كلنا يتابع باهتمام يشوبه قلق اعتقال عربي بتهمة تفجير مركز التجارة العالمية في نيويورك، او المشاركة في تفجيره. وحتى كتابة هذه السطور لم يكن مكتب التحقيق الفيديرالي، او وزارة العدل الاميركية، وبالتالي كاتب هذه السطور، نعرف ان كان محمد سلامة قام بالعملية وحده، او مع شركاء، او لم يقم بها البتة. ومع ان سلامة اعتقل في بلد من اركان تركيبته كلها ان الانسان بريء حتى تثبت ادانته، فان ثمة فيضاً هائلاً من التغطية الاعلامية الاغراقية، يتجاوز المعتقل نفسه لادانة العرب والمسلمين كلهم معه. اذا كان سلامة بريئاً فان التغطية الرهيبة ستضمن ألا يجد محلفين يبرئونه. واذا كان مذنباً فانه سيتراجع الى الخلف لتصبح المحاكمة للعرب والمسلمين او الاسلام نفسه. كيف يمكن ان يحدث هذا في بلد قاعدته ان الانسان بريء حتى تثبت ادانته؟ لن احاول الجواب عن هذا السؤال غير انني اسجل انه عندما اتهم يهود بجرائم فظيعة لم يحاكم الشعب اليهودي كله، ولم يوضع دينه في قفص الاتهام. ونسرع لنقول ان هذا ليس مطلوباً، وانه لو اتهم اليهود كلهم او دينهم كدين، لكان واجبنا الدفاع عنهم وعنه، غير انهم لا يحتاجون الى دفاعنا. وعندي ألف مثل بين أشهرها: - الزوجان اليهوديان الاميركيان جوليوس وايثل روزنبرغ سربا اسرار القنبلة الذرية الى الاتحاد السوفياتي، وثبتت عليهما التهمة وأعدما في 19 تموز يوليو 1953. ولم تقم القيامة على اليهود ودينهم، وثمة حركة الآن لتبرئتهما. ولا بد ان القارئ لاحظ فوراً ان تزويد الاتحاد السوفياتي بالقدرة النووية اطال امد الحرب الباردة نصف قرن تقريباً، وهو اهم كثيراً من عملية ارهابية واحدة. - المافيا اليهودية في الولاياتالمتحدة التي شاركت المافيا الايطالية حينا، ونافستها حيناً آخر، ساهمت في نشر الخمور والمخدرات والدعارة. وكان زعماؤها، مثل مائير لانسكي في شهرة اشهر "عرابي" المافيا الايطاليين. ونعرف ان اليهود الاميركيين لم يشملوا بذنب المجرمين بينهم. - لا يزال هناك الوف المجرمين في اوساط اليهود الاميركيين، وهذا طبيعي في كل طائفة فهم ليسوا استثناء في الخير أو الشر. وفي كانون الثاني يناير الماضي اعتقل الحاخام ابراهام لوي في كاليفورنيا بتهمة غسل اموال مخدرات، وتبين انه على علاقة بحاخام آخر مطلوب وفار الى اسرائيل اتهم بسرقة ملايين الدولارات من شركات اميركية وأوروبية. وقرأنا الخبر في صحف اوروبية، كما نشرت تفاصيله الصحف الاسرائيلية نفسها، الا ان وسائل الاعلام الاميركية عتمت عليه ولا تزال. - الصحافة الاسرائيلية حذرت من ان مجرمين اسرائيليين كثيرين بدأوا ينقلون نشاطهم الى الولاياتالمتحدة، وقرأت "بلغت اعدادهم الألوف في السنوات الاخيرة، حسب معلومات قوى الامن، وهم يتاجرون في المخدرات وتهريب العملة وغسلها والقمار والدعارة، والاحتيال على شركات التأمين والتهرب من الضرائب والقتل. وهم يعملون بشكل رئيسي في نيويورك ولوس انجليس وميامي، واحياناً يتحالفون مع يهود من روسيا واميركا اللاتينية". وكما يلاحظ القارئ فالحديث عن الوف المجرمين، وبعض قصصهم مثير للغاية، ففي تشرين الثاني نوفمبر الماضي في بالو التو بولاية كاليفورنيا اعتقل الحاخام الاسرائيلي اوستن ابراهام فيلد، مع اخيه سكوت فيلد، وهما يحاولان اقتحام منزل الطبيب النفسي شاؤول فاسرمان وزوجته جوديث لقتلهما طعناً بالسكاكين. وهما معتقلان الآن بانتظار محاكمتهما، ومعلوماتي هذه عنهما ليست من الصحافة الاميركية بل الاسرائيلية المترجمة واليهودية الاميركية. - جوناثان بولارد محلل معلومات المخابرات في البحرية الاميركية اعتقل في تشرين الثاني نوفمبر 1985 بتهمة التجسس لاسرائيل، ودين وحكم عليه بالسجن المؤبد سنة 1986. والضجة الوحيدة التي قامت في شأنه هي مطالبة اليهود الاميركيين واسرائيل باطلاق سراحه رغم ثبوت الجريمة عليه. وآخر ما سمعت عنه لم يكن اتهام اليهود الاميركيين كلهم بالجاسوسية بسببه، بل حملة ضغط على بيل كلينتون لاطلاق سراحه بحجة ان 80 في المئة من اليهود الاميركيين صوتوا له. - اخطر الجرائم التي ارتكبت في الولاياتالمتحدة في العقدين الاخيرين قد لا تكون تفجيراً او قتلاً، وانما السرقات بمئات ملايين او بلايين الدولارات في بورصة نيويورك، وول ستريت، واتهم مايكل ميلكين وحده بتضييع بلايين الدولارات وحكم عليه في آذار مارس 1991 بالسجن 10 سنوات. وكنت قرأت قبل سنة كتاباً بعنوان "وكر اللصوص" عن ابطال سرقات وول ستريت ووجدت ان عشرة من اصل 11 متهماً رئيسياً كانوا من اليهود الاميركيين. ومرة اخرى فلو كانت المافيا كلها يهودية اميركية او اسرائيلية، ولو كان الاحد عشر لصاً في "وول ستريت" يهوداً اميركيين كلهم، لما جاز اطلاقاً تحميل طائفتهم مسؤولية أعمالهم. ولا نطالب بشيء سوى أن يعامل العرب والمسلمون، والاسلام نفسه، بالمثل.