دعا رئيس جمهورية البوسنة والهرسك علي عزت بيكوفيتش، في مقابلة خاصة مع "الوسط"، الولاياتالمتحدة الى التدخل من طرف واحد، ومن دون انتظار مجلس الامن الدولي، لوقف الحرب في بلاده ووضع حد للعدوان الصربي. وأكد بيكوفيتش ان الأممالمتحدة "تقيد أيدي الجميع" وانها لا تفعل شيئاً في البوسنة والهرسك ولا تستطيع، مثلاً، التدخل لوقف عمليات الاغتصاب ضد نساء البوسنة المسلمات. "الوسط" التقت الرئيس البوسني في غرفة مليئة بالدخان في فندق مانهاتن في نيويورك وقد تحدث الرئيس بيكوفيتش بهدوء، لكن بحزم، عن احساسه بخيانة العالم لبلاده. وكان بيكوفيتش ترك محادثات جنيف ليقوم برحلة خاطفة الى الولاياتالمتحدة. وسرعان ما اتضح من تصريحاته انه، على رغم فقدانه الأمل كلياً في اتخاذ اوروبا أي موقف يستند الى المبادئ، فانه لا يزال يشعر بأن الولاياتالمتحدة ربما تتخذ موقفاً حازماً. وبدلاً من أن يلقى المعاملة اللائقة برئيس دولة مستقلة وقعت ضحية للعدوان، كانت هناك جهود ديبلوماسية قوية للحيلولة دون الاستماع اليه في واشنطن ولمعاملته وكأنه "مجرد رئيس بلدية ساراييفو". مشروع الحل وجاء لقاء "الوسط" مع الرئيس البوسني بعد انعقاد محادثات جنيف حول البوسنة بين 2 و4 كانون الثاني يناير الجاري برعاية رئيس مؤتمر السلام في يوغوسلافيا السابقة سايروس فانس وديفيد أوين. حضر هذا المؤتمر الرئيس البوسني وكذلك زعيم الصرب كراجيتش وممثل الكروات ماتي بوبان وكذلك الرئيس الكرواتي تودجمان ورئيس يوغوسلافيا الجديدة صربيا والجبل الأسود دوبريتسا تسوسيتش. وناقشت اجتماعات جنيف مشروع الحل الدستوري والسياسي الذي تقدّم به رئيسا المؤتمر فانس وأوين. وينص المشروع الواقع في عشر نقاط وبعنوان "الاطار الدستوري للبوسنة والهرسك"، في نقطته الأولى على اقامة دولة لا مركزية تضطلع اقاليمها العشرة بغالبية الوظائف الحكومية. غير ان النقطة الثانية تنفي عن الاقاليم أية صفة قانونية دولية وتحرمها من اقامة اتفاقات مع دول او منظمات دولية. ويعترف المشروع في نقطته الرابعة بوجود ثلاث مجموعات اثنية المسلمون، الكروات والصرب يسميها الوحدات المكوّنة للبوسنة والهرسك، وبوجود فئة رابعة يطلق عليها اسم "الآخرين". وترسم النقاط الخامسة والسادسة والسابعة آليات عمل هذه الدولة، فتنص النقطة الخامسة على ان المواضيع ذات الأهمية الحيوية للوحدات التي تتكون منها البوسنة والهرسك تحكمها نصوص الدستور وأي تعديل عليها يجب ان يتم بالاجماع. اما النقطة السادسة فتنص على اقامة برلمان ديموقراطي في كل اقليم من الاقاليم العشرة وعلى اقامة برلمان مركزي وسلطات تنفيذية وسلطة قضائية مستقلة، في حين ان رئاسة الدولة تناط بهيئة من تسعة اشخاص توزّع بالتساوي على المكونات الاثنية الثلاث. وتنيط النقطة السابعة السلطة القضائية المركزية بمحكمة دستورية تضم ممثلاً عن كل مجموعة وتكون غالبية اعضائها من غير البوسنيين وتعود اليها مهمة التحكيم في الخلافات الناشبة بين الحكومة المركزية والأقاليم وبين هيئات الحكومة المركزية نفسها. ويقترح رئيسا المؤتمر في النقطة الثامنة نزع سلاح البوسنة والهرسك بالتدريج تحت اشراف الأممالمتحدة والمجموعة الاقتصادية الأوروبية. وفي النقطة التاسعة تكريس احترام حقوق الانسان في النص الدستوري. وفي النقطة العاشرة والأخيرة وضع البوسنة والهرسك، بموجب نصّ الدستور، تحت اشراف دولي حتى تقرر الوحدات المكونة الثلاث وبالاجماع وقف العمل بهذا التدبير. الحوار مع بيكوفيتش "الوسط" بدأت الحوار الآتي مع الرئيس البوسني بيكوفيتش بسؤال حول مشروع الحل الدستوري والسياسي الذي قدمه فانس وأوين: الى أي مدى ترون ان مشروع فانس وأوين مقبول من جانبكم؟ - المشروع الذي قدم مقبول، لكن الخريطة غير مقبولة اطلاقاً لأنها تصادق على الكثير من النتائج التي نجمت عن اجراءات غير مشروعة وغير قانونية. فهذه الخريطة يمكن ان تضفي الصبغة القانونية على "التطهير العرقي" وعلى الاستيلاء على الأراضي بالقوة. الا ان جميع الحكومات أعلنت انه لا يمكن الاعتراف بهذه النتائج. لهذا فلا نستطيع قبول تلك الخريطة. هناك احساس قوي بأن الكثير من الحكومات الأوروبية الغربية كانت تهدف منذ أمد طويل الى تجزئة البوسنة والهرسك، فهل تعتقد ان الخريطة تمثل هذه السياسة؟ - ربما لم تكن الخرائط في حد ذاتها عملية تجزئة الى كانتونات، لكن هناك تشابهاً وتنازلات غير مقبولة. فالعملية عبارة عن تقسيم الى كانتونات على أساس عرقي وهو امر نرفضه، وربما كان هناك مجال لتطبيق معايير اخرى. ولكن ما أريد قوله ان المعيار العرقي هو الطاغي على هذه الخرائط. إذن هل يمكن ان ينطوي ذلك على عمليات نقل للسكان؟ - اذا ما قبلنا هذه الخريطة مثلما يطرحها فانس وأوين، فان الكثيرين من الناس الذين طردوا من ديارهم لا يمكن ان يعودوا اليها، لأن تلك المناطق التي طهرها الصرب بالقوة ستظل تحت السيطرة الصربية. من الواضح انكم لم تكونوا تريدون حدوث ما حدث عندما اعلنتم استقلال البوسنة. فهل تعتقدون ان هذا هو أفضل ما يمكن تحقيقه في الوقت الراهن؟ - لقد قبلنا الورقة الأولى لأنها تؤكد في المادة الأولى منها أن البوسنة والهرسك دولة مستقلة ذات سيادة. كما قبلنا المبادئ العشرة التالية، الا ان الصرب لم يقبلوها بسبب المادة الأولى. لكن هذه مسألة جذرية وأساسية بالنسبة الينا. اغتصاب النساء ماذا عن دور الأممالمتحدة في ساراييفو؟ ولماذا التظاهرات ضد بطرس غالي؟ - ان الأممالمتحدة لم تكن منظمة فعّالة منذ البداية. فهي تعبير عن مصالح مختلفة ومتباينة، وآراء متعددة. لهذا ليس في وسع المرء ان يتوقع منها ان تكون فعّالة. لكن من الناحية الظاهرية يبدو من الغريب ان هناك نحو عشرين ألف جندي للأمم المتحدة، لكنهم لا يفعلون شيئاً لوقف القصف الذي يتعرض له المدنيون، ومنع ارتكاب الفظائع؟ - ان اولئك الجنود يحصون عدد القذائف التي تسقط على المدن ويرفعون تقريراً عنها. لكن هذا لا يكفي. يقول البعض ان قوات الأممالمتحدة لم تتدخل مع أنه كان في وسعها ذلك، لتحول دون عمليات الاغتصاب. فما رأيك؟ - لا أعتقد ان صلاحيات القوات الدولية تخولها فعل أي شيء. اذ ان هذه القوات لا تنفذ الاجراءات الانسانية بكفاءة. وحتى في حالات قوافل المساعدات الانسانية التي كانت القوات المعتدية توقفها، كانت قوات الأممالمتحدة تطلب الاذن من تلك القوات المعتدية للمرور. لهذا لا يمكن لتلك القوات ان تكون فعّالة. والجواب الذي نسمعه منها دائماً هو انه ليس لديها تفويض لفعل أي شيء. لذلك لا تفعل شيئاً في ما يتعلق باغتصاب نساء البوسنة. لكن قوات الأممالمتحدة اثبتت فعاليتها في تطبيق حظر الاسلحة على البوسنة. فهل ستطالبون برفع هذا الحظر؟ - بالطبع. سنطلب تطبيق المادة 51 من ميثاق الأممالمتحدة. وهذه المادة تنص على نوعين من الدفاع: حق الدفاع عن النفس وحق الدفاع الجماعي عن النفس. اذ ان هذه المادة لم تطبق حتى الآن. ماذا كانت نتيجة مناشداتكم المجموعة الأوروبية؟ - ان اوروبا تتصرف بطريقة مماثلة لتصرفها قبل الحرب العالمية الثانية. وأود ان اذكركم بميونيخ عام 1938. وهناك أوجه شبه عديدة. صحيح انه ليس هناك هتلر الآن، لكن لدينا الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسوفيتش. وصحيح انه ليس هناك "شامبرلين" و"ديلاديير"، لكن هناك آخرين يقدمون التنازلات على حساب دولة صغيرة مستضعفة. وهكذا ففي عام 1938 كانت هناك معاهدة ميونيخ وتشيكوسلوفاكيا، بينما لدينا الآن مؤتمر جنيف والبوسنة والهرسك. فقد تغيرت الاسماء، ولكن الجوهر بقي على حاله. هل قامت الدول العربية والاسلامية بما فيه الكفاية لمساعدتكم؟ - كلا. هل لك أن تحدد ما الذي يمكن لها أن تفعله اكثر مما فعلت؟ - إن نفوذها في تعاظم، ومساعداتها في ازدياد، ولكنها لا تكفي. وربما تقدم لنا ذات يوم مساعدات كافية. لكنني لا أتوقع ذلك في الوقت الحاضر. ويمكنني القول انه ليس هناك أية دولة على استعداد لمساعدتنا بطريقة فعالة. ما طبيعة المساعدات المطلوبة؟ - سياسية وفي جزء منها مالية. فالمساعدة السياسية قوية جداً. ويمكنني القول ان الدول الاسلامية متحدة للمرة الأولى في هذه القضية. فهي تتصرف بشكل جماعي، وهو امر جيد طبعاً، لكنه لا يكفي. فالأممالمتحدة تقيد أيدي الجميع لأن كل شيء يجب ان يمر عبر مجلس الأمن الدولي حيث تختلف مصالح الدول الخمس الكبرى الدائمة العضوية فيه. ونحن نعتقد انه على بعض الدول ان تتصرف وحدها، ونرى أنه يجب ألا تكون أيديها مربوطة بمجلس الامن وبقراراته. فمثلاً لماذا لا تتصرف الولاياتالمتحدة من جانبها وحدها وتوقف الحرب في البوسنة؟ لماذا يجب عليها ان تحصل على موافقة بريطانيا؟ قد يستغرب البعض مثل هذا القول، ولكن المادة 51 من ميثاق الأممالمتحدة تنص على أن المساعدة الثنائية امر قانوني. في الوقت الذي تؤيد فيه اسرائيل رسمياً البوسنة والهرسك، ذكرت بعض الأنباء التي نشرتها الصحف العربية ان الاسرائيليين يدربون الصرب. فهل لديك أي معلومات عن ذلك؟ - لا. لكنني سمعت الاشاعات، اذ ان اسرائيل تقدم التأييد السياسي لنا، ولذا ربما كانت مجرد اشاعات. وفي الاسبوع الذي أجرت "الوسط" المقابلة مع بيكوفيتش، وتأكيداً للاتهامات التي وجهها الى الأممالمتحدة، اغتال مسلحون صرب نائب رئيس وزراء حكومة البوسنة حقي تورايليدتش اثناء انتقاله، بحماية قوات الأممالمتحدة، من مطار ساراييفو الى المدينة. وقد اجبر المسلحون الصرب تورايليدتش على النزول من آلية قوات الأممالمتحدة وقتلوه امام انظار هذه القوات التي لم تفعل شيئاً لمنع وقوع هذه الجريمة. وقد ألقى هذا الحادث ظلاله على مستقبل مفاوضات السلام حول البوسنة. وبعد نيويورك توجه بيكوفيتش الى واشنطن حيث تباحث مع وزير الخارجية الأميركي لورنس ايغلبرغر ومستشار الامن القومي برنت سكوكروفت. وخلال اللقاء نصح المسؤولان الاميركيان الرئيس البوسني بابداء "المرونة" في التعامل مع مشروع الحل السلمي لمشكلة بلاده. كما تباحث بيكوفيتش مع بعض المقربين من الرئيس الجديد بيل كلينتون قبل ان ينتقل الى باريس حيث اجرى محادثات مع الرئيس ميتران ويوم 12 الجاري اعلن أوين فشل الجولة الثانية من محادثات السلام حول البوسنة والهرسك في جنيف وأكد انه بات الآن على مجلس الأمن والمجموعة الاوروبية ان يقررا الخطوات المقبلة. المادة 51 من ميثاق الأممالمتحدة تنص المادة 51 على الآتي: "يجب ألا يحول أي شيء في الميثاق الحالي دون الحق المتأصل في الدفاع الفردي او الجماعي عن النفس، اذا ما وقع هجوم مسلح على دولة عضو في الأممالمتحدة، الى ان يتخذ مجلس الامن الدولي الاجراءات الضرورية للمحافظة على السلام والامن العالميين. ويجب على الدول الأعضاء ان تبلغ مجلس الامن على الفور بالاجراءات التي تتخذها لممارسة هذا الحق في الدفاع عن النفس، كما ان هذه الاجراءات يجب ألا تؤثر بأي شكل من الاشكال في سلطة مجلس الامن ومسؤوليته بموجب الميثاق الحالي، في اتخاذ أي اجراء يعتبره ضرورياً في أي وقت من الأوقات من أجل المحافظة على الأمن والسلام العالميين أو من أجل إعادة نصابهما".