في 22 تشرين الثاني نوفمبر 1963 أطلق قناص مجهول الرصاص على جون ف. كينيدي فأرداه، وفي اليوم ذاته ألقي القبض على المشتبه به لي هارفي أوزوالد، الذي قتل هو الآخر أمام عدسات الكاميرا بعد يومين من اعتقاله، أما قاتله فهو جاك روبي. وفي 21 شباط فبراير 1965 قتل مالكوم إكس المعروف بالحاج مالك شباز أثناء إلقائه محاضرة في نيويورك، إلا أن هوية قاتله بقيت مجهولة حتى يومنا هذا! أما مارتن لوثر كينغ فقد اغتيل في 4 نيسان أبريل 1968 في ممفيس بيد جيمس ايرل رايس. القتل بعيار ناري أو بالذبح أو الاغتيال، هكذا انتهت غالباً حياة معظم من أوكلت مهمة التخلص منهم في بداية القرن العشرين إلى مافيا جمع صوراً عنها ووثائق الرسام الإسرائيلي عوز ألموق في معرضه المسمى بال"كوشير نوسترا" ما معناه الذبح المحلل لنا في المتحف اليهودي في فيينا والتي تتناول حياة هذه العصابات في بداية القرن الماضي. في عرضه خص ألموق الموت بالنصيب الأكبر ووضعه في مكانة الصدارة، ويعود السبب إلى أن تاريخ وفاة أفراد مما كان يسمى "العصابات اليهودية" كان نقطة الانطلاق التي بدأ منها ألموق رحلة بحث دقيق-استغرقت عامين- عكف فيها على دراسة السير الذاتية لمن توصل لمعرفتهم من لصوص وقتلة وذوي صحف سوداء ذلك أن هذا التاريخ كان بمثابة "الحقيقة" الوحيدة في حياة أولئك الأفراد. وكان من أهم ما توصل إليه دحض للأسطورة الشائعة بأن "أعمال" المافيا الإيطالية مثلت الدور الأكبر في عالم الإجرام وغطت على شهرة العصابات ذات الأصل اليهودي والتي كان لها دور فعال في نشوء الإجرام المنظم في تلك الفترة المظلمة من تاريخ الولاياتالمتحدة. فلا يمكن لأحد ممن يحاول تذكر قصص المافيا الأميركية أن يتجاهل أسماء مثل ماير لانسكي وبنيامين بوقسي ودوتش شولز أو لويس ليبكي، الذين كانوا يرسمون أقدار غيرهم بأيديهم! أما حياة أفراد عصابات المافيا اليهود فقد اتخذت منحى مشابهاً. ففي الفترة ما بين 1881 و1910 هاجر من روسيا القيصرية ومن إيطاليا وإيرلندا وبولندا ما يقارب من 1,6 مليون يهودي إلى نيويورك وحدها، عاشوا آنذاك في ظروف صعبة وعزلة تامة في أفقر أحيائها بروكلين الأمر الذي دفع بهم - على غرار مبدأ الغاية تبرر الوسيلة - إلى محاولة إيجاد سبل تخرجهم من الغيتو وترقى بهم إلى مستويات اجتماعية أفضل، فكان مسرح الجريمة هو الفرصة لتحقيق ذلك. ومن دون أية سوابق انخرطوا في سلك الإجرام بما في ذلك تجارة النساء والمخدرات والابتزاز والمقامرة والقتل مقابل أسعار خيالية، حيث يتقاضى المجرم لقاء طلقة نار في الساق ما يعادل 25 دولاراً، وقد يصل الأجر إلى ألف دولار إذا ما كانت قاتلة. وقد تمركز "سوق" عملهم في نيويورك أيضاً، التي جمعت عن طريق الصدفة أشهر عصابتين إحداهما "بزعامة" لوكي لوثيانو، الذي تعود جذوره إلى جزيرة صقلية والأخرى بقيادة اليهودي البولندي ماير لانسكي. والاثنان نجمان لامعان في عالم الإجرام. في العرض الفني لسيرة المافيا اليهودية في أميركا من 1890 الى 1980 سرد ألموق قصص العصابات من خلال صور وثائقية ورسوم لوجوه مدبري العمليات أرفقها ببيانات تفصيلية مروعة بقدر ما هي مثيرة. ويبدو أن عوز ألموق عكس واقع ذلك العصر من دون تحيز واضعاً نفسه موضع المستكشف لذلك الزمن من التاريخ اليهودي ومسلطاً الضوء على ممثليه في كل ما جمعوا من تناقضات. فعلى سبيل المثال كان صامويل الملقب بالمؤدب القاسي "صاحب الابتسامة الصفراء" والأرثوذوكسي المتدين، عادةً ما يلقن أفراد عصابته كيفية تنفيذ المهام الإجرامية بينما يحجم في الوقت ذاته عن القيام بعمليات اغتيال أو نصب أيام السبت المقدس. وعلى رغم مما عرف عنهم، وهو ما أكده ألموز، من التزام بتعاليم ديانتهم والتمسك بطقوسها كتطهير الأولاد والصلاة والصوم في يوم كيبور، إلا أن نص التوراة الذي جاء فيه منع القتل لم يشكل أي عقبة أمامهم! أما لماذا طرأ النسيان على حكايات "المافيا اليهودية" التي لم تنل شهرة العصابات الإيطالية المعروفة مثل الكوزا نوسترا وآل كابوني، فهذا ما لم يتمكن الموق في عرضه من الإجابة عليه، واكتفى بالتنويه إلى أن يهوداً احتلوا مكانةً "مرموقة" في عالم النصب لا تقل إجرامية عن تلك التي عرفت بها المافيا الإيطالية بل تضاهيها. وبقي السؤال: لو كان القائم على هذا العرض لا ينتمي إلى الطائفة اليهودية، فهل كان سينجو من تهمة معاداة السامية؟