سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    مترو الرياض    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ندوة "الوسط" في القاهرة حول السؤال الكبير: لماذا يتطرفون في مصر؟ . عمر عبدالرحمن لا يفهم في السياسة فكيف يقولون عنه انه خميني مصر ؟ الجماعات المتطرفة خرجت من عباءة الاخوان المسلمين 2
نشر في الحياة يوم 10 - 05 - 1993

هذه هي الحلقة الثانية من الندوة الخاصة التي عقدتها "الوسط" في مكتبها في القاهرة حول لجوء الجماعات الاسلامية المتطرفة الى العنف. وجرى النقاش في هذه الندوة على اساس مجموعة اسئلة: لماذا يتطرفون في مصر؟ وكيف يمكن وقف مسلسل العنف الدامي بين الجماعات الاسلامية المتطرفة والنظام في مصر؟ وما هي العوامل الرئيسية، الداخلية والخارجية، التي تساهم في دفع جماعات اسلامية الى استخدام اساليب العنف وعمليات الاغتيال في مواجهتها مع النظام ومؤسسات الدولة ورموزها؟ هذه الاسئلة كانت محور الندوة التي ادارها عمرو عبدالسميع وشارك فيها خمسة خبراء ومفكرين بارزين مهتمين بظاهرة التطرف ومعنيين بها. والخمسة هم:
* الدكتور علي الدين هلال، رئيس قسم العلوم السياسية في كلية الاقتصاد في جامعة القاهرة ومدير مركز البحوث والدراسات السياسية التابع للجامعة نفسها.
* الدكتور عصام العريان، ممثل الاخوان المسلمين في مجلس الشعب المصري من 1987 الى 1990، وهو عضو في مجلس نقابة الاطباء المصرية وله كتابات في مجال الدعوة الاسلامية.
* الدكتور مصطفى السعيد، وزير الاقتصاد المصري السابق وعضو مجلس الشعب وعضو اللجنة الاقتصادية في الحزب الوطني الحاكم.
* محمد عمارة، كاتب ومفكر اسلامي بارز، له مؤلفات وأبحاث عدة.
* هالة مصطفى، خبيرة في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في "الاهرام"، وصدر لها اخيراً كتاب بعنوان: "الاسلام السياسي في مصر، من حركة الاصلاح الى حركة العنف".
وفي ما يأتي الحلقة الثانية من الندوة:
"الوسط": هل هناك، ام لا، علاقات او تنسيق ما بين الجماعات الاسلامية المتطرفة التي تستخدم العنف في عدد من الدول العربية، خصوصاً اننا نسمع عن تنسيق بين مصر والجزائر وتونس لمواجهة تيارات العنف هذه؟
- محمد عمارة: اريد ان أمهد لوجهة نظري في هذه القضية ببعض المقدمات. المقدمة الاولى هي موقفي انا شخصياً من تيار العنف او تيار الغلو كما اسميه، يعني قد اكون انا من اوائل الناس الذين كتبوا ضد هذا التوجه، وهو الغلو في الحركة الاسلامية، وأنا اول من كتب نقداً لكتاب سيد قطب "معالم في الطريق"، وأول من كتب كتاباً ضد توجه جماعة الجهاد وآخر ما كتبت في هذا الاتجاه دراسة "من ظاهرة الخلل في الحركات الاسلامية المعاصرة"، وأهمية هذه المقدمة انه بودي ان يكون الطرح الذي اطرحه لوناً من النصيحة المخلصة من موقع الود لولاة الامور حتى لو لم تكن بيني وبينهم صلة. المقدمة الثانية هي رأيي في حجم هذه الظاهرة، وفي تقديري ان هناك مبالغة كبيرة في هذا الحجم وهي مبالغة اعلامية. فظاهرة الغلو والعنف موجودة، وليس فقط في مصر والجزائر وتونس ولها ظروفها التي سأشير الى اسبابها. اعتقد اننا امام مخطط اعلامي قد لا يكون بدأ محلياً لتصعيد وتضخيم هذه الظاهرة. السبب الاول هو التمهيد لمواجهة الظاهرة الاسلامية ككل، خصوصاً بعد احداث الجزائر كي لا يكون هناك تغيير يجعل المشروع الاسلامي هو المشروع الذي يحكم، والسبب الثاني في التضخيم الاعلامي هو محاولة الاساءة الى الظاهرة الاسلامية ككل وتشويهها. وعندما نقارن بين حجم ما يكتب عن شخص مثل الشيخ عمر عبدالرحمن وما يكتب عن علماء الاسلام الذين يجددون ويجتهدون والذين لهم جماهير بعشرات الملايين في العالم الاسلامي، ندرك اننا امام مخطط مدروس. وسأضرب لكم مثلاً واحداً: احدى الصحف الصادرة في مصر اجرت حواراً مع عمر عبدالرحمن في اميركا واعطتني الحديث كي اقول رأيي فيه، وعندما قلت كلاماً غير ما يريدونه لم ينشروه، لكنني لفت نظرهم الى قضية ان عمر عبدالرحمن يقول في الحديث نفسه انه لا يفهم في السياسة كثيراً. رجل يقول عن نفسه "انا لا افهم في السياسة" يتم تصويره بأنه "خميني مصر" وانه ذهب الى اميركا كي يعود غازياً كما راح الخميني الى فرنسا. انا اقول نحن امام ظاهرة اعلامية تضخم اشياء، فهذه التيارات من الناحية السياسية فيها سذاجة لا يمكن تصورها، فأي حمق هذا عندما نتصور ان مجموعة "الفنية العسكرية" يمكنها ان تستولي على بنادق من الكلية وتسيطر بها على السلطة في مصر؟ هؤلاء الذين لا يعلمون ان مصر بلد فيه مؤسسات وفيه جيش وأمن مركزي وبوليس.
الذين قتلوا السادات تصوروا ان بعض الشباب سيأتي من اسيوط كي يذلل العقبات امام الاستيلاء على السلطة في القاهرة. مثل هذه السذاجة هناك من يتحدث عنها اليوم على انها قادرة على الاستيلاء على السلطة. اذن نحن نصنع "اكذوبة" ثم نعيش في هذه الاكذوبة. هي موجودة لكن الحجم هو الفارق في هذا الموضوع، وأريد قبل ان نبحث الظاهرة ان نتكلم عن المفاهيم، مثل مفهوم الغلو، والغلو هو اختلال التوازن. فعندما يكون لي موقف وسطي معتدل فان هذا هو الموقف السوي الذي نؤيده جميعاً، وإذا اختل توازن الانسان يميناً او يساراً افراطاً او تفريطاً هنا يكون الموقف المتطرف او الموقف المغالي. وأنا اقول ان هناك ثلاث مقولات هي التي تميز بين تيار الغلو والعنف وبين التيارات المعتدلة.
تيار الغلو الذي يقيم خصاماً بينها وبين المجتمع، ويحكم على هذا المجتمع بالكفر وبالجاهلية يقول ان السبيل الوحيد للتغيير هو العنف، هذه المقولات هي التي تميز تيار او فصيل الغلو والعنف عن الفصائل الاخرى. فمتى ظهرت هذه المقولات لم يعد العنف حركة فردية. فهناك فارق بين ان يكون العنف نشازاً وشذوذاً وتوجهات فردية، وبين ان يكون له نظرية فكرية وايديولوجية. ادعو كل مخلص لدراسة هذه الظاهرة، ان يميز بين تحليلنا العقلاني البارد للظواهر، وبين فكر الشباب. يعني كل منا في المرحلة الشبابية كانت له آراء وأفكار وحمية وحماس تختلف عن الانسان عندما يصل الى مراحل النضج، وهذه ظاهرة شبابية في مجتمعات لها لون معين. لماذا تنتشر هذه الظاهرة في الصعيد اكثر منها في البيئات الاخرى، حتى في القاهرة في ما يسمى بدوائر الاسكان العشوائية وأطراف المدن؟ لماذا كثير من هؤلاء الشباب في مرحلة الحماس الشبابي يبقى في الجهاد، لكن عندما يكبر ويتخرج ويتزوج وينجب، يمكن ان ينضم الى الاخوان المسلمين ويصبح معتدلاً؟ الظاهرة لها جذور في مجتمعات معينة، ولها اتصال بمرحلة عمرية معينة، وادعوكم الى ان تتصوروا شاباً ينظر الى واقع هذه الامة التي تمثل نحو ربع البشرية او فيها وطن يمتلك امكانات هائلة وفيها اطول انهار الدنيا وأقدم فلاح في التاريخ وأرض دولة واحدة مثل السودان تعمل سلة غذاء للعالم الثالث او للعالم الاسلامي لكنها تتسول غذاءها، وما يحدث في البوسنة والهرسك وفي بورما وفي الهند وفي الصومال، وفي كل هذه البلاد، بالطبع انا لا استطيع ان اقول له انك انت المسؤول ولا ان جماهير الامة هي المسؤولة عن هذا الواقع المتردي الذي تعيش فيه هذه الامة.
اما السبب الثاني، وأنا اريد ان اكون صريحاً معكم، انا ليس عندي مشكلة في افخر انواع السيارات لكن عندي مشكلة في الاتوبيس العام. ليست عندي مشكلة في المساكن الشعبية، وأنا اعرف كثيرين من اصدقائي يخجلون ان يأخذ الواحد منهم اسرته الى دار السينما. من هم النجوم في المجتمعات التي نعيش فيها، انا اقول نحن امام استفزاز بالمعايير السائدة في مصر...
* لكن ألا ينبغي التساؤل عن كيفية تحول المساجد الى مخازن للسلاح والذخيرة؟
- محمد عمارة: وأنا ايضاً ادعوكم الى دراسة قام بها باحث اجتماعي على مدى عشرين سنة حول عدد من قضايا الشباب التي قدمت للقضاء، وقارن بين ما قيل في الاعلام عنها وبين ما قالت النيابة، وبين ما قالته حيثيات الحكم في القضاء. وستجدون اننا امام مشكلة كبيرة. انا اقول هذا من موقع انني من اوائل الذين وقفوا ولا زلت ضد ظاهرة العنف. لكن هذه حقائق. هناك تضخيم في هذه المسألة. وأريد ان اضيف ان كتابات تصدر في مصر تستفز عقيدة المسلم. نحن في مصر من نِعَم الله علينا عندنا مساحة من حرية التعبير، ويمكن للانسان العادي ان ينتقد رئيس الجمهورية. فلنر مثلاً ماذا قال عبود الزمر. قال: "التغيير من خلال المؤسسات الشرعية اكذوبة". وأقول ان الرخص تعطى لأحزاب ولأيديولوجيات لا وجود لها في المجتمع، فعندنا الاحزاب عبارة عن خرابات حقيقية، كل حزب يمثل خرابة، فكيف اعطي للماركسية شرعية في بلد مسلم ولا اعطى شرعية لحزب اسلامي كالاخوان المسلمين؟
انا اقول مطلوب منا ان ندعو الى تغيير في ارض الواقع والى تغيير في الفكر، بالطبع مجتمعنا ليس فيه فقط هذه السلبيات انما هم يقرأون السلبيات في ضوء نصوص قديمة. نحن نريد ان نغير السلبيات ونريد ان نستدعي فكر الاستنارة والعقلانية والتجديد والاجتهاد والاحياء في تراثنا ونقدمه. وأنا اقترحت على مؤسسات رسمية في مصر وقلت لهم انكم تشكون من ان فكر الغلو هو فكر جماعات الجمود والتقليد، فلماذا لا تنشرون فكر الاجتهاد؟
عباءة الاخوان المسلمين
* استاذة هالة، شاع ايضاً في مواجهة الغلو والتطرف والحركات العنيفة فكرة الحوار بين الدولة والمتطرفين، فما تقويمك للحوارات التي جرت بينهما وما آلت اليه من نتائج وما اذا كان هذا الاسلوب يعد اسلوباً ناجحاً في التصدي لظاهرة التطرف؟
- هالة مصطفى: ابدأ اولاً بالتساؤل عن معيار التمييز بين التيارات او الحركات السياسية الاسلامية المختلفة، واعتقد ان ما قاله الدكتور عمارة في النهاية نتيجته الوحيدة ان ما يحدث من عنف من الجماعات هو تمرد جيلي، ولكن ليس هناك اختلاف واضح في القضايا الجوهرية او في الاصول. فلكل منهجه. جماعة الاخوان المسلمين اصبح لها منهج الآن بعد ان تمرست في العمل السياسي فترة طويلة وبعدما تم توجيه ضربات امنية متتالية لها اختارت طريقاً مختلفاً للعمل السياسي او لتحقيق الاهداف. وجماعات العنف لأنهم اكثر شباباً، فهم من جيل مختلف متمرد نشأ في مناخ سياسي واقتصادي واجتماعي مختلف وبالتالي هم يعبرون عن مطالبهم بشكل مختلف. حتى التيارات الفكرية الاسلامية التي ليست لها صلة بالحركة السياسية المباشرة تعبر في النهاية عن الفكر نفسه. عندما استمع الآن الى الدكتور عمارة اعتقدت ان محاكم التفتيش عادت، لأنه قام بمحاكمة حقيقية لكل من يخالفه الافكار، او لكل من يخالف صاحب رأي اسلامي. ليس من حق احد تجريم الاطراف الاخرى، يعني اذا كنا نعيب على السلطة انها تحرم جماعة الاخوان المسلمين من الحصول على حق تشكيل حزب سياسي، فقد سمعت من الدكتور محمد عمارة كلاماً في حق قوى سياسية اخرى يفوق بكثير جداً كلام السلطة عن جماعة الاخوان المسلمين. حين يذكر الدكتور عمارة بعض السلبيات وينسى الوجه الآخر، فكأنه يبرر بعض الاعمال التي تمت على يد الجماعات الاسلامية لضرب السياحة مثلاً. فعندما نقول ان الدولة لا تنفق على المساكن الشعبية وتنفق على الفنادق، هذا كلام فيه تبرير وفيه ايضاً استفزاز. فلا بد ان يوضع في الاعتبار الاقتصاد القومي وما يحققه من عائد.
والحديث عن كتابات معينة يتجاهل الوجه الآخر، وهو الكتب التي تصادر من قبل مجمع البحوث الاسلامية بدعوى انها كفر والحاد وضد الشريعة الاسلامية، كما انه لا يذكر كم جريدة في مصر تصدر لتعبر عن الفكر الاسلامي، وكم دار نشر اسلامية في مصر الآن. وحتى الاعلام الديني في الاذاعة والتلفزيون المملوكة للدولة، وكم عدد المحجبات الذي يتزايد كل يوم. اعتقد ان للفكر الاسلامي وللقوى الاسلامية مظاهر كثيرة جداً تبيحها الدولة والقوى السياسية الاخرى ايضاً ينظر اليها بشكل متسامح اكثر بكثير جداً من نظرة التيار الاسلامي لهذه القوى، والواقع انه في اي حديث عن التيار الاسلامي لا بد من البدء بالتيارات الثلاثة المختلفة وهي الحركة الاصلاحية في البداية ثم حركة الاخوان المسلمين ثم جماعات العنف. وسأترك التيار الفكري غير المنظم وأتكلم عن الحركة الأم اي حركة الاخوان المسلمين التي ولدت متأثرة بأفكار رشيد رضا، آخر رموز الحركة الاصلاحية وبالتالي عبرت عن اتجاه سلفي منذ البداية، ربما ساعد على هذا انها ولدت في عصر انتهاء الخلافة، وبالتالي كان همها الاكبر هو الدفاع عن عودة الخلافة الاسلامية وأهم ما فعلته لا اقول انها شكلت انقطاعاً مع فكر الحركة الاصلاحية، لأنها في جانب منها امتداد ايضاً لها. وحسن البنا كان متأثراً في النهاية برشيد رضا وبمحمد عبده، لكن اهم ما فعلته هو التحول الى حركة سياسية مباشرة. والنقطة الثانية انها كرست مبدأ العنف كأداة من ادوات العمل السياسي للحركة الاسلامية، وهذا لم يكن موجوداً مع الفكر الاصلاحي او مع المدرسة الاصلاحية الاولى، والتساؤل الآن هو اذا كانت جماعة الاخوان المسلمين هي التي حققت هذين الهدفين، فالى اي مدى جماعات العنف الحالية تقترب او تبتعد عن الاخوان المسلمين؟
يقول الدكتور عصام العريان: العنف السياسي في مصر الآن يختلف عن عنف الاربعينات وربما اتسع مجاله اكثر وربما المناخ الموجود اعطاه بعداً اشمل. ربما ايضاً التعامل الطويل مع السلطة ادى في النهاية الى هذه النتيجة. ولكن مبدأ العنف كان من البداية موجوداً عند جماعة الاخوان المسلمين. ونتذكر انه بعد وفاة مرشدها الاول حسن البنا حصلت مشاكل كثيرة جداً لسيطرة الجماعة على الجهاز السري وكانت في بعض الاحيان لا تستطيع السيطرة على هذا الجهاز او اعضائه وفي النهاية حصلت انشقاقات كثيرة.
وهناك حلقة مفقودة بين اختفاء التنظيم السري تماماً وظهور جماعات العنف الحديثة، ولا اقول ان هذه الجماعات هي البديل لكن في النهاية اختفاء النظام الخاص وهذه الحلقة المفقودة في تاريخ الجماعة ادت الى ظهور بديل عنها يمارس الدور نفسه، حتى وان لم يكن له ارتباط عضوي بجماعة الاخوان المسلمين. فهذه الجماعات التي تستخدم العنف في النهاية خارجة من عباءة جماعة الاخوان المسلمين، وتأثرت كثيراً جداً بأفكارها، لكن عبرت عنها بشكل مختلف. فمثلاً اقول ان هذه الجماعات تتأثر بسيد قطب، الذي لم يكن خارجاً على رغم انه عبّر عن تحول داخل المدرسة نفسها. وهناك سؤال آخر هو الى اي مدى تختلف جماعة الاخوان المسلمين في النظر الى القضايا الكبرى؟ اقول في الوسيلة التي يوجد خلاف حولها بالفعل، فالاخوان يؤمنون الآن بالعمل السياسي الاعتدالي من خلال القنوات الشرعية ويحترمونها وهذا معروف، والجماعات الاخرى تحمل السلاح. لكن في القضايا الكبرى مثل قضية عودة الخلافة، هل هناك خلاف، ومثل مفهوم الحكم في الاسلام، يعني لا يمكن الاكتفاء بالقول ان الاخوان المسلمين يقبلون بدخول العملية الديموقراطية وأدواتها، هذا غير كاف لتصوير الحقيقة لأن الديموقراطية في النهاية ليست اختياراً لحظياً، ولا يمكن اختزالها الى فكرة ان الناس تذهب الى صناديق الانتخاب وتنتهي العملية. فالمهم هو الى اي مدى جماعة الاخوان المسلمين، بأفكارها وبمفاهيم الحكم الاسلامي تقترب او تبتعد عن فكرة الديموقراطية في جوهرها كمفهوم نظري وليس فقط في الممارسة. فالمسألة اننا عندما نثير قضية الديموقراطية لا يجب ان نتوقف عند السؤال الخاص الى اي مدى قوة اسلامية بعينها تتقبل العملية الديموقراطية، وانما نريد السؤال الى اي مدى تعبر هذه القوة في النهاية عن مفهوم ديموقراطي في الحكم. اعتقد انه من المهم جداً في هذه المرحلة، اذا كنا نريد ان نبلور المفاهيم واذا كنا نسعى لأن نتعامل بشكل اكثر صراحة، ان يعلن كل منا افكاره الحقيقية في مجال العمل السياسي لأن هذه فترة حساسة ولا تحتمل اكثر من ذلك فمن يطالب بحكم اسلامي، يمكن ان يقول بلا مواربة: نحن نريد حكماً اسلامياً يقوم على المبادئ والاهداف الآتية في مجال الحريات وفي مجال التشريع وفي الدستور، ويقول صراحة انه في مجال التعددية الحزبية نحن نختلف عن الفكر الديموقراطي لأن هذا الفكر يبيح تعدد الاحزاب بمنطق وبمفهوم سياسة مغايرة لما يذهب اليه الفكر الاسلامي. نحن نقول ان القوى الاسلامية قد ترضى بتعدد الاحزاب، ولكن في اطار ان هذه الاحزاب جميعاً تعبر عن الفكر الاسلامي ولكن تختلف في مجالات الوسائل.
هل مصر أفضل من الجزائر؟
- علي الدين هلال: اريد التركيز على بعض النقاط خشية ان يأخذ النقاش مساراً مختلفاً عما نسعى اليه، فمثلاً هناك القضية التي اسماها الدكتور مصطفى السعيد اسباب الظاهرة الاسلامية وكيفية التعامل معها وأسباب نشأتها، وهذه قضية، ويمكن ان نتفق او نختلف حول هذا الموضوع، وقضية ثانية هي لجوء بعض الحركات السياسية، اياً كان المسمى، الى العنف، وهذه قضية ثانية ولا ينبغي الخلط بين هذين الامرين، لأنك اذا خلطت بينهما فانك تبرر العنف في ظروف معينة، وأعني انه اذا اتفقنا او اختلفنا حول الموضوع المتصل بالظاهرة الاسلامية يجب ان نميزه عن الموضوع المتعلق بقضية العنف. هل نقبل ان نبرر في مجتمع ما اياً كانت الاستفزازات او مع الاعتراف بوجود استفزازات استخدام العنف، ثم كيف نتعامل معه؟ وفي الامر الثاني اعتقد بوجود فارق بين النقاش الفكري المحض وبين المناقشة عندما تتعلق بقضية تنظيمية، وأقول ان اضخم كتاب يؤلفه استاذ في مصر يبيع خمسة آلاف او ستة آلاف نسخة، وان الشاب في ديروط لا يشتري الكتب التي تنشر في القاهرة، وانما يوجد تنظيم هو الذي يقوم بتصوير هذا الكتاب. اذن وجود التنظيم هو جوهر القضية، ويمكن ان اتفق مع الدكتور محمد عمارة في ان هذا الكلام الذي ذكره فيه تجاوز، وفيه اساءة ويمكن ان نناقش حالة حالة، لكنني لا اقبل ان مجرد نشره يؤدي الى تطرف. فلا اعتقد ان هذه الرابطة اوتوماتيكياً صحيحة، فلا بد ان هناك هيئة منظمة تأخذ ما ينشر وتوزعه وتعممه وتعطي الانطباع انه الوحيد الذي ينشر، بمعنى انه عندما يرد الدكتور عمارة او الدكتور عصام عليه، لا يتم تعميم ذلك على الاشخاص انفسهم، لأن المقصود هو اعطاء صورة معينة تحدث رد فعل. لذلك اعتقد انه مهما اختلفنا، فالمؤكد ان كل الذين يجلسون حول هذه المنضدة لا يقبلون العنف ولا التداعيات التي يمكن ان يؤدي اليها سلوك العنف، لأنه ضار بالجميع بما في ذلك الذين لا يمارسون العنف لأنهم سيتضررون ازاء وقائع هم لا يرضون عنها، غير مسؤولين عنها، ولا يعتقدون انها تؤدي الى تقدم لكن قد يتحمل الكل نتائج هذا الكلام. كما انني غير متفق مع المنحى الفكري الذي يقود الى الاستقطاب، بحيث نقسم المصريين بين اسلاميين وعلمانيين، او بين الاسلاميين والدنيويين، فأنا اقول لا، نحن كلنا مسلمون، لكن توجد اختلافات حول فهمنا للاسلام. بمقتضى الدستور المعمول به في مصر الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع، ولا ينشأ حزب في مصر الا اذا قبل هذا، والحزب الذي يتحدى هذا يتعرض من الناحية القانونية للمساءلة، كما ينبغي ان نميز في هذا المجال بين السياسة والفكر. ومن النقاط المهمة جداً التي قالها الدكتور عصام، وأنا متفق معه فيها: الفارق بين استخدام العنف كتكتيك سياسي، كأسلوب سياسي ولكي نكون امناء، في الاربعينات اغلب القوى السياسية فعلت هذا وليس فقط الاخوان. فقد ارتبط ذلك على مصر الفتاة وحتى الوفد اكثر الاحزاب ديموقراطية اقام مجموعة اسمها "القمصان الزرق" لكن هذا يختلف عن ان يكون العنف عنصراً تكوينياً في الفكر اي انك تنطلق من مفهوم العنف كعنصر اساسي في التعامل بينك وبين الشعورية او الانفصال عن المجتمع اي انك تنطلق من مفهوم العنف كعنصر اساسي في التعامل بينك وبين البيئة المحيطة. وأتصور ايضاً ان موضوع الديموقراطية مهم، وأريد ان اقول برفق لكن بوضوح ايضاً: هل مطلوب مني ان اصدق فجأة ان التيارات السياسية، سواء الماركسية، او الناصريين او الاخوان المسلمين، آمنوا فجأة بالديموقراطية؟
ففي مجال البحث الرصين نقول نحن في مجتمع ما زال يتطور نحو الديموقراطية وبالتالي لا يمكن ان نتصور او نتعامل فجأة كأننا في مجتمع ديموقراطي كامل لنبحث عما ينقصه. فأنا لست مستعداً كشخص ان القي ببلادي في المجهول، ولا انصح بأن ننطلق الى الظلام. يعني قد اغامر بمالي الخاص، قد اغامر بشيء يتعلق بي، لكن ليس بمستقبل بلدي. وهنا اقول من دون الاساءة الى احد: هل الوضع في مصر افضل ام في الجزائر؟ الجزائر في لحظة معينة بدت وكأنها حققت خطوات ديموقراطية اكثر من مصر، وبدأ الناس يتساءلون عما حققته الجزائر، حتى بدأ الصدام بنتائجه المدمرة. يعني اذا دخلت في المجهول، فلا بد ان تقبل المجهول بكل عواقبه. لا يجب ان يفهم من كلامي ايضاً انه يعني الجمود والقعود، ولكن المقصود هو مراعاة التطور نحو الديموقراطية والذي يجب ان يكون من كل الاتجاهات من الحكومة ومن القوى السياسية الاخرى. والحقيقة انه لا يوجد مجتمع يخلو من مشكلات اقتصادية وبطالة ولذلك فأية نقلة سياسية وراديكالية هي نقلة الى المجهول اياً كان اتجاهها فلا بد ان تتطور تدريجياً، وهنا قد نختلف او نتفق حول المدى الزمني للتدرج. لكن الامر المؤكد انه اذا ادعى احد احزاب المعارضة انه اكثر ديموقراطية من النظام الحاكم فهنا علامة استفهام كبيرة. أقول كلنا نتطور نحو الديموقراطية سواء في ثقافتنا السياسية، او في جامعاتنا او في مؤسساتنا النقابية، سواء في احزاب المعارضة ام في نظام الحكم. وهذا الجانب التطوري يشغل الجميع، لكن لم يصل احد الى الكمال.
وفي ظل الاحوال تبقى القضية الجوهرية هي كيف نوقف مسلسل العنف؟ وهنا اعتقد انه ينبغي العمل في اكثر من اتجاه، اولاً مزيد من الاحتكام الى القانون، فالقانون هو المحك بين الناس. وثانياً: اعتقد انه على التيارات او الاجنحة في التيار الاسلامي التي لا تؤمن بالعنف ان ترفع صوتها وتبين ان هذا ليس من الاسلام، وانه يضر بالتيار الاسلامي في مجمله، ويضر بالظاهرة الاسلامية في مجملها ويجلب الشر والدمار على الجميع، وأتمنى ان تتاح الظروف للعناصر التي تؤمن بهذا ان تمارس دورها في الاذاعة والتلفزيون وفي لقاءات. وآن للرموز الكبيرة، للاخوان المسلمين، ان تتكلم في هذا، فهي لديها انتقادات للحكومة ومن حقها ان تعبر عنها، لكن انتقادي لحكومتي لا يمنعني في مواقف معينة ان اؤيدها، لأن هناك مواقف وطنية عامة، عندما اشعر ان النار ستدخل البيت كله وأنا فيه، فعندما يتعلق الامر بأسس البيت وبأسس مصر اتصور اننا نؤيد الدولة في هذا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.