جاءت محاولة اغتيال رئيس الوزراء المصري عاطف صدقي لتؤكد ان الاصوليين المصريين لم يتركوا الساحة، ولم يتخلوا عن المواجهة مع الدولة المصرية، على رغم ان نشاطهم داخل المدن الكبرى قد خبا نسبياً، وان كانت المحاولة الاخيرة تشير الى ان الاهداف الامنية المستقبلية ستكون ضد رموز السلطة، وان إثارة الخوف والقلق ستنتقل من حيّز رجال الامن الى نطاق رجال السياسة. والمتابع لأحداث المواجهة على الساحة المصرية يستطيع بسهولة ان يدرك ان الاصوليين لا يتصيّدون اهدافهم الا حسب رؤيا واضحة، وطبقاً لفلسفة خاصة، لا ترتبط كثيراً او قليلاً بالسياسة الامنية المصرية. فمنذ محاولة اغتيال اللواء حسن الالفي وزير الداخلية المصري، لم تحدث في القاهرة اية انفجارات او مواجهات عنيفة. وبدا ان الاصوليين قد انسحبوا من العاصمة الى مدن وقرى الصعيد، حيث الطبيعة القاسية والمناطق المفتوحة تسمح للاصوليين بقدر اكبر من الحركة والحرية. كما ان اصطياد الاهداف يكون اسهل. كذلك فان مواجهات الصعيد تمثل نوعاً من "التمويه الخططي" للاصوليين، فهم من خلال هذه الهجمات ينجحون في جذب انتباه القائمين على السياسة الامنية الى مناطق واهداف بعينها، وفي اللحظة المناسبة ينقضّون على هدف كبير في منطقة اخرى. وقد ابتعد الاصوليون في الفترة الاخيرة عن اساليب العمل التقليدي التي تميزوا بها فترة ظهورهم الجديد بداية من 1974 - 1975 وأعني العمل في الاوساط الطلابية، والمشاركة في النشاط الأحيائي، واقامة المشروعات الصغيرة. فقد صارت هذه السياسة عرضة للضغوط الامنية، كما ان المواجهة مع المنافسين صارت لصالح الأبعد عن الالتزام الديني عموماً. ولم تعد السلطات الجامعية، ولا موظفو الدولة يشجعون هؤلاء النشيطين على ممارسة ادوارهم التقليدية التي كانوا يتميزون بها. وتم استبدال هذا النمط بآخر يعتمد على المواجهة العنيفة التي لا تهدف الى حماية شيء او هدف او شخص، بقدر ما تهدف الى القضاء على الخصم، او زعزعة ثقته في قدراته، وبالتالي قدرته الفعلية على المواجهة. وظهرت اخيراً تيارات تدعو الى حصار التيار الاصولي ضمن رؤية شاملة. كما ان دعاة "جماهيرية المواجهة" لا يعنون بشكل من الاشكال "جماهيرية السلطة" كما لا ينفي اصحاب النظرة "المؤسساتية" اهمية الجماهير في عملية المواجهة. وينطلق كل منهما في رؤيته للظاهرة من محاولات الاجابة عن السؤال المنهجي الاولي وهو: كيف نشأت الاصولية المصرية؟ وما هي جذورها؟ د. أحمد شوقي عبدالفتاح القاهرة - مصر