أكد الدكتور فاروق الباز، العالم المصري البارز المتخصص بشؤون الصحراء العربية، لپ"الوسط" وجود نهر كبير في شبه الجزيرة العربية، وبالتحديد بين المملكة العربية السعودية والكويت، وشرح بشكل مفصل اهمية الاكتشافات الجديدة المتعلقة بهذا النهر. ويشغل الدكتور فاروق الباز منصب مدير مركز ابحاث الفضاء في جامعة بوسطن الاميركية كما انه مستشار في وكالة الفضاء والطيران الاميركية. وقد أجرت "الوسط" مع الباز الحوار الآتي على الهاتف: هل صحيح ان احد الاقمار الصناعية التقط صوراً تؤكد وجود نهر جاف يمتد بطول 850 كيلومتراً وعرض خمسة كيلومترات عبر شبه الجزيرة العربية ابتداء من جبال شمّر جنوب شرقي الحجاز الى الكويت؟ فهل هو فقط مجرد مسار نهر قديم بطول 850 كيلومتراً؟ ام انه نهر حقيقي مطمور ومغطى بالامكان - علمياً - استعادته؟ - ما تم اكتشافه بدراسة الصور الفضائية هو مسار نهر قديم بطول 850 كيلومتراً كانت تسري فيه المياه في قديم الزمن، ولكنه الآن جاف. ان معنى وجود وديان جافة علمياً هو ان بعض المياه التي كونت المسار في قديم الزمن تسربت في الصخور تحت المجرى، خصوصاً في المسامية الموجودة في الشقوق وما زالت قابعة على شكل مياه جوفية يمكن درس افضل اماكن تركيزها للكشف عنها واستخراجها للاستفادة منها، تماماً كما يحصل في الكشف عن النفط. يقال، تعليقاً على هذا الكشف، انه ليس جديداً بل حقيقة معروفة منذ مئات السنين؟ هل تتفق مع هذا القول؟ واذا كان كذلك فما الجديد في الكشف الذي أعلنتم عنه؟ - أنا اؤيد من يقول ان علماء العرب كانوا يعرفون اماكن الوديان التي كانت تجري فيها المياه في قديم الزمن، وحتى في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان هناك علم بهذه الاشياء. وقد ذكر الرسول في حديث شريف: "لا تقوم القيامة حتى تعود بلاد العرب مروجاً وانهاراً"، معنى ذلك انه وآله كانوا يعلمون ان المروج والانهار كانت توجد بكثرة في شبه الجزيرة العربية. كذلك قرأت حديثاً ان الشيخ العلامة حمد الجاسر، وهو من ابرز مؤرخي شبه الجزيرة في عصرنا الحديث، قال ان النهر الذي كان يجري في وادي الرمة كان معروفاً لدى المؤرخين بامتداده الى الخليج العربي. وأنا اقدر علم هؤلاء لأنني تعلمت من أمثالهم الكثير في صحراء العالم كلها. لكن الجديد هو التعرف على مسار الوادي كاملاً من الغرب الى الشرق شاملا ذلك على منتصفه المغمور بالرمال ودلتاه التي تكوّن الكويت كما تظهر في الصور الفضائية بالاثبات العلمي. كيف تستفيد دول الخليج العربية من هذه المياه في باطن الارض او في النهر القديم، وكيف تحافظ عليها؟ - لقد بدأت دول الخليج، خصوصاً في السنوات العشر الماضية، الافادة من مصادر المياه الجوفية بها، وأحسن مثل لذلك هو ما قامت به المملكة العربية السعودية من حفر آبار واستخدام المياه في الزراعة خصوصاً زراعة القمح في منطقة القصيم التي تتغذى من المياه النابعة تحت المنطقة التي يمر بها وادي الرمة اي الجزء الغربي من مسار النهر الذي كان يجري من جبال الحجاز وحتى الكويت. معنى ذلك ان هناك مياهاً ايضاً تحت الجزء الشرقي والاوسط من مسار الوادي. ولكن لا بد ان نعلم ان هذه المياه تجمعت في قديم الزمن ولا بد من ترشيد استخدامها حتى لا تنضب في وقت قصير. ما الذي يترتب على هذا الكشف الآن؟ بالتحديد بماذا تنصح خبراء المنطقة؟ هل تطلب اجراء مسح شامل مثلاً؟ او تطلب خطوات عملية للاستفادة من خزانات المياه الجوفية، الموجودة في النهر القديم، او تكون تسربت الى خزانات؟ - يترتب على هذا الكشف ثلاثة اشياء: اولاً اعادة النظر في جيولوجية الكويت على اساس انها دلتا لنهر قديم. ثانياً اختيار مواقع لحفر آبار للمياه الجوفية في المنطقة الوسطى والمنطقة الشرقية من مسار الوادي لتحقيق تواجدها، ثالثاً دراسة المنطقة المغمورة بالرمال من مسار الوادي للكشف عن آثار للانسان الذي لا بد ان عاش على جانبي النهر في قديم الزمن. كيف يمكن التأكد من وجود مسار النهر القديم الذي كشفته الاقمار الصناعية؟ - مسار النهر توضحه الصور الفضائية بجلاء عدا الجزء المغمور بالرمال وهو لا يزيد عن 170 كيلومتراً، هذا الجزء يمكن التأكد من موقعه باستخدام التصوير الراداري من الفضاء الذي تم طلبه في اول فرصة من خلال وكالة الفضاء الاميركية "ناسا". ما هي الاعماق التي يوجد فيها مسار النهر ودلتاه؟ - مسار النهر يختلف عرضاً وعمقاً ولكن وادي الباطن في منطقة تقاطع حدود الكويت والعراق والمملكة العربية السعودية عرضه ثمانية كيلومترات وهذا يدل على اتساع عظيم للنهر الذي كان يسري في هذا الوادي في قديم الزمن. هل يمكن اعادة حفر النهر، او عمل نهر صناعي؟ - لا يلزم اعادة حفر المجرى فهو قائم، كذلك لا يلزم عمل نهر صناعي لأن المياه الجوفية يمكن استخدامها في المناطق التي يجري فيها المسار لأن ارضها خصبة. القيمة الاقتصادية للاكتشاف ما هي في تصوركم بنود سياسة حكيمة لموارد المياه في المنطقة، على ضوء كشفكم؟ - يجب أن ننظر الى المياه الجوفية في العالم العربي كله على ان اهميتها لا تقل عن اهمية البترول بالبحث والكشف والاستخدام الصحيح، ليس فقط في كل دولة على حدة ولكن على مستوى جماعي. هل مسار النهر القديم جاف ام يختزن مياهاً؟ وهل هو مصدر محتمل لهزات ارضية في حالة التعاطي معه على اي مستوى؟ - مسار الوادي جاف ولا تتجمع به المياه الا بعد الامطار الغزيرة والسيول التي تحصل بين آونة واخرى في كل شتاء، ولا توجد خطورة لهزات ارضية في حالة التعامل مع الوادي او سحب مياهه للاستخدام في الزراعة. ما هي الكمية الطبيعية والحقيقية لهذه المياه؟ - لا يمكن قياس كمية المياه المخزونة في اي خزان جوفي الا بعد حفر الآبار ومتابعتها لفترة تتراوح بين شهور وسنوات. ما هي القيمة الاقتصادية لهذا الكشف المهم؟ - القيمة الاقتصادية للكشف هي في المياه التي يمكن ان تكتشف في مسار الوادي والصخور التي يمر فيها، ولا يمكن تحديد ذلك الا بعد الاستفادة من المياه الموجودة، ومهما كان الامر فان وجود مياه في منطقة صحراوية يعيد الحياة اليها، وهذا لا ُُيقاس بكمية المال. هل يقوم القمر الصناعي الذي اكتشف مسار النهر بالتقاط صور أخرى؟ وهل سيكون هناك تركيز في الفترة المقبلة على هذه المنطقة؟ - الصور الفضائية موجودة حالياً، ليس فقط في اميركا ولكن في مراكز الكويت للابحاث العلمية وفي المراكز البحثية العديدة في المملكة العربية السعودية، هناك بعض الاشياء التي يمكن اضافتها مستقبلاً، مثل الصور الرادارية، ولكن الصور الاساسية موجودة للدراسات المستفيضة بواسطة من يرغب من العلماء. هل الكشف حافز جديد لعلماء الجيولوجيا في المنطقة؟ وما هي واجباتهم التي ينبغي عليهم انجازها الآن؟ - أهمية الموضوع هي فتح باب النقاش في المجالس الجيولوجية في شبه الجزيرة العربية، وما صدر عن علماء في الكويت والسعودية يسعدني، سواء اتفقت في الرأي مع هؤلاء العلماء أو لا. وفي نظري ان اهم ما ينتج عن النقاش هو استكمال البحث المستفيض حتى نتحقق من الامور بالوسائل العلمية والنقاش العلمي الجاد. ما تأثير الرمال والكثبان الرملية على إمكان استغلال هذا الكشف؟ - الكثبان الرملية في حزامي العروق والدهناء تغطي جزءاً من الوادي ودراسة شكلها وتركيبها ستعطينا دلالات جديدة على اثر طبوغورافية الارض على تكوين الكثبان الرملية واشكالها. لماذا اقترحتم تسمية هذا النهر "نهر الكويت"؟ - لقد اقترحت تسمية مسار الوادي كاملاً من جبال الحجاز الى ساحل الخليج "نهر الكويت" لأن النهر الذي يسري في الوادي كان مسؤولاً عن ترسيب ثلثي سطح الكويت. الجزء الغربي منه معروف بوادي الرمه والجزء الشرقي بوادي الباطن ولكنه في نظري كان يلزم تسمية واحدة لربط الجزئين وادماج الجزء الاوسط المغمور بالرمال. بعض المتخصصين في الجزيرة العربية يرى ان اطلاق تعبير نهر قديم ذي دلتا تبلغ مساحتها ثلثي مساحة الكويت ومرتبطة ببحيرة مياه انما هي عبارة خطرة علمياً قد تأخذ الكثير من الجهد والمال ووقت العلماء في محاولات لاثباتها او نفيها، ما رأيك؟ - البحث العلمي مسؤوليتنا نحن علماء العرب. انا لا اطالب بأن يشغل هذا الموضوع بال كل متخصص، ولكني انادي ان يقوم من يهتم منهم بمثل هذا الموضوع باختيار اماكن للبحث والدراسة للاثبات او النفي، لما فيه من خير يعود على البلاد. ما رأيك ايضاً في مسح جيوفيزيائي بدلاً من الرادار المرتبط بالاقمار الصناعية؟ - البحث الجيوفزيائي يأتي بعد تحديد المسار لكي نحدد بالضبط المواقع التي يجب أن يتم فيها البحث الجيوفزيائي لانه يكلف كثيراً من الوقت والجهد والمال. يطالب البعض بتخطئة ما أعلنته ويرى الكثيرون تصديقه والعمل على اساسه، ما هي رؤيتكم انتم؟ - نتائج البحث العلمي يتم اعلانها في كل مواضيع البحث والدراسة اساساً حتى يمكن التعمق فيها للاثبات او النفي، ولا يستطيع احد ان ينكر اهتماماتي الشخصية بفهم الصحراء العربية - كيف تكونت وكيف تطورت منذ قديم الزمن وذلك لحسن استخدام مصادرها وثرواتها في خدمة الانسان العربي لأن هذا هو اساس علم الجيولوجيا وفائدته للناس، ولأني متخصص في تفسير الصور الفضائية خصوصاً في صحرائنا العربية منذ عشرين عاماً، فمسؤوليتي العملية ان اشير الى اهمية ما توضحه هذه الصور لزملائي في الوطن العربي ككل. وما تم نشره هو فقط مثل، لذلك لا ابتغي منه نفعاً شخصياً ولكن مصدره هو المسؤولية العلمية، من يحب ان يثبت اني خاطئ اكون أول من يسعد لذلك، ومن يرى تصديق ما اقول ويكمل البحث والدراسة اكون له ممتناً، فالعلم بحث ودراسة وفكر واستنتاج، واحسنه ما كان فيه فائدة للناس. في الظهران أصدرت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بياناً ذكرت فيه ان "النهر الذي يدعي الدكتور الباز اكتشافه ما هو الا وادي الرمه، وادي الباطن الذي تحدث عنه عدد كبير من المهتمين بجغرافية وجيولوجية المنطقة بدءاً بهونديوس في عام 1606 مروراً بهولم عام 1960 وانتهاء ببحوث جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في عام 1978 وعام 1984 و1990، ومنها ما نشرته الجامعة في مجلدين عن العصر الرباعي في المملكة العربية السعودية".