أكد السيد محمد حسين فضل الله ان قم في ايران لا تنافس النجف في المرجعية لأن هذه اكبر من وزن تلك. ورأى ان ايران لا تستطيع ان تضغط في مسألة المرجعية لأن هذه المسألة اكبر من الدولة وهي تتصل بالعالم الشيعي. واعتبر ان التوجه في المرجعية بعد وفاة الخوئي اصبح نحو السيد الكلبايكاني، لكنه رأى ان هناك مرجعيات اخرى بأحجام مختلفة. وتوقع ان تتحرك مسألة المرجعيات بعد غياب الكلبايكاني تحركاً اكثر حرارة مما هي الحال الآن. أين اصبح موضوع المرجع الاعلى للطائفة الشيعية؟ - الواقع ان مسألة المرجعية عند الشيعة لا تخضع لاختيار منظم على الطريقة التي ُتختار فيها مراجع الطوائف الدينية الاخرى، وانما تتم من خلال عملية اختيار عضوية طبيعية تنطلق من وجود شخص واكثر يملك امكانات علمية وروحية تقوائية وما يتصل بهذه الامكانات من الشؤون المنفتحة على واقعنا وواقع الطائفة فتختاره هذه الجماعة او تلك من العلماء ليأخذ حجما معينا يبدأ بالامتداد والتعمق، ويتوسع عندما يموت مرجع منافس او متقدم عليه. وربما تحركت المسألة بطريقة واقعية عملية الى ان يبلغ شخص واحد المرجعية العليا فتصبح مرجعيته شاملة الا من بعض الجيوب الصغيرة هنا وهناك من مجموعة يمكن ان تثق بشخص آخر... وربما حدث ان الشيعة يتوزعون في اكثر من مرجعية كما كان يحدث ايام الامام الخوئي رحمه الله. كان يتميز بمرجعية كبيرة جدا لعلها المرجعية الكبرى في العالم الشيعي ولكن كان الى جانبه مرجعية الامام الخميني التي استطاعت ان تتوسع بعد قيام الثورة. والى جانب هاتين المرجعيتين كانت مرجعية السيد الكلبايكاني التي كانت تعيش في حجم معين في ايران وربما في بعض مناطق الهند في شكل محدود. ومن الطبيعي ان الامام الخوئي كان الشخصية البارزة في عالم المرجعية مع الامام الخميني الذي اخذ العنوان الكبير للقيادة الاسلامية الشيعية لكنه لم يصل الى المرجعية، بمعنى التقليد، الى الامام الخوئي. وهكذا امتد الامام الخوئي في مرجعيته حتى بعد وفاة الامام الخميني، وقد رجع الناس اليه في اكثر من ظرف ورجع آخرون الى آخرين. وبعد وفاة الامام الخوئي اصبح التوجه البارز الى السيد الكلبايكاني الذي يمثل الشخص الثالث في هذه الطبقة. واستطاع ان يأخذ حجما كبيرا لكنه لم يحصل على الشمولية التي كان يقترب منها الامام الخوئي. فنحن نرى ان هناك مرجعيات موجودة في الساحة بأحجام مختلفة كمرجعية الشيخ الاراكي الذي رجع اليه بعض الناس في قم لكنه لم يحصل على مرجعية كبرى خارج ايران بل بقيت نظريته داخل ايران وفي شكل محدود باعتبار ان الجمهورية الاسلامية بعد وفاة الخميني توجهت اليه لبعض الاعتبارات. وهناك مرجعية واعدة في النجف الاشرف تتمثل في السيد عبدالاعلى السبزواري الذي استطاع ان يأخذ حجما جيدا في العراق وفي بعض دول المنطقة. وهناك احد تلامذة السيد الخوئي وهو السيد علي السيستاني وقد بدأ يحصل على بعض التأييد. وهناك أسماء عدة مطروحة في قم لكنها لم تستطع ان تأخذ حجما كبيرا. اذ نستطيع ان نقول ان المرجعية الشيعية في هذه المرحلة تتمثل في شخصية بارزة لا تملك الشمولية لكنها تملك امتدادا كبيرا وهو السيد الكلبايكاني. بعد الكلبايكاني هل يمكن لمرجعية أن تصبح اشمل مما هي مع السيد الكلبايكاني؟ - في تصوري ان في مرحلة وجود السيد الكلبايكاني لا مجال لامتداد كبير لمرجعيات اخرى بهذا الحجم، ولكن يمكن بعد عمر طويل ان تتحرك مسألة المرجعيات في شكل اكثر حرارة مما هي الآن. انطلاقا مما تقدم نفهم انكم لا تقولون بوجوب ان تكون المرجعية من اصل عربي؟ - عندما تكون مسألة المرجعية مسألة الكفاءة ومسألة الاجتهاد والوثاقة في التقوى كما هو متعارف عليه، وعندما يشترط اكثر العلماء من ان يكون المرجع الاعلى للتقليد هو الاكثر فقها واجتهادا، فمن الطبيعي ألا تظهر في قومية معينة، خصوصاً أن الظروف الموضوعية ربما لم تشهد من ناحية واقعية ولادة مرجعيات عربية كالسيد محسن الحكيم الذي اخذ بعدا واسعا. كان السيد محمد باقر الصدر مؤهلا لذلك لكن صدام حسين قتله. في الجانب العربي ليست هناك اسماء معينة يستطيع الناس الانفتاح عليها. ايران لا تستطيع الضغط ألا تعتقدون ان بعض الصراع السياسي يمكن ان يؤثر في طرح موضوع المرجعية؟ أتصور ان المرجعية الدينية الشيعية كانت حتى الآن تستعصي على المداخلات السياسية لانها تنطلق من حالة شعبية. ان بعض أجهزة الاستخبارات الدولية او غير الدولية تحاول ان تتدخل، لكن التجربة دلت على ان اية جهة سياسية طرحت مشروعا معينا، كان ذلك المشروع يفقد ثقة الناس. حتى اننا نستطيع ان نؤكد ان ايران دولة لا تستطيع ان تضغط في مسألة المرجعية لان مسألة المرجعية اكبر من الدولة وهي تتصل بالعالم الشيعي. وللعالم الشيعي تقاليده في مسألة المرجعية قد ينتقدها بعض الناس وقد يرضاها بعضهم، ولذلك فإن المسألة لا تتصل بالموقع السياسي. ونحن ننظر بإشفاق الى الحديث عن ان هناك صراعا بين المرجعية العربية والمرجعية الفارسية كعنصر سياسي للمسألة. ربما حدث نوع من التنافس عندما يكون هناك شخصان او اكثر في موقع عربي وفارسي كما يحدث التنافس بين اي شخصيتين تملكان مؤهلات متكافئة. بعضهم يفضل ان تكون المرجعية في النجف لاسباب رئيسية منها ان التقليد والعادة والتعاليم باللغة العربية، وبالتالي يمكن ان يحدث التبديل تأثيرا؟ - اعتقد ان هذا الموضوع لا يتأثر بموقع المرجعية بإعتبار ان الايرانيين يدرسون العربية كما يدرسها العرب ولكن مع ذلك فإن الشيعة بأكملهم يعتبرون النجف المركز الاساسي ولا يرون حتى قم مركزا منافسا. ان مسألة النجف هي مسألة الحكم الذي يعيشه العراق والذي يعمل على اساس تصفية النجف كمركز من خلال اساليبه المتنوعة التي كان يمارسها، ولو ان الواقع تغير في العراق لرأيت ان اكثر الناس الذين هم في قم يهرعون الى النجف لان هناك احساسا بأن القيمة التي يملكها النجف من الناحية الروحية والتاريخية يمكن ان تغني شخصية اي عالم او اي مرجع، وهذا ما لا يمكن ان يمنحه اياه اي موقع آخر. لذلك فإن محور قم كحوزة وكموقع للمرجعية لم ينطلق من وجود خطة سياسية تريد ان تنقل المرجعية من النجف الى قم، بل انما انطلق من خلال طبيعة الظروف. قم كانت حوزة لكنها كانت محدودة وكانت فيها مرجعيات لكنها لم تكن في مستوى حوزة النجف، حتى ان العلماء من خريجي النجف كانوا يشعرون بالثقة العلمية والعمق العلمي في النجف اكثر من العمق الموجود في قم. كان وزن النجف اكبر من وزن قم، حتى في مسألة العمق العلمي ان اكثر اساتذة قم تعلم في النجف.