"ان الوعود شيء والتنفيذ شيء آخر ولا اريد ان اقول ما هي الوعود التي قطعت لنا في انتظار النتائج، لكنني متأكد ان هذه الوعود ستتحقق". بهذه الكلمات لخص الرئيس اللبناني الياس الهراوي نتائج محادثاته مع المسؤولين السعوديين، وفي مقدمتهم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز. وجاء كلام الرئيس الهراوي في ختام زيارته لكل من الكويتوالامارات العربية وعودته الى بيروت ليتوجه بعدها الى المملكة العربية السعودية حيث استقبله الملك فهد. ورافق الرئيس الهراوي في جولته وزير الدفاع محسن دلول ووزير الاعلام ميشال سماحة ونائب رئيس مجلس الانماء والاعمار الدكتور بطرس لبكي. وأوضحت مصادر رئاسية ان اهداف جولة الهراوي الاخيرة اختلفت عن اهداف الجولة الاولى عام 1990 فالاولى كانت بهدف شكر دول اللجنة الثلاثية العربية، السعودية والمغرب والجزائر، على مساعدة لبنان لاقرار اتفاق الطائف الذي قامت على اساسه التسوية الداخلية وانبثق منه الدستور الجديد. اما الجولة الاخيرة فهدفها اطلاع الدول العربية التي زارها الرئيس الهراوي والدول الاخرى التي سيزورها لاحقاً، على المراحل التي قطعها لبنان على طريق تثبيت الاستقرار الداخلي على المستويات السياسية والامنية والاقتصادية من خلال ثلاثة معطيات: حكومة الرئيس رفيق الحريري التي استطاعت اعادة الثقة بلبنان ومؤسساته. تثبيت الاوضاع الامنية وازدياد سيطرة الجيش اللبناني والقوى الامنية الشرعية مقابل تراجع دور الميليشيات، بل واضمحلالها. بداية انتعاش الاوضاع الاقتصادية وان كان انتعاشاً بطيئاً. المحصلة التي حملها الرئيس الهراوي معه في جولته الاخيرة انطلقت من هذه المعطيات، وهي ان لبنان اصبح ذا ارضية صالحة لاستيعاب المساعدات العربية لكي يكمل الانطلاقة التي بدأ بها، ومن دون هذه المساعدات فان عودة العافية قد تدخل مرحلة المراوحة… وبالتالي فان المطلوب من الدول العربية مدّ يد المساعدة. لهذا فان الملفات التي حملها الرئيس الهراوي معه ركزت على المواضيع الآتية: 1 - الطلب من الرعايا العرب السعوديين والكويتيينوالاماراتيين الذين لهم ممتلكات في لبنان العودة الى شغل ممتلكاتهم خصوصاً تلك الموجودة في المصايف اللبنانية، اذ ان عودتهم لاعمارها من شأنها المساعدة في اطلاق حركة الاصطياف وبالتالي الحركة الاقتصادية، علماً ان مناطق الجبل اصبحت تحت سيطرة الجيش اللبناني الذي يرعى عودة المهجرين الى قراهم. 2 - تشجيع المتمولين والمستثمرين العرب على استثمار اموالهم في لبنان الذي هو بحاجة ماسة لهذه الرساميل. 3 - ايفاء الدول العربية لالتزاماتها تجاه لبنان، خصوصاً ان المبالغ المقررة لمساعدة لبنان في قمة تونس 1978 لم تدفع بعد بكاملها اذ تم تسديد 20 في المئة منها فقط. يضاف الى ذلك ان الصندوق العربي والدولي لاعمار لبنان الذي اتفق على انشائه اثر اتفاق الطائف لم يرَ النور حتى الآن. نتائج جولة الهراوي لم يتمخض عنها اعلان بمساعدات رقمية بل بنوايا ووعود بالمساعدات بعد دراسة المشاريع اللبنانية. وزير خارجية الكويت الشيخ صباح الاحمد الصباح قال اثر اجتماعه بالرئيس الهراوي: "لم يتخذ قرار بتجميد صندوق الدعم العربي والدولي لاعادة اعمار لبنان، لكن عندما تعود العافية لاخواننا في العالم العربي وفي الكويت سنقوم بواجباتنا". وأفادت المعلومات المتوافرة ان المسؤولين الكويتيين اسمعوا الوفد اللبناني كلاماً مفاده ان الكويت في حالتها الراهنة وبعد الخروج من حرب الخليج ما زالت ترزح تحت ضغوط ازالة آثار الحرب وبالتالي فان الاعباء المطلوبة منها كثيرة. لكن على رغم ذلك فان الكويت عادت واكدت الاستمرار في درس المشاريع التي سبق ووعدت بتمويلها بواسطة صندوق التنمية الكويتي وهي مشاريع تتعلق بقطاعات الهاتف والكهرباء والطرقات وسبق للحكومات اللبنانية ان طرحتها ووافقت عليها الكويت. وعلم في هذا الاطار ان موفداً كويتياً سيزور لبنان لاستكمال البحث في امكان تحريك هذه المشاريع. وفي الامارات العربية المتحدة سمع الرئيس الهراوي "كلاماً ايجابياً واعداً" من رئيس دولة الامارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. وقد طلب المسؤولون في ابو ظبي من الوفد اللبناني تقديم كل المشاريع التي يحملها عن حاجات لبنان الى صندوق ابو ظبي للاستثمار من اجل دراسة هذه المشاريع والبحث في امكان تمويل بعضها. الزيارة المفصل كانت في المملكة العربية السعودية حيث بحث الرئيس الهراوي مع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز القضايا الآتية: فتح السفارة السعودية في لبنان بعد طول اقفال. تشجيع الرساميل السعودية والمستثمرين السعوديين على العمل في لبنان. المستحقات الباقية للبنان من مقررات قمة تونس 1978. الصندوق العربي والدولي لإعمار لبنان. عائلات اللبنانيين العاملين في المملكة. المعلومات المتوافرة افادت ان المسؤولين السعوديين رحبوا بالافكار التي طرحها الرئيس الهراوي، وقد اعطى الملك تعليماته لدراسة هذه المواضيع، ومنها فتح السفارة السعودية وتسهيل جمع شمل العائلات اللبنانية. وبالنسبة الى المساعدات المادية فالجدير ذكره ان المملكة العربية السعودية هي الدولة العربية الوحيدة التي قدمت منذ اتفاق الطائف مساعدات للبنان بلغت حتى الان 160 مليون دولار. وفي الاطار نفسه وعد المسؤولون السعوديون بدارسة المطالب اللبنانية خصوصاً المشاريع التي اعدها مجلس الانماء والاعمار. من هنا، يمكن القول ان جولة الرئيس الهراوي اعادت تحريك فكرة ضرورة مساعدة لبنان ووضع الدول العربية في حقيقة المراحل التي قطعها لبنان. لكن يبقى السؤال… لماذا لم يتم الاعلان عن مساعدات وارقام للمساعدات بل تم الحصول على وعود بالمساعدة؟ مصادر مسؤولة تعتبر ان الذهنية اللبنانية قائمة على مسلمة مفادها ان الدول العربية يجب ان تقدم للبنان مساعدات مالية لاعادة اعمار ما تهدم فيه من مؤسسات، فيما الذهنية الراهنة لدى الدول العربية والغربية اصبحت تختلف عن السابق. فما من دولة في العالم تقدم مساعدات مالية من دون استطلاع دقيق لحاجات البلد الذي يطلب المساعدات. والقرار بالمساعدات لا يكون جزافاً بل بعد دراسة مشاريع محددة يتقدم بها البلد المعني. من هنا فان ردّ الدول العربية بتحويل الامر الى الصناديق، أي صندوق التنمية الكويتي وصندوق الاستثمار الاماراتي عائد الى هذه الخلفية. وحسب معلومات مصادر موثوقة ومطلعة فان القرار الدولي والعربي بشأن الصندوق الدولي والعربي لاعمار لبنان اتخذ منذ فترة وهو ان يتم تمويل لبنان ومساعدته، ولكن بوسائل اخرى غير اليافطة التي تسمى الصندوق. ويقول احد الذين شغلوا منصباً ديبلوماسياً رفيعاً واطلع على ملابسات هذا الموضوع ان القرار اتخذ وابلغ الى الدوائر المعنية بان مساعدة لبنان ستتم على مراحل من دون الاعلان عن صيغة الصندوق. وحسب المصدر نفسه فان اقرار البنك الدولي لقرض بمبلغ 175 مليون دولار ضمن الاتجاه لمساعدة لبنان، كذلك موافقة ايطاليا على البروتوكول مع لبنان هو من ضمن القرار بالمساعدة، وكذلك قرارات السوق الاوروبية المشتركة. ويلفت اصحاب هذه المعلومات الى ان اصرار بعض الاطراف في لبنان وممارسة الضغط للاعلان عن الصندوق لن يساهم في التقدم على هذا المستوى. ويشير هؤلاء الى ان تسارع المساعدات وتدفقها الى لبنان يرتبط الى حدّ ما بتطور آلية السلام، ليس في لبنان بل في المنطقة، فكلما تقدمت مسيرة السلام كلما انعكس ذلك ارتياحاً في لبنان ودخولاً للرساميل العربية والغربية. ويخلص احد المطلعين عن كثب على موضوع المساعدات الى القول: "لا تنتظروا ان تقدم الدول العربية على القول: هذه مليارات الدولارات تفضلوا وخذوها، ان الامر ليس بهذه البساطة بل انه سيتم بالتدريج فكلما تقدمت مسير الاستقرار الداخلي ستتقدم عملية تمويل المشاريع اللبنانية". باختصار، فان المساعدات العربية والدولية للبنان ستتم، لكن عبر سياسة الخطوة خطوة وفي هذا الاطار يلفت احد المسؤولين الى ان المساعدات المقررة للبنان عربياً ودولياً تصل الى حدود ثلاثة مليارات دولار، لكن فاتورة الاعمار في لبنان تحتسب الآن بحوالي 14 مليار دولار مما يعني ان على لبنان ان يبذل جهداً خارقاً لكي يحصل على باقي المبلغ عبر تشجيع الاستثمارات العربية والدولية بالدخول الى لبنان.