المهاجرون الجزائريون في فرنسا يخافون، اسوة بنظرائهم من المغرب وتونس، من مشاريع القوانين والقرارات التي تطبخ في باريس تحت رعاية وزير الداخلية شارل باسكوا، سواء تلك المتعلقة بشروط الحصول على الجنسية الفرنسية او شروط الاقامة في فرنسا. ويخشون ان يتحملوا اكثر من غيرهم اوزار الازمة الاقتصادية التي اخرجت اكثر من 3 ملايين عامل فرنسي من وظائفهم. ويمكن ان تمس الاجراءات القانونية والتنظيمية المقترحة، الجالية الجزائرية التي يقدر عددها الآن بحوالي 800 الف نسمة في جوانب عدة. ومن حق الجالية الجزائرية ان تستنكر مثل هذه الاجراءات، لأنها نشأت على اعتبار فرنسا وطناً ثانياً نظراً الى اعتبارات تاريخية معروفة، وهذا الشعور هو الذي يمكن ان يكلف الشباب المهاجر خصوصاً ثمناً باهظاً، اذ سيصبح مثلاً معرضاً لفقدان جنسيته الفرنسية اذا تعرض لمشاكل مع القضاء. وقد يمنع الجزائري عموماً من الزواج من فرنسية، اذا كان محل شبهة لدى رئيس البلدية المعنية! ويمكن ان يتعرض كثير من افراد الجالية الجزائرية للطرد بحجة ان وجودهم في فرنسا يشكل تهديداً للأمن العام! لكل هذه الاعتبارات يسود الاعتقاد ان الجالية الجزائرية في فرنسا ستدفع اكثر من غيرها ثمن الاجراءات الجديدة سواء في جوانبها القانونية او الامنية او الاجتماعية. ويرافق هذا الاعتقاد شعور بالحيف بحكم قدم الجالية الجزائرية وما قدمته الى البلد المضيف من خدمات جليلة. تاريخ الهجرة فالهجرة الجزائرية الى فرنسا ارتبطت منذ بدايتها بالمشاركة بالدفاع عن فرنسا اثناء الحروب التي خاضتها منذ العام 1870، وبتعويض العمال الفرنسيين المجندين في مختلف الاعمال ذات العلاقة المباشرة او غير المباشرة بادارة الحرب. فالمهاجرون الاوائل نزحوا اثناء الحرب الفرنسية - الألمانية عام 1870 ومنهم من هُجّر رغماً عنه. والملاحظ في هذا الصدد ان امواج الهجرة تتزايد تزايداً ملحوظاً اثناء الحروب وبعدها. في سنة 1912 اجرت مصالح ادارة الاحتلال اول تحقيق عن العمال المهاجرين، كشف جملة من الحقائق منها: 1 - ان عددهم يزيد قليلاً على 5000 عامل. 2 - انهم يعملون اساساً في قطاع المناجم والتعدين ومصانع الصابون والمصافي ومعامل السكر وورشات البناء والنقل ومصانع اخرى. 3 - ان تجمعاتهم كانت في ضواحي مرسيليا وباريس وبادوكلي في الشمال. وكشف اول تحقيق ارتياح ارباب العمل الى مستخدميهم من الجزائريين، حتى ان اللجنة التي اعدت هذا التحقيق اوصت بتشجيع الهجرة في المستقبل، لأنها تشكل يداً عاملة احتياطية "يمكن استخدامها لكسر الاضرابات العمالية وسد حاجات الصناعة الفرنسية خصوصاً". وفي اثناء الحرب العالمية الأولى 1914 - 1918، خصوصاً منذ 1916 تولت السلطات الفرنسية الاشراف على تنظيم الهجرة، فأنشأت "مصلحة عمال المستعمرات" تحت الاشراف المباشر لوزارة الحربية. وفضلاً عن التجنيد الاجباري الذي شمل 17000 شاب جزائري، استطاعت هذه المصلحة ان تهجر 35000 عامل سنة 1917 و24000 عامل سنة 1918 وجّهوا نحو التجهيزات العسكرية وبناء الخنادق ومصانع الذخيرة، اضافة الى المناجم والمصانع الاخرى. وتواصلت امواج الهجرة من الجزائر الى فرنسا اثر الحرب العالمية الأولى، وظهرت بوادر الاستقرار اذ تسجل الاحصاءات ان الذين فضلوا الاستقرار في فرنسا بلغ عددهم: 18000 لسنة 1922 و21500 لسنة 1923 واستمرت هذه الظاهرة على النمط نفسه باستثناء السنين العجاف مثل 1929 و1930، الى يوم اندلاع الحرب العالمية الثانية. لكن الباحثين يسجلون ان فترة الاستقرار كانت قصيرة نسبياً، وان الغالبية الساحقة كانت من الشباب الذي تزيد نسبته عن 80 في المئة. وتواصلت امواج الهجرة الجزائرية الى فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية، وبلغ عددها سنة 1954، سنة اندلاع حركة الحرير المسلحة بقيادة جبهة التحرير الوطني 213419 نسمة. وكانت بهذا الحجم تشكل 12 في المئة من مجموع الاجانب العاملين في فرنسا وتحتل المرتبة الرابعة من حيث الاهمية بعد الايطاليين والاسبان والبرتغاليين. والملاحظ ان سنوات حرب التحرير غذت امواج الهجرة اكثر مما كسرتها، بدليل ان عدد المهاجرين بلغ عشية استقلال الجزائر سنة 1962 نحو 425000 نسمة. وتطبيقاً لاتفاقات ايفيان، ابرم أول اتفاق ينظم حركة الهجرة بين حكومة الجزائر المستقلة والحكومة الفرنسية في 10/4/1964، وأصبحت بموجبه حركة الهجرة الى الشمال تخضع لنظام الحصص، بعدما عرفت غداة الاستقلال تطوراً سريعاً جعل عدد المهاجرين يقفز الى اكثر من 500 الف في اقل من سنتين. لكن هذا الاتفاق كسر موجة الهجرة الى حد كبير، فلم يهاجر سنة 1965 اكثر من 2000 عامل، وسنة 1966 اكثر من 3000 عامل. لكن هذه الحركة عاودت انتعاشها بدءاً من سنة 1967 التي شهدت هجرة 15000 جزائري، لتقفز مجدداً في السنة التالية الى 32000 مهاجر. وأمام هذا الانتعاش المضطرد في حركة الهجرة الى فرنسا، ابرمت الجزائروباريس اتفاقاً ثانياً في 17/12/1968 يحدد حصة 35 الف مهاجر في السنة على مدى ثلاث سنوات. 1971 : نهاية العلاقة الخاصة ويعتبر هذا الاتفاق آخر ما وقّعه الطرفان في موضوع الهجرة، فقد عرفت بداية 1971، وعد مراجعة الاتفاق السابق، اجراء ثورياً خطيراً في الجزائر، يتمثل في تأميم البترول والغاز انتاجاً وتوزيعاً وتسويقاً. وقد وضع هذا القرار، الذي اتخذه الرئيس الراحل هواري بومدين في ذكرى تأسيس نقابة العمال الجزائريين يوم 24 شباط فبراير 1971، العلاقات الجزائرية - الفرنسية في موقف حرج جعل الرئيس جورج بومبيدو يصرح بأن العلاقات الخاصة بين البلدين فقدت طابعها المميز. وكانت لهذا القرار الجزائري آثار سلبية على مستويين: - تعثر عملية التفاوض من اجل الوصول الى اتفاق جديد ينظم الهجرة. - تحول هذا التعثر الى قطيعة، بعدما تصاعدت اعمال العنف ضد الجالية الجزائرية، الامر الذي دفع الجانب الجزائري سنة 1973 الى وقف حركة الهجرة نهائياً. وفي 1974 قررت حكومة فاليري جيسكار ديستان ان تحذو حذو الحكومة الجزائرية، وكان تعداد الجالية الجزائرية قد بلغ حينئذ 871223 نسمة. وحسب آخر التقديرات فان تعداد الجزائريين في فرنسا الآن تقلص الى حوالي 800 الف نسمة، وتسجل الدراسات التي اجريت ان نسبة العنصر النسوي بدأت تتزايد بفعل سياسة لم الشمل العائلي، وذلك منذ 1974 - 1975 فنسبة النساء المهاجرات في الفترة ما بين 1975 و1982 مثلاً بلغت عشرة اضعاف نسبة الرجال المهاجرين. ومن الملاحظات المسجلة في السياق نفسه: 1 - تحول الهجرة من 1975 الى هجرة دائمة. 2 - تزايد نسبة النساء العاملات تزايداً ملحوظاً. 3 - تراجع نسبة النمو الديموغرافي واقترابها من النسب الاوروبية. 4 - ان الجالية الجزائرية تعاني ازمة سكن حادة اذ يقيم 61 في المئة منها في مساكن مكتظة. ويبقى السؤال المهم الذي يطرح نفسه في هذا الصدد هو: ما مدى تهديد البطالة فرص عمل الجالية الجزائرية في فرنسا؟ تؤكد دراسات مكتب العمل العربي في هذا السياق استناداً الى دراسات فرنسية الآتي: أ - استمرار "الخصوصية" في العمل، اي ليس من السهل ان يحل عمال فرنسيون محل الاجانب في بعض الاعمال. ويقول فرنسوا دوبي في هذا المجال: "لا تزال هناك حاجة واضحة الى يد عاملة رخيصة وسهلة التنقل". ب - ان نسبة البطالة في صفوف المهاجرين تكاد تكون مستقرة منذ 1985 وقدرت سنة 1987 بپ11 في المئة. ج - توجه اليد العاملة المهاجرة الى المؤسسة الصغيرة والمتوسطة. د - الهجرة المغاربية عموماً لا تزال مطلوبة لعدم تخصصها، وهي مرتبة في اسفل درجات سلم العمل لئلا تنافس العمال الفرنسيين.