عنف العصر يبلغ الاطفال ويثير قلق الأهل. فكثيراً ما يعود طفلهم من المدرسة بخدوش في وجهه وجسمه، او جروح احياناً. ولا تتدخل الشرطة في معظم البلدان في شجار الطلبة والتلامذة، وتترك المسؤولية للمدرسة والاهل. واذا كانت الاولى مسؤولة عن ممارسة سلطتها وحماية تلاميذها احدهم من الآخر في مبانيها وملاعبها، فانها قد ترفض، عن حق، تحمل مسؤولية اعتداء بعض التلامذة على غيره خارج حرمها. ويحار الاهل في طريقة التصرف ويفضلون تحذيراً شرطياً للولد المعتدي لكي يدرك انه اخطأ وأن القانون يعاقب المعتدي ويحمي الضحية. لكن كلا منهم يلجأ الى الحلّ الذي يراه ملائماً مع غياب القانون في هذا الشأن. معظم الاهل يفضلون ان يكون طفلهم في طرف الدفاع لا الهجوم، لكنهم يفقدون اعصابهم عندما يعود هذا دامياً متوجعاً بعد اعتداء ولد او شلّة عليه. فهم يخافون ان يصبح طفلهم "مكسر عصا" للآخرين سواء ردّ عليهم أم أحجم عن ذلك، ويتساءلون ما اذا كانوا اتخذوا القرار الصحيح عندما شجعوه على المسالمة. ويميل كثيرون الى تشجيع الطفل على الرد على الهجوم بالرفس وشد الشعر والضرب، ويوجسون خيفة من عواقب الامر لأن الطفل قد لا يخبرهم كل التفاصيل حرصاً على كرامته، ولأن الدفاع قد يوسّع إطار المعركة ويجلب المزيد من الضرر. طفل عربي في مدرسة فرنسية في لندن تعرض للضرب اكثر من مرة على يد رفيق له، وكلاهما في الثامنة. بقي الوالد يشجع ابنه على الدفاع عن نفسه بلا طائل حتى هدّد الصبي المعتدي "كسر عنقه" اذا لم يرعوِ. وأرسل رسالة الى اهل الأخير يشكو لهم الامر، فأنّب هؤلاء ابنهم الذي تحول صديقاً جيداً لعدوه السابق. المشاكل لا تنتهي دائماً بهذا الشكل، فقد يقبل المعتدى عليه لعب دور الضحية ليخفف الضرب الذي يتعرض له من رفاقه والتأنيب الذي يلقاه من الاهل. وتقول سيدة بريطانية ان زمرة من مدرسة ابنها اعتدت عليه بالضرب والرفس في الشارع فشكت للشرطة التي قالت انها لا تتدخل في اعتداءات كهذه، ولا يحق لها ان تعاقب المعتدي الا اذا حدثت جريمة. وتسخر السيدة في مرارة من القانون الذي لا يتدخل ليحمي بل ليعاقب من حوّل طفل الآخرين جثة، وتذكر ان شرطياً محلياً قال لها كأنه ينصحها خفية: "في أيامنا كنا نردّ على الضرب بالضرب". بعد الحادثة صار الطفل يتعلم الكاراتيه بانتظام، وهي من فنون الدفاع لا الهجوم كالجودو وبات أكثر ثقة بنفسه وبقوته. تكثر اعتداءات عصابات التلامذة على رفاقهم، وتبلغ حد القتل احياناً في الغرب. واللافت في جرائم القتل انها تتم بدم بارد وتنظيم جماعي بحيث لا يمكن اتهام طفل او مراهق بعينه انه هو القاتل. ولا يكفي عنف العصر المستشري وحساسية المراهقة سببان يفسران تحول مجموعة من الاطفال فرقة اعدام، علماً انهما عاملان أساسيان. فالصغار، كما الكبار، ينقسمون قواداً ومُقادين، جلادين وضحايا. وثمة علماء نفس واجتماع أشاروا الى عائلات ترث الاجرام من جيل الى جيل، لكنهم لم يؤكدوا وجود عامل جسدي وإن شكوا في وجوده. ويلفت آخرون الى تأثير البيئة الهائل فوراثة الفقر والجهل والعنف في البيت نفسه تخلق اجواء مشابهة فتنمو شخصية الافراد متشابهة الى حد كبير. ويبرهن الاطفال بمزاجيتهم الشديدة القابلية للايحاء انهم اعداء لا يرحمون او يتراجعون بسهولة، وان كانوا يسترجعون هشاشة عمرهم بسرعة عند مواجهة العقاب او التفكير به. ومن الدراسات التي أجريت حول اعتداءات الاطفال على أترابهم واحدة تقول ان المعتدي الذي يبلغ الثالثة عشرة معرض أكثر من غيره بأربعة اضعاف للخروج عن القانون عندما يبلغ الواحدة والعشرين، الا اذا كبح جماحه قبل هذا السن. دراسات أخرى تتحدث عن أثر الاعتداء على الضحية. فهو قد يتعلم بعده ان الكلمة للقوة وان المرء يستطيع ان يفعل ما يريده ما دام أقوى من غيره. لكن الدخول في دوامة العنف يذهب بالتمييز بين المعتدي والمعتدى عليه، ولا ينفع مع القانون القول ان البادئ أظلم. ولحسن حظ الطفل البريطاني ان المسؤولين في المدرسة جابهوا المشكلة على رغم ان الاعتداء وقع خارج حرمها. فهم استدعوا المعتدين وأهلهم وأوضحوا انهم لا يسمحون لتلامذتهم بالقيام بعمل عنف كهذا وانه لا يمرّ من دون عقاب. وعرف الطفل بهذه الطريقة ان ثمة من يدافع عمن يتعرضون للاعتداء وانه لم يترك وحده في مجتمع غير مبالٍ. وفي نيويورك تستخدم احدى وعشرون مدرسة كاشفاً للأسلحة لنزعها من الاطفال الذين يحملونها. اطفال كثر يقتلون رفاقاً لهم بأسلحة أهلهم، ويسمّي الاميركيون عطلة الصيف "موسم القتل"، ففيها يلزم الاطفال البيت ويبحثون عن تسلية جديدة فيلعبون بمسدسات آبائهم مع رفاقهم ويقتلونهم خطأ او يأخذون المسدس معهم الى المدرسة لتخويف التلامذة الذين يعتدون عليهم بالضرب. ذكر مدرّس في برونكس نيويورك، انه اخذ مسدساً ظنه لعبة من اطفال في الخامسة واذا به حقيقي ومحشو. في ديترويت قتل مراهق ولداً من مدرسة لكي يأخذ سترته الجلد. في النصف الثاني من الثمانينات قتل 71 تلميذ ومدرس في اميركا برصاص مراهقين وأطفال. وفي نيوجرسي احتجز ولد في الرابعة عشرة من عمره مدرسته ورفاق صفه بعدما اشترى مسدساً من بائع في الطريق وعلب مرطبات. وقال بعد اعتقاله وتحرير الرهائن انه كان تعيساً وتأثر برواية "الغضب" لستيفن كينغ فقلّد بطلها الذي احتجز صفاً وقتل معلمته. يبرأ الاطفال قاتلي رفاقهم في اميركا وتعتبر جريمتهم حادثاً فتترك شعوراً كبيراً بالمرارة لدى اهل الضحية وتعرّض القاتل لسخرية رفاقه ونبذهم. وقد يدفع الخوف والاهانة او الشجار حول فتاة، المراهقين الى التسلح استعداداً للطوارئ. ويعرف كل من اشتبك مع رفيق له في مدرسته او خارجها ان خصمه سيترصده مسلحاً بمسدس ومجموعة من اصدقائه، فيأخذ مسدس والده أو يشتري واحداً من الباعة الجوالين ب 25 أو 35 دولاراً. ويحمل نحو 135 الف طفل اميركي المسدس يومياً في المدرسة، وهناك 270 الفاً أقل "انضباطاً" من الأولين اذ يحملونه مرة واحدة على الاقل. من هؤلاء طفل في الثالثة وجد مسدساً في السيارة التي أوصلته الى مدرسته فأخذه معه الى الحضانة!