حصل لبنان أخيراً على "براءة" البنك الدولي، بعد انتظار دام نحو عام، اذ وقّع بالأحرف الاولى على قرض بقيمة 175 مليون دولار اميركي لتنفيذ عدد من مشاريع خطة النهوض الاقتصادي التي أقرتها الحكومة اللبنانية ووضعت الدراسات الكاملة لها. ولا تأتي قيمة القرض في الاهمية الاولى بالنسبة الى الحكومة اللبنانية، ذلك ان لبنان حصل سابقاً على قروض اكبر قيمة بكثير او معادلة لها. ولكن الاهمية بالنسبة الى لبنان كانت في مبدأ موافقة البنك الدولي على تقديم القرض، مما يعيد ثقة العالم بلبنان خصوصاً الدول والصناديق المقرضة. وقد رأى ممثل الدولة اللبنانية، رئيس مجلس الانماء والاعمار الفضل شلق، الذي وقّع القرض بالاحرف الاولى "ان اهمية توقيع قرض الپ175 مليون دولار اميركي مع البنك الدولي، تكمن في اعطاء خطة النهوض الاقتصادي صدقية تستقطب مصادر التمويل الاخرى". لقد حددت الحكومة اللبنانية، قبل عام، المشاريع المرشحة لبرنامج اعادة تأهيل المنشآت القائمة، واقامة المنشآت الجديدة اللازمة لتقدير حجم البرنامج بواسطة نموذج اقتصادي شامل لخطة اعادة الانماء. قدرت معدل التوظيف ب 30 في المئة من مجمل الناتج المحلي، مع 40 في المئة من مجموع التوظيفات المخصصة للقطاع العام خلال السنوات 1992 - 1994، وهذا يجعل حجم برنامج التوظيف العام 1.5 مليار دولار في الفترة المشار اليها، أما برنامج الاولويات فتلزمه متطلبات تمويل اجمالية تبلغ 3.7 مليار دولار اميركي، خصص منها 2.3 مليار دولار اميركي للسنوات الثلاث الاولى. ان تأثير الحرب والتضخم وانخفاض قيمة الليرة اللبنانية ودولرة الاقتصاد جعلت النظام المصرفي اللبناني عاجزاً عن توفير الاموال لنشاطات اعادة التأهيل من مصادر وطنية. لذلك فإن استراتيجية تمويل مشاريع القطاع العام تضمنت جمع الاموال من مصادر خارجية، لتغطية تكاليف برنامج الاولويات، سواء بالنقد الوطني أو الاجنبي، ولتغطية قسم كبير من العجز المالي، فضلاً عن برنامج الاستثمار في القطاع العام. وكانت أهم مصادر التمويل والمساعدات الدولية بمنظار المشرفين على برنامج الاولويات: المجموعة الاستشارية للبنك الدولي، ومساعدة عاجلة محتملة، عبر برنامج البنك الدولي لقروض اعادة الانماء الطارئة، واقراضاً ثنائياً مباشراً، وبخاصة من الصناديق العربية، وانشاء صندوق دولي لمساعدة لبنان، امتداداً لاتفاق الطائف، وقروضاً من ممولين او من مصارف تجارية بضمانة من مؤسسات الاعتماد التصديري، وبرنامج اقراض لدعم تأهيل القطاعپالخاص في الزراعة والصناعة والاسكان والسياحة. وأبدت جهات عدة استعدادها لتمويل مشاريع اعادة التأهيل في لبنان. غير انها أبدت حذراً، اذ ان الدولة اللبنانية كانت عقدت قروضاً في السابق ولم تف بالتزاماتها وتسدد ما عليها، او هي لم تستعمل كامل القروض التي خصصتها لها بعض المجموعات الممولة. وعقدت هذه الدول والصناديق المانحة اجتماعاً لها في باريس في كانون الاول ديسمبر 1991، مع ممثلين عن مجلس الانماء والاعمار ودرست المشاريع التي لحظها مجلس الانماء والاعمار، غير ان التريث في الاقراض كان العنوان الاساسي. الا ان الاجتماعات المكثفة مع الصناديق اثمرت جملة اتفاقات، اذ قدم الصندوق الكويتي 35 مليون دولار لقطاع الكهرباء. وكذلك قدم الصندوق العربي 75 مليون دولار للقطاع ذاته، وقدم الصندوق الاسلامي 10 ملايين دولار، وقدمت ايطاليا قرضاً يوازي 485 مليون دولار اميركي، وقدمت المجموعة الاوروبية بنك الاستثمار الاوروبي قرضاً بقيمة 200 مليون دولار اميركي. وعقد الصندوق العربي قرضاً ثانياً بقيمة 60 مليون دولار لقطاع الهاتف والاتصالات السلكية واللاسلكية، وقدمت المانيا مساعدات بقيمة 7.5 مليون دولار وبلجيكا بقيمة مليون دولار والسعودية قدمت 60 مليون دولار، الى مساعدات اخرى قدمتها اليونيسيف ومنظمة الاغذية والزراعة "الفاو". وبلغت قيمة القروض المعقودة 950 مليون دولار قبل أن يوقّع البنك الدولي على القرض الاخير. اضافة الى ذلك، أبدت مؤسسة "دلة البركة" رغبتها في تأسيس صندوق للاستثمار في لبنان برأسمال مقداره 500 مليون دولار اميركي. ان قيمة قرض البنك الدولي للبنان تشمل القطاعات حسب المبالغ الآتية: الكهرباء 35 مليون دولار. مياه وصرف صحي 60 مليون دولار. الاسكان 25 مليون دولار. مدارس مهنية 15 مليون دولار. نفايات 30 مليون دولار. مساعدات فنية 10 ملايين دولار. وكان مجلس الانماء والاعمار اعلن عن استدراج عروض لمناقصات في هذه القطاعات بغية المباشرة بورشة اعادة اعمار لبنان. ان اقراض البنك الدولي، لبنان، مبلغ 175 مليون دولار اميركي، يمنح الثقة للوضع اللبناني، والحكومة مما يبعث على الاطمئنان في الداخل والخارج، ويدفع جهات التمويل الى الاستجابة لطلبات لبنان واحتياجاته، والدخول في مرحلة تنفيذ الوعود والاتفاقات.