ثمة عرض غير مألوف: إقامة لبضع ليال في المخبأ السابق لزعيم مافيا لا يرحم، بالقرب من البلدة التي استوحيَت منها كتب وأفلام"العراب". المكان الذي يتضمن حظيرة الخراف التي اختبأ فيها زعيم المافيا المسجون توتو ريينا ذات مرة، حوّل إلى نزل ريفي في غرب صقلية وأطلق عليه اسم"أراضي كورليوني". إنه جزء من مجموعة ممتلكات المافيا السابقة التي صادرتها السلطات الإيطالية وحولتها إلى مواقع سياحية أو كروم أو معاصر زيتون، ما يضفي طابعاً جديداً على الأراضي التي غالباً ما يقترن اسمها بالعنف والجريمة. لا شيء يوحي بأن إحدى أقبح جرائم المافيا في تسعينات القرن الماضي ارتكبت في موقع غير بعيد، عندما أقدم مساعد ريينا، جوفاني بروسكا، على خنق الشاب جوسيبي دي ماتيو ثم ذوب جثته بالحمض لمعاقبة والد المراهق لأنه تحول إلى شاهد لمصلحة الدولة. وثمة مشروع آخر يبعد حوالى 20 كيلومتراً عن المكان، حيث ترحب لافتة كتب عليها"أصول مصادرة تخص المافيا"بزبائن مصنع الخمر"إي شينتو باسي"الذي سمي تيمناً بفيلم أطلق عام 2002 ويتناول اغتيال الصحافي بيبينو إمباستاتو على يد المافيا. يقول فرانشيسكو غالانتي من جمعية"ليبيرا":"نحن في جوار كورليوني، وهذه الكروم المزروعة تبرهن أنه يمكن إنتاج أجود أنواع عصير العنب من لا شيء". "ليبيرا"هي منظمة مناهضة للمافيا أسسها الكاهن الكاثوليكي دون شيوتي، متخصصة في إعادة تأهيل الممتلكات المصادرة. لكن ذلك لا يخلو من الأخطار. ويضيف غالانتي:"استحداث وظائف على أراضي المافيا يضعنا في موقف صعب. لقد تعرضنا لمحاولات ترهيب عدة وعمليات إحراق للممتلكات وسرقات. كان ذلك يهدف إلى تثبيط عزيمتنا". وعلى رغم التحديات، فإن الأشخاص الذين ساهموا في هذه التحولات التي باتت ممكنة بعد تعديل القوانين الإيطالية، يقولون إنها تستحق العناء. ولطالما سمح للشرطة بمصادرة ممتلكات أعضاء المافيا أو رجال أعمال يشتبه بارتباطهم بالجريمة المنظمة. لكن منذ العام 1996 أصبح بالإمكان"إعادة استعمالها لأغراض اجتماعية". وأنشأت"ليبيرا"مدرسة لتعليم ركوب الخيل على أرض كانت تخص بروسكا، وسمي المركز تيمناً بضحيته الشاب جوسيبي دي ماتيو. وافتتحت أيضاً متاجر تبيع العدس أو الشاي أو الباستا من"أراض خالية من المافيا". أحد هذه المتاجر يقع في باليرمو داخل مبنى صودر من متعهد مرتبط بالمافيا.