حاول المسؤولون السعوديون والباكستانيون اظهار التفاؤل واضفاء روح المصالحة على مراسم توقيع اتفاقية السلام في اسلام آباد وتقاسم السلطة بين القادة الافغان التي تم التوصل اليها بعد اجتماعات مطوّلة لم تخل من لحظات حرجة كادت ان تحبط جهود المصالحة التي قادها باصرار رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف والامير تركي الفيصل مبعوث خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز. غير ان وجوه معظم القادة الثمانية الذين جلسوا خلف طاولة نصبت في الحديقة الامامية لمبنى رئاسة الوزراء الباكستاني كانت مقطبة، خصوصاً رئيس الدولة برهان الدين رباني الذي بدا اكبر سناً من سنواته الست والخمسين. وكان واضحاً ان معظمهم غير سعداء تماماً بما انتهوا اليه لكنها كانت "اتفاقية الممكن والمتاح"، حسبما وصفها زعيم الحزب الاسلامي قلب الدين حكمتيار الذي قاد حرباً متقطعة ولكن شرسة ضد حكومة رباني. وبدا حكمتيار كأنه المنتصر الوحيد بابتسامته العريضة بعدما حصل على مطلبه الرئيسي الذي هو بمثابة انتصار شخصي عندما أبعد غريمه احمد شاه مسعود من وزارة الدفاع وحصل على رئاسة الحكومة من جديد بعدما كاد يفقدها عندما احبط مسعود محاولتين له للاستيلاء على السلطة بالقوة. وكان مسعود وهو الرجل القوي في حزب رباني "الجمعية الاسلامية" حرم حكمتيار من شرف "فتح كابول" عندما سبقه اليها. ويرى بعض المراقبين ان السبب الرئيسي للخلاف والدمار الذي لحق بالعاصمة الافغانية عقب استيلاء المجاهدين عليها عائد الى التنافر الشخصي بين الزعيمين المتقاربين في السن واللذين عملا معاً في بداية الجهاد الافغاني. ووسط تفاؤل اسلام آباد وروحانية مكةالمكرمة، عبّر وزير الخارجية الباكستاني محمد خان كانجو عن الاحتمال الآخر الذي يواجه اتفاقية السلام بقوله "لا احد يستطيع ضمان السلام في افغانستان". بينما كان ديبلوماسي آخر اكثر وضوحاً اذ قال: "اذا فسرت الاتفاقية بأنها انتصار لحكمتيار وهزيمة لرباني فان افغانستان لن تنعم بسلام طويل". غير ان مصادر باكستانية قريبة من سير المفاوضات اكدت ان نواز شريف والامير تركي الفيصل اتفقا على مبدأين لضمان نجاح اتفاق السلام وهما: تجاوز الماضي، ومتابعة هذه العملية عن طريق لجنة دائمة تعمل تحت مظلة منظمة المؤتمر الاسلامي. وبالفعل كرر رباني وحكمتيار اكثر من مرة امام الصحافيين استعدادهما لتجاوز الماضي والعمل مع بعضهما البعض. كما ركز الامير تركي الفيصل على مسألة خطيرة في العلاقات الافغانية - الافغانية وهي "عدم الثقة والشك". وسيكون بند تشكيل جيش وطني باشراف مجلس للدفاع تتمثل فيه جميع الاحزاب هو التحدي الأول لاحلال الثقة. فحتى وقت قريب كان رباني ومسعود يصران على عدم دخول افراد الحزب الاسلامي بأسلحتهم وآلياتهم الى كابول. وسيحتاج رباني الى وقت حتى يقتنع بأن حكمتيار لن يدبر مؤامرة للاطاحة به وتسلم السلطة بقدر ما يحتاج حكمتيار من وقت لاقناع رباني وبقية القادة بأنه تخلى عن مشاريع الانقلابات التي حاولها اكثر من مرة ضد النظام الشيوعي السابق. كذلك تواجه معظم الاتفاقات التي يتوصل اليها قادة المجاهدين مشكلة تعدد التفسيرات وتجاوزات التطبيق، وعادة ما تنهار اتفاقياتهم عندما يخل احد اطرافها بأحد البنود، او هكذا يدعي طرف آخر، فتنهار الاتفاقية بكاملها، وهناك بنود مهمة عدة يجب ان تجتازها اتفاقية اسلام آباد لتضمن نجاحها. وأولها تشكيل مجلس الوزراء خلال اسبوعين وبينما يريد حكمتيار الذي سيشارك شخصياً هذه المرة صلاحيات واسعة في تعيين الوزراء وان يكونوا مسؤولين امامه. فان اتفاقية اسلام آباد تنص على ان يكون تعيين الوزراء "بالتشاور بين رئيس الحكومة ورئيس الدولة وقادة الاحزاب" ويتوقع ان يشارك بعض قادة الاحزاب شخصياً في الحكومة لتحقيق التوازن مع وجود حكمتيار على رأس الحكومة، لكن هذا لن يمنع من حصول خلافات، فمن المؤكد ان الآراء المعتدلة التي سيحملها السيد احمد جيلاني زعيم الجبهة الوطنية والمرشح لتسلم وزارة الخارجية لن تتفق مع "اصولية" حكمتيار الذي لن يتردد في تأييد الحركات الاسلامية في آسيا الوسطى ومختلف مناطق العالم، ولربما يتفق في ذلك مع رباني ومسعود وسياف. ويبقى الخلاف في وزارة الخارجية محتملاً بالمقارنة مع وزارة الدفاع التي لم يعلن بعد اذا كانت ستبقى أو ان مجلس الدفاع سيحل مكانها. وفي جميع الاحوال سيكون مستقبل مسعود وعلاقته بحكمتيار جديراً بالمراقبة، فمسعود لا يقل قوة عن حكمتيار ويستطيع ان يحمل السيف نفسه الذي رفعه حكمتيار على حكومة رباني من جنوبكابول، ولكن سيرفعه هذه المرة من شمالها، ومن معقله في وادي بنشير وبقية ولايات الشمال. غير ان المراقبين لا يستبعدون حصول تفاهم بين الزعيمين خصوصاً بعدما حصل حكمتيار على "انتصاره الشخصي". وأعلن حكمتيار في تصريح لپ"الوسط" استعداده للعمل مع مسعود في الوزارة المقبلة من دون ان يحدد في أي موقع. وهناك قضايا معلقة يمكن ان تكون محل اتفاق بين حكمتيار ومسعود، بقدر ما يمكن ان تكون محل خلاف، وأهمها مستقبل الميليشيا الجوزمانية وزعيمها عبدالرشيد دوستم، الذي تجاهله القادة في اجتماع اسلام آباد. والثانية العلاقة مع الشيعة الافغان خصوصاً حزب الوحدة الموالي لايران.