في 15 كانون الثاني يناير الماضي، القت الشرطة الايطالية القبض على اخطر رجل في ايطاليا هو سيلفاتوري ريينا "زعيم زعماء المافيا" والعراب الاكبر لعصابات "الكوزانوسترا". وقد دارت في البداية شكوك حول الرجل وأهميته لاعتبارات عدة فيما أبدت دوائر الأمن في روما ارتياحها لهذا الحدث واعتبرته خطوة اولى لكنها كبيرة للقضاء على المافيا، وأكدت بأنها تنتظر من ريينا، الاعتراف بأسماء رجال السياسة الذين تربطهم علاقات بعصابات الجريمة المنظمة. لكن هناك شكوكاً من بعض الخبراء بأن يقدم العراب على هذه الخطوة. التحقيق الآتي يسلط الاضواء على هذا الحدث الذي هز ايطاليا ومعه عالم الجريمة. عندما ألقت الشرطة الايطالية الكارابينييري القبض على "زعيم زعماء المافيا" سيلفاتوري ريينا الملقب بپ"توتو" في الخامس عشر من كانون الثاني يناير الماضي، شكك كثيرون، في البداية، بالأمر. ذلك ان الشرطة لم يكن لديها عن هوية الرجل الا صورة فوتوغرافية باهتة مأكّلة تعود الى عشرين سنة خلت ولا تساعد كثيراً على ملاحقة "العراب" المتواري عن الانظار منذ اكثر من 23 عاماً والذي حذّر بعض اعضاء المافيا التائبين من انه قد يكون أجرى عملية جراحة تجميلية لتغيير سحنة وجهه. والواقع ان سيلفاتوري ريينا صار اسطورة خرافية في عقول الايطاليين بسبب وحشيته البالغة في طريقة تخلصه من اعدائه وبالسهولة التي يفلت بهما من الشرطة في كل مرة. وهناك حكايات لا تنتهي عن الكيفية التي يتنقل بها سيلفاتوري، العرّاب الحقيقي الآتي من كورليوني، في سيارة مصفحة في شوارع باليرمو، عاصمة صقلية، في حماية فريق من الحرس، وكيف انه يظهر احيانآً في أفخم مطاعم المدينة وملاهيها الليلية. المفاجأة على أن الحقيقة برهنت على كونها أغرب من الاسطورة: فعندما اعتقلت وحدة عمليات خاصة، تابعة للشرطة، سيلفاتوري أخيراً، كان أكبر طريد للعدالة داخل سيارة "سيتروان" عادية تنهب احد شواريع باليرمو الرئيسية. لم يكن سيلفاتوري وقتها في حماية حرسه كما أنه لم يكن مسلحاً. وبدا الرجل الذي جرّته الشرطة من داخل السيارة وبطحته أرضاً على بطنه أغرب ما يكون عن زعيم منظمة اجرامية عالمية تكسب من عملياتها داخل ايطاليا وحدها نحو 8،12 بليون مليار دولار اميركي كل عام. وبدا "سيلفاتوري" في الصورة، التي جرى التقاطها له عقب اعتقاله مباشرة، قصيراً لا تكاد قامته تعلو على اقدام خمسة، وظهر بديناً متهندماً بلا عناية داخل ملابس لا تناسب جسمه تماماً وقد انتفخ وجهه. اما ضباط الشرطة الذين بدأوا معه التحقيق فيقولون عنه انه يكاد يكون أُمياً - اذ انه ترك المدرسة في التاسعة من عمره - وانه يترصف بتهذيب واحترام حيث يتولى الوقوف لدى الاجابة عن كل سؤال خلال عملية الاستجواب، كما انه بدا بعيداً عن الغرور الذي اتسم به قادة المافيا الآخرون الذين سبق لهم الوقوع في قبضة الشرطة. وعلى حد ما يقوله أحد هؤلاء الضباط فان "سيلفاتوري" يبدو "رجلاً مسناً مهذباً رقيقاً ومتواضعاً وليس فيه ما يشير الى انه الزعيم الأكبر لعصابات المافيا". الوحش لكن المحققين يقولون ان "سيلفاتوري" هو رجلهم المطلوب حقاً، وان كنيته هي الوحش بسبب تعطشه للدماء. وهو الرجل الأول داخل اللجنة المركزية للمافيا كما انه مسؤول شخصياً، بشكل مباشر أو غير مباشر، عن مقتل مئتي شخص. يؤكد المحققون المتابعون لنشاط عصابات الجريمة المنظمة في ايطاليا بأن عهد سيلفاتوري شهد تحول "المافيا" الى قوة عظمى في مجال تهريب الهيرويين والكوكايين الى الولاياتالمتحدة وأوروبا وغيرها، وهو متهم ايضاً باقامة الصلات التي جعلت عصابات صقلية الاجرامية تدخل في شراكة مع تجار الهيرويين الاتراك ومع العصابات الكولومبية المتحدة المتاجرة بالكوكايين. اعترافات بعض التائبين لقد روى التائبون من قادة المافيا، بعد ان حنثوا بقسم الصمت الذي يؤدونه عند انتسابهم الى عالم الجريمة، كيف شق ابن الفلاح الآتي من بلدة كارليوني طريقه الى زعامة المنظمة الاجرامية عن طريق التصفية الجسدية لكل من يعارض مشيئته او يشكك في أقواله. فپ"فرانسيسكو مارينو مانويا"، زعيم المافيا الذي اصبح شاهداً للاتهام، وصفه بأنه "الشيطان الرهيب الذي يسيطر على المافيا". اما "سيلفاتوري كونترونو" - وهو قاتل متمرس - فيقول عنه "ان في وصفه بالوحشية تقليل من مدى قسوته"، فيما تعبّر دوائر الشرطة عن اقتناعها بأنه قد قتل أربعين شخصاً - على الأقل - وذلك عن طريق الرصاص أو الخنق باليدين المجردتين، والاخيرة هي طريقته المفضلة حيث لا يصحبها صوت ولا تعقبها دماء. وقد درج "سيلفاتوري ريينا" ان يقوم، بعد ذلك، باذابة اجسام ضحاياه في حوض الحمام مستخدماً الحوامض الكيماوية المذيبة. وبالمثل فهو مسؤول عن اصدار امر القتل بحق عشرات من الضحايا الآخرين. اما "وماسو بوشيتا"، زعيم المافيا الذي أدت اعترافاته الى تقديم 470 من المتهمين الى المحاكمة في العام 1984 فهو يقول ان "ريينا" يقف وراء كل جريمة قتل قامت بها المافيا منذ 1981، ذلك العام الذي نجح فيه في بسط سيادة عائلة "كورليوني" على عصابات المافيا الاخرى فارضاً سيطرته - شخصياً - على المنظمة الاجرامية بكاملها. ولقد شملت قائمة ضحاياه اعواناً استنفدوا اغراضهم، ورجال عصابات من عائلات مافيا مضادة فضلاً عن ممثلي جهاز الدولة من سياسيين وقضاة وضباط شرطة. ومن بين التهم التي يواجهها "سيلفاتوري ريينا" قيامه باغتيال القاضي "جيوفاني فالكوني" في ايار مايو الماضي وزميله "باولو بورسيلينو" في تموز يوليو الماضي. وتقول القاضية "ليليانا فيراري"، التي خلفت "جيوفاني فالكوني" وصارت رئيسة لهيئة ملاحقة الاجرام في ايطاليا، في هذا الصدد: "لا أعلم ان كان "سيلفاتوري" هو رئيس جماعات المافيات أم لا فالامر يرتهن للادلة والبراهين. على ان ما ادركه يقيناً هو ان سيلفاتوري قاتل، فهو الذي تولى اغتيال فالكوني وبورسيلينو". مصدر توبة والذين يعرفون "سيلفاتوري" وسبق لهم العمل معه يقولون ان مصدر سلطته الجبارة يكمن في وحشيته وشراسته. وعلى رغم افتقاره الى التعليم النظامي فهو يحظى بعقل ثاقب لا تحد من نفاذه اعتبارات الضمير والاخلاق. فعلى حد ما يقوله "انطونيونو كالديروني"، زميله السابق الذي انقلب شاهداً للاتهام قبل عامين، فان "سيلفاتوري كان جاهلاً جهلاً لا يكاد يصدق، ولكنه كان دقيق الحدس، سريع البديهة، ذكياً، يحمل دائماً في داخله مكراً شبيهاً بالمكر الحيواني، واحدى الحِكَم المفضلة لديه تقول "اذا أصيب الاصبع بالألم فمن الأسلم والأكثر أماناً بتر اليد بكاملها". البداية ووفقاً للتقارير فان سيلفاتوري بدأ سجله كقاتل وهو في ريعان الصبا. ويقال انه انضم الى صفوف المافيا وهو في الثالثة عشرة من العمر حيث تتلمذ في فنون القتل على يدي بطل صباه الذي يكبره بخمسة أعوام، "لوسيانو ليغيو" عرّاب "كورليوني" - تلك البلدة التي انحدر منها كلاهما - الذي استولى على الزعامة عام 1958 بعد قتله العراب الذي ساد وقتها، وكان طبيباً بارزاً في البلدة يدعى "ميشال نافارو". وفي العام 1977 جرى اعتقال "لوسيانو ليغيو" في ميلانو ويقال ان ذلك تم بعد وشاية من "سيلفاتوري" الذي سرعان ما احتل موقعه الشاغر. على ان "سيلفاتوري" كان اكثر طموحاً من سلفه، فقد احكم القبضة باعتماده على الترويع والارهاب، وأصبحت عائلات المافيا الاخرى مواجهة بخطر الاندثار او الاذعان. وهكذا اصبح ديكتاتوراً يأمر ويلقى الطاعة التامة العمياء، لا من رجاله وحدهم وإنما من زعماء عائلات المافيا الآخرين الذين وقفوا الى جانبه. ويقول البروفسور "بينو أرلاشي" وهو مرجع في شؤون الجريمة المنظمة: "ان عائلة "كوليوني" ظلت لسنوات عشر سيدة مطلقة وأصبحت هي المافيا ولم تكن امامها أدنى بادرة للمعارضة في الداخل كما ان سيلفاتوري امس بزمام السلطة المطلقة والتحكم داخلها". ويصف "غاسباري موتولو"، الذي عمل لسنوات سائقاً خاصاً لسيلفاتوري قبل ان يقرر التعاون مع الشرطة في الصيف الماضي، الطريقة التي كان يعتمدها ريينا "في التعامل مع معارضيه القليلين قائلاً: "انها استراتيجية ثابتة من التصفية البدنية ليس فقط بحق من عارضه علناً، وإنما بحق اولئك الذين لا يشاركونه الخيارات". وروى "بولداساري دي ماغيو" الذي انقلب شاهداً للاتهام في اوائل كانون الثاني يناير كيف قام "سيلفاتوري" في يوم واحد بتصفية 32 من اعدائه وكيف جرى التخلص من جثثهم. وأكد على أن الشخصيات التي تمثل خطراً من داخل عائلة كورليوني ذاتها تواجه المصير نفسه، فقد امر "ريينا" بقتل "بينو غريكو"، القاتل الخاص بالعائلة الذي كان يحظى بالقدر الأعظم من الثقة وذلك خوفاً من تنامي شعبيته. تغيير النهج ويلاحظ المتخصصون في شؤون الجريمة المنظمة بأن المافيا غيرت نهجها التقليدي، في عهد سىلفاتوري، والمتمثل في عدم الجهر بالعداء لرموز الدولة الايطالية. فهو المسؤول، كما يقول هؤلاء، عن كل الجرائم الارهابية، التي جرى ارتكابها ضد الشخصيات الايطالية البارزة خلال السنوات العشر الاخيرة، بدءاً بكبير القضاة "روكو شينيسي" الذي انفجرت به وبخمسة من حرسه سيارة مفخخة في العام 1983. ويقول المحللون ان ذلك النهج الجديد هو الذي قاد الى سقوط ريينا، فموجات الاحتجاج التي اعقبت اغتيال القاضيين فالكوني وبورسيلينو شجعت الحكومة الايطالية على اتخاذ خطوات حاسمة ضد المافيا حيث ارسلت 7 آلاف جندي الى صقلية، وأصدرت تشريعات جديدة لزيادة سلطات رجال الشرطة. وقد مسّ مصرع القاضيين، ايضاً وتراً حساساً لدى المواطنين مما أثار موجات من العنف والاحتجاج داخل صقلية ذاتها التي طالما ساعد صمت اهلها على حماية المافيا ومؤسساتها. القانون الجديد وكان من شأن القانون الجديد الذي صدر وكفل الحكم المخفف والهوية الجديدة للتائبين من اعضاء المافيا ان جاء بفيضان من الاعترافات من رجال المافيات الذين شكوا من ان "سيلفاتوري" بات مجنوناً بالعظمة مهووساً بسفك الدماء. ولقد اعترف، بينو ماشيسي، احد القتلة ان أقرباء ريينا في العام الماضي بأنه "قرر التعاون مع الشرطة لأنه لم يعد يشعر بالارتياح في منظمة تغيرت قواعدها بشكل جذري". وكانت الشهادة التي أدلى بها "بينومارشيسي" ذات اثر كبير في تدهور مركز "سيلفاتوري" واعتقاله، وهو الذي تزعم المافيات من مخبئه طيلة عقدين من الزمان بعد ان صار طريداً عام 1969 على اثر هربه من بلدة صغيرة قرب بولونيا كانت اصبحت منفى له بعد ارتكابه لجرائم عدة لحساب المافيا، حيث صدر الحكم بحقه غيابياً في العام 1987 بالسجن المؤبد بتهمة القتل وتهريب المخدرات. ومن الغريب ان مخبأ "سيلفاتوري" كان يقع على مقربة كيلومترين من قلب مدينة باليرمو. وطيلة الاعوام الثلاثة والعشرين التي قضاها طريداً للعدالة لم يفارق العرّاب موطنه، صقلية، الا نادراً باستثناء الحالات المتفرقة التي سافر فيها الى ميلانو او الى المانيا حيث تحظى المافيات باستثمارات متنامية. وخلال تلك الفترة تمكن "سيلفاتوري" من الزواج بحبيبة طفولته، "انطونيتا باغاريلا" وهي فتاة جميلة ذات شعر فاحم تنتمي الى عائلة اخرى من عائلات المافيا في "كورليوني". علامات استفهام ويثير اعتقال "سيلفاتوري بعد كل تلك الاعوام اسئلة عدة بينها: لماذا الآن بالذات جرى القبض عليه؟ هل يعني ان سلطته قد وهنت ام ان احد اعدائه "باعه" للشرطة؟ وبلغ الأمر ببعض المحللين ان المحوا الى احتمال ان تكون المافيا عقدت صفقة سرية مع الحكومة، تسلمها رأس "سيلفاتوري" مقابل تخفيف الوطأة على المنظمة الارهابية. ويقول آخرون ان تزامن اعتقاله مع لحظات الانحطاط التي تشهدها مكانة الاحزاب السياسية الكبرى قد لا يكون من قبيل المصادفة، علماً بأن بعض القطاعات السياسية، بين حرس ايطاليا القديم، لعبوا دور الحماة لعناصر المافيا. من يخلفه؟ ويفتح اعتقال "سيلفاتوري" باب التنافس على زعامة المافيا. وفي صدارة المرشحين لملء المنصب "بيرناردو بروفينزانو" الذي كان شريكاً في عمليات التصفية والقتل للعراب المسجون منذ أيام "كوليوني" الخوالي و"ليولوسا باغاريلا"، شقيق انطونيتا زوجته، وهو كما يقال من أقدر القتلة بين رجال "زعيم زعماء المافيا". ووفقاً لما يقوله المراقبون فان بوسع "سيلفاتوري" مواصلة السيطرة على المنظمة حتى من وراء قضبان السجن، وتلك ممارسة مألوفة في دوائر المافيا، اذ ان القواعد تنص على انه يجوز للزعيم تعيين مناوب موثوق به يتولى تنفيذ تعليماته. وما زال هناك العديد من اعمام "سيلفاتوري" وأقربائه الآخرين بمنجاة عن قبضة الشرطة وفي وسعهم مواصلة اعمال العائلة. لكن السلطة المطلقة التي كان يمسك بها "ريينا" الأمر فضلاً عن الشراسة الهائلة التي كان يتمتع بها قد تقود الى نزاع دموي على الزعامة والى موجات من اعمال القتل الثأرية من خارج عائلة "كورليوني". وقد تكون نتيجة ذلك حرباً اكثر دموية بين عائلات المافيا مما جرى في اوائل الثمانينات حيث قتل اكثر من 500 صقلي من اعضاء المافيا، بينهم افراد اسرهم. وانتهت تلك المعركة يومها بتفرد "سيلفاتوري" بزعامة عصابات الجريمة المنظمة في ايطاليا. السيناريو المرعب بيد ان السيناريو المرعب يتمثل في احتمال قيام المافيا بحملة اغتيالات جديدة ضد الشخصيات العامة كي تبرهن على انها - على الرغم من الضربة التي تلقتها - ما زالت فعّالة. ويقول البروفسور "بينو آرلاشي": "ان علينا ألا نخدع أنفسنا بالاعتقاد بأننا قد اجتثثنا مقدرات المافيات الضاربة، فربما يحاول رجالها التدليل على انهم ما زالوا على قوتهم، وقد يقومون مثلاً باعتيال بعض المسؤولين الحكوميين، على سبيل تلقين الدرس". وكان مسؤولو وزارة الداخلية الايطالية كشفوا هذا الشهر، قبيل اعتقال سيلفاتوري، عن مؤامرات لاغتيال رئيس الوزراء، "غيوليانو أماتو" ووزير الدفاع سالفو أندو. وفيما ينتظر زعيم عصابات "الكوزانوسترا" المحاكمة في زنزانته المنفردة في سجن ربيبيا الحصين في روما، فان مسؤولي الأمن يبذلون جهوداً خارقة للابقاء على حياته الى حين ادلائه بشهادته، فطعامه وشرابه يخضعان للفحص الدقيق ويجري اعدادهما في مطعم خاص خارج مبنى السجن. اما سلطات الشرطة والقضاء فهم يتطلعون بشوق الى اعترافات "سيلفاتوري" التي ستكشف، حسب رأيهم، عن الاسرار التي تفضح علاقات المافيا بالنظام السياسي الايطالي. وحتى الآن فان الرجل الذي يعتبر اخطر مجرم في البلاد يبذل جهوداً خارقة ايضاً ليقنع الجميع بأنه ضحية هوية مغلوطة. فقد حدّث قضاة التحري قائلاً "لست أنا بالوحش الذي تتصورونه، فما انا سوى رجل مسن مريض وفقير. كيف يكون لفلاح عجوز مثلي ان يكون زعيماً للمافيا؟" لكن لعب دور الرجل المسن البريء اللطيف هو احد امكر خدع "سيلفاتوري"، وفقاً لما يقوله العليمون بأمره. وفي هذا الصدد يقول احد اتباعه القدامى "بينو مارشيسي" في اعترافاته: "اذا قابلت "سيلفاتوري" وحادثته يبدو امامك رجلاً طيباً، كما يبدو كريماً ممعناً في التأمل. ولكنه في واقع الأمر شبيه بالتفاحة التي تبدو طيبة وحمراء ناعمة من الخارج فيما يفور داخلها المتعفن بالديدان". * مراسلة وكالة وورلد نيوز لينك في روما. الوحش والاسرة كانت "انطونيتا باغاريلا" في الثالثة عشرة من عمرها عندما أحبت رجل المافيا سيلفاتوري ريينا الشاب الذي كان على موعد ليشق طريقه عنوة كي يصبح الزعيم الاوحد لتلك المنظمة الاجرامية. وكانت الصبية، التي تنحدر هي الاخرى من عائلة اجرامية، لمحته لاول مرة في ساحة بلدة "كورليوني" حيث ترعرعا. وكان "سيلفاتوري" الذي يكبرها باثنتي عشرة سنة - وقتها - والذي بدأ بالبروز "كرجل محترم" قد تنبه الى الفتاة ذات الشعر الفاحم الطويل. وقد قادت تلك النظرات المتبادلة الى علاقة رومانسية طويلة بينهما والى تعهد مشترك بالزواج. بيد ان ثمانية عشر عاماً اخرى مضت قبل ان تتمكن "انطونيتا"، التي يلقبها اصدقاؤها بپ"نينتا" الزواج من سيلفاتوري "الوحش". وعلى الرغم من سمعة الزوج كقاتل شرس فإن "انطونيتا" ظلت وفية له على مر الايام، فقد تبعته الى مخبئه وعاشت معه طريدة العدالة طيلة اكثر من عشرين عاماً حتى اعتقاله في الخامس عشر من كانون الثاني يناير الماضي. وبعد اقل من ثماني وعشرين ساعة من ذلك عادة انطونيتا 50 عاماً الى منزل اسرتها الاصلي في "كورليوني" لاول مرة منذ عشرين عاماً، وبصحبتها اطفالهما الاربعة المولودون خلال فترة الاختفاء الطويلة: "ماريا كونسيتا" 19 عاماً "جيوفاني" 17 عاماً "جيوسيبي" 16 عاماً و"لوسيا" 13 عاماً. وقد سافر أفراد العائلة من باليرمو الواقعة على بعد 60 ميلاً من "كورليوني" بواسطة سيارة الاجرة. وكانت اول محطة لهم هناك هي بيت اسرة انطونيتا القديم حيث قدمت اطفالها الاربعة لامها واخواتها، لاول مرة في حياتهم. وما ان انتشر نبأ عودة الاسرة حتى تدفق الاقارب لمقابلة زوجة أقوى زعماء المافيا في العالم نفوذاً وسلطاناً والذي طالما سمعوا عنه دون أن يروه.