روى تيري وايت في الحلقة السابقة من كتابه "عهد ثقة" كيف سافر الى بيروت وسط دعاية اعلامية كبيرة. وكان أبلغ قبل ذلك بيوم ان الكولونيل اوليفر نورث ومسؤولاً من وزارة الخارجية الاميركية توجها الى لندن وانهما سيلتقيانه في مطار هيثرو. وأبلغه نورث ثلاثة اسئلة ليطرحها على الخاطفين. وتحدث عن الاستقبال الفوضوي الذي لقيه في مطار بيروت، وتفاصيل الاتصال الهاتفي الذي تلقاه من مجهول يفترض انه من الخاطفين وحدد له فيه عيادة الدكتور مروة قرب الجامعة الاميركية مكاناً للقاء. وأثناء اللقاء طرح وايت على الاشخاص الذين حضروا الاسئلة الثلاثة التي حمّله اياها نورث. وكان جوابهم ان اميركا سيئة وان المطلوب هو "عودة اخوتنا من الكويت". عاد وايت الى لندن واجتمع مع مسؤولين اميركيين بينهم نورث وأطلعهم على التطورات. وتبلغ ان هناك فرصة جيدة لأن يزور الكويت. وتقرر ان يعود الى بيروت عن طريق باريس حيث طلب منه مسؤول فرنسي استقبله في المطار المساعدة في قضية الفرنسيين المحتجزين في لبنان. في كانون الثاني يناير 1987، وقبل وقت قصير من احتجازه سمع وايت اشاعة مفادها ان الاميركيين زودوه اثناء زيارته الثانية لبيروت جهازاً يسمح لهم بتحديد مكان وجوده. ونقل الرد الاميركي الى الخاطفين الذين ابدوا ارتياحهم وحضوه على مواصلة جهوده. ولدى عودته الى لندن تقرر ان يزور واشنطن للقاء الرئيس ريغان واطلاعه على اتصالاته مع الخاطفين والمطالب التي تقدموا بها. وتولى جورج بوش نائب ريغان آنذاك الاجتماع معه. وهنا الحلقة الخامسة: كنا في وقت متقدم من الليل. وكان حارسي يدور في المكان ويبدو قلقاً. قرع جرس الباب فغادر الغرفة. تجمدت. سمعت اصواتاً غير مألوفة. وبدا كأن بضعة اشخاص دخلوا الشقة. اقترب الحارس من فراشي، وسمعته يجمع امتعتي القليلة ويضعها في كيس: كوب بلاستيكي، فرشاة اسنان، معجون اسنان وقطعة صابون صغيرة... لا بد انهم في صدد نقلي وربما اطلاقي... ردد صوت غير مألوف اوامر مألوفة "لا كلام. افعل ما يقال لك تماماً. مفهوم؟" فك الحارس سلاسلي... أُجلست على كرسي خشبي. وسمعت صوت شريط لاصق يُفك. انهم بالتأكيد في صدد نقلي، فالشريط اللاصق جزء ضروري من عدة اي خاطف. كانت رهائن اطلقت وتحدثت اليها قبل احتجازي وصفت كيف حُوّلت الى مومياء تقريباً بواسطة الشريط اللاصق لدى نقلها. امسكت يدان برأسي. ولُفّ شريط لاصق حول فمي... شعرت بالعجز والخوف. ثم شدت العصابة حول عيني... وعندما وُضعت برقعة فوق انفي وفمي ادركت انهم يلبسونني زي امرأة. وضع ثوب على كتفي وربط من الخلف. كنت محاطاً بالحراس وكان الجو متوتراً. وبدا ان هناك مجموعة خاصة مكلفة نقل الرهائن، اذ كنت اسمع، في كل مرة أُنقل، اصواتاً غير مألوفة. امسكوني من ذراعيّ واقتادوني عبر الغرفة. دفعتني يد من ظهري فتقدمت. دُفعت مجدداً، هذه المرة الى داخل مصعد. ونزلنا. توقف المصعد. نزلنا بضع درجات وأُجلست في المقعد الخلفي لسيارة. انطلقنا. وبعد حوالي عشر دقائق توقفنا. وتم تغيير السائق. وتابعنا سيرنا. توقفنا مجدداً. وتهامس الرجلان الجالسان في المقعد الأمامي. انتظرنا حوالي عشرين دقيقة قبل ان ننطلق مجدداً. كنت اسمع اصوات انفجارات القذائف ورشقات الاسلحة الخفيفة على مقربة منا. توقفت السيارة وهمس صوت في اذني "اخرج". امسكوني من ذراعي. وسرنا سريعاً الى ان وصلنا الى باب مبنى حيث دفعوني الى الامام "اصعد". وبمساعدة حراسي تلمست طريقي صاعداً درجات سلم... اخيراً توقفنا وسرنا في رواق. ادير مفتاح في قفل ودفعت عبر باب آخر. نزع الغطاء عن رأسي والشريط اللاصق عن فمي والثوب من على كتفي. "اجلس". اقفل الباب. رفعت العصابة عن عيني. ومرة جديدة كنت وحدي. جلست هادئاً لبعض الوقت. من الواضح انني في مبنى آخر مؤلف من شقق وفي مكان قريب جداً من السطح. وكان يمكنني حيث كنت اجلس ان ارى الغرفة. كانت مجهزة بشبابيك خشبية في السابق، وقد انتزعت وغطيت الفجوة التي خلفتها بصفائح حديد. وانتزع مقبض الباب من الداخل. لم تكن هناك حلقات لربط السلاسل بها. ولم اكن مكبلاً. وكنت بالتالي استطيع المشي لاعيد بعض القوة الى جسمي الواهن بعد فترات طويلة من الاستلقاء. تفحصت الجدران بعناية بحثاً عن اشارة الى نزيل سابق. كانت الغرفة شديدة الرطوبة وباردة في صورة غريبة. اقتربت من الباب لأنظر من ثقب المفتاح. ولم يكن مسدوداً، وكنت استطيع ان ارى ان ثمة غرفة مقابلة. كان بابها مغلقاً، ولكن كان هناك نور يلمع تحته. هل ثمة رهائن اخرى في المبنى؟ رياضة والتهاب تلوت صلاتي وبدأت التمارين: طي الركبتين، لمس اصابع القدمين، الجلوس منتصب القامة، تمرين ضغط. قليل من كل منها كبداية. غداً في الأيام التالية سأزيد العدد قليلاً الى ان استعيد نشاط عضلاتي. بعد التمارين بدأت بالمشي. واليوم قررت ان امشي من دون ان احصي عدد خطواتي لأستطيع ان افكر. بدأت اقلق على جفوني. انها متورمة الى درجة لا استطيع معها الرؤية الا بصعوبة. لا بد انه التهاب ما. وبالطبع لا يلاحظه الحراس. اذ انه في كل مرة كانوا يدخلون الغرفة كان علي ان اضع العصابة على عيني. قرع الباب. "من فضلك احتاج الى دواء". "لماذا؟" "عيناي ليستا على ما يرام". "اغمض عينيك". اغمضت عيني ورفع الحارس العصابة قليلاً. سمعت شهيقاً وهو يعبر عن دهشته. "ليست جيدة". "لا انهما تؤلمان جداً". "سأتكلم مع الرئيس". اعاد وضع العصابة على عيني وغادر الغرفة. وقفت وبدأت امشي مجدداً. يجب ان احافظ على لياقتي. مع انبلاج الفجر كانت الصلوات تتلى من المسجد. لم اكن متأكداً هل كانت مسجلة على شريط ام لا. كانت الصلوات تساعدني على متابعة الوقت، الساعات والأيام على السواء. فمساء كل خميس كانت تلقى خطبة. وخلال صلاة الجمعة في الصباح كانت تلقى خطبة طويلة تتردد كلماتها عبر المنطقة التي كنت محتجزاً فيها. اتمنى لو كنت افهم العربية. طلبت كتباً. فعلت ذلك يومياً، لكن شيئاً لم يأتِ. طلبت كتاباً يساعدني على تعلم العربية... قرع الباب. وضعت العصابة على عيني وجلست. "صباح الخير سيد وايت، كيف حالك؟" كان الرجل صاحب النبرة. "لست في حال جيدة. هذا المكان ليس جيداً. والحمام ليس جيداً. وليست لدي منشفة او صابون. ليست لدي كتب. وعيناني ليستا على ما يرام". "اغمض عينيك". ورفع العصابة عنهما وقال: "ما هذا؟" "لا اعرف. لكنني اعتقد انه التهاب. احتاج الى دواء. وأحتاج الى الاغتسال كما يجب". "ما الدواء الذي تحتاج اليه؟" طلبت مضادات حيوية ومرهماً للالتهاب الجلدي وقطرة للعين. "دوّنها من فضلك". اعطاني قلماً وورقة فدونت لائحة بالادوية التي اعتقد بأنها يمكن ان تساعدني. "من فضلك، هل يمكنك جلب بعض الكتب؟ ليس لدي شيء اقرأه". "لاحقاً". "احتاج الى بطانية اخرى". "لاحقاً"... في وقت متأخر بعد الظهر وصل الدواء. ابتلعت احدى الحبوب ووضعت مرهماً على وجهي. لقد طالت لحيتي. وبدا من الجزء الذي كنت استطيع رؤيته منها انها اصبحت بيضاء. اذكر فيلماً شاهدته قبل اعوام يصور سجيناً عثر عليه بعدما امضى سنوات عدة محتجزاً في الانفراد. كان فقد قدرته على النطق وعقله. كنت افكر فيه دائماً وأنا انظر الى لحيتي وأتحسس مدى طول شعر رأسي. سلاسل الرئيس كنت استيقظ باكراً كل صباح. وأول ما افعله هو الصلاة. ولم اكن اضمّن صلاتي التماسات خاصة او اقدّم طلبات. وبعد ذلك كنت اتمرن. ان الروتين يسبب لي ضجراً. لكنني كنت اقوم بذلك مرتين يومياً لعلمي ان من الضروري المحافظة على اكبر قدر ممكن من لياقتي الجسدية. كان الفطور يصل في اوقات مختلفة من الصباح. وأحياناً لم يصل، لكن هذا كان نادراً. كان الطعام بسيطاً ولا يثير الشهية: خبز ولبنة وأحياناً حبات زيتون قليلة. طُرق الباب. بقيت جالساً في الزاوية واضعاً العصابة على عيني. دخل بضعة اشخاص الغرفة وجالوا فيها. تجاهلوني كلياً. وبقيت هادئاً محاولاً ان احدد عدد الاصوات التي اميزها وما يحدث. انتابني رعب كبير. ادار شخص مثقاباً كهربائياً. ماذا يفعلون؟ لقد احدثوا حفرتين او ثلاثاً في ارض الغرفة، ثم سمعت صوت مطرقة. وأخيراً ساد الهدوء وجُمعت الادوات وغادرت المجموعة الغرفة. نزعت العصابة عن عيني بسرعة ونظرت حولي. يا الهي! قرب الحائط حيث فراشي كانوا ادخلوا حلقات في ارض الغرفة. هذا يعني انهم ينوون تكبيلي. وهذا يعني بالتالي نهاية الحرية الجسدية المحدودة والترويح عن النفس اللذين كنت اتمتع بهما. وقفت وبدأت امشي. ربما كانت هذه المرة الاخيرة التي امشي فيها لمدة طويلة. قطعت ميلاً، ثلاثة سبعة وأنا ادور وأدور في الغرفة في نوع من اليأس. تقرحت قدماي. لا يهم، واصلت المشي. كنت قطعت 5،14 ميل عندما قرع الباب. جلست. وُضع وعاء على الارض وأُغلق الباب. رز وفاصوليا. انني جاهز للغداء. بدأ الدواء يعطي مفعوله، وخف الورم في وجهي. كذلك، لدي الآن منشفة صغيرة وقطعة صابون، ولفرحتي فرشاة ومعجون اسنان. مشيت دائراً في الغرفة تاركاً فكري يسرح على غير هدى ومحاولاً الاستفادة اكبر قدر ممكن من حريتي المحدودة ما دامت متوافرة. فجأة شعرت بألم يجتاح جسمي عندما اصطدم الاصبع الصغير في قدمي باحدى الحلقات الموضوعة في ارض الغرفة. كان الالم من الحدة حتى انني خشيت ان يكون اصبعي انكسر. وستمضي فترة قبل ان استطيع المشي مجدداً 14 ميلاً. جلست على فراشي منتظراً الفطور. دخل الحارس. وكنت اتوقع الحصول على طعامي. وعوض ذلك سمعت قرقعة سلاسل. امسك بقدمي ووضع السلسل حولها. "لا. ليس عليك ان تفعل ذلك". لم يجب. وبدا لي انه ليس سعيداً بما يفعل. "لماذا تكبلني؟ انا لا استطيع الذهاب الى اي مكان". واصل ربط السلاسل الى حلقة في ارض الغرفة: "الرئيس يقول انه يجب تكبيلك". "اريد ان اتكلم مع الرئيس". "سأقول له". غادر الحارس الغرفة. كانت سلسلة غليظة تربط ساقي الى الحلقة. ولم يكن طولها سوى اقدام قليلة. ولم يكن ثمة امكان للمشي. ادركت انني سأفتقد المشي الى درجة شعرت معها برغبة في البكاء لهذا الظلم. أيام بلا نهاية تبدو الأيام بلا نهاية. والآن بعدما كُبّلت بالسلاسل، لم يعد هناك بالطبع مجال لأن اقوم بتمارين كثيرة. في اي حال، وضعت برنامجاً من شأنه ان يقوي معظم عضلاتي. وبدأت بالتطبيق كل صباح ومساء مقدراً ان البرنامج يستغرق نحو ساعة كل مرة. وبالنسبة الى بقية اليوم، فقد كنت امضي وقتي في التفكير وأحاول ان ابقي ذاكرتي نشطة عن طريق القيام بالحساب الذهني والتفكيري في حياتي. قلت لحارسي: "ارجوك، ليس لدي شيء اقرأه. ان الأيام طويلة جداً من دون كتاب". "سأسأل الرئيس". غادر الغرفة وأصبحت وحدي مجدداً. كان مفعول الدواء رائعاً. ويبدو انني شفيت تماماً. كان الحائط الذي اجلس قربه حائطاً خارجياً. كان ضجيج القتال يستمر من دون توقف. ونهضت ذات ليلة لاجد ان الغرفة كانت تهتز. اعتقدت اول الامر بأن المبنى اصيب بقذيفة وتراءى لي ان السقف ينهار بينما انا مقيد الى ارض الغرفة لا استطيع التحرك. ولكن بما ان القصف كان متوقفاً، استنتجت ان الامر كان هزة ارضية خفيفة. "ما وراء الفرات" طُرق الباب. وسمعت حارسي يقول: "عندي شيء لك". "شكراً". "ستكون سعيداً". "حسناً". ووضع الحارس كتاباً في يدي الممدودة. "شكراً جزيلاً". غادر المكان. وانتزعت العصابة عن عيني بلهفة. اخيراً كتاب. انه "ما وراء الفرات" للكاتبة فريا ستارك. لم اقرأه في السابق لكنني اعرف اعمالاً اخرى لهذه الرحالة الرائعة. كنت سعيداً للحصول عليه. اولاً، وضعته قرب وجهي لاشم رائحة كتاب جديد. ثم نظرت لأعرف عدد صفحاته ولأعد الكلمات في كل صفحة كي استطيع ان اعرف بالضبط كم من الوقت سيلزمني لقراءة الكتاب. قلت لنفسي ان علي ان اقرأ بتمهل، لكنني اعلم انني لست قادراً على مثل هذا الانضباط. بدأ الطقس يصبح حاراً على نحو لا يطاق. كانت فترات الصباح مقبولة، ولكن في فترة الظهر كانت اشعة الشمس تضرب مباشرة الحائط الذي كنت اجلس قربه. وبما انه لم تكن هناك تهوئة في الغرفة، سرعان ما كان الهواء يصبح فاسداً. وعندما كان الحارس يفتح الباب لجلب الطعام، كان تيار من الهواء البارد يتدفق ويوفر انتعاشاً لدقائق قليلة. تصعب معرفة ما يجب عمله. كنت اشعر بالتعب والكسل. وعندما كنت استلقي سرعان ما كنت اغرق في العرق المتصبب من جسمي. ولم اكن استطيع الانتقال الى الجانب الآخر من الغرفة لأنني مكبل. استمر هذا العذاب البطيء اسابيع عدة. وعلى رغم انني كنت اشكو دائماً من قلة الهواء، الا ان شيئاً لم يحدث. كنت امارس تماريني قدر المستطاع في الصباح الباكر عندما يكون الجو بارداً نسبياً. ومع انه ضروري، الا ان التمرين يشكل عبئاً. ولكن على رغم ذلك تابعته من دون توقف. وكنت اشعر بالذنب اذا اغفلت يوماً. فتح الباب فجأة. "نم". استلقيت والعصابة مشدودة بقوة حول عيني. دخل بضعة اشخاص الغرفة وكانوا يتحدثون بأصوات خافتة. اوقع احدهم شيئاً على ارض الغرفة. "واجه الحائط". استدرت لمواجهة الحائط. وفيما كنت مستلقياً اتساءل عما سيحدث سمعت صوت طرق في الخارج. كان احد افراد المجموعة يضرب بمطرقة الحائط القريب مني والذي كنت افترض انه يواجه شرفة صغيرة. استمر الضرب بالمطرقة نحو ساعة. جُرّ شيء ثقيل الى داخل الغرفة. مزيد من الطرق. وأخيراً انتهى العمل وغادر الفريق الغرفة. وعندما رفعت العصابة عن عيني اكتشفت ان مروحة كبيرة ثبتت في الحائط... اخيراً بعض التهوئة. زحفت الى اقرب نقطة منها لاستطيع ان انظر من خلال الفتحة التي ثبتت فيها. كانوا رفعوا نوعاً من ستار على الشرفة. لئلا استطيع ان ارى ما في الخارج. وبالطبع لا يستطيع احد رؤيتي. واذا جاهدت كنت استطيع القاء نظرة خاطفة على رقعة من السماء الزرقاء. كنت احدق فيها متذكراً الأيام التي كنت فيها حراً، في النظر الى السماء والوقوف قرب البحر والاستلقاء على العشب والسير في الغابات. انها ايام من الماضي استعيدها فقط في ذاكرتي. انسحبت عائداً نحو فراشي. الآن بعد تشغيل المروحة تحسن الجو في الغرفة، مع انه في معظم الاوقات صار على نحو لا يحتمل. بدأت اعتقد بأن محتجزيّ ربما اطلقوني قريباً. وقبل احتجازي، سمعت ان الحكومة الاميركية تنوي اجراء تحقيق علني في قضية الاسلحة لايران في مقابل الرهائن. ولا اعتقد بأنني سأطلق قبل نشر التقرير، ولكن بعد ذلك قد تكون حظوظي جيدة. اليوم وصل كتاب آخر. انه كتاب جامعي يعالج تاريخ العبودية في الولاياتالمتحدة. كان علي ان اعيد كتاب "ما وراء الفرات" الذي قرأته مرات عدة. تخليت عنه متردداً، ولكن ربما ذهب الى السجين المقيم في الغرفة المقابلة. واذا كان الامر كذلك، فأنا سعيد، كنت اجلس مكبّل القدمين اقرأ عن رجال ونساء وأطفال، عن اجيال بأكملها أمضت عمرها مكبلة بالاغلال. جاء الحارس وجلس معي على الارض. كان في مزاج جيد: "هل تستطيع الغناء؟" "الغناء؟" "نعم". انه سؤال غريب. لم أغنِ منذ اشهر. وفي الواقع، أُمرت دائماً بأن اتكلم همساً. "غنِ لي". اخذني طلبه على حين غرة. ربما كان معجباً بالغناء الأوروبي. اتساءل ما الذي يمكن ان احاول غناءه. جاءتني فكرة. اولاً انشدت له "الله يحفظ الملكة" واتبعته بأبيات من النشيد. واذا استطاع السجين الآخر ان يسمعني من خلال بابه المغلق، فربما تلقى الرسالة بأن رجل كنيسة بريطانياً يحتجز في الزنزانة الاخرى. انه امر مستبعد لأن المروحة الكهربائية تحدث ضجيجاً كبيراً. وافترضت ان هناك مروحة في غرفته ايضاً. ... وبعوض يحب الاوروبيين "جيد جداً" وغادر الحارس الغرفة وأقفل الباب. وافترضت انه ارادني ان اغني لأنه كان ضجراً. اخذت الكتاب وبدأت اقرأ عن اماكن اعرفها في غانا ونيجيريا. ثم انطفأ الضوء. اصبح انقطاع التيار الكهربائي امراً مألوفاً هذه الأيام. وأحياناً اقضي في الظلمة ساعات عدة. وبالطبع، تتوقف المروحة وترتفع الحرارة. انه امر مثير للقنوط ان اجلس على ارض الغرفة وأنا اعلم ان الجو صاف ومشرق في الخارج وانني محروم من نور الشمس. ان النور المتسرب من الفتحة التي وضعت فيها المروحة غير كاف بسبب الساتر الذي وضع على الشرفة. حتى انني لم اعد استطيع رؤية الرقعة الصغيرة من السماء الزرقاء. افتقد ذلك بشدة. هذه الشقة قديمة ووسخة. الليلة الماضية استيقظت فجأة عندما مشى صرصور كبير على وجهي. وفي مرة سابقة كانت الصراصير تقرص قدمي اثناء نومي. وثمة ازعاج مستمر يتمثل في البعوض. كنت اقضي ساعات احاول التقاطها، لكنها كانت تحط دائماً على الجدار المقابل ولم تكن اغلالي تسمح لي بحرية الحركة. واذا كان هناك ضوء، كنت استطيع ان الوّح بغطاء سريري في اتجاهها آملاً ان تطير الى حيث يمكنني ضربها. ولكن اذا كان المكان مظلماً فلا امل. كان جسمي مكسواً بلسعات البعوض. وقد التهب بعضها. ضحك الحارس عندما ابلغته بالامر. وأجاب بمرح ان البعوض يحب الاوروبيين. فقلت له ان العكس ليس صحيحاً. انفجارات... وتقرير أميركي عاد التيار الكهربائي وفتح باب الغرفة "سيد وايت". "نعم" "انا طالب". "ماذا تدرس؟" "انني اعد دراسة عن الكنيسة الانغليكانية. وأود ان اطرح عليك اسئلة كثيرة". كانت انكليزية سائلي جيدة. وبدا شاباً. "ما هي طريقة تنظيم الكنيسة الانغليكانية؟" بدأت اجيبه ببعض التفصيل. اصغى بانتباه. لا تزعجني الاجابة عن اسئلته. وفي الواقع كنت استمتع بالتحدث اليه. انه اول شخص اتحدث اليه عن اي موضوع منذ اسابيع. شرحت دور رئيس اساقفة كانتربري ومؤتمر لامبث والمجلس الاستشاري الانغليكاني ومجمع كنائس انكلترا. كان يصغي بانتباه ويدوّن ملاحظات. اتساءل لماذا يريد هذه المعلومات وهل كان طالباً فعلاً. لكن هذا لا يهم. بعد نحو ثلاث ساعات اختتم الاجتماع وخرج مع وعد بالعودة ذات يوم. استلقيت وأنا لا أزال افكر في الكنيسة التي اعرفها جيداً جداً. فجأة دوى انفجار هائل، تبعه ثان، ثم ثالث. اهتز المبنى. وتساقطت علي قطع صغيرة من الاسمنت من السقف. اندفع الحارس الى الغرفة: "لا تخف". خرج مجدداً. تردد دوي انفجار ضخم آخر عبر الشوارع. بدا ان قنابل تنفجر في الشارع تحتنا. هذا ما في الامر. وبالتأكيد لم يكن قصفاً. عاد الحارس وتأكد هل كانت سلاسلي مربوطة وغادر الغرفة مجدداً. لم يرد عندما سألته عن الانفجارات. الآن كل شيء هادئ. عدت الى فراشي وحاولت ان أنام. سمعت طرقاً خفيفاً على الباب الخارجي وشخصاً يتحدث بصوت خافت، ثم ادخل المفتاح في القفل فأسرعت الى وضع العصابة على عيني. القى شخص التحية. لم اتعرف الى الصوت. وكانت انكليزيته ممتازة. "لدينا شيء هنا مثير للاهتمام بالنسبة اليك والينا". قلّب صفحات. "ما هذا؟" "تقرير، سيد وايت. واسمك وارد فيه". "هل أستطيع رؤيته؟" لم يجب واستمر يقلّب الصفحات. "انه تقرير اميركي، سيد وايت. انه يتحدث عما كان الاميركيون يفعلون". فكّرت في انه يحاول اخافتي. "تهمني قراءته". ومجدداً لم يجب فوراً. "ما لديك لتقول، سيد وايت؟" "لا شيء سوى انني اود ان اقرأ ما كتب فيه". "هل انت متأكد ان لا شيء لديك تقوله؟" اغلق الكتاب بحدة وغادر الغرفة. وعُدت انا الى ضجري. هناك نشاط كبير اليوم. وصل بضعة اشخاص، وهم ينقلون اشياء في الرواق. لم يحضر الحارس فطوري بعد، مع ان الوقت كان متأخراً في الصباح استناداً الى الصلوات التي تتلى من المسجد. اتساءل هل لهذا النشاط علاقة بانفجارات الليلة السابقة. لقد كان هناك قدر كبير من الضجيج طوال الليل، لكنه لا يقارن بما حدث قبل ذلك. الصندوق العثماني والثلاجة فتح الباب ودخل بضعة اشخاص. وشعرت بتوترهم مع انني كنت معصوب العينين. ُفكت سلاسلي. "قف". أُخذت من ذراعي. "امش". سرنا عبر الغرفة واتجهنا الى اليسار في الرواق، ثم يساراً الى حيث افترضت انه المطبخ. "نم". أمسكوني من ذراعي بقوة وأجبروني على التمدد في نوع من الصندوق. اتصور انه ما كانت امي تسميه "العثماني". وهو مقعد ذو غطاء متحرك تحته فراغ يستخدم لخزن البطانيات. تمددت في الصندوق بأفضل طريقة ممكنة. كنت اضخم من ان استطيع التمدد على جنبي. وعندما كنت اتمدد على ظهري كانت ركبتاتي تبرزان فوق مستوى الغطاء. حاول احدهم اغلاقه، ولكن من دون جدوى. وحصل حديث تميز بالعصبية. وجرت محاولات اخرى لاغلاق الغطاء وهذه المرة بالجلوس فوقه. ثم فتح بعنف. "قف". خرجت من الصندوق. وأُعدت الى غرفتي. "هل انتم في صدد نقلي؟" "لا كلام". اغلق الباب. وتسارعت افكاري. وعاد اليّ القلق المألوف... وكنت اشعر بنبضات قلبي تتسارع. فتح الباب مجدداً. ومرة اخرى اقتادوني من الغرفة الى المطبخ. "ادخل". دفعت الى داخل ما رجحت انه ثلاجة. كانت كل الرفوف انتزعت. دفعوني الى داخلها وأغلقوا بابها بجهد. قبل وقت قصير كانت هذه الثلاجة لا تزال تعمل، اذ ان جوانبها لا تزال باردة. فتح الباب وسحبت الى الخارج. وسمعت الصوت البغيض الذي يحدثه الشريط اللاصق وهو يفك. بالتأكيد سيرافقني هذا الصوت بقية حياتي. رُبطت يداي. "هل ستنقلونني في الثلاجة؟" "لا كلام". "لا هواء في الثلاجة. هذا خطر جداً. قد لا اكون قادراً على التنفس". "لا مشكلة. لن يكون الامر طويلاً". لُفّ الشريط اللاصق حول عصابة عيني وفوق فمي. وربطت رجلاي معاً عند الكاحلين. ودُفعت الى داخل الثلاجة وأُغلق الباب. فجأة انقلبت على ظهري فيما كانوا يستعدون لاخراجي من الغرفة. يجب ان افك يدي. واذا فعلت ربما استطعت ان افتح الباب. ارتطمت بجوانب الثلاجة فيما كانوا يحاولون اخراجها من الشقة. جاهدت وجاهدت بيدي وفجأة اصبحتا طليقتين. سمعت باب المصعد يفتح. اننا في الردهة ننتظر النزول. كان هناك آخرون قرب المصعد. كنت استطيع سماع امرأتين تتحدثان وطفل ايضاً. ربما كانوا من مجموعتنا او ربما غرباء كلياً. انها مغامرة كبيرة ان اطرق على جدار الثلاجة: سيطلق محتجزي النار اولاً ثم يفكرون لاحقاً. مالت الثلاجة مجدداً وهذه المرة الى الأمام. وأُخذت على حين غرة وارتطم رأسي بجدارها. الآن نحن في المصعد. والآن نتوقف. والآن أُنزلت بضع درجات. الحرارة شديدة هنا. وأنا مبلل بالمياه من الثلاجة وبعرقي. الآن رُفعت. اجاهد للتنفس. هذا جنون، جنون مطبق. مرت في فكري قصص اطفال علقوا في ثلاجات قديمة وقضوا اختناقاً. أدير محرك. اذن، يجب ان اكون في شاحنة. حركت جسمي قدر المستطاع. وضغطت باصبعين بقوة على المطاط حول باب الثلاجة. دخلت دفعة من الهواء البارد انعشتني فوراً. حاولت بكل قوتي ان افتح الباب، ولكن من دون جدوى. وكل ما يمكنني ان افعل هو الاستمرار في الضغط على اطار الباب لابقى على قيد الحياة. توقفنا وسمعت اصواتاً. أهو حاجز تفتيش؟ انطلقنا مجدداً ثم توقفنا. وأطفئ المحرك. اعدت العصابة الى فوق عيني وأدخلت يدي في الشريط اللاصق. فتح الباب ولفحني الهواء كرشاش ماء بارد. سحبتني ايد عدة خارج الثلاجة. لم اكن استطيع الوقوف الا بصعوبة. ومن تحت عصابة عيني كنت استطيع رؤية الصندوق "العثماني". هل احضروا رفيقي المجهول فيه؟ تحت الارض انزلوني من الشاحنة الى ما اعتقد انه منصة صغيرة واقتادوني عبر فسحة. انه على الارجح موقف للسيارات تحت الأرض. يمكنني ان اشم رائحة البنزين. اجتزنا عدداً من البوابات. "اجلس". نظرت الى اسفل فرأيت فراشاً من الاسفنج على الارض. جلست وسط حراسة ملائمة. غادر الحارس المكان. وسمعته يقفل باباً. رفعت العصابة عن عيني نهائياً ونظرت حولي. انا في غرفة تحت الأرض. والارجح انها مخزن في موقف للسيارات. هناك جدران فصل معدنية على جانبي. وثمة نور خفيف في الخارج يلقي ضوءاً خافتاً على المكان الذي انا فيه. ربما كان السجين المجهول في المهجع المجاور. لم اكن استطيع الوصول الى الجدار الفاصل لأطرق عليه، كما ان الصياح سيكون ضرباً من الجنون. كانت ثيابي مبللة وكنت ارتجف. تساءلت كم من الوقت سأبقى في هذا المكان البائس وماذا سيحمل الغد. فتح الباب الحديد. وسمعت وقع اقدام: "خذ". مددت يدي وتلقيت سندويشاً وعلبة تحتوي شيئاً ما. وعندما رفعت العصابة عن عيني اكتشفت انه مرطب. وعاد الحارس: "لا كلام. ابق هادئاً. مفهوم؟" فك قيودي واقتادني عبر الباب الحديد. ومن تحت عصابة عيني رأيت اننا نعبر منطقة مرصوفة. وفجأة توقفنا. ودفعت الى الامام وسمعت باباً يغلق ورائي. كانت ثمة رائحة قوية تنبئني بأنني في مرحاض. وعندما رفعت العصابة عن عيني تبين لي ان المكان وسخ جداً. والارجح انه مرحاض عام في موقف للسيارات. استخدمته. وعندما قرع الباب شددت عصابة عيني. وأُعدت بسرعة الى زنزانتي وأُقفل الباب ورائي. "نم. لا كلام". نقلة أخرى ولم أكد أستلقي حتى هاجمني البعوض. وغرقت في نوم خفيف الى ان اعادتني ضجة مفاجئة الى عالم اليقظة. رفعت العصابة عن عيني، لكن الظلام كان شديداً الى حد شعرت معه بأنني استطيع ان المس سواده. كان هناك شخص يتحرك، ربما كانوا ينقلون رفيقي المجهول. سمعت وقع خطوات في الظلام وهمساً وباباً يغلق بهدوء. ثم صمت. وغرقت مجدداً في النوم. عندما استيقظت كان الوقت صباحاً. وكان نور خافت يتسرب الى الغرفة. انه يوم طويل ومزعج آخر اتقاسمه مع البعوض والعناكب والذباب والصراصير. ثم جاء المساء. "لا كلام". فكّت اغلالي. "قف". وقفت... وضع محتجزي غير المرئيين ثوباً حول كتفي. انهم يلبسونني لنقلة اخرى. اشكر الله انني لن امضي ليلة اخرى في هذا الجحيم. وضع غطاء على رأسي. ومرة اخرى كنت أُلبس ثياب امرأة. غادرنا المكان. اصعدت الى صندوق شاحنة صغيرة مقفلة. جلست على اكياس وأُلقيت بطانية فوقي. اغلق البابان وأنطلقنا. كان احد الحراس يتحدث بواسطة جهاز لاسلكي. واتبعنا الاساليب نفسها: توقف، انتظار، انطلاق، توقف، انتظار، تغيير سائق... "لا كلام، نم". حاولت جاهداً الاستلقاء على الاكياس، لكنها غير مريحة ابداً. كان هواء الليل بارداً وكنت ارتجف. القى حارس بطانية اخرى فوقي. انتظرنا وقتاً طويلاً... كان الحراس يتهامسون وأحياناً كنت اسمع صوت سيارة عابرة. عادت الحياة الى جهاز اللاسلكي. تحرك محتجزيّ ونزعوا البطانيات عني. "قف". نفضوا ثيابي. "اغمض عينيك". فكوا العصابة عن عيني. "تحرك بهدوء". نزلت من الشاحنة ومشيت. ومن خلال عيني نصف المغمضتين رأيت مجموعة صغيرة تقترب منا. رجل وامرأة... وطفلة صغيرة تمسك بيد الرجل. رحّب بي هذا. وحمل الطفلة لتظهر كأنها ترحب بي بدورها وذلك لتضليل اي شخص قد يكون يراقب ما يجري. كانت الطفلة تعلم تماماً ان ليست لها خالة بهذا الحجم، وصرخت خائفة وسط الليل. استدارت المجموعة المرحبة ودخلت بناية مؤلفة من شقق. دفعتني ايد من الوراء فتبعتها. وفي المدخل دفعت الى مصعد صغير ودخل معي مرافقان. وصعدنا بصمت. ادخلت الى شقة اخرى. اقتادوني الى غرفة وأمروني بالاستلقاء على اريكة والنوم وعدم رفع العصابة عن عيني. لكنني كنت استطيع الرؤية من تحتها. كانت الغرفة كاملة التأثيث. ربطوا قدمي بسلسلة الى جهاز التدفئة. 146 لسعة ذلك الصباح سمعت رجلاً وامرأة يتحادثان في الرواق. احضر شخص لم اسمع صوته من قبل فطوري على طبق بلاستيكي. تكلم بلطف واعتذر لكوني مكبلاً. بعدما انتهيت من فطوري، عاد الرجل ونقلني الى غرفة خالية من اي اثاث. جلست على الارض... وللمرة الاولى خلال اشهر كان النور الطبيعي يضيء الغرفة. لم تكن هناك سواتر على النافذة. انه امر رائع ان يدخل نور الشمس الغرفة وان اشعر بالنسيم الآتي من نافذة نصف مفتوحة. ما زالت قدماي تؤلمانني. بدأت أعدّ لسعات البعوض في قدمي اليسرى وتوقفت بعدما وصلت الى الرقم 146. عند الظهر عاد الرجل وأغلق النافذة وأدار جهاز تكييف. هذا ترف حقيقي. طلبت مرهماً لقدمي فوعد باحضاره. كذلك طلبت كتباً فقال انه سيحاول ايجاد بعضها. وأكثر من ذلك ابلغني انه يعتقد بأنني سأطلق قريباً. "متى ؟" "لا اعرف. لن يكون ذلك بعيداً". "اسبوع، شهر؟" "ربما اسابيع قليلة". هل يمكن ان يكون ذلك حقيقة؟ لا اعرف ما يحدث لأنني منقطع كلياً عن اخبار العالم الخارجي. طرق شخص الباب. وضعت العصابة. دخل بضعة اشخاص وتحدثوا في ما بينهم بأصوات خافتة. احضرت ادوات الى الغرفة وبدأ العمل. غرق قلبي عندما سمعت صوت مثقاب كهربائي يستخدم على اطار النافذة. فبعد يوم قصير من النور الطبيعي اعود الى الظلمة. انتهى العمل وأُخليت الغرفة. انا لوحدي مجدداً... لقد ثبتوا صفائح معدنية على النافذة. فلم يعد النور يدخل. كان المصباح الكهربائي مضاء، لكن ذلك سيكون متقطعاً كالعادة. "هل انتم في حاجة الى ابقائي مكبلاً؟" عاد صاحب الشقة وأخذ مفتاحاً وفك قيودي. "شكراً". "جلبت لك بعض الطعام". كان هذا افضل طعام احصل عليه طوال مدة احتجازي: قليل من الخضر الطازجة، فاكهة، لحم وبطاطا. اكلت بتمهل. عاد صاحب الشقة: "هل تريد مشاهدة التلفزيون؟" اجبت موافقاً. احضر جهاز تلفزيون على عربة وجلس ورائي حاملاً جهاز تحكم. "حسناً، ارفع العصابة عن عينيك، ولكن لا تدر رأسك". ولمفاجأتي كان البرنامج الذي يُبث احد عروض "بني هيل شو" مترجماً الى العربية. لا استطيع ان اتصور كيف يمكن اي مشاهد لا يتحدث الانكليزية ان يفهم الفكاهة اللفظية لبني هيل. اخيراً انتهى العرض واعلنت نشرة الاخبار. اطفئ جهاز التلفزيون فوراً. "هل يمكنني مشاهدة الاخبار؟" "كلا. الرئيس يقول لا اخبار". اخرجت العربة التي تحمل التلفزيون من الغرفة. أخبار جيدة قرع جرس الباب الخارجي وسمعت بضعة اشخاص يدخلون الشقة. تحادثوا لبرهة في الرواق ثم دخلوا غرفتي. ابدى احدهم دهشته لدى رؤيته السلاسل مفكوكة. وبينما هم يتحادثون اعيدت السلاسل لتكبّل قدمي. "هذا غير ضروري". "الرئيس يقول انه يجب تكبيلك بالسلاسل". "ماذا لديك من اخبار؟" "جيدة". "ماذا تعني بجيدة؟" "اخبار جيدة بالنسبة اليك. قريباً ستعود الى بلدك". "هل هذا صحيح؟" "ان شاء الله. هناك اخبار جيدة عنك في الصحف". "ماذا تقول؟" "تقول انك قد تحصل على جائزة نوبل". "انا؟ لا اصدق ذلك". "انظر". وضع صحيفة امامي. نظرت من تحت عصابتي فرأيت صورة لي مع آخرين. وبما ان الكتابة كانت بالعربية، لم استطع قراءتها. سألت "ماذا تقول؟" "اسمك مطروح لجائزة نوبل. هذا جيد جداً". غادر الاشخاص الغرفة. هل هم صادقون؟ ولماذا يكذبون في شأن امر كهذا؟ لا اعتقد بأنني سأُمنح الجائزة ولو كان اسمي مطروحاً. في اي حال، قد يفسر هذا النبأ سبب الظروف الافضل التي أتمتع بها حالياً، مع ان حياتي لا تزال مقيدة الى حد ما.