تفاعلت أزمة الصومال أخيراً في اتجاه يُنذر بعودة هذا البلد الى ايام العنف والفوضى المسلحة التي حصدت مئات الآلاف من القتلى خلال سنوات الحرب الأهلية العشر الماضية في النزاع بين الفصائل القبلية على السلطة. إذ تداخلت المصالح المتناقضة لدول الجوار في الازمة مجدداً مسببة توتراً في كل منطقة القرن الافريقي المعنية بأزمة الصومال، واستؤنف تدفق شحنات الأسلحة اليه، وأعادت كل من دول المنطقة تحريك التنظيمات المسلحة المعارضة للأخرى، بما في ذلك "الاورومو" الاثيوبيون في الصومال والجماعات الاسلامية المعارضة لاثيوبيا والاريترية المعارضة لأسمرا. وإلى هذه التطورات برز دور خفي لإسرائيل عبر منظمات تعمل تحت غطاء الاغاثة او الاعمال الانسانية وترسل مئات من الصوماليات والصوماليين إلى الدولة العبرية لتلقي دورات تدريبية غير عسكرية تتعلق خصوصاً بالإدارة والتنظيم. وأكدت مصادر صومالية وأخرى ديبلوماسية افريقية معنية بالأزمة ان الفصائل المعارضة لحكومة الرئيس الصومالي الانتقالي عبدي قاسم صلاد حسن تسلمت أسلحة من اديس ابابا، وذلك عقب انتهاء مؤتمرها في 20 من الشهر الماضي، والذي عقد في منتجع اوسا الاثيوبي على مسافة 300 كلم جنوباديس ابابا. وشكل المؤتمرون "مجلس المصالحة" الصومالية برئاسة زعيم "التحالف الوطني الصومالي" حسين عيديد تمهيداً لتشكيل حكومة جديدة. وتضيف المصادر نفسها ان الرئيس صلاد حسن، المستاء من استضافة اثيوبيا معارضيه، أوعز الى جماعة "اعتصام" الصومالية الاتحاد الاسلامي سابقاً التي تنشط الى جانب "الاتحاد الإسلامي الاوغاديني" في المناطق الحدودية المتاخمة لاثيوبيا، باستئناف نشاطها المسلح بعدما كان تعهد لرئيس الوزراء الاثيوبي ملس زيناوي بالحد من هذا النشاط، وهو ما أكده كل من زيناوي وصلاد حسن ل"الحياة" في مقابلتين منفصلتين معهما مطلع السنة. وإلى جانب ذلك، بحسب المصادر ذاتها، تغاضت حكومة مقديشو الانتقالية عن تحرك "جبهة تحرير الاورومو" الاثيوبية المعارضة التي تنشط فى جنوب غربي الصومال قرب الحدود الاثيوبية، وكانت تتخذ من بلدة قريولي قرب مركة 90 كلم جنوب غربي مقديشو مقراً لها، وتؤكد أديس ابابا ان لديها ادلة على تورط اريتريا في تدريب عناصر هذه "الجبهة" ونقلها الى الصومال. وأكد مسؤولون في "مجلس المصالحة" المعارض لصلاد حسن ل"الحياة" انه "أوفد اخيراً كلاً من قائد الشرطة الجنرال محمد نور جلال إلى أوكرانيا لشراء أسلحة بالأموال التي تلقاها حديثاً كمساعدات من بعض الدول العربية، ووزير الثروة السمكية محمد قنيري افرح الى اريتريا للحصول على قوارب عسكرية سريعة". وفي كل هذه التطورات تنفي اثيوبيا واريتريا في شكل قاطع اي تدخل لهما في الصومال. لكن كان لافتاً زيارة الرئيس الجيبوتي اسماعيل عمر غيللي الى أسمرا في شباط فبراير الماضي وتصريحه منها :"طلبنا من الاثيوبيين سحب قواتهم" من الصومال. وهو اول اعلان رسمي من دولة مجاورة للصومال عن وجود قوات اثيوبية في هذا البلد. ومعروف ان غيللي رعى مؤتمر المصالحة الصومالية الذي عقد في منتجع عرتا الجيبوتي، وعين للمؤتمر برلماناً قبلياً انتخب صلاد حسن رئيساً انتقالياً في آب اغسطس وشكل لاحقاً حكومة برئاسة علي خليف قلايد الملقب ب"غلير" النسر. لكن الانتقاد الاشد صدر السبت الماضي من غلير نفسه الذي اتهم اثيوبيا علناً بالتدخل في الشؤون الصومالية وقال إن عمليات "خطف موظفي الاغاثة الأجانب في مقديشو في 27 من الشهر الماضي، والقتال في مدينة بلد حوا 400 كلم شمال شرقي مقديشو قرب تقاطع الحدود الاثيوبية - الكينية - الصومالية هي من بين الاعمال التكتيكية التي تنفذها اثيوبيا لزعزعة الحكومة الجديدة" في الصومال. ويشير مجمل هذه التطورات إلى احتمال اندلاع المعارك مجدداً في مقديشو لدى عودة قادة "مجلس المصالحة" الى العاصمة الصومالية في غضون ايام. إذ قد تتحمل مقديشو وجود فصائل عدة متنافسة، لكنها لا تتحمل وجود حكومتين تزعمان السيطرة على كل البلاد. وفي تطور لا يبدو انه جديد على الصوماليين، علمت "الحياة" ان منظمات انسانية دولية غير حكومية من بينها "كاسافو" الايطالية تعمل في اقاليم عدة من الصومال في مجال الاغاثة وتنظم رحلات دورية لمئات من الشبان الصوماليين والصوماليات الى اسرائيل. وأكد أحد الشبان الذين سافروا الى الدولة العبرية طالباً عدم ذكر اسمه، ان السيدة استرلين عبدي عروش المعروفة في مدينة مركا بأنها أول امرأة تنظم ميليشيا مسلحة تضم شباناً وفتيات، تنسق مع المنظمة الايطالية التي ترأسها إمرأة يهودية في تنظيم الرحلات الى اسرائيل. واضاف انه كان سعيداً في الدورة التدريبية المهنية والترفيهية التي استمرت ستة شهور في إحدى المخيمات الاسرائيلية، تلقى خلالها تدريبات في علم الادارة والكومبيوتر والمعلومات وأمور أخرى رفض ذكرها. وفاخر بانه ادى الصلاة مرتين في المسجد الاقصى. وسألت "الحياة" عدداً من الصوماليين المسؤولين في تنظميات مسلحة وآخرين مستقلين عن هذه الواقعة، فأكدوها وأجمعوا على ان غالبية العاملين في المنظمات الانسانية الدولية، بما في ذلك منظمات الاممالمتحدة: "هم من اليهود ويعملون في اقاليم عدة في البلاد... نعرف ذلك لأننا نتعامل معهم ونفهم من نشاطهم وأسئلتهم ان عملهم يتجاوز مهماتهم في تقديم الخدمات لأبناء المناطق التي يقيمون فيها مراكزهم... ولا نستطيع طردهم في غياب اي سلطات مركزية تقدم لنا المعونات".