"فرقة سيمفونية" في سورية شهدت سورية، مطلع هذا العام، مولد أول "فرقة سيمفونية وطنية"، مؤلفة من 85 عازفاً ومنشداً، أغلبهم من اساتذة وطلبة "المعهد العالي للموسيقى" في دمشق. وأول نشاطات الفرقة، كان إحياء ثلاث حفلات، بقيادة عميد "المعهد العالي" صلحي الوادي، على مسرح "قصر الامويين" الذي يتسع لثلاثة آلاف مشاهد، في العاصمة السورية. أما برنامج الحفلات الثلاث فجاء منوعاً، إذ تضمن أعمالاً ومقطوعات لمؤلفين عالميين وعرب من الإسباني إنريكو غرانادوس الى الموسيقار محمد عبدالوهاب. برزت فكرة انشاء فرقة سيمفونية في سورية أواخر الخمسينات، لكن جميع المحاولات لتحقيق هذا المشروع الطموح، لم يكتب لها النجاح أو الاستمرار. نذكر على سبيل المثال، محاولة كامل قدسي وحسني الحريري ومطيع المصري، وتجربة الفنان ابان زركلي التي عاشت أكثر من غيرها قبل ان تنكفىء لاسباب تتعلق بتشتت أفرادها وانصرافهم الى هموم أخرى. أما الفرقة الحالية، فهي أبعد ما تكون عن "المغامرة" غير المضمونة النتائج، ما دامت تحظى بالدعم المالي والاداري الكامل من قبل "وزارة الثقافة والإرشاد القومي". لكن هل ينطوي مثل هذا الدعم على مخاطر من نوع آخر، كاحتواء النشاط الفني وتحويل المؤسسة الى جهاز رسمي للدعاية والترويج و"الإرشاد"؟ 700 ألف دينار لدعم السينما التونسيّة تعرف السينما التونسية منذ سنوات حركة ازدهار ملحوظة، تجلت في مجموعة من الافلام المميزة التي ما تزال تثير الاهتمام في العالم العربي وأوروبا. حتّى أن المقارنة غالباً ما تتم اليوم، بين النهضة التي تعرفها هذه السينما الفتية، وبين ما تشهده من تراجع أو ركود إبداعي، السينما المصريّة التي تجر خلفها تقاليد عريقة وتراثاً غنياً حافلاً بالعطاء والريادة. قد لا تكون المقارنة سهلة، لما تنطوي عليه من مخاطر التسطيح، بين السينما المصرية، وهي صناعة بالمعنى الكامل وفن له تاريخه ومبدعوه وشبكات توزيعه، والاخرى التونسية الحديثة العهد. لكن فتوة هذه الاخيرة، تحولت بلا شك الى فرصة ثمينة للتحليق، بعيداً عن ثقل التاريخ ومقتضيات نظام النجومية، والكليشيهات التي تتحول الى ثوابت وقيود. ولعل الفنون المشهديّة بشكل عام في تونس، تدين بانطلاقتها الى جيل من المخرجين المنفتحين على عصرهم والحاضرين في زمنهم، نذكر منهم نوري بوزيد "ريح السد"، فريد بوغدير "عصفور السطح"، فاضل الجعايبي ومحمود بن محمود "شيشخان"... رعاية الدولة لها دورها أيضاً في هذه النهضة، فقد قامت بجهود ملحوظة في السنوات الاخيرة، بعيداً عن أي وصاية أو محاولة احتواء. وقد أعلنت وزارة الثقافة التونسية أخيراً، عن رصد موازنة قدرها 700 ألف دينار تونسي لدعم مشاريع هذا العام، من خلال "صندوق دعم الإنتاج السينمائي" تأسس عام 1981. وحسب المخرج فريد بوغدير، فإن السينما التونسية إسترجعت مواقعها في الاسواق الداخلية، خلال العام 1992، ناجحة في منافسة الافلام الاجنبية أو العربية، وفي التغلب عليها في أحيان كثيرة. وهو وضع تنفرد به تونس على الساحة العربية والإفريقية، إذا استثنينا طبعاً الحالة المصرية. حنان الشيخ: رواية جديدة من "كوابيس بيروت" رواية غادة السمان الشهيرة، الى أعمال رشيد الضعيف والياس خوري وحسن داوود، إمتلأت رفوف المكتبة العربية بالتجارب القصصية والروائية التي تتخذ من أجواء الحرب اللبنانية محوراً لها. وها هي حنان الشيخ تضيف، مع روايتها الجديدة، عنواناً آخر الى تلك القائمة. فروايتها "بريد بيروت" صدرت أخيراً ضمن سلسلة "روايات الهلال" القاهرية المعروفة، بعد أن أثبتت الكاتبة اللبنانية حضورها في السنوات الاخيرة، من خلال تجارب عدّة أبرزها "حكاية زهرة" و"مسك الغزال"، محتلة موقعاً خاصاً على خريطة الرواية العربية الحديثة. وتتابع حنان الشيخ هنا مغامرتها الروائية، ماضية في اختبار الاشكال والقوالب السردية، ساعية الى إيجاد بنية تتسع للتعبير عن المعاناة الخاصة للحرب، وتعكس ما أصاب المدينة وأهلها من تفتت ودمار. في تقديمه للرواية، يرى الناقد المصري صبري حافظ أن حنان الشيخ نجحت في الاهتداء الى معادل قصصي لحالة الحرب، فجاءت روايتها "صدى للتصدع والتمزّق الذي عانى منه سكان بيروت". تبني الشيخ روايتها على شكل رسائل تكتبها بطلة الرواية أسمهان، على شكل صرخة استغاثة مكتومة، وبحث شاق عن بارقة أمل، عن ذرة من العقلانية في قلب عاصفة هوجاء جرفت كل منطق. "حلم ليلة شرق" في لندن : شكسبير كما يراه كركلا في الاستعراض الراقص الذي يقدمه على خشبة "روياليتي تياتر" في لندن أيام 25، 26 و27 آذار مارس الحالي، يغرف الكوريغراف اللبناني عبد الحليم كركلا مادته الدرامية مباشرةً من المسرح الشكسبيري. فالحكاية أو "الحدوتة" تبدو من العناصر الاساسية في مسيرة "فرقة كركلا"، لا يقوم استعراض راقص من دونها، من هنا انتماء هذه التجربة، وهي بين تجارب قليلة تستحق الإهتمام في الرقص العربي الحديث، الى المدرسة التعبيريّة بكل تناقضاتها وخصوصياتها. يتأرجح عبد الحليم كركلا في "حلم ليلة شرق" المقتبسة بحرية وتصرف شديدين عن "حلم ليلة صيف" لشكسبير، بين نزعة تراثيّة لا يعرف كيف يخرج من دائرتها، ورغبة في مقاربة الرقص الحديث دون أن يجرؤ على اقتحامه. لكن هذا الفصام لم يمنعه من تقديم بعض أهم ما شهدته الخشبة العربية من إستعراضات، لاقت الترحيب وحققت النجاح في أكثر من مدينة أوروبية وعربية. في كل أعماله السابقة، ومنها "الخيام السود" 1977، "طلقة نور" 1980... و"أصداء" 1987، يوجه كركلا راقصيه إنطلاقاً من لغة رمزية وموضوع هادف، ويلجأ الى المزج بين السرد والرقص. مسرح راقص إذاً؟ ليس بالتحديد الحديث، تحديد الإلمانية بينا باوش، الفرنسية كارين سابورتا، أو الاميركي وليام فورسايت. فكركلا يخاف السكون والصمت، يخاف الفراغ ويملأه بحركة دائمة، مفرداتها مستعارة من الفولكلور. بينما تقتضي مسرحة الرقص، مزاوجة دائمة بين إيقاعين متنافرين : التمثيل والتعبير الجسدي الموقع. محور اهتمام مصمم الرقص اللبناني الذي يواجه جمهوره البريطاني بعد أيام، هو روح الشرق. فحتى المادة الشكسبيرية عبرت عنده من هذه "المصفاة". ولمَ لا، فكتابته الكوريغرافية تنطلق من التزيين والزخرفة، من الالوان والايقاعات التي تثير الإنفعال وتحفز على "الطرب". وقد نسج "حلم ليلة شرق" على موسيقى مارسيل خليفة التي تخدم العرض وتعطيه بعده المتخيل وغناه الشاعري.