البحرين هي الدولة الخليجية الاقل اعتماداً على النفط لتطوير اقتصادها بالمقارنة مع دول مجلس التعاون الاخرى، مثل السعودية والكويت والامارات وقطر وسلطنة عمان التي تشكل العائدات النفطية المصدر الاهم، لا بل شبه الوحيد للايرادات الحكومية فيها. ومع ذلك فقد اظهرت الاحصاءات التي انجزت حديثاً، ان البحرين واصلت تحقيق نمو اقتصادي مقبول، بلغ في العام الماضي ما نسبته 3.5 في المئة، مقارنة ب5.4 في المئة في العام 1991. و8.9 قبل ثلاث سنوات. ومن المتوقع ان يرتفع هذا العام الى 5 في المئة كحد أدنى. وترتبط هذه التوقعات المتفائلة بمجموعة اعتبارات موضوعية، ابرزها ان البحرين استطاعت تجاوز الانعكاسات السلبية التي خلفتها حرب الخليج طوال الاعوام الثلاثة الماضية، تماماً كما تجاوزت قبلها الآثار التي افرزتها الحرب الايرانية - العراقية طوال عقد الثمانينات، فحافظت على موقعها كأهم سوق مالية ومصرفية في منطقة الخليج والشرق الاوسط، حتى اصبحت واحدة من اهم خمسة اسواق مالية عالمية. كذلك، استقطبت البحرين المزيد من الحركة السياحية، خصوصاً سياحة رجال الاعمال، والافواج السياحية من الدول الخليجية الاخرى، ومن السعويدة بالدرجة الاولى. وقد تجاوز عدد السياح الى المواطنين نسبة 3 سياح لكل مواطن، وهي نسبة كبيرة جداً لم تستطع دول سياحية عريقة مثل ايطاليا واسبانيا واليونان تحقيقها. ونجحت المنامة في الافادة من موقعها الجغرافي في قلب الخليج العربي، احد اغنى المناطق في العالم، كما نجحت في تطوير تشريعاتها المالية والمصرفية للحلول مكان بيروت التي كانت حتى منتصف السبعينات، السوق المالية الاولى في الشرق الاوسط، و "مصرف العالم العربي"، ثم خسرت صدارتها بفعل الاوضاع الامنية التي شهدتها وهروب الشركات والرساميل الى عواصم اخرى في المنطقة بحثاً عن الاغراءات التي كانت توفرها العاصمة اللبنانية. وهكذا اجتذبت المنامة بفعل الانفتاح الذي نعمت به، ونظام الخدمات الميسرة الذي وفرته والتشريعات الحديثة التي اقرتها، الكثير، ليس فقط من الشركات، وانما ايضاً الكثير من الرساميل، لتصبح المركز المالي والمصرفي الاول في الشرق الاوسط في مقابل صعود دبي الى مركز الصدارة في التجارة الاقليمية. وتعتمد البحرين على امكان تحسن عائداتها النفطية على محدوديتها، وارتفاع قيمة العائدات النفطية من 710 ملايين دولار في نهاية العام الماضي الى ما يزيد على 850 مليون دولار، نتيجة استقرار الاسعار العالمية للنفط من جهة، وتحسن حصتها من حقل "ابو صفح" الذي تشترك فيه مع السعودية، من 70 الى 100 الف برميل يومياً، اضافة الى تحسن انتاج الحقول الاخرى التي تقدر بحوالى 45 الف برميل في اليوم. الا ان الاعتماد سيكون بصورة اساسية على المشاريع الصناعية الجديدة التي ستنشأ الى جانب المشروع الرئيسي لزيادة انتاج "شركة المنيوم البحرين" البا التي رفعت انتاجها الى 460 الف طن سنوياً. ويقدر ان تستوعب المشاريع التي سترتبط بتوسع "البا" حوالي 15 الف شخص، اضافة الى توظيف ما يزيد على 4 مليارات دولار استثمارات جديدة في صناعات متنوعة. وتتجه البحرين اكثر فأكثر الى توسيع قاعدتها الصناعية من خلال التركيز على مشاريع تكرير النفط، الصناعة البتروكيماوية وصناعات الحديد والصلب. وتترافق هذه الخطط الاقتصادية مع خطط اخرى لزيادة اهمية قطاعات الخدمات العامة، اذ ينتظر ان تباشر الحكومة البحرينية بناء ميناء جديد للحاويات، اضافة الى بناء جسر ثان بين المحرق والمنامة لتسهيل دخول المزيد من ابناء الدول الخليجية الاخرى، كما تخطط الحكومة لتحسين كفاءة شبكات المياه والكهرباء والاتصالات لتلبية الطلب المتزايد عليها في السنوات السبع المقبلة. وفي العام الماضي، اقرت البحرين نظاماً جديداً للاستثمار يتضمن توفير المزيد من الحوافز لجذب الاستثمارات من الخارج، ومن الدول الخليجية بصورة خاصة، ويسمح لغير المواطنين البحرينيين بحق التملك بصورة كاملة للمشاريع التي يؤسسونها، على خلاف ما هو عليه الوضع في الدول الخليجية الاخرى التي تفرض نسبة الغالبية في الشركات والاستثمارات التي يساهم فيها اجانب، لصالح اشخاص او شركات محلية. وفي اطار السعي لتشجيع الصناعات المتوسطة والصغيرة، باشرت حكومة البحرين تطبيق نظام يوفر المزيد من التسهيلات والقروض الميسرة، وحتى الاعفاءات للمشاريع الجديدة، وتشجيعها على زيادة نسبة اعتمادها على العمالة الوطنية لتقليص الاتكال على العمالة المستوردة من الخارج. وينظر الى التركيز على تنشيط القدرات البحرينية على الاصعدة المالية والصناعية والخدماتية على انه استمرار للاستراتيجية الاقتصادية التي بدأ تطبيقها اعتباراً من السبعينات، وادت الى تحقيق مكاسب كبيرة لهذا البلد، عوضت الى حد بعيد غياب الاحتياطات النفطية الكبيرة المتوافرة في دول خليجية اخرى. في العام 1992، سجلت القطاعات غير النفطية في البحرين نمواً مرتفعاً بلغت نسبته 8 في المئة في قطاعات الخدمات المالية والعقارية، في مقابل 12.9 في المئة في العام الذي سبقه، كما حققت قطاعات النقل والاتصالات نمواً بنسبة 10 في المئة، والقطاع الحكومي 15 في المئة. وتنوي الحكومة البحرينية متابعة التوسع في الانفاق العام الذي بلغ هذا العام 643 مليون دينار بحريني 1.703 مليار دولار اميركي، في مقابل 629 مليون دينار 1.667 مليار دولار العام الماضي، في حين ان الزيادة المتوقعة في الواردات قد تصل نسبتها الى 16.4 في المئة. ويقدر العجز في الموازنة المالية للعام الجاري ب63 مليون دينار بحريني 167 مليون دينار الا ان استئناف تقديم المساعدات التي كانت تحصل عليها البحرين من دول خليجية اخرى، مثل السعودية والكويت، بقيمة 100 مليون دولار مناصفة بين الدولتين، من شأنه ان يغطي العجز الحاصل. اضافة الى ان حكومة المنامة لجأت في السنوات الماضية الى توفير احتياجاتها المالية من خلال اصدار سندات خزينة داخلية غطت 95 في المئة من العجز الحاصل. صحيح ان معدلات النمو في العام 1992 حققت تراجعاً عما كانت بلغته في عامي 1991 و1992، الا ان التقديرات المختلفة تجمع على ان هذا النمو صار اكثر ثباتاً مع تواصل الانتعاش الاقتصادي الذي تحققه البلاد منذ اربع سنوات، ودخول خطط التوسع الصناعي مرحلة الانتاج.