تعتبر مؤسسة الپ"فارايتي كلوب" او "نادي المنوعات" احدى اكبر المؤسسات الخيرية الغربية الخاصة في العالم التي تعنى بالاطفال، ولها فروعها في اوروبا واميركا. واشتهرت عالمياً عن طريق توزيع الجوائز السينمائية التي تحمل اسمها في مهرجان سنوي خاص، كما يحدث في مهرجان الاوسكار الاميركي، يعود ريعه للاعمال الخيرية. وتضم المؤسسة بين اعضائها نجوماً وشخصيات من الفن والمجتمع بينهم الامير تشارلز ولي عهد بريطانيا والاميرة دايانا والامير اندرو ومارغريت ثاتشر وغيرهم. وقد تسلمت رئاسة "فارايتي كلوب" اخيراً مارشا راي، وهي اول سيدة تصل الى هذا المركز منذ تأسيس النادي. "الوسط" زارت مارشا راي في مكتبها في لندن وأجرت معها حواراً نتج عنه التحقيق الآتي: عندما كانت "مارشا راي" تتوقع طفلها الثاني اصيبت بعدوى الحصبة، وخوفها من ان تنجب طفلاً مشوها او عليلاً بسبب مرضها خلال دورة الحمل لم يهن حين اقترح عليها طبيبها الاجهاض فوراً. لكن إيمانها بالله كان تاماً وعميقاً، وكما تقول "تربيت على اساس ان الخالق اكبر منا جميعاً، وان من واجبنا المحافظة على الحياة وليس تدميرها. لذلك عزمت على حمل طفلي مهما كانت العواقب". وعلى رغم ازدياد قلقها مع مرور الايام والاشهر الا ان ايمانها والتزامها بقرارها لم يتغيرا. وتضيف: "بالفعل، باركني الله ونعمت بطفل جميل يتمتع بالصحة التامة، ويبلغ اليوم 28 عاماً من العمر ويعمل طبيباً". والحقيقة ان ما حصل لپ"مارشا راي" كان بالفعل نعمة من الله، فخوفها كان طبيعياً وله مبرراته. لذلك، عزمت على تكريس حياتها لمساعدة غيرها من النساء اللواتي يجدن انفسهن في وضع مشابه. وتقول: "قررت مساعدة النساء اللواتي يلدن اطفالاً معوقين او مشوهين وبدأت العمل في هذا المجال". ومن هذا المنطلق اصطحبت طفلها معها تدق على الابواب لجمع التبرعات والمعونات المالية للمؤسسات والمنظمات الخيرية العالمية المعروفة مثل منظمة اليونيسيف وغيرها. وصارت رئيسة لپ"فارايتي كلوب" اي "نادي المنوعات" الخيري. حكاية تأسيس النادي ويرجع تاريخ "فارايتي كلوب" الى العام 1927، حين قام مؤسس مسرح "شيريدان" في "بيتسبيرغ" في ولاية "بنسلفانيا" الاميركية، بإنشاء ناد مع عشرة من اصدقائه الفنانين، غايته الاعمال الخيرية والمعونات العامة للمحتاجين. وبدأت قصة هذا النادي مع ام اخرى تقع في ورطة مختلفة. ففي احدى ليالي آخر السنة من العام التالي لتأسيس "فارايتي كلوب"، تخلت ام فقيرة عن رضيعتها وتركتها عند مدخل باب المسرح، ووضعت الى جانبها كيساً فيه خمسة "حفاضات" نظيفة ورسالة قصيرة كتبت فيها: "أرجوكم الاعتناء بطفلتي. ان اسمها كاثرين لم يعد باستطاعتي الاعتناء بها فلدي ثمانية اطفال غيرها. ولدت في يوم "عيد الشكر". وطالما سمعت عن طيبة اهل الفن، وأدعو من الله ان ترعوها". ووقعت الرسالة "ام بقلب مكسور". وهكذا، ومع وصول "كاثرين"، اجمع الفنانون الاصدقاء في النادي على تركيز نشاطاتهم على مساعدة الاطفال المحرومين والفقراء. وتوسعت شهرة النادي، وبالتالي تعددت التبرعات من ملابس ولعب فاقت احتياج "كاثرين" الطفلة، فبدأ الاصدقاء بالتبرع بكل ما يصلهم الى الاطفال المحتاجين في انحاء الولاياتالمتحدة، واليوم، بعد اكثر من ستين عاماً، اصبح هناك 54 فرعاً للنادي في 12 بلداً مختلفاً حول العالم. واصبح للنادي مكتب دولي يرأسه مدير مختلف ينتخب في كل عام. وفي 1985 مثلاً، انتخب "صلاح حسنين" رئيساً لهذا المكتب الذي يعنى بجمع المعونات ومساعدة الاطفال حول العالم. اما كاثرين نفسها، فقد تزوجت وأنجبت طفلين توأمين، وهي لا تزال تعيش في لوس انجليس وتعمل الى جانب ولديها في فرع "فارايتي كلوب" هناك. اول امرأة رئيسة واليوم صارت مارشا راي راتكليف اول امرأة في تاريخ "فارايتي كلوب" تنتخب لمنصب رئيس اعلى في هذه المؤسسة الخيرية. وتفضي "مارشا راي" بشعورها نحو "كاثرين" وامها فتقول: "طالما تمنيت لو كان باستطاعتنا جمع كاثرين بوالدتها الحزينة، التي لا بد ان وجدت في التخلي عن ابنتها الرضيعة مأساة قاسية مثل اي ام غيرها. وطالما تساءلت عما كنت افعله لو وجدت نفسي في مثل تلك الورطة، فبالنسبة الي كأم اظن انني قد اتحمل الكثير، مهما كانت الظروف، من اجل الحفاظ على اطفالي. ولا شك ان قرارها هذا كان رهيباً، ولكن في الوقت نفسه ربما خال من الانانية لاعترافها بعجزها عن توفير المأكل والمشرب وجميع احتياجات الطفل الاساسية. لذلك، فمشاعري تتضارب بالنسبة الى مثل هذا الخيار". وُلدت "مارشا راي" في ولاية "أيوا" الاميركية، وترعرت في قرية صغيرة وبيت بسيط يملؤه الحب والحنان. وتتذكر ايام طفولتها بمزيج من المشاعر المختلفة فتقول "على رغم بساطة اسلوب حياتنا في قريتنا الصغيرة، وعدم وجود اي مبرر للخوف، اذ كنا نلعب كأطفال بقرب النهر الذي يعبر القرية حتى ساعات الليل المتأخرة، الا انني اذكر اياماً صعبة حين رفضت معلمة السنة الاولى من تعليمي الاملاء مع بقية التلامذة في المدرسة، وعذرها لذلك كان لانني "عسراوية". فمنذ صغري كنت استعمل يدي اليسرى للاكل والرسم وغيره. وفي تلك الايام كان الناس يتشاءمون من العسراويين، ويعتقدون ان فيهم روحاً شريرة. وحاول العديد من حولي تغيير ذلك دون جدوى. لكن والدتي كانت قرأت مقالاً يحذر من التغيير لانه يضر بالطفل ونفسيته. وعندما وجدت نفسها تواجه هذا التحدي من المدرسة قررت تعليمي في البيت. وبالطبع كان لكل ذلك اثر عميق بي كطفلة تواجه مثل هذه الخرافات والمعاملة الفردية، وشعرت وكأنني مذنبة، فلمت نفسي لاعوام عديدة لما كان في الحقيقة مشيئة الله". وتضيف "مارشا راي" وعلى وجهها يندمج الحزن والغضب فتقول "وللاسف، لا ازال حتى اليوم اجد التشاؤم والتعصب تجاه الاطفال المعوقين حول العالم!". ومرت السنوات، ودخلت "مارشا راي" كلية الفنون لتتخرج بشهادتين احداهما بكالوريوس في الفنون والاخرى في الدراما والتمثيل. وعملت في البداية في مجال تصميم الاعلانات. وعندما طلبت منها صديقة قديمة تصمىم اعلان للصحافة عن مؤسسة خيرية، لم تكن سمعت بها سابقاً، اخذت "مارشا راي" بدراسة وقراءة كل ما نشر عن مؤسسة "فارايتي كلوب"، فوجدت نفسها مغمورة في اعمالها الخيرية تماماً. وهكذا بدأ مشوارها، قبل 20 عاماً، مع "فارايتي كلوب" الذي ادى بها اليوم الى منصبها الفريد هذا. وتقول "مارشا راي" عن هذه المؤسسة "وجدت اختلافاً اساسياً فيها عن غيرها من المؤسسات الخيرية، فبالاضافة الى ارتباطنا بالفنانين والمشاهير في عالم الفن والرياضة، هناك نقاط اساسية نحاول الحفاظ عليها مثل عدم صرف الاموال التي تصلنا على الادارة مثلاً، فعدد العاملين في المكاتب الادارية يبقى دائماً اقل ما يمكن، ثم ان جميع التبرعات، المالية وغيرها، التي تصلنا توزع على المستشفيات والاطفال المحتاجين كل عام على حدة، فلا مجال للتبذير او العبث بها". نشاطات المؤسسة وتختص مؤسسة "فارايتي كلوب" في رعاية الاطفال المرضى والمعوقين والمحرومين. وتقول "مارشا راي"، لدينا مستشفى خاص بنا في لندن، حيث تجرى عمليات زرع الكبد والعناية بالاطفال الخطيري المرض. وفي العام الماضي مثلاً، وصلت التبرعات الى حوالي 5 ملايين جنيه استرليني وزعت على تسعة مستشفيات اخرى للاطفال. اما بالنسبة الى الاطفال المعوقين فتصلنا التبرعات على شكل كراسى اوتوماتيكية او اجهزة كمبيوتر صممت خصيصاً لتساعد الاطفال الذي يعانون من الشلل المخي، فهي الطريقة الوحيدة لهم لتبادل الافكار والآراء والاتصال بالعالم من حولهم. وكان الاعتقاد العام لمدى طويل ان بعضهم لا يملك القدرة العقلية او الموهبة الطبيعية ابداً، لكن بعد العديد من التجارب واستعمال هذه الاجهزة التقنية، ثبت انهم يملكون القدرة وحتى الذكاء المتفوق وروح النكتة، بل ان العائق الوحيد كان عدم مقدرتهم على تبادل افكارهم كما نتبادلها نحن بسبب مرضهم الجسماني. وبعد تعلمهم استعمال هذه الاجهزة الخاصة، بانت مهاراتهم واستعدادهم للتعلم. بالاضافة الى ذلك، نقوم ايضاً بتزويد الاطفال بالاوصال الاصطناعية وعمليات الشق الحلقي وغيرها. لدينا الاطفال الفقراء الذين يعيشون في مناطق رديئة او مع احد الوالدين المرضى جسمانياً او نفسانياً. فنتعاون مع منظمة الخدمات الاجتماعية حيث يستغيث بنا العديد من الاطباء والعاملين في المنظمة لجمع المعونات اللازمة لكل طفل على حدة. وبالطبع، نقوم بالتحقيقات الكاملة واللازمة للتأكد من صحة كل استغاثة حتى نحصل على الموافقة من لجنة "فارايتي كلوب" لاستعمال الاموال والتبرعات التي تصلنا". واليوم، مثل اول يوم في "بيتسبيرغ" عام 1927، لا يزال العهد قائماً لمساعدة الاطفال عن طريق جمع المعونات والاموال في حضور المشاهير ونجوم السينما والشخصيات المعروفة. فعلى الرغم مما تواجهه هذه المؤسسة الخيرية من محن وشدائد الا انها تقدم خدماتها "وعلى وجهها ابتسامة عريضة" كما تصفها "مارشا راي راتكليف". ففي اجواء حافلة ومناسبات خاصة يجتمع فيها مشاهير عالم السينما والمسرح والرياضة والمجتمع تجمع الاموال الطائلة لشراء المعدات الخاصة وفتح اجنحة مستشفيات الاطفال والمواليد الحديثة. وتتعدد المناسبات والحفلات الخيرية التي تعرض بعضها على محطات التلفزيون، ويحضر بعضها الاطفال انفسهم مثل المسابقات الرياضية والمباريات كسباق السيارات ومباريات الملاكمة في اجواء يملأها المرح والسعادة. وتقول "مارشا راي" "اجد في عملي التوازن التام، فقد اذهب في الصباح لزيارة المستشفيات ومقابلة الاطفال المرضى الذين يملؤون قلبي بالحب والحنان والشفقة، وفي المساء اجد نفسي محاطة بالمشاهير والنجوم في حفل رائع غايته تقديم كل ما نتمتع به من مال ونعمة للمحتاجين". أشهر مناسبة ومن اشهر المناسبات في بريطانيا، التي تقام كل عام لجمع التبرعات المالية، هي ليلة توزيع الجوائز السينمائية التي يحضرها اشهر الفنانين والفنانات العالميين لتسلم جائزة "فارايتي كلوب"، على نمط جائزة "اوسكار" الاميركية، والتي اصبحت ذات منزلة عالية في مجال السينما العالمية منذ ثلاثين عاماً. وبالطبع تجمع الاموال ويتبرع العديد من الشخصيات والشركات بمختلف الطرق. وتضيف "مارشا راي" الى ذلك قولها "يعود الفضل في نجاح مشاريعنا الى جميع الاشخاص والشركات التي تقدم خدماتها بكل كرم. وصباح اليوم مثلاً، كنت في محادثة هاتفية مع الممثلة "جولي أندروز" والممثل "روجر مور" واتفقنا على تنظيم حفل آخر لجمع التبرعات بحضور الاطفال". ولنقل الاطفال الى مثل هذه الحفلات والمناسبات الخاصة تتبرع الشركات المختلفة بالمواصلات، فيزودون المستشفيات بالباصات التي اصبحت تعرف باسم "حافلات إشراق الشمس". اما بالنسبة الى الاطفال الذين يمنعهم المرض من ترك اسرتهم، فيقوم النجوم والمشاهير بزيارتهم وتنظيم الحفلات الخاصة بهم داخل المستشفى". وبالاضافة الى مشاهير عالم الفن والمنوعات، هناك العديد من الشخصيات المعروفة مثل رئيس جمهورية الولاياتالمتحدة الاميركية ورئيس حكومة كندا ورؤوساء الدول المختلفة في العالم الذين يساعدون في جمع التبرعات والاموال كأعضاء في "فارايتي كلوب"، فمثلاً "مارغريت ثاتشر"، رئيسة وزراء بريطانيا السابقة، هي عضو عامل في النادي. ثم هناك ما يعرف بپ"اعضاء البطاقة الذهبية" وهؤلاء هم اعضاء النادي من افراد العائلات المالكة. ففي بريطانيا، يقوم العديد منهم بحضور الحفلات الخاصة ومقابلة الاطفال وفتح ورعاية اجنحة جديدة في المستشفيات وغيرها. والامير فيليب - دوق ادنبره وزوج ملكة بريطانيا - كان المشجع الرئيسي وراء فتح اول فرع لپ"فارايتي كلوب" في المملكة البريطانية عام 1949، واليوم اصبحت هناك عشرة فروع للنادي داخل المملكة فقط. ومن "اعضاء البطاقة الذهبية" في بريطانيا الامير "تشارلز" ولي العهد، والامير "اندرو" دوق كنت، والاميرة "مايكل أوف كنت" والاميرة "دايانا" التي ترعى فرع النادي في نيوزيلندا" ايضاً. وتقول "مارشا راي" "عوضاً عن هذه الشخصيات البارزة، كل متبرع كريم له وزنه بالنسبة الينا، فالدعم الذي يقدمه صاحب المخزن الصغير على ناصية الشارع في قبوله ترويج النادي بطرق مختلفة هو دعم اساسي ومهم بالنسبة الينا ولاطفالنا". نشاطات في العالم الثالث ومن اوستراليا الى المكسيك، ومن نيوزيلندا الى فرنسا وسويسرا وغيرها من بلدان العالم المختلفة. تتعدد نشاطات "فارايتي كلوب" اينما كنت . فلمساعدة اطفال العالم الثالث، هناك برنامج يعرف باسم "لايف لاين" اي "خط الحياة"، حيث تنظم السفريات الخاصة بالاطفال المحتاجين لاجراء العمليات الجراحية الملحة لانقاذهم. وترسل "لايف لاين" الطفل الى حيث تجرى العمليات الجراحية الدقيقة والمعقدة والعناية التامة في الولاياتالمتحدةوبريطانيا وغيرهما. وتفسر "مارشا راي" البرنامج بقولها "نقبل الاطفال الذين نعرف انهم في حاجة ماسة الى عمليات جراحية لا تتحمل عائلتهم تكاليفها، والذين نتوقع رجوعهم بالصحة والسلامة الى حضن عائلة سليمة. وبمساعدة المتبرعين، ننظم لهم البقاء في المستشفى لمدة اسبوعين، حيث يتعهد الاطباء والمسؤولون هناك بإجراء كل ما يلزم مقابل ادنى التكاليف، كما تتبرع الشركات او الافراد بتذاكر السفر والادوية المطلوبة دون مقابل. وطالما دهشت من كرم المواطنين العاديين، والانجازات التي يقوم بها "فارايتي كلوب" بمجرد طلب المعونة.