سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"الوسط" تحاور المسؤول الدولي الأول عن متابعة انتهاكات حقوق الانسان في يوغوسلافيا . المجازر وعمليات الاغتصاب والتهجير مستمرة في البوسنة والعالم يكتفي بالادانة … هذا لا يجوز !
قدم المسؤول الدولي الاول عن متابعة قضية انتهاكات حقوق الانسان في البوسنة والهرسك وجمهوريات يوغوسلافيا الاخرى صورة قاتمة ورهيبة عن المجازر وعمليات الاغتصاب والتهجير والمآسي المختلفة التي تشهدها البوسنة، وذلك في تقريره الى لجنة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة في جنيف والمجتمعة منذ مطلع هذا الشهر. هذا المسؤول الدولي هو تاديوش مازوفيسكي المقرر الخاص للجنة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة في يوغوسلافيا السابقة. "الوسط" حضرت اجتماعات لجنة حقوق الانسان في جنيف واطلعت على تقرير مازوفيسكي هذا ثم اجرت مقابلة خاصة معه حول انتهاكات حقوق الانسان في البوسنة والهرسك. ولا بد من الاشارة الى ان مازوفيسكي هو رئيس وزراء سابق في بولونيا. ولنبدأ اولاً بالاطلاع على ابرز ما قاله في تقريره الى لجنة حقوق الانسان في جنيف. اكد مازوفيسكي في تقريره الى لجنة حقوق الانسان ان ثلث سكان البوسنة والهرسك هُجّر. ووفق المعطيات المتوافرة لديه، فإن 700 ألف شخص أجبروا على الهرب الى الخارج وان 810 آلاف نسمة الزموا على مغادرة قراهم ومدنهم ولجأوا الى مناطق اخرى في البوسنة والهرسك. "حاكموا مرتكبي الجرائم" وتناول مازوفيسكي في عرضه لخلاصات التحقيق الذي قامت به لجنته، مسألة طبيعة حرب البوسنة والهرسك فأكد انها "ليست حرباً دينية" ولكن مع ذلك، فان "أماكن العبادة تنتهك يومياً وتدنس على نطاق واسع وكذلك فأن اثاراً مهمة وصروحاً تاريخية تتعرض للتدمير والغرض من ذلك كله تدمير الهوية الوطنية للبوسنة والهرسك". وتناول مازوفيسكي الوضع الذي تعيشه العاصمة ساراييفو التي يموت سكانها ليس فقط بفعل القصف ولكن كذلك بفعل الانهاك والبرد والمرض"، وأكد ان كثيراً من القرى والمدن البوسنية تعيش حالة ساراييفو، فالمساعدات الانسانية لا تصل الى المحتاجين اليها والمكامن التي تتعرض لها قوافل الاغاثة والاعتداءات على المستشفيات مستمرة". ثم وجه تاديوش مازوفيسكي اصابع الاتهام الى المسؤولين عن هذا الوضع فقال: "ان الرأي العام الاوروبي والدولي يعي اكثر فأكثر ظروف الحرب في البوسنة والهرسك. فالجرائم التي ترتكب واسماء مرتكبيها تظهر في العلن. ونحن نجد انفسنا مدعوين الى القول ان قادة الصرب في البوسنة والهرسك مسؤولون بشكل رئيسي عن سياسة التطهير العرقي التي يعتبر المسلمون ضحاياها الرئيسية. ومن الصعب علينا ان نتصور ان هذه السياسة كان يمكن تنفيذها من غير الدعم النشيط لحكومة صربيا. لقد تمنيت ان اعرض عليكم وجهة نظري من غير التباس وان اشير ايضاً الى ان الشعب الصربي نفسه هو ضحية هذه الحرب حيث يتعرض كثير من الصربيين الابرياء لاضطهاد المتطرفين من الصربيين. ان انتهاكات حقوق الانسان وجرائم الحرب غدت نمط التصرف العام. وواجبي ان ادعو هنا الى ضرورة احترام القانون الدولي وحقوق الانسان من دون اية شروط. وبالنتيجة، فإن اي شخص ارتكب مثل هذه الجرائم يجب ان يحاكم". وأعرب عن أسفه لعجز المجموعة الاوروبية عن وقف المجازر. ثم طرح بعد ذلك السؤال الآتي: ما الذي يمكننا فعله ازاء هذا الوضع؟ في اجابته عن هذا السؤال يعدد مازوفيسكي خمسة امور رئيسية هي: تحرير كل المعتقلين والسجناء من السجون ومعسكرات الاعتقال. ايجاد مناطق آمنة فوراً في البوسنة والهرسك. ضمان حق العودة للمهجرين. المبادرة فوراً الى فتح ممرات لنقل المساعدات الانسانية. اتخاذ التدابير اللازمة لتحاشي التسميم والتضليل الاعلاميين. ووقف الدعوات التي تؤجج الحقد بين شعوب البوسنة والهرسك. غير ان مازوفيسكي يستدرك قائلاً: "ان تجربتي كمقرر خاص للجنة تؤهلني للقول ان منظمة الاممالمتحدة والوسائل الموضوعة بتصرفها ليست قادرة على الاستجابة للتحديات المطروحة"، الامر الذي يعني، وفق ما شرحه لنا مازوفيسكي لاحقاً، تغيير نمط عمل الاممالمتحدة ووضع وسائل جديدة بتصرفها، تكون فاعلة حقيقة في وضع حد للانتهاكات الصارخة. ويصل مازوفيسكي في نهاية تقريره الى الخلاصة الآتية: "ان الحلول التي علينا ان نجدها تتناول مصير مئات الآلاف من الاشخاص الذين اصابتهم الحرب وتعرضوا لانتهاكات صارخة في حقوقهم الانسانية. ومستقبل هذه الشعوب مرهون بمستقبل كل شعوب البلقان في توقها الى السلام والتسامح. ولا شك ان الحلول المقترحة لمشاكلهم ستقرر مصير وموقع حقوق الانسان في السياسة الدولية وداخل القانون الدولي وكذلك في كيفية عمل نظام الاممالمتحدة. ذلك ان الاستهزاء بالمعاهدات الدولية وبالالتزامات التي تقطعها الاطراف المتنازعة على نفسها من شأن ذلك كله ان يؤدي الى نتائج خطيرة تصيب مصداقية النظام الدولي. لنقطع على انفسنا عهداً بألا نقع في اللامبالاة والاستخفاف". ان اكتفاءنا بتقديم المواساة للاشخاص الذين انتهكت حقوقهم وبالادانة الكلامية فقط لمرتكبي هذه الانتهاكات يعني الاعتراف بعجزنا". الحوار مع مازوفيسكي بعد تقديمه تقريره التقت "الوسط" مازوفيسكي وأجرت معه الحوار الآتي: ما هي، بالنسبة اليك اولى الاولويات التي يجب تنفيذها في البوسنة والهرسك؟ - أولى الاولويات في نظري هي، اليوم، العمل على فرض احترام حقوق الانسان الاساسية والبدائية في البوسنة والهرسك، اذ لا يمكن ان نقبل، بأي حال من الاحوال، ان تستمر انتهاكات حقوق الانسان بشكل فاضح، في حين ان المفاوضات السياسية جارية، سواء في جنيف او في نيويورك او في اي مكان آخر. وفي اعتقادي ايضاً ان هذه المسألة، مسألة احترام حقوق الانسان، يجب ان تؤخذ كأساس لأي اتفاق سياسي حول البوسنة والهرسك. والحال ان حقوق الانسان البدائية لا تحتل حتى الآن المكان الذي يجب ان تحتله في المفاوضات الجارية. وانني اغتنم الفرصة لاضيف ان المجموعة الدولية يجب الا تقبل تنصل الاطراف المتحاربة من الالتزامات التي قبلت بها في مؤتمر لندن، اذ كيف يمكن لهذه الاطراف ان تدعي المصداقية حين لا تنفذ التزاماتها؟ وكذلك كيف يمكن لقرارات مجلس الامن الدولي بخصوص البوسنة والهرسك ان يكون لها الوزن الكافي اذا كانت مسألة جوهرية، كمسألة حقوق الانسان، موضع انتهاك مستمر؟ ولكن كيف يمكن ترجمة ما تقوله على الصعيد العملي؟ وبكلام آخر ما هي التدابير التي تقترحها حتى يكون الاخذ بحقوق الانسان اساساً لاي اتفاق سياسي في البوسنة والهرسك؟ - أعتقد ان ادانة انتهاكات حقوق الانسان المستمرة، في البوسنة والهرسك لم تعد تكفي، ومن الضروري اتخاذ التدابير العملية الكافية والفعالة لوضع حد لهذه الانتهاكات، والا فإن الاممالمتحدة ومجلس الامن والمجموعة الدولية بأسرها ستتهم بالعجز وبقبول الامر الواقع والاكتفاء بالادانة اللفظية، وبغض النظر عما يجري، الامر الذي يتيح للمعتدي ان يستمر في اعتداءاته. اما على الصعيد العملي، فأعتقد ان من الواجب تحقيق ثلاثة اهداف ملحة هي: اطلاق سراح جميع المعتقلين واغلاق معسكرات الاعتقال، رفع الحصار المضروب على ساراييفو وعلى بعض المناطق الاخرى، ايجاد مناطق آمنة للمدنيين وكذلك ممرات آمنة تسهل تنقل المدنيين وايصال المساعدات الانسانية. واعتقد ان من واجب الاممالمتحدة ان تلجأ الى جميع الوسائل التي تمكنها من تحقيق هذه الاهداف التي لا تشكل، كما قلت، سوى الحد الادنى والبدائي من حقوق الانسان. انني اطلب ان تكون لرئيسي مؤتمر السلام في يوغوسلافيا السابقة سايروس فانس وديفيد أوين الوسائل اللازمة لتمكينهما من فرض احترام ما التزمت به الاطراف المتنازعة في مؤتمر لندن، خصوصاً وقف التطهير العرقي الذي ما زال مستمراً على رغم المفاوضات الجارية. التقرير الذي رفعته الى لجنة حقوق الانسان في جنيف هو الثالث من هذا النوع، هل لديك شعور بأن العمل الذي تقوم به له فائدة عملية؟ - هذا السؤال أطرحه على نفسي كل يوم. حتى الآن، تقديري الخاص كان ان العمل الذي اقوم به والتقارير التي ارفعها يمكنها ان تساعد على ان تفتح عيون الناس على المجازر والانتهاكات التي تحصل في البوسنة والهرسك وفي اماكن اخرى من يوغوسلافيا السابقة، خصوصاً ان هذه الاشياء لا يمكن السكوت عنها ولا يمكن قبولها والسماح باستمرارها في زمننا هذا. وشعوري كان ان الكشف عن هذه الحقائق سيعبئ الرأي العام ويشكل وسيلة ضغط على الحكومات المعنية وعلى المنظمات الدولية حتى تسعى لفرض احترام حقوق الانسان. التهديد بالاستقالة ولكن هل تحقق ذلك فعلاً؟ - عليّ أن اعترف انه رغم هذه التقارير، وعلى رغم ما نعرفه عن الانتهاكات الصارخة لحقوق الانسان وعن المجازر الجماعية وعمليات الاغتصاب وعلى رغم كل الضجة الاعلامية والإدانات المتلاحقة، فإن هذه الممارسات لم تتوقف. ومن هنا، فإنني اتساءل عن جدوى ما أقوم به. لذلك لم اعد استبعد ان اقدم استقالتي من اللجنة الخاصة بحقوق الانسان في يوغوسلافيا اذا لم تتخذ، في مهلة قصيرة، التدابير اللازمة التي تضع حداً لهذه الانتهاكات ولعمليات التطهير العرقي المستمرة، خصوصاً في البوسنة والهرسك. برأيي الكلام لم يعد يكفي ولا يمكن لنا، بعد الذي نعرفه عن الاشياء الرهيبة الجارية هناك، ان نستمر بلعب دور المراقب الحيادي. ما هو رأيك بخطة فانس - أوين لاعادة السلام الى البوسنة والهرسك؟ هل هذه الخطة قابلة للحياة؟ هل هي قابلة للتنفيذ، فعلاً، من الناحية العملية؟ - بصراحة، لا يمكنني ان اجيب على هذا السؤال، اذ ان كل اجابة ستكون ذات مضمون سياسي. وكذلك لا اعتقد ان اللحظة مناسبة للحكم على هذه الخطة التي تواجه كثيراً من المصاعب والانتقادات. بالمقابل، يمكنني ان اؤكد ان اي اتفاق سياسي حول البوسنة والهرسك لن يكون قابلاً للحياة والاستمرار طالما لم يتم تحقيق الحد الادنى من احترام الحقوق البدائية والاساسية للانسان. واعتقد انه من الضروري ايلاء هذا الجانب الاهتمام الكافي في عملية المفاوضات. لنترك جانباً خطة فانس - أوين ولنتناول هذه المسألة من زاوية اخرى، هي زاوية التعايش بين طوائف وقوميات حصلت بينها مذابح واقامت في ما بينها حائطاً من الحقد. هل، في رأيك، لا يزال هذا التعايش ممكناً؟ - إنني آمل ذلك والا فلا معنى لما نقوم به. خلال زياراتي المتعددة للبوسنة والهرسك ولغيرها من جمهوريات يوغوسلافيا السابقة، وقفت على حالات كثيرة قام فيها الصربيون بحماية المسلمين من الاغتصاب والتهجر وقام فيها المسلمون بإيواء الصربيين. ولا يمكننا ان ننسى ان مدينة ساراييفو، عاصمة البوسنة والهرسك، كانت مثالاً حياً للتعايش بين الطوائف والثقافات والقوميات المختلفة والمتنوعة. واذا كنت أعي بقوة عمق الهوة التي تباعد بين هذه الشعوب، الا انني لا زلت اؤمن بقدرتها على التعايش في اطار دولة واحدة. بالطبع، هذا التعايش لن يكون سهلاً ولكنني آمل في ان يكون ممكن التحقيق. عمليات الاغتصاب الجماعي أنت تعرف البوسنة والهرسك جيداً وقد زرتها مرات عدة في اطار عملك كمقرر للجنة الخاصة لحقوق الانسان في يوغوسلافيا السابقة. ما الذي شدّ انتباهك بقوة في هذه الجمهوريات المنكوبة؟ ما هي الصورة القوية التي تأتي الى ذهنك عفوياً؟ - الامر الذي صعقني بقوة في البوسنة والهرسك وفي مناطق اخرى من يوغوسلافيا هو تجربة معسكرات الاعتقال. ففي احد هذه المعتقلات، وقعنا على ثلاثة آلاف رجل يعيشون في احوال سيئة ولا انسانية. انها تجربة مريرة لا يمكن ان تنسى، خصوصاً اذا فكرّنا ان لكل من هؤلاء الرجال الابرياء تاريخاً شخصياً وعائلة وارتباطات. كل منهم عاش تجربة فردية لا انسانية وتجربة جماعية لا تطاق. من هنا، ففي التقرير الذي رفعته الى لجنة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة، طالبت بالدرجة الاولى بتحرير جميع المعتقلين واغلاق كل مراكز ومعسكرات الاعتقال. هل لديك اعتقاد بأن كل ما جرى ويجري في البوسنة والهرسك وفي اماكن اخرى، من انتهاكات صارخة لحقوق الانسان أصبح مكشوفاً ومعروفاً، أم ان ثمة اشياء تجري ولا نعرفها؟ - بشكل عام، اعتبر ان كل ما جرى ويجري في البوسنة والهرسك ويوغوسلافيا السابقة اصبح معروفاً، واعتقد اننا اليوم نملك رؤية واضحة لآلية ما جرى في يوغوسلافيا السابقة. ولكننا بالطبع ما زلنا نحتاج الى معلومات مفصلة وموثوق بها حتى نستطيع القول ان خفايا ما يجري في هذه المنطقة اصبحت معروفة لدينا بشكل كافٍ. مسألة محاكمة مجرمي الحرب في البوسنة والهرسك وفي جمهوريات يوغوسلافيا الاخرى اصبحت مطلباً عاماً. هل تكوّن لديك انطباع بأن هذا المطلب سيتحقق فعلاً أم انه سيبقى في اطار التمنيات؟ - مجلس الامن قرر انشاء لجنة لتدرس هذه المسألة. وقد عهدت رئاسة هذه اللجنة الى البروفسور كارل كوفمان الهولندي الجنسية. والمفترض ان ترفع اللجنة توصيات تؤدي الى ايجاد محكمة دولية تناط بها مسألة محاكمة مجرمي الحرب في البوسنة والهرسك وفي غيرها من الجمهوريات اليوغوسلافية. صحيح ان هذه المطلب اصبح عاماً، وعلى الصعيد الشخصي اتمنى فعلاً ان يوضع موضع التنفيذ لانه من غير الجائز، بأي حال من الاحوال، ان ينسى المجتمع الدولي هذه الجرائم وان يتم تجاهل الذين قاموا بها. على العكس يجب تقديمهم الى المحاكمة، وآمل ان تقوم لجنة الخبراء التي ذكرتها آنفاً بالمهمة الموكولة اليها. غير انني لا اعرف، في الوقت الحاضر، الشكل الذي ستتخذه هذه المحكمة الدولية ولا كيفية تكوينها ولا من سيكون اعضاؤها. ألا تعتقد ان في البوسنة والهرسك معسكرات اعتقال لا نعرفها؟ - هذا أمر محتمل ووارد. كم يبلغ عدد البوسنيين الذين ما زالوا محتجزين في معسكرات الاعتقال؟ - ما زالت في البوسنة والهرسك معسكرات اعتقال عديدة. الصليب الاحمر الدولي يقدر عدد المعتقلين بثلاثة آلاف معتقل. وتقديراتنا الخاصة تفيد ان الاعداد اكبر من ذلك بكثير. والمؤشرات المتوافرة بحوزتنا والمعلومات التي حصلنا عليها خلال جولتنا الاخيرة في البوسنة والهرسك تمنعنا من القول ان العدد الحقيقي للموقوفين في معسكرات الاعتقال هو فقط ثلاثة آلاف شخص. ما الذي يؤلمك أشد الألم في عنف البوسنة والهرسك؟ - عمليات الاغتصاب الجماعي التي تحولت الى سياسة منهجية. هذا الامر لا يمكن قبوله ولا يمكن السكوت عليه اطلاقاً. علينا ان نسعى بكل قوانا حتى لا تتكرر مثل هذه الانتهاكات الصارخة.