تابعت سورية التي لا تزال الاشتراكية واحداً من خياراتها، توسيع ظل الاصلاح الاقتصادي في البلاد، الذي بدأ بصورة مترددة وخجولة منذ الثمانينات، الا انه اصبح خياراً اساسياً في اطار التعددية الاقتصادية، ثم ظهور القانون الشهير الرقم 10 في 10 أيار مايو 1990 لتشجيع الاستثمارات الخاصة. واذا كانت سورية لا تزال حتى الآن تعتمد بصورة شبه مطلقة على قطاع مصرفي حكومي تملكه الدولة بالكامل، أو ان الحكومة استمرت تملك معظم الصناعات الثقيلة، مثل الصناعات النفطية وصناعات الاسمنت والفوسفات، الى جانب ملكيتها لمئات مصانع النسيج والأدوية والسلع الغذائية، الا انها في المقابل، حققت في العام 1993 مجموعة من الاجراءات الجديدة لترسيخ سياسة الانفتاح الاقتصادي وتوسيع افقه ليشمل الى جانب فتح الباب امام الشركات الخاصة على المساهمة في ملكية شركات الكهرباء عن طريق منح بعض المستثمرين السوريين والأجانب حق انشاء واستثمار محطات لانتاج الطاقة الكهربائية في البلاد. كما سجلت سياسة الاصلاح الاقتصادي تقدماً واضحاً في مجال تحريد أسعار السلع والخدمات عن طريق تقليص الدعم الحكومي فيها بصورة تدريجية، وصولا الى رفعه بصورة كلية. وهكذا ارتفعت اسعار الكهرباء، كما تضاعفت اسعار الخدمات الهاتفية. ولجأت الحكومة الى السماح للشركات العاملة في سورية، من القطاعين العام والخاص، بتحديد اسعار سلعها في السوقين المحلية والخارجية، من دون اي تدخل حكومي، باستثناء السلع الغذائية المدعومة، مثل السكر والطحين والأرز والشاي. وفي المجال الزراعي، قلصت سيطرتها على نظام التسليم والأسعار، تركت للمزارعين حرية تسويق منتجاتهم وفق قاعدة العرض والطلب في السوق، باستثناء المحاصيل المصنفة استراتيجية، مثل القمح والشعير والقطن والتبغ والشمندر السكري، وهي محاصيل لجأت الى شرائها من المزارعين بأسعار مدعومة تقترب كثيراً من الاسعار المتداولة في الأسواق الحكومية. واللافت ان سورية التي حققت بفضل سياسة دعم القطاع الزراعي مستويات قياسية في الانتاج، تفكر حالياً في التخلي عن هذا الدعم لكن بصورة تدريجية للحد من الانفاق العام وتوجيهه نحو قطاعات انتاجية جديدة. وشملت سياسة الاصلاح الاقتصادي هذا العام اعطاء الشركات التي تملكها الحكومة حرية تحديد سياساتها التسعيرية وتمويل خطط التحديث والتوسع عن طريق ما تحصل عليه من عوائد التصدير، اضافة الى فتح الباب امام نظام الحوافز للعاملين فيها. وفي السياق نفسه عمدت سورية الى الاقتراب اكثر فأكثر من السعر الحر لعملتها الوطنية، اذ تقلص عدد الاسعار المعتمدة من 3 أسعار للدولار، الى سعرين فقط، الى جانب اعتماد سعر قريب جداً من اسعار الأسواق المجاورة في معظم التعاملات التجارية، وفي مجالي الاستيراد والتصدير وجذب الاستثمارات من الخارج. وتتجه الحكومة السورية الى اطلاق سوق الاسهم للتداول بأسهم الشركات السورية وزيادة قاعدة التمويل الوطني لها. واذا كان القانون الشهير الرقم 24 الذي يمنح التداول بالعملات الاجنبية لم يلغ حتى الآن، الا ان تطبيقه بات من الاعمال النادرة، ويكاد يقتصر على عمليات التهريب المنظمة التي تقوم بها شبكات محترفة لنقل الليرة السورية الى الخارج بقصد المتاجر بها.