهيم الاسلامية، وهكذا غاب ثلاثة ارباع مكتبة الاذاعة عن البث. هذه الاجهزة تشكل عملياً السلطة الفعلية الحاكمة في السودان، ويعرف السودانيون المقيمون ان معظم الوزراء غير المنتمين لا يملك سلطة القرار، ولا يشكل سوى واجهة يعمل خلفها بفاعلية وكلاء الوزارات والمديرون وموظفون ادنى رتبة. مثلما يعرف السودانيون المهاجرون ان سفراء كثيرين للسودان في الخارج ليسوا سوى رؤساء بعثات شكليين، في حين ان القرار النهائي في اي بعثة هو في يد احد السكرتيرين او المستشارين، اي في يد ديبلوماسي من الفئة الثانية. ما هي فرص المعارضة؟ واذا كانت المعارضة السودانية في الداخل والخارج تتوقع قرب حدوث التغيير في الخرطوم، ويزعجها ما يتردد عن احتمال بقاء الحكم طويلاً مراهناً على ما يسميه انصاره "يأس الشعب من وجود بديل بعدما جرب عهود الديموقراطية"، ومراهناً على "وجوه من الضعف والتناقض في المواقف وضبابيتها تجعل تماسك احزاب المعارضة هشاً"، فان في بعض الكلام ما يستدعي التوقف عنده، او هو يفرض على اقطاب المعارضة وقفة من النقد الذاتي. ذلك ان "اعلان نيروبي" نيسان/ابريل الماضي الذي توافقت عليه احزاب المعارضة، الشمالية والجنوبية، اقر بطريقة غير مباشرة مبدأ فصل الدين عن الدولة. وعندما سألت "الوسط" السيد المهدي رأيه في الاعلان، حاول اضاعة الجواب، لمعرفته سلفاً ان الانصار في السودان لن يرضوا عن مباركته الاعلان... وكان حزب الامة عمد الى تجميد عضويته في التجمع الوطني الديموقراطي المعارضة حين صدر "اعلان القاهرة" في تشرين الثاني نوفمبر 1992 الذي نص على ان "الدين لله والوطن للجميع". ويفضل الصادق المهدي تكرار دعوته الى مؤتمر قومي دستوري تحضره جميع الاطراف، بما فيها الجبهة الاسلامية والحكم الحالي اذا رغبا في عدم مقاطعته. وهذه الدعوة اثارت اعتراضات المعارضة خصوصاً في القاهرة، لأن صيغة المؤتمر تعطي جبهة الترابي صوتين صوتها وصوت الحكم في مقابل صوت واحد لكل من الامة والاتحادي الديموقراطي، فضلاً عن ان الدعوة تشكل اعترافاً بالنظام. وظل المهدي يتمسك بالدعوة الى "حل سلمي قومي ديموقراطي"، لكنه لم يحدد السبيل الى ذلك، بينما يدعو اقطاب حزبه في الخارج الى تأهيل المعارضة العسكرية لاطاحة الحكم في الخرطوم. اما الحزب الاتحادي، فعلى رغم تشديد قيادته على تماسكه واعتبار ما يحصل في صفوفه من "انشقاق" بأنه ظاهرة صحية سليمة، فان هذه الظاهرة تترك بلا شك آثاراً سلبية في هيكليته، علماً ان بعض انصار الحزب في الداخل يتعاون مع الحكم وبعضهم انضم الى أجهزته... ويذكر ان الحزب لم يعقد مؤتمراً عاماً منذ 1969 ما يترك تساؤلات عن الخطط التي تعتمدها قيادته ومدى تجاوب أوسع قاعدة معها. والحديث عن اهمية المعارضة العسكرية او مدى فاعلية "القيادة الشرعية للقوات المسلحة"، لا يخلو من مبالغة، ذلك ان هذه القيادة تفتقر الى العسكر والجنود. كما ان تمركزها في الخارج، اياً كان عديدها، يضعف فرص التفاف الجبهة الداخلية على أي عملية تنفذها انطلاقا من خارج البلاد، اذ ان ذلك كان سببا رئيسيا وراء فشل محاولة تموز يوليو 1976 التي انطلقت من الاراضي الليبية. ويبقى الشيوعيون والمستقلون فئة ضئيلة، اذا اخذت في الاعتبار نسبة تمثيلهم في البرلمان الديموقراطي السابق الذي حله مجلس قيادة "ثورة الانقاذ". وهم يفتقرون الى دعم مادي. كما ان الحزب الشيوعي يحاول جاهداً اجتياز معركة التجديد والتغيير بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والكتلة الاشتراكية واحزابها في أوروبا الشرقية. ولا شك في ان اوضاع "الحركة الشعبية لتحرير السودان" بقيادة العقيد جون قرنق، ليست هذه الايام احسن مما كانت قبل انقلاب 30 حزيران يونيو 1989. فهي خسرت عسكرياً على جبهة الجنوب، بعد انهيار نظام منغيستو هايلي مريام في اديس ابابا، وتعاني انقسامات وانشقاقات خطرة. ويعتري العلاقة بين قرنق واحزاب الشمال شيء من انعدام الثقة المتبادلة، على رغم كل ما يقال عن ان "اعلان نيروبي" أزال الكثير من التباينات في المواقف. وانعدام الثقة لا يقتصر على قرنق، اذ ان المعارضة العسكرية الشمالية تشكو هي الاخرى من ان الحزبين الكبيرين لا يوفران لها التمويل والتسهيلات اللازمة لتمكينها من تنفيذ انقلاب يطيح البشير. اياً كانت اوضاع الحكم في الخرطوم وأوضاع المعارضة في الداخل والخارج، لا يختلف الطرفان في ان الازمة السياسية والاقتصادية في السودان بلغت ذروتها... فهل تنفجر وكيف ومتى، ام هل تستطيع الجبهة الاسلامية، في ظل عزلة داخلية وخارجية ايجاد مخرج؟ خريطة القوى السياسية المتنافسة على حكم السودان اسم التنظيم عدد أتباعه من متوسط التصويت في انتخابات 53، 85، 56، 68، 1986 الحزب الاتحادي الديموقرطي 000،000،5 حزب الامة القومي 000،000،4 الجبهة الاسلامية القومية 000،170 القوات المسلحة 000،180 رجل الحزب الشيوعي السوداني 000،100 مؤتمر عموم البجة 000،250 الحزب القومي السوداني 000،200 - 000،250 المستقلون 000،2000 - 000،3000 الجيش الشعبي/الحركة الشعبية 30.000، 000،35 مقاتل لتحرير السودان تضاف اليهم جموع القبائل التي تمثلها الفصائل المتصارعة الآن. أحزاب جنوب السودان 1 - حزب الشعب التقدمي 2 - التجمع السياسي 3 - حزب الشعب الفيديرالي 4 - حزب المؤتمر السوداني الافريقي ساك حزب البعث العربي الاشتراكي 000،50 فرع القطر السوداني الحزب الناصري العربي الاشتراكي 000،10 تمثيله النيابي ميلشيات حزبية أسلحة آخر برلمان منتخب 1986 63 نائباً - لا توجد 99 نائباً قبائل موالية للحزب سلّحت أسلحة بيضاء،كلاشينكوف وبنادق وأسلحة خفيفة. 52 نائباً 1 - قوات الدفاع الشعبي جميع انواع الاسلحة 2 - ميليشيا الحزب الموجودة لدى الجيش . 3 - جهاز امن الجبهة السوداني - - اسلحة سوفياتية وصينية وتشيكية عززت بأسلحة ايرانية وعراقية وماليزية. نائبان - - نائب فقط - - 8 - - 5 - - - "جيش شعبي" شاحنات ومدافع ثقيلة و خفيفة وبنادق وصواريخ وألغام أرضية. 2 - - 1 - - 1 - - 1 - - - - - - - - ملاحظات راعيه السيد محمد عثمان الميرغني. وهناك تيار منشق يقوده الامين العام للحزب زين العابدين الهندي. ايد الحزب انقلابي 1958 و1969 وساهم في برلمانيهما. يتزعمه سياسياً ودينياً السيد الصادق المهدي، وهناك بعض الخلافات بين قادته. كان الحزب وراء انقلاب 1958، وعارض انقلاب 1969 ثم صالحه. يقودها حسن الترابي وعلي عثمان محمد طه، وهناك تيار معتدل يمارس ضغوطاً على المتشددين. تملك تمويلاً من مؤسساتها الاقتصادية وتجارها. تدعي ان اتباعها حالياً اكثر من 3 ملايين سوداني! فصل منها اكثر من ألفي ضابط وجندي منذ حزيران يونيو 1989. معظم قادة الاسلحة والفروع من الموالين للجبهة الاسلامية. اتهمت بتدبير ثلاث محاولات انقلاب منذ 1989. لا يمكن التسليم بأنها جيّرت تماماً لمصلحة الجبهة الاسلامية او النظام. يتزعمه محمد ابراهيم نقد، وهناك تيار متشدد ينادي بتغيير اسم الحزب واصلاحه يقوده الخاتم عدلان. لم يتعاف الحزب حتى اليوم من الضربة التي وجهها اليه نظام جعفر نميري عام 1971. يدعو الى العناية بمصالح قبيلة البجة في شرق السودان. يتزعمه الأب فيليب عباس غبوش، ويعنى الحزب بقضايا قبائل النوبة في ولاية كردفان. ليس لهم تنظيم او تنسيق في ما بينهم. جناح رئيسي يقوده جون قرنق 15 - 20 ألف مقاتل. جناح متحد يقوده رياك مشار وأروك تون 5 - 7 آلاف مقاتل. جناح يقوده وليام نيون 3 - 5 آلاف مقاتل. جناح يتزعمه ابناء قبائل الولاية الاستوائية. "انيانيا" - 2: ميلشيا موالية للخرطوم 3 - 5 آلاف مقاتل. لا توجد تنظيمات حزبية منظمة في الجنوب، ولم تجر انتخابات في كل دوائر الجنوب منذ الاستقلال 1956 بسبب تردي الاوضاع الامنية. النفوذ القبلي يلعب دوراً كبيراً في الترشيح والتمثيل النيابي. يتزعمه السيد بدر الدين مدثر والمحامي شوقي هلاسي. وهناك حزب بالاسم نفسه موالٍ لسورية. يحظى بتأييد بعض ضباط الجيش، ونفذ محاولة انقلاب آذار مارس 1990 التي اعدم اثرها 28 ضابطاً. يتزعمه المحامي طه ميرغني احمد. المصادر: - تاريخ الانتخابات في السودان - بنك المعلومات السوداني الخرطوم. - انتخابات وبرلمانات السودان - معهد البحوث والدراسات الاجتماعية الخرطوم. - تقرير لجنة انتخابات 1986 الخرطوم.