يوم الأحد الماضي بدأت زاويتي هذه ناقلاً عن الرئيس بوش قوله ان "افضل طريقة للحصول على الأخبار هي من مصادر موضوعية، وأكثر المصادر موضوعية هم الناس الذين يعملون لي". بعد يومين، اي الأربعاء الماضي، وجدت ان ديريك جاكسون في تعليق نشرته جريدة "بوسطن غلوب" يبدأ ايضاً بكلمات الرئيس التي توقفت عندها قبله بيومين، فالمشكلة مع الرئيس انه لا يعرف، وإذا عرف شيئاً فهو من مساعديه الأقربين، وبينهم غالبية ليكودية تعمل لخدمة مصالح اسرائيل وحدها. أعترف بأنني أكتب ثم تراودني شكوك في نفسي. هل اصبحت متطرفاً؟ هل ارى اشياء غير موجودة؟ هل أبالغ؟ هل أترك عواطفي تتحكم بعقلي وقلمي؟ هل اجهل الطرف الآخر أو أتجاهله؟ اهم ما في مقال جاكسون ليس انه توكأ على فكرة طرحتها قبله، بل انه يبدد شكوكي في نفسي، فإذا كان كاتب اميركي ينتقد مصادر رئيسه، فمعنى ذلك ان انتقادي ليس مبالغاً فيه، أو صادراً عن هوى شخصي. الأسبوع الماضي وفّر لي اسباباً أخرى للثقة بالنفس، فإضافة الى مقال "بوسطن غلوب" كان هناك: اعتقال البليونير ميخائيل خودوركوفسكي في روسيا، وفرار بعض كبار اركان شركة يوكوس من اليهود الروس الى اسرائيل. الواقع ان الزميل رائد جبر غطى الموضوع في شكل ممتاز من موسكو، وهو كان كتب غير مرة في السابق عن فرار المطلوبين من اليهود الروس الى اسرائيل فور ملاحقتهم في قضايا مالية او غيرها. لم أكتب شيئاً عن اعتقال خودوركوفسكي، قبل هذه السطور، فأنا لم أدنه او أبرئه، بانتظار ان أرى الأدلة عليه، وأسمع دفاعه. غير انني لاحظت ان يهود العالم هبوا للدفاع عنه، فهو بريء لأنه يهودي، واتهامه يعني عودة اللاسامية الى روسيا، وأكتب وأمامي بضعة عشر مقالاً، اكثرها اميركي وأكثرها يحمل اسماء يهودية واضحة، يدافع عن البليونير المعتقل. كيف عرفوا انه بريء؟ لا سبب هناك وراء الدفاع سوى انهم يهود يدافعون عن يهودي. وهذا مثل ان نهب للدفاع عن اي مسلم يعتقل في اي بلد من العالم بتهمة الإرهاب، فالواقع ان هناك ارهابيين متطرفين من المسلمين، رأينا ما ارتكبوا من الولاياتالمتحدة الى بالي، مروراً بالمملكة العربية السعودية. والمنطق يقول ان يبنى الدفاع على الحق لا على العصبية. ردود الفعل اليهودية على اعتقال خودوركوفسكي طمأنتني الى ان موقفي القديم من الموضوع صحيح، فاليهودي بريء لأنه يهودي. وقد تابعت المجرمين اليهود من ايام مائير لانسكي، المهاجر الى الولاياتالمتحدة من روسيا، الذي اصبح من اركان المافيا في نيويورك، ومات في فلوريدا سنة 1983. وهو لو عاش لرأى المافيا الإيطالية تزول، وتحل محلها مافيا من اليهود الروس المهاجرين الى اميركا. وقد فر كل مطلوب يهودي قادر حول العالم الى اسرائيل، ليحتضن اللصوص بعضهم بعضاً، ومن لانسكي الى الليدي شيرلي بورتر، وريثة "تيسكو"، التي حكم عليها بغرامة اصبحت الآن مع الفوائد 37 مليون جنيه، فادعت الفقر، وفرّت الى اسرائيل. يوم الخميس الفائت نشرت "نيويورك تايمز" خبراً مثيراً عن رجل اعمال لبناني هو عماد الحاج، ومحاولته التوسط بين العراق والإدارة الأميركية عشية الحرب، بطلب من رجال الاستخبارات العراقية. قرأت في الخبر اسماء بول وولفوفيتز وريتشارد بيرل ودوغلاس فايث، وهؤلاء من المحافظين الجدد الذين خططوا للحرب على العراق. وقد قلت دائماً، والخبر يثبت رأيي، ان انصار اسرائيل في الإدارة الأميركية الذين خطفوا السياسة الخارجية، خططوا للحرب خدمة لإسرائيل، لذلك فالاتصالات العراقية كان مصيرها الفشل من البداية لأنها جرت مع دعاة الحرب. احتفظ بخبر اهم مما اوردت "نيويورك تايمز" عن وساطة وزير عربي معروف بين صدام حسين مباشرة، والإدارة الأميركية، ممثلة بنائب الرئيس تشيني، ثم الرئيس بوش. وانتهت الوساطة بالفشل لأن الأميركيين كانوا مصرين على الحرب. وقد سمعت القصة من الوزير مرتين، وكنا وحدنا مرة، ثم سمعتها منه بحضور السيد عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية. وسأستأذن الوزير في نشر القصة، فإذا رآها القارئ في هذه الزاوية في يوم قريب يكون الوزير سمح لي بالنشر. والمهم ان كل ما سبق هو انه يثبت رأيي ان الإدارة الأميركية كانت مصممة على الحرب بغض النظر عن وجود اسلحة دمار شامل او عدم وجودها. كتبت مرة بعد مرة بعد ألف مرة ان اسرائيل أكبر خطر على السلام العالمي، ثم وجدت الولاياتالمتحدة تعتبر العراق وإيران وكوريا الشمالية "محور الشر" وتطيح النظام في العراق، ثم تبدأ "الاهتمام" بسورية. وركبني من الشك ما اصاب الإمام الغزالي لأسباب اخرى، وفكرت يوماً هل اكون مخطئاً، ولا أرى الأخطار الحقيقية على السلم العالمي بسبب انحيازي الى جانبي من دون تفكير او تدبير. غير ان الاستطلاع الأوروبي رد إليّ الثقة بموقفي، فالأوروبيون جعلوا اسرائيل اكبر خطر على السلام العالمي، وضموا الولاياتالمتحدة اليها، وهم لا يمكن ان يتهموا بالانحياز لنا. وهكذا فالرأي في اسرائيل ليس رأيي وحدي، او رأي 250 مليون عربي، او 5،1 بليون مسلم، بل هو رأي 400 مليون اوروبي ايضاً. وأختتم بكاريكاتور ظريف من "بوسطن غلوب" عن الأخبار على طريقة جورج بوش، فهو يقول في مقابلة تلفزيونية: اليوم 116 ألف جندي اميركي لم يقتلوا في العراق.